حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
كلمات الامام الباقرعليه السلام المضيئة
لقد فاضت بكلماته المضيئة كتب المعارف، أَوَلَمْ يكن باقر العلم في أهل بيت الرسالة؟ ولكننا نقتبس منها قبسات لعل الله يُنَوِّر بها قلوبنا ويُبَصِّرنا حقائق أنفسنا ويهدينا إلى الصراط القويم.
تعال نستمع معاً إلى وصيته الرشيدة التي ألقاها إلى جابر بن يزيد الجعفي:
«أُوصِيكَ بِخَمْسٍ: إِنْ ظُلِمْتَ فَلَا تَظْلِمْ، وَإِنْ خَانُوكَ فَلَا تَخُنْ، وَإِنْ كُذِّبْتَ فَلَا تَغْضَبْ، وَإِنْ مُدِحْتَ فَلَا تَفْرَحْ، وَإِنْ ذُمِمْتَ فَلَا تَجْزَعْ، وَفَكِّرْ فِيمَا قِيلَ فِيكَ فَإِنْ عَرَفْتَ مِنْ نَفْسِكَ مَا قِيلَ فِيكَ فَسُقُوطُكَ مِنْ عَيْنِ اللهِ جَلَّ وَعَزَّ عِنْدَ غَضَبِكَ مِنَ الْحَقِّ أَعْظَمُ عَلَيْكَ مُصِيبَةً مِمَّا خِفْتَ مِنْ سُقُوطِكَ مِنْ أَعْيُنِ النَّاسِ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى خِلَافِ مَا قِيلَ فِيكَ فَثَوَابٌ اكْتَسَبْتَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتْعَبَ بَدَنُكَ.
وَاعْلَمْ بِأَنَّكَ لَا تَكُونُ لَنَا وَلِيًّا حَتَّى لَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْكَ أَهْلُ مِصْرِكَ وَقَالُوا: إِنَّكَ رَجُلُ سَوْءٍ؛ لَمْ يَحْزُنْكَ ذَلِكَ، وَلَوْ قَالُوا: إِنَّكَ رَجُلٌ صَالِحٌ؛ لَمْ يَسُرَّكَ ذَلِكَ، وَلَكِنِ اعْرِضْ نَفْسَكَ عَلَى مَا فِي كِتَابِ اللهِ فَإِنْ كُنْتَ سَالِكاً سَبِيلَهُ زَاهِداً فِي تَزْهِيدِهِ رَاغِباً فِي تَرْغِيبِهِ خَائِفاً مِنْ تَخْوِيفِهِ فَاثْبُتْ وَأَبْشِرْ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّكَ مَا قِيلَ فِيكَ، وَإِنْ كُنْتَ مُبَايِناً لِلْقُرْآنِ فَمَا ذَا الَّذِي يَغُرُّكَ مِنْ نَفْسِكَ. إِنَّ المُؤْمِنَ مَعْنِيٌّ بِمُجَاهَدَةِ نَفْسِهِ لِيَغْلِبَهَا عَلَى هَوَاهَا،
فَمَرَّةً يُقِيمُ أَوَدَهَا وَيُخَالِفُ هَوَاهَا فِي مَحَبَّةِ اللهِ وَمَرَّةً تَصْرَعُهُ نَفْسُهُ، فَيَتَّبِعُ هَوَاهَا فَيَنْعَشُهُ اللهُ فَيَنْتَعِشُ، وَيُقِيلُ اللهُ عَثْرَتَهُ فَيَتَذَكَّرُ، وَيَفْزَعُ إِلَى التَّوْبَةِ وَالمَخَافَةِ فَيَزْدَادُ بَصِيرَةً وَمَعْرِفَةً لِمَا زِيدَ فِيهِ مِنَ الْخَوْفِ، وَذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ يَقُولُ:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ﴾ 1.
يَا جَابِرُ! اسْتَكْثِرْ لِنَفْسِكَ مِنَ اللهِ قَلِيلَ الرِّزْقِ تَخَلُّصاً إِلَى الشُّكْرِ، وَاسْتَقْلِلْ مِنْ نَفْسِكَ كَثِيرَ الطَّاعَةِ لِلَّهِ إِزْرَاءً عَلَى النَّفْسِ وَتَعَرُّضاً لِلْعَفْوِ، وَادْفَعْ عَنْ نَفْسِكَ حَاضِرَ الشَّرِّ بِحَاضِرِ الْعِلْمِ، وَاسْتَعْمِلْ حَاضِرَ الْعِلْمِ بِخَالِصِ الْعَمَلِ، وَتَحَرَّزْ فِي خَالِصِ الْعَمَلِ مِنْ عَظِيمِ الْغَفْلَةِ بِشِدَّةِ التَّيَقُّظِ، وَاسْتَجْلِبْ شِدَّةَ التَّيَقُّظِ بِصِدْقِ الْخَوْفِ، وَاحْذَرْ خَفِيَّ التَّزَيُّنِ بِحَاضِرِ الْحَيَاةِ، وَتَوَقَّ مُجَازَفَةَ الْهَوَى بِدَلَالَةِ الْعَقْلِ، وَقِفْ عِنْدَ غَلَبَةِ الْهَوَى بِاسْتِرْشَاءِ الْعِلْمِ، وَاسْتَبْقِ خَالِصَ الْأَعْمَالِ لِيَوْمِ الْجَزَاءِ، وَانْزِلْ سَاحَةَ الْقَنَاعَةِ بِاتِّقَاءِ الْحِرْصِ، وَادْفَعْ عَظِيمَ الْحِرْصِ بِإِيثَارِ الْقَنَاعَةِ، وَاسْتَجْلِبْ حَلَاوَةَ الزَّهَادَةِ بِقَصْرِ الْأَمَلِ، وَاقْطَعْ أَسْبَابَ الطَّمَعِ بِبَرْدِ الْيَأْسِ، وَسُدَّ سَبِيلَ الْعُجْبِ بِمَعْرِفَةِ النَّفْسِ، وَتَخَلَّصْ إِلَى رَاحَةِ النَّفْسِ بِصِحَّةِ التَّفْوِيضِ، وَاطْلُبْ رَاحَةَ الْبَدَنِ بِإِجْمَامِ الْقَلْبِ، وَتَخَلَّصْ إِلَى إِجْمَامِ الْقَلْبِ بِقِلَّةِ الْخَطَإِ، وَتَعَرَّضْ لِرِقَّةِ الْقَلْبِ بِكَثْرَةِ الذِّكْرِ فِي الْخَلَوَاتِ، وَاسْتَجْلِبْ نُورَ الْقَلْبِ بِدَوَامِ الْحُزْنِ، وَتَحَرَّزْ مِنْ إِبْلِيسَ بِالْخَوْفِ الصَّادِقِ، وَإِيَّاكَ وَالرَّجَاءَ الْكَاذِبَ فَإِنَّهُ يُوقِعُكَ فِي الْخَوْفِ الصَّادِقِ، وَتَزَيَّنْ لِلهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالصِّدْقِ فِي الْأَعْمَالِ، وَتَحَبَّبْ إِلَيْهِ بِتَعْجِيلِ الِانْتِقَالِ، وَإِيَّاكَ وَالتَّسْوِيفَ فَإِنَّهُ بَحْرٌ يَغْرَقُ فِيهِ الْهَلْكَى، وَإِيَّاكَ وَالْغَفْلَةَ فَفِيهَا تَكُونُ قَسَاوَةُ الْقَلْبِ، وَإِيَّاكَ وَالتَّوَانِيَ فِيمَا لَا عُذْرَ لَكَ فِيهِ فَإِلَيْهِ يَلْجَأُ النَّادِمُونَ، وَاسْتَرْجِعْ سَالِفَ الذُّنُوبِ بِشِدَّةِ النَّدَمِ وَكَثْرَةِ الِاسْتِغْفَارِ، وَتَعَرَّضْ لِلرَّحْمَةِ وَعَفْوِ اللهِ بِحُسْنِ المُرَاجَعَةِ، وَاسْتَعِنْ عَلَى حُسْنِ المُرَاجَعَةِ بِخَالِصِ الدُّعَاءِ وَالمُنَاجَاةِ فِي الظُّلَمِ، وَتَخَلَّصْ إِلَى عَظِيمِ الشُّكْرِ بِاسْتِكْثَارِ قَلِيلِ الرِّزْقِ وَاسْتِقْلَالِ كَثِيرِ الطَّاعَةِ، وَاسْتَجْلِبْ زِيَادَةَ النِّعَمِ بِعَظِيمِ الشُّكْرِ، وَتَوَسَّلْ إِلَى عَظِيمِ الشُّكْرِ بِخَوْفِ زَوَالِ النِّعَمِ، وَاطْلُبْ بَقَاءَ الْعِزِّ بِإِمَاتَةِ الطَّمَعِ، وَادْفَعْ ذُلَّ الطَّمَعِ بِعِزِّ الْيَأْسِ، وَاسْتَجْلِبْ عِزَّ الْيَأْسِ بِبُعْدِ الْهِمَّةِ، وَتَزَوَّدْ مِنَ الدُّنْيَا بِقَصْرِ الْأَمَلِ، وَبَادِرْ بِانْتِهَازِ الْبَغِيَّةِ عِنْدَ إِمْكَانِ الْفُرْصَةِ وَلَا إِمْكَانَ كَالْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ مَعَ صِحَّةِ الْأَبْدَانِ، وَإِيَّاكَ وَالثِّقَةَ بِغَيْرِ المَأْمُونِ فَإِنَّ لِلشَّرِّ ضَرَاوَةً كَضَرَاوَةِ الْغِذَاءِ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا عِلْمَ كَطَلَبِ السَّلَامَةِ، وَلَا سَلَامَةَ كَسَلَامَةِ، الْقَلْبِ وَلَا عَقَلَ كَمُخَالَفَةِ الْهَوَى، وَلَا خَوْفَ كَخَوْفٍ حَاجِزٍ، وَلَا رَجَاءَ كَرَجَاءٍ مُعِينٍ، وَلَا فَقْرَ كَفَقْرِ الْقَلْبِ، وَلَا غِنَى كَغِنَى النَّفْسِ، وَلَا قُوَّةَ كَغَلَبَةِ الْهَوَى، وَلَا نُورَ كَنُورِ الْيَقِينِ، وَلَا يَقِينَ كَاسْتِصْغَارِكَ الدُّنْيَا، وَلَا مَعْرِفَةَ كَمَعْرِفَتِكَ بِنَفْسِكَ، وَلَا نِعْمَةَ كَالْعَافِيَةِ، وَلَا عَافِيَةَ كَمُسَاعَدَةِ التَّوْفِيقِ، وَلَا شَرَفَ كَبُعْدِ الْهِمَّةِ، وَلَا زُهْدَ كَقَصْرِ الْأَمَلِ، وَلَا حِرْصَ كَالمُنَافَسَةِ فِي الدَّرَجَاتِ، وَلَا عَدْلَ كَالْإِنْصَافِ، وَلَا تَعَدِّيَ كَالْجَوْرِ، وَلَا جَوْرَ كَمُوَافَقَةِ الْهَوَى، وَلَا طَاعَةَ كَأَدَاءِ الْفَرَائِضِ، وَلَا خَوْفَ كَالْحُزْنِ، وَلَا مُصِيبَةَ كَعَدَمِ الْعَقْلِ- وَلَا عَدَمَ عَقْلٍ كَقِلَّةِ الْيَقِينِ، وَلَا قِلَّةَ يَقِينٍ كَفَقْدِ الْخَوْفِ، وَلَا فَقْدَ خَوْفٍ كَقِلَّةِ الْحُزْنِ عَلَى فَقْدِ الْخَوْفِ، وَلَا مُصِيبَةَ كَاسْتِهَانَتِكَ بِالذَّنْبِ وَرِضَاكَ بِالْحَالَةِ الَّتِي أَنْتَ عَلَيْهَا، وَلَا فَضِيلَةَ كَالْجِهَادِ، وَلَا جِهَادَ كَمُجَاهَدَةِ الْهَوَى، وَلَا قُوَّةَ كَرَدِّ الْغَضَبِ، وَلَا مَعْصِيَةَ كَحُبِّ الْبَقَاءِ، وَلَا
ذُلَّ كَذُلِّ الطَّمَعِ.
وَإِيَّاكَ وَالتَّفْرِيطَ عِنْدَ إِمْكَانِ الْفُرْصَةِ فَإِنَّهُ مَيْدَانٌ يَجْرِي لِأَهْلِهِ بِالْخُسْرَان».
وقال عليه السلام: «خُذُوا الْكَلِمَةَ الطَّيِّبَةَ مِمَّنْ قَالَهَا وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ بِهَا؛ فَإِنَّ اللهَ يَقُول:
﴿ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ 2،
وَيْحَكَ يَا مَغْرُورُ أَلَا تَحْمَدُ مَنْ تُعْطِيهِ فَانِياً وَيُعْطِيكَ بَاقِياً؛ دِرْهَمٌ يَفْنَى بِعَشَرَةٍ تَبْقَى إِلَى سَبْعِمِائَةٍ ضِعْفٍ مُضَاعَفَة، إِنَّمَا أَنْتَ لِصٌّ مِنْ لُصُوصِ الذُّنُوبِ كُلَّمَا عَرَضَتْ لَكَ شَهْوَةٌ أَوِ ارْتِكَابُ ذَنْبٍ سَارَعْتَ إِلَيْهِ وَأَقْدَمْتَ بِجَهْلِكَ عَلَيْهِ فَارْتَكَبْتَهُ كَأَنَّكَ لَسْتَ بِعَيْنِ اللهِ أَوْ كَانَ اللهُ لَيْسَ لَكَ بِالْمِرْصَادِ. يَا طَالِبَ الْجَنَّةِ مَا أَطْوَلَ نَوْمَكَ وَأَكَلَّ مَطِيَّتَكَ وَأَوْهَى هِمَّتَكَ فَلِلَّهِ أَنْتَ مِنْ طَالِبٍ وَمَطْلُوبٍ، وَيَا هَارِباً مِنَ النَّارِ مَا أَحَثَّ مَطِيَّتَكَ إِلَيْهَا وَمَا أَكْسَبَكَ لِمَا يُوقِعُكَ فِيهَا»3 4.
- 1. القران الكريم: سورة الأعراف (7)، الآية: 201، الصفحة: 176.
- 2. القران الكريم: سورة الزمر (39)، الآية: 18، الصفحة: 460.
- 3. في رحاب أهل البيت سيرة الامام الباقر عليه السلام، ص 21- 22.آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي(دام ظله)، الإمام الباقر عليه السلام: قدوة و أسوة - بيروت، چاپ: دوم، 1431.
- 4. المصدر: كتاب الامــام الباقــر (عليه السلام) قدوة وأسوة.