حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
ماذا سأقول في مولد الحسين عليه السلام
قال الرسول الكريم (ص) حسين مني وأنا من حسين.
هذه الكلمة الشريفة رسم النبي(ص) من خلالها كل أبعاد شخصية الإمام الحسين(ع). واسمحوا لي أيها الأحبة أن آخذكم معي في جولة ولائية سريعة لسبر أبعاد هذه الكلمة الشريفة.
إذا نظر الإنسان لأول وهلة لهذه الكلمة يرى بأنها اشتملت على شقين:
الأول: حسين مني.
الثاني: وأنا من حسين.
الشق الأول من كلمة النبي لو تأملنا فيه مليا لوجدناه يرسخ مفهومين من شخصية الحسين(ع).
المفهوم الأول: النسبي (حسين مني) أي من نسلي وذريتي. وقد سعى الامويون والعباسيون جاهدين لطمس هذا المفهوم النسبي للحسين(ع) بالرسول الكريم، ومحاولاتهم الفاشلة ذكرها التأريخ، واسمحوا لي ان اذكر لكم محاولتين:
المحاولة الأولى: محاولة الرشيد مع الإمام الكاظم أنّ هارون الرشيد دخل إلى قبر رسول الله (ص) بالمدينة.
فقال: السلام عليك يا ابن العمّ.
فقال الإمام موسى الكاظم: السلام عليك ياأبه، فاغتاظ هارون الرشيد من ذلك.
وفي مجلس آخر سأل الرشيد الاِمام الكاظم، بمَ تدّعون أنّكم أولاد رسول الله وورثته دوننا وكلّنا أبناء عمّ.
فقال الإمام الكاظم للرشيد: أرأيت لو أنّ رسول الله خطب إليك ابنتك أكنت تزوّجه؟
فقال الرشيد: إي والله! وافتخر بذلك على العرب والعجم.
فقال الإمام الكاظم: ولكنّه لو خطب ابنتي لا يسعني أن أزوّجه لاَنّه أبي، فأُفحم هارون الرشيد 1.
المحاولة الثانية: ذكر ابن خلكان في (وفيات الأعيان) أن يحيى بن يعمر كان عداده في بني ليث لأنه حليف لهم، وكان شيعياً من الشيعة الأولى القائلين بتفضيل آل البيت من غير تنقيص لذي فضل من غيرهم. ثم ذكر قصة له مع الحجاج، وإقامته الحجة على أن الحسن والحسين من ذرية رسول الله صلى الله عليه وسلم من آية ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ... ﴾ 2 إلى قوله تعالى:﴿ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ ... ﴾ 3. قال يحيى بن يعمر: وما بين عيسى وإبراهيم أكثر مما بين الحسن والحسين ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم.
هذا هو المفهوم الأول الذي أراد النبي ان يرسخه.
المفهوم الثاني: المفهوم الجسدي (حسين مني ) أي قطعة من جسدي لحمه لحمي ودمه دمي من آذاه فقد آذاني.
وهناك الكثير من الشواهد التي تؤكد على هذا المضمون منها:
الرؤية التي رأتها السيدة ام الفضل بنت الحارث في منامها ولم تهتد إلى تأويلها، فهرعت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائلة له: « إني رأيت حلماً منكراً كأن قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري؟... » فأزاح النبي مخاوفها وبشرها بخير قائلاً: « خيراً رأيت، تلد فاطمة ان شاء الله غلاماً فيكون في حجرك... » ومضت الأيام سريعاً فوضعت سيدة النساء فاطمة ولدها الحسين فكان في حجر أم الفضل كما أخبرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم 4.
الشق الثاني من الحديث الشريف يقول: (وأنا من حسين) جلس العلماء والمحققون جلسة تأويل لهذا الحديثالشريف لها بداية وليس لها نهاية من أجل الوقوف على أبعادها:
البعض قال أنها تدل على أن الرسول خلق من نور الحسين (ع) فلذا قال (ص) وأنا من حسين. ومن جملة ماستدل به أصحاب هذا التعليل العبارة الموجودة في زيارة الجامعة المقدسة (خلقكم الله أنوارا فجعلكم بعرشه محدقين) ولكن لو تأمل الإنسان أدنى تأمل يرى بأن هذا التأويل فيه أمران:
الأمر الأول: ان ما ذكر في زيارة الجامعة ليس فيه مزية خاصة بالحسين (ع).
الأمر الثاني: ان هذا التعليل لا ينسجم وعظمة النبي الذي هو أعظم المخلوقات وسيد الكائنات.
التأويل الثاني: يقول إنما يستفاد من كلمة النبي (ص) التوجه العاطفي المجرد كما يقول الأب لولده أنت مني وأنا منك. وهذا التأويل لايمكن قبوله لأن النبي كما يقول القرآن﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ﴾ 5. وكما تعلم ان الاتجاه العاطفي المجرد لا ينسجم مع الآية والعصمة.
التأويل الثالث: وهو الاتجاه الذي يقول لولا النهضة الحسينية المباركة لما حصل الدين على طابع الاستمرارية والدوام فكلمة النبي (ص) (وأنا من حسين) أي لولا الحسين لم يستقم الدين. وهو القائل في يوم عاشوراء ان كان دين محمد لم يستقم الا بقتلي فيا سيوف خذيني. ومن هما نعرف بعد الكلمة القائلة: ان الدين الإسلامي محمدي الوجود حسيني البقاء.
ومن الشواهد الدالة على ذلك ماينقل انه حينما دخل الإمام زين العابدين إلى المدينة عند رجوعه من واقعة الطف، جاءه رجل وقال له: أقتل أبوك؟
فقال الإمام: بلا. فقال السائل اقتل أبناء أبيك؟
فقال الإمام: بلا. فقال السائل اقتل أصحاب أبيك؟
فقال الإمام: بلا.
فقال السائل إذا من المنتصر؟
فقال الإمام: إذا جاء وقت الصلاة وسمعت الأذان اشهد أن لا اله إلا الله واشهد أن محمدا رسول الله ستعرف من هو المنتصر 6.
- 1. عيون أخبار الرضا (ع) 1: 66 ح 9.
- 2. القران الكريم: سورة الأنبياء (21)، الآية: 72، الصفحة: 327.
- 3. القران الكريم: سورة الأنعام (6)، الآية: 85، الصفحة: 138.
- 4. مستدرك الصحيحين: 3 | 127 عن حياة الإمام الحسين للقريشي: 26.
- 5. القران الكريم: سورة النجم (53)، الآية: 3 و 4، الصفحة: 526.
- 6. المصدر: شبكة النعيم الثقافية.