الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

سد الابواب في المسجد الا باب علي عليه السلام

ومن القضايا الجديرة بالتسجيل هنا ، قضية أمر الرسول «صلى الله عليه وآله» بسد الأبواب الشارعة في المسجد ، غير باب علي أمير المؤمنين «عليه السلام» ، فنقول :

يظهر أن هذه القضية قد حصلت قبل استشهاد حمزة ، وقبل وفاة رقية .
ويدل على ذلك :

1 ـ عن أمير المؤمنين «عليه السلام» : لما أمر رسول الله «صلى الله عليه وآله» بسد الأبواب التي في المسجد ، خرج حمزة يجر قطيفة حمراء ، وعيناه تذرفان ، يبكي ؛ فقال : ما أنا أخرجتك ، وأنا أسكنته ، ولكن الله أسكنه 1 .
2 ـ وبهذا المعنى رواية أكثر تفصيلاً عن سعد بن أبي وقاص ، فراجع 2 .
3 ـ عن أبي الحمراء ، وحبة العرني ، قال : لما أمر رسول الله «صلى الله عليه وآله» بسد الأبواب التي في المسجد شق عليهم .
قال حبة : إني لأنظر إلى حمزة بن عبد المطلب ، وهو يجر قطيفة حمراء ، وعيناه تذرفان يقول : أخرجت عمك ، وأبا بكر وعمر ، والعباس ، وأسكنت ابن عمك الخ . . 3 .
لكن ذكر العباس في الرواية في غير محله . لأن العباس لم يأت إلى المدينة إلا بعد سنوات من استشهاد حمزة ، فلا بد أن يكون ذلك من إقحام الرواة .
4 ـ في نص آخر ، عن أمير المؤمنين «عليه السلام» ، قال : قال رسول الله «صلى الله عليه وآله» : انطلق فمرهم ، فليسدوا أبوابهم . فانطلقت ، فقلت لهم ، ففعلوا إلا حمزة .
فقلت : يا رسول الله ، فعلوا إلا حمزة .
فقال رسول الله : قل لحمزة : فليحول بابه .
فقلت : إن رسول الله يأمرك أن تحول بابك ؛ فحوله ، فرجعت إليه ، وهو قائم يصلي ، فقال : ارجع إلى بيتك 4 .
5 ـ هناك رواية أخرى عن حذيفة بن أسيد ، تذكر : أن رقية كانت حينئذٍ على قيد الحياة بالإضافة إلى حمزة ، ففيها ـ أنه بعد أن أرسل «صلى الله عليه وآله» إلى أبي بكر وعمر فأمرهما بسد أبوابهما ؛ ففعلا «أرسل إلى عثمان ـ وعنده رقية ـ فقال : سمعاً وطاعة ، ثم سد بابه» ـ .
إلى أن قال : «فقال له النبي (أي لعلي) : أسكن طاهراً مطهراً . فبلغ حمزة قول النبي «صلى الله عليه وآله» لعلي .
فقال : يا محمد ، تخرجنا وتمسك غلمان بني عبد المطلب ؟
فقال له نبي الله : لا ، لو كان الأمر لي ما جعلت من دونكم من أحد ، والله ما أعطاه إياه إلا الله ، وإنك لعلى خير من الله ورسوله ، أبشر ؛ فبشره النبي «صلى الله عليه وآله» ؛ فقتل يوم أحد شهيداً» 5 .
نحن نستبعد جرأة حمزة على النبي «صلى الله عليه وآله» بهذا النحو ؛ فلا بد أن يكون قد تساءل عن سر هذا التصرف ، كما تساءل غيره ؛ فأجابه بأن الأمر قد جاء من قبل الله تعالى .
6 ـ في رواية أخرى عن رجل من أصحاب رسول الله : أنه خرج مناديه «صلى الله عليه وآله» يأمرهم بسد أبوابهم ، فلم يقم أحد ، وفي الثالثة : خرج ، فقال : سدوا أبوابكم قبل أن ينزل العذاب ، فخرج الناس مبادرين ، وخرج حمزة بن عبد المطلب يجر كساءه حين نادى سدوا أبوابكم الخ . .
إلى أن قال : فقالوا : سد أبوابنا وترك باب علي ، وهو أحدثنا ؟!
فقال بعضهم : تركه لقرابته .
فقالوا : حمزة أقرب منه ، وأخوه من الرضاعة ، وعمه الخ . . 6 .

ولكننا نجد في مقابل ذلك ، ما يدل على أن هذه القضية قد كانت بعد فتح مكة ، إذ قد جاء في بعض رواياتها ذكر للعباس عم النبي «صلى الله عليه وآله» ، والذي لم يقدم المدينة إلا بعد الفتح .
1 ـ فعن أبي سعيد الخدري : وأخرج رسول الله عمه العباس ، وغيره من المسجد ، فقال له العباس : تخرجنا ، ونحن عصبتك ، وعمومتك ، وتسكن علياً ؟!
فقال : ما أنا أخرجتكم وأسكنته ، ولكن الله أخرجكم وأسكنه 7 .
2 ـ وهناك رواية عن علي في ذلك ، ويصرح فيها باسم العباس 8 .
3 ـ عن جابر بن سمرة ، قال : أمر رسول الله «صلى الله عليه وآله» بسد الأبواب كلها غير باب علي .
فقال العباس : يا رسول الله ، قدر ما أدخل أنا وحدي وأخرج ؟
قال : ما أمرت بشيء من ذلك ، فسدها غير باب علي .
قال : وربما مر وهو جنب 9 .
ولكن نفس هذه الرواية تقريباً ، قد رويت عن جابر بن سمرة ، وفيها : أن رجلاً قال ذلك . ولا تصرح بالاسم 10 .
4 ـ وثمة رواية أخرى عن سعد بن أبي وقاص تصرح باسم العباس أيضاً ، ولكن لها نص آخر جاء فيه : أن عمه اعترض عليه ، من دون تصريح بالاسم 11 .
5 ـ وعن أبي الطفيل في حديث مناشدة علي للمجتمعين يوم الشورى قال «عليه السلام» : «سد النبي «صلى الله عليه وآله» أبواب المهاجرين وفتح بابي ، حتى قام إليه حمزة والعباس ؛ فقالا : يا رسول الله سددت أبوابنا وفتحت باب علي ؟
فقال النبي «صلى الله عليه وآله» : ما أنا فتحت . . إلخ» 12 .
ونحن نرجح : أن حديث سد الأبواب قد كان قبل استشهاد حمزة بن عبد المطلب رضوان الله تعالى عليه ، وذلك لعدم وجود اختلاف في الروايات الدالة على ذلك من جهة .
ولأننا نستبعد : أن يترك الصحابة أكثر من ثماني سنوات يمرون في المسجد حتى في حال الجنابة من جهة ثانية .
ولأننا كذلك نجد في ذكر كلمة «عمه» في بعض الروايات ، ثم إبدالها بكلمة «العباس» في غيرها ما يشير إلى أن هذه الزيادة ـ عن عمد ، أو عن غير عمد ـ قد جاءت من قبل الرواة أنفسهم ، إما اعتماداً على ما هو المركوز في أذهانهم ، أو لهدف سياسي معين .
أضف إلى ذلك : أن ذكر رقية في بعض النصوص الأخرى ، يؤيد بل يدل على صحة الروايات التي تصرح باسم حمزة رضوان الله تعالى عليه ، لأن رقية قد توفيت في السنة الثانية ، إما بعد بدر مباشرة ، أو في ذي الحجة ، كما تقدم .

حديث سد الابواب في مصادره

وقد ذكرت المصادر الكثيرة جداً بالأسانيد الكثيرة الصحيحة : أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، حين أمر بسد الأبواب ، إلا باب علي «عليه السلام» قد أحدث هزة عنيفة بين المسلمين ، لا سيما وأنه قد أجاز له أن يدخل المسجد وهو جنب ، كما في النصوص .
وقال الناس في ذلك ـ ولا سيما قريش ـ : سددت أبوابنا ، وتركت باب علي ؟!
فقال : ما بأمري سددتها ، ولا بأمري فتحتها .
أو قال : ما أنا أخرجتكم من قبل نفسي وتركته ، ولكن الله أخرجكم وتركه ، وإنما أنا عبد مأمور ، ما أمرت به فعلت ، إن أتبع إلا ما يوحى إلي .
أو ما هو قريب من هذا .
وفي بعض النصوص : أنه «صلى الله عليه وآله» صعد المنبر ، وهو في حالة غضب ، بعد أن عصوا أمره مرتين ، ولم يطيعوا إلا في الثالثة . وهذا الغضب والحنق منه قد أيدته وأكدته النصوص الكثيرة ، فلا مجال للتشكيك فيه .
هذا ، ويقول الجويني : «حديث (سد الأبواب) رواه نحو من ثلاثين رجلاً من الصحابة ، أغربها حديث عبد الله بن عباس» 13 .
وقد روى له السيوطي فقط حوالي أربعين طريقاً على ما قاله الحجة الشيخ المظفر 14 .
وممن رواه من الصحابة : علي «عليه السلام» ، عمر بن الخطاب ، ولده عبد الله ، زيد بن أرقم ، البراء بن عازب ، عبد الله بن عباس ، أبو سعيد الخدري ، جابر بن سمرة ، أبو حازم الأشجعي ، جابر بن عبد الله ، عائشة ، سعد بن أبي وقاص ، أنس بن مالك ، بريدة ، أبو رافع مولى رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، حذيفة بن أسيد الغفاري ، ابن مسعود ، أبو ذر الغفاري ، أم سلمة أم المؤمنين . ورواه أيضاً : عبد المطلب بن عبد الله بن حنطب أبو الحمراء ، وحبة العرني ، وكيسان البراد ، وغيرهم 15 .

النواصب وحديث سد الابواب

وبعد كل ما تقدم ، فلا يمكن أن يصغى لقول ابن الجوزي ، وابن كثير ، وابن تيمية : إن حديث سد الأبواب ليس بصحيح .
أو إنه من وضع الرافضة 16 .
فإن تواتر هذا الحديث في كتب أهل السنة ، وتصحيح حفاظهم لكثير من طرقه ، ورواية العشرات من الصحابة له ، أي نحو ثلاثين صحابياً . إن ذلك لا يمكن أن يخفى على أحد .
وإذا جاز : أن يضع الرافضة مثل هذا الحديث ، ويدخلوه في عشرات الكتب والمسانيد ، فإنه لا يمكن الوثوق بعد هذا بأي حديث ، ولا كتاب ، ولا بأي حافظ من أهل السنة .
هذا بالإضافة إلى ما في هذه الدعوى من رمي أمة بأسرها بالبله والتغفيل الذي لا غاية بعده .
ويكفي أن نذكر : أن العسقلاني 17 بعد أن ذكر ستة من الأحاديث في سد الأبواب إلا باب علي ، قال : «وهذه الأحاديث يقوي بعضها بعضاً ، وكل طريق منها صالح للاحتجاج ، فضلاً عن مجموعها» .
ثم ذكر : أن ابن الجوزي لم يورد الحديث إلا من طريق سعد بن أبي وقاص ، وزيد بن أرقم ، وابن عمر ، مقتصراً على بعض طرقه عنهم ، وأعله ببعض من تكلم فيه من رواته .
وقال العسقلاني أيضاً بعد أن ذكر بعض طرقه : «فهذه الطرق المتضافرة من روايات الثقات تدل على أن الحديث صحيح دلالة قوية ، وهذه غاية نظر المحدث» 18 .
وقال : «فكيف يدعى الوضع على الأحاديث الصحيحة بمجرد التوهم ؟ ولو فتح هذا الباب لادعي في كثير من الأحاديث الصحيحة البطلان ، ولكن يأبى الله ذلك والمؤمنون» 19 .
وقال الجصاص : «ما ذكر من خصوصية علي رضي الله عنه فهو صحيح ، وقول الراوي : لأنه كان بيته في المسجد ، ظن منه ؛ لأن النبي «صلى الله عليه وآله» قد أمر في الحديث الأول بتوجيه البيوت الشارعة إلى غيره ، ولم يبح لهم المرور لأجل كون بيوتهم في المسجد ؛ وإنما كانت الخصوصية فيه لعلي رضي الله عنه دون غيره ، كما خص جعفر بأن له جناحين في الجنة ، دون سائر الشهداء الخ . .» 20 .

خوخة او باب أبي بكر

وفي البخاري ، عن ابن عباس : سدوا الأبواب إلا باب أبي بكر ، وعن أبي بكر ، وعن أبي سعيد الخدري عنه «صلى الله عليه وآله» : إن أمن الناس علي في صحبته ، وماله ، أبو بكر ، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر ، ولكن أخوة الإسلام ومودته . لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر . أو لا يبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر .
قال ذلك في مرضه الذي مات فيه . وعند مسلم ، عن جندب : قبل أن يموت بخمس ليال ، وعند الطبراني ، وأبي يعلى بإسناد حسن عن معاوية وعائشة : أن ذلك بعد أن صب عليه «صلى الله عليه وآله» من سبع قرب من آبار شتى 21 .
وقد استدلوا بذلك على استحقاق أبي بكر للخلافة ، لا سيما وأنه قد ثبت أن ذلك كان في أواخر حياته «صلى الله عليه وآله» 22 .
ونقول :
1 ـ بعد أن ثبت صحة حديث : سدوا الأبواب إلا باب علي ؛ وبعد أن اتضح : أنه لم يكن حين مرض وفاته «صلى الله عليه وآله» أي باب مفتوحاً إلا باب علي ، فلا معنى لأن يأمرهم «صلى الله عليه وآله» بسد هذه الأبواب الشوارع في المسجد إلا باب أبي بكر ، بعد أن لم يسمح النبي «صلى الله عليه وآله» لذلك الرجل!! بكوة ، ولو بقدر ما يخرج رأسه ، حتى ولو بقدر رأس الإبرة!! 23 .
وبهذا يتضح عدم صحة قولهم في وجه الجمع : إنهم بعد أن سد النبي «صلى الله عليه وآله» أبوابهم ، استحدثوا خوخاً يستقربون منها الدخول إلى المسجد 24 .
2 ـ هذا بالإضافة إلى أن الحديث قد تضمن منّ أبي بكر على النبي «صلى الله عليه وآله» بصحبته له ، وقد تقدم في حديث الغار : أن ذلك لا يصح إلا على معنى فيه ذم لأبي بكر . كما أنه قد تضمن حديث خلة أبي بكر .
وتقدم في حديث المؤاخاة : أنه لا يمكن أن يصح أيضاً .
3 ـ إن البعض يذكر : أن بيت أبي بكر كان بالسنح ، ويشك كثيراً ، بل على حد تعبير التوربشتي : لم يصح أن يكون له بيت قرب المسجد 25 .
وأجيب : بأنه لا يلزم من ذلك أن لا يكون له دار مجاورة للمسجد ، واستدل على ذلك بأنه قد كان لأبي بكر أزواج متعددة كأسماء بنت عميس ، وغيرها ، وبأن ابن شبة قد ذكر : أنه كان له في زقاق البقيع دار قبالة دار عثمان الصغرى ، واتخذ منزلاً آخر عند المسجد في غربيه 26 .
ولكن ذلك لا يثبت ما يريدون إثباته ؛ فإن تعدد أزواجه لا يلزم منه أن يكون له بيت في جانب المسجد ، ولا سيما إذا كان له بيت في زقاق البقيع ـ بعيداً عن المسجد ـ في قبالة دار عثمان الصغرى . ثم لماذا لا يسكن أزواجه مع تعددهن في بيت واحد ذي حجر متعددة ، كغيره من أهل المدينة ـ ومنهم النبي «صلى الله عليه وآله» ـ الذين كان لهم عدة زوجات .
ولعل هؤلاء قد اعتمدوا في ذكرهم بيتاً لأبي بكر عند المسجد على هذا الحديث بالذات . أو أنهم أرادوا بذكرهم بيتاً له كذلك أن يمدوا يد العون لهذا الحديث الذي توالت عليه العلل والأسقام ، تماماً كما جعلوا ـ إلى يومنا هذا ـ خوخة في المسجد من أجل تصحيح ذلك . ولكنهم لم يجعلوا باباً لعلي «عليه السلام» ، وهو الذي ثبت أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد أبقى بابه مفتوحاً ، وسد كل باب في المسجد سواه .
4 ـ لقد اعترف ابن عمر ، وأبوه : أن علياً قد أوتي ثلاث خصال ، لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم : زوجه رسول الله «صلى الله عليه وآله» ابنته وولدت له ، وسد الأبواب إلا بابه في المسجد ، وأعطاه الراية يوم خيبر 27 .
فهذه الرواية صريحة في أنه «عليه السلام» قد اختص بذلك ، كما اختص بالراية يوم خيبر ، وبتزوجه فاطمة «عليها السلام» ، وولادتها له .
ولو كان لأبي بكر فضل هنا وامتياز ، لم يسمح عمر ولا ولده لنفسيهما باختصاصه «عليه السلام» بهذا الوسام . وامتيازه في قضية سد الأبواب كامتيازه في قضية الراية يوم خيبر ، حيث إن أخذ أبي بكر وعمر لها ليس فقط لم يكن امتيازاً لهما ، بل كان وبالاً عليهما ، كما هو معلوم .
5 ـ وأخيراً ، فقد قال المعتزلي عن البكرية التي أرادت مقابلة الأحاديث في فضل علي : إنها «وضعت لصاحبها أحاديث في مقابلة هذه الأحاديث ، نحو : «لو كنت متخذاً خليلاً» فإنهم وضعوه في مقابلة حديث الإخاء ، ونحو سد الأبواب ، فإنه كان لعلي «عليه السلام» ؛ فقلبته البكرية إلى أبي بكر» 28 .
وقد ذكر اللمعاني : أن قضية سد باب أبي بكر ، وفتح باب علي «عليه السلام» كانت من أسباب حقد عائشة على أمير المؤمنين «عليه السلام» ، فراجع 29 .
وما أجمل ما قاله الكميت في هذه المناسبة :
علي أمير المؤمـنين وحقه *** من الله مفروض على كل مسلم
وزوجه صديقة لم يكن لها *** معادلــة غـيـر البتولة مريم
وردم أبواب الذين بنى لهم *** بيوتــاً سـوى أبوابه لم يردم
وقال السيد الحميري :
وخبر المسجـد إذ خصه *** مجللاً من عرصـة الـدار
إن جنباً كان وإن طاهراً *** في كل إعـلان وإسـرار
وأخـرج الباقين منه معاً *** بالوحي مـن إنـزال جبار
وقال الصاحب بن عباد :
ولم يك محتاجاً إلى علم غـيره *** إذا احتاج قوم في قضايا تبلدوا
ولا سد عن خير المساجد بابه *** وأبوابهم إذ ذاك عـنه تسـدد
كلام ابن بطريق حول حديث سد الأبواب :
ولابن بطريق كلام هنا نلخصه على النحو التالي :
إن الله تعالى قد أظهر الفرق بين أمير المؤمنين «عليه السلام» ، وبين غيره . وإذا كان الحرام على غيره قد حل له ، فإن ذلك يعني : أنه يمتاز على ذلك الغير . والنبي «صلى الله عليه وآله» قد فتح أبواب الجميع على ظاهر الحال من الصلاح والخير ، والنبي «صلى الله عليه وآله» لا يعلم إلا هذا الظاهر إلا أن يطلعه الله على الباطن .
وعليه ، فإن كان تعالى قد سد أبوابهم على ظاهر الحال ، فقد بينا : أنها كانت صالحة عند الكل ؛ ولذلك فتح أبوابهم أولاً ، فلم يبق إلا أنه قد سد أبوابهم ، من أجل شيء يرجع إلى الباطن ، وفتح بابه لأنه قد انفرد بصلاح الباطن دونهم ، (أو فقل : انفرد في كونه القمة في الصلاح الباطني) بالإضافة إلى مشاركته لهم في صلاح الظاهر .
وبذلك امتاز «صلوات الله وسلامه عليه» عليهم .
ثم إن منعهم من الجواز وإباحته له ، إما أن يكون بلا سبب ، وهو عبث لا يصدر من حكيم ، وإما أن يكون له سبب ، وذلك يدل على انفراده «عليه السلام» بما لا يشركه فيه غيره .
وأقواله «صلى الله عليه وآله» تعضد هذا التخصص ، وتدل على صلاح باطنه ، كقوله «صلى الله عليه وآله» : «علي مني ، وأنا منه» .
وقوله : «أنت مني بمنزلة هارون من موسى» .
وقوله : «أنت أخي في الدنيا والآخرة» .
وقوله : «صلت الملائكة عليَّ وعلى علي سبع سنين قبل الناس» .
وقوله : «من كنت مولاه فعلي مولاه» .
وقوله تعالى :﴿ ... إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا 30.
وغير ذلك من مناقبه ومآثره ومزاياه ؛ فلولا ثبوت هذه المزايا له على غيره ، لما أنزله من نفسه بهذه المنازل ، ولما أقامه من نفسه في شيء من ذلك ، ولا أذن الله له بتخصيصه وتمييزه عن أمثاله وأضرابه الخ . . 31 . إنتهى ملخصاً .

كلام العلامة المظفر

ويقول العلامة الشيخ محمد حسن المظفر «رحمه الله» ما ملخصه : إن هذه القضية تكشف عن طهارة علي ، وأنه يحل له أن يجنب في المسجد ، ويمكث فيه كذلك ، ولا يكره له النوم فيه ، تماماً كما كان ذلك لرسول الله «صلى الله عليه وآله» . فإن عمدة الغرض من سد الأبواب هو تنزيه المسجد عن الأدناس ، وإبعاده عن المكروهات . وكان علي «عليه السلام» كالنبي «صلى الله عليه وآله» طاهراً مطهراً ، ولا تؤثر فيه الجنابة دنساً معنوياً ، وكان بيت الله كبيته بكونه حبيبه القريب منه . وأبو بكر لم يكن ممن أذهب الله عنهم الرجس ، وطهرهم تطهيراً ؛ ليحسن دخوله للمسجد جنباً ، ولا هو منه بمنزلة هارون من موسى ؛ ليمكن إلحاقه به .
هذا كله ، عدا عن ضعف خبر باب أو خوخة أبي بكر بفليح بن سليمان 32 ، وبإسماعيل بن عبد الله الكذاب الوضاع 33 .

ابواب المهاجرين فقط

ومن الواضح : أن البيوت التي كانت شارعة في المسجد إنما هي أبواب بيوت المهاجرين ؛ ويؤيد ذلك ما روي في حديث مناشدة علي «عليه السلام» لأهل الشورى ، حيث يقول :
«أكان أحد مطهراً في كتاب الله غيري ، حين سد النبي «صلى الله عليه وآله» أبواب المهاجرين ، وفتح بابي ؟! 34 .
بيت علي عليه السلام أم النبي صلى الله عليه وآله ؟!
وأما محاولة فضل بن روزبهان إيهام أن البيت كان للنبي «صلى الله عليه وآله» ، وكان علي «عليه السلام» ساكناً في بيت النبي «صلى الله عليه وآله» ، حيث قال : «كان المسجد في عهد رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، وكان علي ساكناً بيت رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، لمكان ابنته الخ . .» .
فهي محاولة فاشلة : وذلك لأن الأخبار قد صرحت : بأن الباب لعلي ، حتى تكلم الناس في استثناء بابه . ولو كان الباب للنبي «صلى الله عليه وآله» لما كان ثمة مجال لكلامهم ، واعتراضهم ، وحسدهم .
(أقول : بل لا مجال لاستثنائه أصلاً ، لأن النبي أمرهم بسد أبوابهم ، أما الباب الذي له فهو يعرف وظيفته ، وتكليفه فيه) .
وواضح : أن هدف ابن روزبهان ، هو أن يجعل المستثنى هو باب رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، لأن البيت كان له . إذاً فلا يكون لعلي «عليه السلام» فضل .
فالهدف الأول والأخير له ـ بحسب ما يظهر من كلامه ـ هو إنكار فضائل علي «عليه السلام» 35 .
ولكن الله يأبى إلا أن يتم نوره ويظهر دينه ، وينصر ويعز وليه .
أضف إلى كل ما تقدم : أن علياً «عليه السلام» قد بنى بفاطمة في بيت حارثة بن النعمان 36 ، وحارثة هذا كان قد أعطى للرسول «صلى الله عليه وآله» بيوتاً أخرى ليسكن بها أزواجه 37 38 .

  • 1. الغدير ج3 ص208 عن أبي نعيم في فضائل الصحابة . ورواه السمهودي في وفاء الوفاء ج2 ص477 عن يحيى من طريق ابن زبالة وغيره عن عبد الله بن مسلم الهلالي عن أخيه ، واللآلي المصنوعة ج1 ص352 .
  • 2. ملحقات إحقاق الحق ج5 ص560 عن أرجح المطالب (ط لاهور) ص421 عن أبي سعد في شرف النبوة ، واللآلي المصنوعة ج1 ص346 .
  • 3. الدر المنثور ج6 ص122 ، والإصابة ج1 ص373 ، وإحقاق الحق ج5 ص570 عن أرجح المطالب ص421 عن ابن مردويه ، وفضائل الخمسة ج2 ص149 .
  • 4. كنز العمال ج15 ص155 و156 عن البزار ، ووفاء الوفاء ج2 ص478 ، ومجمع الزوائد ج9 ص115 بإسناد رجاله ثقات ، إلا حبة العرني وهو ثقة ، وذكره الأميني في الغدير ج3 ص209 عن المجمع ، وراجع : السيرة الحلبية ج3 ص346 .
  • 5. مناقب الإمام علي لابن المغازلي ص254 و255 ، والطرائف لابن طاووس ص62 ، وكشف الغمة ج1 ص331 و 332 ، وعمدة ابن بطريق ص178 ، ونقله في إحقاق الحق ج5 ص568 و 569 عن المناقب لعبد الله الشافعي ، وعن أرجح المطالب ص415 عن ابن مردويه وابن المغازلي .
  • 6. وفاء الوفاء ج2 ص478 و 479 عن ابن زبالة ، ويحيى .
  • 7. مستدرك الحاكم ج3 ص117 ، وراجع : وفاء الوفاء ج2 ص479 عن يحيى ، وكشف الغمة ج1 ص332 .
  • 8. راجع : كنز العمال ج15 ص155 ، واللآلي المصنوعة ج1 ص351 ، ومجمع الزوائد ج9 ص114 ، ومنتخب الكنز بهامش المسند ج5 ص55 .
  • 9. مجمع الزوائد ج9 ص114 و 115 عن الطبراني بسند فيه ناصح ، وهو متروك ، والقول المسدد ص23 ، ووفاء الوفاء ج2 ص480 ، والغدير ج3 ص206 عن بعض من تقدم ، وراجع : السيرة الحلبية ج3 ص346 ، وراجع : نزل الأبرار ص69 ، وإحقاق الحق ج5 ص555 عن مصادر أخرى .
  • 10. وفاء الوفاء ج2 ص479 و 480 .
  • 11. خصائص النسائي ص74 و 75 ، واللآلي المصنوعة ج1 ص346 ، والغدير ج3 ص207 عن الأول .
  • 12. مناقب الخوارزمي الحنفي ص225 .
  • 13. فرائد السمطين ج1 ص208 .
  • 14. دلائل الصدق ج2 ص266 .
  • 15. راجع المصادر التالية : مسند أحمد ج4 ص369 وج2 ص26 ، وج1 ص175 و331 ، ومجمع الزوائد ج9 ص114 و115 و120 ، والخصائص للنسائي ص72 ـ 75 ، ومستدرك الحاكم ج3 ص125 و117 و134 ، وتلخيصه للذهبي بهامشه ، والقول المسدد ص19 ـ 26 ، وأحكام القرآن للجصاص ج2 ص204 ، ومعرفة علوم الحديث ص99 ، ونزل الأبرار ص69 ، وفتح الباري ج7 ص12 ـ 14 ، وإرشاد الساري ج6 ص84 و 85 ، ووفاء الوفاء للسمهودي ج2 ص474 ـ 480 ، والبحار ج39 ص19 ـ 34 ، عن كثير من المصادر ، والبداية والنهاية ج7 ص342 ، واللآلي المصنوعة ج1 ص346 و 354 ، والصواعق المحرقة ص121 و 122 و 125 ، والمناقب للخوارزمي ص214 و 235 و 238 ، وفرائد السمطين ج1 ص205 ـ 208 ، ومناقب الإمام علي لابن المغازلي252 و 261 ، وسنن الترمذي ج5 ص639 ـ 641 ، وكنز العمال ج15 ص96 و 101 و 120 و 155 ، وأنساب الأشراف بتحقيق المحمودي ج2 ص106 ، والإصابة ج2 ص509 ، وفضائل الخمسة ج1 ص231 وج2 ص149 ـ 157 ، وحلية الأولياء ج4 ص153 ، والطرائف لابن طاووس60 ـ 63 ، وترجمة الإمام علي (عليه السلام) من تاريخ ابن عساكر ، بتحقيق المحمودي ج1 ص252 ـ 281 و 327 و 219 ، وكفاية الطالب ص201 ـ 204 ، وتذكرة الخواص ص41 ، وتاريخ بغـداد ج7 ص205 ، والـدر المنثور ج3 ص314 ، وعلل الشرايـع ص201 و202 ، وكشف الغمة للأربلي ج1 ص330 ـ 335 ، وينابيع المودة ص283 ، ومنتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج5 ص29 ، وذخائر العقبى ص76 و 77 و 87 ، ولسان الميزان ج4 ص165 ، وراجع : سنن البيهقي ج7 ص65 ، وشرح النهج للمعتزلي ج9 ص195 ، والغدير ج3 ص201 ـ 215 ، وج10 ص68 عن غير واحد ممن تقدم ، وملحقات إحقاق الحق ج5 من ص540 حتى ص586 عن كثير ممن تقدم وعن الحاوي للفتاوى ج2 ص15 وغيره من المصادر .
    وقد نقلنا بالواسطة عن : غاية المرام ص640 ، وأرجح المطالب ط لاهور ص421 ، والكشاف ج1 ص366 ، وأحكام القرآن للجصاص ج2 ص248 ، وكنز العمال ج6 ص152 و 157 و 391 و 398 و 408 ، وأخبار القضاة ج3 ص149 ، والخصائص الكبرى ج2 ص243 ، ورواه أيضاً : الطبراني في الكبير والأوسط ، وأبو يعلى ، وسعيد بن منصور ، والضياء في المختارة ، والكلاباذي ، والبزار ، والعقيلي ، وابن السمان ، وكثير غيرهم .
  • 16. اللآلي المصنوعة للسيوطي ج1 ص347 ، وتفسير ابن كثير ج1 ص501 ، ومنهاج السنة ج3 ص9 ، والقول المسدد ص19 ، وفتح الباري ج7 ص13 عن ابن الجوزي ، ووفاء الوفاء ج2 ص476 .
  • 17. فتح الباري ج7 ص13 ، وراجع : إرشاد الساري ج6 ص85 ، وراجع : القول المسدد ص20 ، ووفاء الوفاء ج2 ص476 .
  • 18. القول المسدد ص23 ، واللآلي المصنوعة ج1 ص350 عنه باختلاف يسير في اللفظ .
  • 19. القول المسدد ص24 و 25 ، وراجع ص19 وعنه في اللآلي المصنوعة ج1 ص350 .
  • 20. أحكام القرآن للجصاص ج2 ص204 .
  • 21. راجـع : البخاري باب قـول النبي (صلى الله عليه وآله) سدوا الأبواب إلا باب أبي بكر بهامش فتح الباري ج7 ص11 و 12 وباب الهجرة وفي كتاب الصلاة ، وصحيح مسلم ج7 ص108 ، ووفاء الوفاء ج2 ص471 و 472 عنهما وعن الطبراني ، وأبي يعلى ، وابن سعد . وراجع : القول المسدد ص24 و 25 ، واللآلي المصنوعة ج1 ص350 و 352 ، والبداية والنهاية ج5 ص230 و 229 ، وتفسير ابن كثير ج1 ص501 ، وتفسير الرازي ج2 ص347 ، والمصنف ج5 ص431 ، وحياة الصحابة ج3 ص346 ، ومجمع الزوائد ج9 ص42 .
  • 22. وفاء الوفاء ج2 ص472 و 473 ، وفتح الباري ج7 ص12 ، وإرشاد الساري ج6 ص84 ، وراجع : القول المسدد ص24 ، والبداية والنهاية ج5 ص230 .
  • 23. وفاء الوفاء ج2 ص477 ، وراجع : فرائد السمطين ج1 ص206 عن أبي نعيم ، واللآلي المصنوعة ج1 ص349 و 351 .
  • 24. فتح الباري ج7 ص13 ، والقول المسدد ص25 ، ووفاء الوفاء ج2 ص477 ، وهم عن الطحاوي في مشكل الآثار ، والكلاباذي في معاني الأخبار .
  • 25. فتح الباري ج7 ص12 ، وإرشاد الساري ج6 ص84 ، ووفاء الوفاء ج2 ص473 .
  • 26. المصادر الثلاثة المتقدمة .
  • 27. راجع : مسند أحمد ج2 ص26 ، ومستدرك الحاكم ج3 ص125 ، والصواعق المحرقة الفصل3 باب9 ، وكنز العمال ، وغير ذلك من المصادر المتقدمة .
  • 28. شرح النهج ج11 ص49 .
  • 29. شرح النهج للمعتزلي ج9 ص195 .
  • 30. القران الكريم: سورة الأحزاب (33)، الآية: 33، الصفحة: 422.
  • 31. راجع : كشف الغمة للأربلي ج1 ص333 و 334 .
  • 32. راجع كتابنا : حديث الإفك ص60 و61 .
  • 33. راجع ص21 و22 من دلائل الصدق ج1 .
  • 34. اللآلي المصنوعة ج1 ص362 .
  • 35. راجع : دلائل الصدق ج2 ص261 ـ 267 .
  • 36. البحار ج19 ص113 ، وإعلام الورى ص71 .
  • 37. البحار ج19 ص113 ، وإعلام الورى ص71 ، وراجع : الوفاء لابن الجوزي ج1 ص257 ، وتاريخ الخميس ج1 ص366 ، ودلائل النبوة للبيهقي ج5 ص131 ، ووفاء الوفاء ج2 ص462 ، والسيرة الحلبية ج1 ص336 .
  • 38. الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) ، العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي ، المركز الإسلامي للدراسات ، الطبعة الخامسة ، 2005 م . ـ 1425 هـ . ق ، الجزء السادس .