حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
فوائد المرض المستورة
إنّ المرض لا أجر فيه، و لكنه يحط السيئات ويحتها حت الأوراق
قَالَ أمير المؤمنين عليه السلام لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ فِي عِلَّةٍ اعْتَلَّهَا:
«جَعَلَ اللَّهُ مَا كَانَ مِنْ شَكْوَاكَ حَطّاً لِسَيِّئَاتِكَ، فَإِنَّ الْمَرَضَ لَا أَجْرَ فِيهِ، وَ لَكِنَّهُ يَحُطُّ السَّيِّئَاتِ، وَ يَحُتُّهَا حَتَّ الْأَوْرَاقِ، وَ إِنَّمَا الْأَجْرُ فِي الْقَوْلِ بِاللِّسَانِ، وَ الْعَمَلِ بِالْأَيْدِي وَ الْأَقْدَامِ، وَ إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يُدْخِلُ بِصِدْقِ النِّيَّةِ وَ السَّرِيرَةِ الصَّالِحَةِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ الْجَنَّةَ».
قال أمير المؤمنين عليه السلام هذا الكلام إلى رجل مريض لما رجع مع جيشه من صفّين و قد جاوزوا اَلنُّخَيْلَةَ و رأوا بيوت الكوفة، و سأل عن اسمه فقال صالح بن سُليم، و لم يشهد معه صفّين لمرضه، و نقله المنقري في كتاب صفين، الصفحة 528، قال:
لَمَّا أَقْبَلَ عَلِيٌّ عليه السلام أَقْبَلْنَا مَعَهُ - إلى أن قال- فَإِذَا نَحْنُ بِشَيْخٍ جَالِسٍ فِي ظِلِّ بَيْتٍ عَلَى وَجْهِهِ أَثَرُ اَلْمَرَضِ، إلى أن قال عليه السلام «جَعَلَ اَللَّهُ مَا كَانَ مِنْ شَكْوَاكَ حَطّاً لِسَيِّئَاتِكَ، فَإِنَّ اَلْمَرَضَ لاَ أَجْرَ فِيهِ، وَ لَكِنْ لاَ يَدَعُ لِلْعَبْدِ ذَنْباً إِلاَّ حَطَّهُ»، مع اختلاف يسير في نص نهج البلاغة.
و المعنى في محو ذنوب المريض في روايات عديدة ففي الرواية عن رسول الله (ص) «السُّقمُ يَمحُو الذُّنوبَ»1 و «ساعاتُ الوَجَعِ يُذهِبْنَ ساعاتِ الخَطايا»2 «إنّ المَرَضَ يُنَقِّي الجَسَدَ مِن الذنوبِ كما يُذهِبُ الكِيرُ خُبثَ الحديدِ»3 و أمير المؤمنين (ع) «إذا ابتَلَى اللَّهُ عَبداً أسقَطَ عنهُ مِنَ الذُّنوبِ بقَدْرِ عِلَّتِهِ»4 و الإمام الرضا (ع) «و إنّ المَرَضَ لا يَزالُ بالمؤمنِ حتّى لا يكونَ علَيهِ ذَنبٌ»5.
و في روايات أنّ المرض كفارة للذنوب، روي عن النبي صلى الله عليه و آله «حُمّى ليلةٍ كَفّارةُ سَنَةٍ»6 و عن أَمِير المؤمنين عليه السلام «فِي اَلْمَرَضِ يُصِيبُ اَلصَّبِيَّ فَقَالَ كَفَّارَةٌ لِوَالِدَيْهِ»7، الصبي لا سيئات عليه فالمرض كفارة لوالديه، و في موقع آخر في نهج البلاغة في الخطبة القاصعة قال الإمام عليه السلام «وَ كُلَّمَا كَانَتِ الْبَلْوَى وَ الِاخْتِبَارُ أَعْظَمَ كَانَتِ الْمَثُوبَةُ وَ الْجَزَاءُ أَجْزَلَ»8.
و في روايات ذكرت عظيم الأجر و الثواب، و مع محو الذنوب يظهر و يمتاز الأجر و الثواب، و قد روي عن أحدهما (الإمام الباقر أو الإمام الصّادق) عليهما السلام «سَهَرُ لَيلَةٍ مِن مَرَضٍ أو وَجَعٍ أفضَلُ وأعظَمُ أجراً مِن عِبادَةِ سَنَةٍ»9.
في الرواية عن عبد الله بن مسعود قَالَ: «بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ص إِذْ تَبَسَّمَ فَقُلْتُ لَهُ مَا لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ عَجِبْتُ مِنَ الْمُؤْمِنِ وَجَزَعِهِ مِنَ السُّقْمِ وَلَوْ يَعْلَمُ مَا لَهُ فِي السُّقْمِ مِنَ الثَّوَابِ لَأَحَبَّ أَنْ لَا يَزَالَ سَقِيماً حَتَّى يَلْقَى رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ».10.
المرض أو الدَّاء أو العِلَّة حالة غير طبيعية تصيب الجسد البشري و تحدث انزعاجاً، أو ضعفاً في الوظائف، أو إرهاقاً للشخص المصاب.
والمرض قهري و ليس بفعل الإنسان، فلا أجر فيه، «وَ إِنَّمَا الْأَجْرُ في» العمل الاختياري مثل «الْقَوْلِ بِاللِّسَانِ» بالذكر ، بالشُكر، بالتلاوة، و بالإرشاد، و التعليم، و النصيحة، و غيرِه، «وَ الْعَمَلِ بِالْأَيْدِي وَ الْأَقْدَامِ» بجهاد أو بإنفاق، و بالأعمال العبادية، و الصالحة و غيرِها.
وقال عليه السلام «وَ إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يُدْخِلُ بِصِدْقِ النِّيَّةِ وَ السَّرِيرَةِ الصَّالِحَةِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ الْجَنَّةَ». يدخل اللهُ من عباده الجنةَ إذا كانت نيتهم في أعمال الخير صادقة و سريرتهم صالحة و قلوبهم نظيفة، و كأنّه إلفات و تنبيه لـقوله عليه السلام: «إِنَّمَا الْأَجْرُ فِي الْقَوْلِ بِاللِّسَانِ، وَ الْعَمَلِ بِالْأَيْدِي وَ الْأَقْدَامِ»، حتى لا يُتوهم أن الأجر خاص بعمل الجوارح «بِالْأَيْدِي وَ الْأَقْدَامِ»، بل يعم عمل القلب أيضا.
بل إذا نوى الإنسان عمل خير و إن لم يعمله كتب له ثواب، فإذا عمله تضاعف الثواب عشرة أضعاف، كما في الرواية عن زرارة عن أحدهما (الباقر و الصادق) عليهما السلام قَالَ: «إِنَّ اللَّه تَبَارَكَ وتَعَالَى جَعَلَ لآِدَمَ فِي ذُرِّيَّتِه مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ ولَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَه حَسَنَةٌ، ومَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ وعَمِلَهَا كُتِبَتْ لَه بِهَا عَشْراً، ومَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ ولَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْه سَيِّئَةٌ، ومَنْ هَمَّ بِهَا وعَمِلَهَا كُتِبَتْ عَلَيْه سَيِّئَةٌ»11.
و المرض و إن كان بلاءً مزعجا و معطلا للوظائف في جسم الإنسان، و يترتب عليه آثار، من أوجاع و آلام و ضيق و آثار نفسية، و من قلة المهتمين بالمريض قلة عائديه مع طول مدة المرض، و قد يسبب له المرض الفقر و الحاجة، و ربما شماتة الخصوم و الأعداء، و مشقة الأهل و احراج، إلى غيرها من آثار سلبية للمرض.
إلا أنّ في المرض فوائد لا ينبغي أن تخفى على العقلاء ، و من فوائده ما ذكره الإمام عليه السلام من حطِّ السيئات حتِّ الأوراق وهي فائدة عظيمة في محو السيئات، و لكنها لا تُدرك في عالم الدّنيا، أو لا يتعقلها إلا قليل من النّاس مع أهميتها العظيمة.
و منها التنبيه عن الغفلة والحث على التوبة فإنّ المرض محطة توقف و مراجعة للإنسان و قد يتغير نمط حياة المريض بالكامل بعد المرض حين التدبر و التوبة أثناءه.
و منها معرفة قيمة نعمة الصحة و العافية و اغتنامها، فإنّ النعم لا تعرف حق معرفتها و قيمتها إلا عند فقدها، و يعرف قيمة الصحة و العافية المرضى، قال أمير المؤمنين عليه السلام «إنما يعرف مقدار النعم بمقاساة ضدها»12.
و منها الصبر عليه، قال أمير المؤمنين عليه السلام «الصبر زينة البلوى»13. و قال عليه السلام « اَلصَّبْرُ عَلَى اَلْبَلاَءِ أَفْضَلُ مِنَ اَلْعَافِيَةِ فِي اَلرَّخَاءِ»14.
و منها الرضا بقضاء الله و قدره و ما يؤديه من طمأنينة قلبية و اللجوء إلى الله و التوكل عليه.
و منها الدعاء و التضرع إلى الله تعالى فإنّ المريض أقرب نفسا و تهيئة للدّعاء و الصدق فيه و الخشوع حالة مرضه عادة، و الدّعاء من فعل الإنسان و به يستحق الثواب، قال تعالى:﴿ وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا ... ﴾ 15.
و منها الحث و الحضّ على الصدقة و هي دواء، قال أمير المؤمنين عليه السلام «الصَّدَقَةُ دَوَاءٌ مُنْجِحٌ»16 و عن النبي (ص) «دَاوُوا مَرْضَاكُمْ بِالصَّدَقَةِ»17.
و منها التفرغ في الوقت مما يساعده إلى الأعمال العبادية و الأذكار، و التفكر و التدبر مما لم يكن ذلك متوفر له في وقت صحته و سلامته.
ومنها ما يكسبه المريض من أهل الطاعات و العمل الصالح من الحسنات و الثواب و الله يؤجرهم على نياتهم الصالحة و إن لم يتمكنوا منها و يعملوها، و يمنع أهل المعاصي من ارتكاب الذنوب أو بعض الذنوب لقلة الحركة و الفعل، و لانعدام الشهوة أو قلتها وهي دافع رئيس لارتكاب الذنوب.
و في الرواية عن رسول الله (ص): «يَقُولُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - لِلْمَلَكِ الْمُوَكَّلِ بِالْمُؤْمِنِ إِذَا مَرِضَ، اكْتُبْ لَهُ مَا كُنْتَ تَكْتُبُ لَهُ فِي صِحَّتِهِ، فَإِنِّي أَنَا الَّذِي صَيَّرْتُهُ فِي حِبَالِي»18.
و كل تلك الفوائد بها أجر و ثواب، و الأمر مقرون بالإيمان و الاعتقاد، و اليقين، فالحكمة دعوة لتحمّل المرض، و أنّ فيه من الفوائد الكبيرة لمصلحة المريض.
- 1. البحار،ج64ص244.
- 2. البحار، ج64ص244.
- 3. بحار الأنوار، ج78، ص197.
- 4. دعائم الإسلام،ج١، ص ٢١٨.
- 5. ثواب الأعمال، ص ١٩٣.
- 6. الأمالي (الطوسي)، ص ٦٣٠.
- 7. الكافي، ج١١، ص ٤٥٤.
- 8. نهج البلاغة، خطبة 192.
- 9. الكافي،ج5ص309.
- 10. التوحيد، الصدوق، ص 400.
- 11. الكافي،ج ٤،ص٢٢٢.
- 12. عيون الحكم و المواعظ، ص١٧٧.
- 13. الإرشاد للمفيد،ج1ص300.
- 14. غرر الحکم،ص98.
- 15. القران الكريم: سورة يونس (10)، الآية: 12، الصفحة: 209.
- 16. نهج البلاغة، حكمة 7.
- 17. الكافي،ج٧، ص٢١١.
- 18. الكافي، ج5 ص308.