الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

الامام العاشر

أبوالحسن علي بن محمّد الجواد بن علي الرضا ـ عليهم السلام ـ الهادي
الامام علي الهادي، هو الامام العاشر، والنور الزاهر، ولد عام 212 هـ وتوفّي بسامراء سنة 254 هـ وهو من بيت الرسالة والامامة ومقر الوصاية والخلافة، وثمرّة من شجرة النبوّة، قام بأمر الامامة بعد والده الامام الجواد، وقد عاصر خلافة المعتصم فالواثق، فالمتوكل فالمنتصر، والمستعين، والمعتز،وله مع هؤلاء قضايا لا يقتضي المقام ذكر البعض فكيف الكل .
قال ابن شهر آشوب: كان أطيب الناس مهجة، وأصدقهم لهجة، وأملحهم من قريب، وأكملهم من بعيد، إذا صمَت، عَلتْه هيبة الوقار، وإذا تكلّم سماه البهاء1. وقال عماد الدين الحنبلي: كان فقيهاً إماماً متعبّداً2.
وقال المفيد: تقلّد الإمامة بعد أبي جعفر ابنه أبو الحسن علي بن محمّد، وقد اجتمعت فيه خصال الإمامة وثبت النص عليه بالامامة، والاشارة إليه من أبيه بالخلافة3.
وقدتضافرت النصوص على إمامته عن طرقنا، فمن اراد فليرجع إلى الكافي واثبات الهداة وغيرهما من الكتب المعدّة لذلك4.
وقد مارس المتوكّل نفس الاسلوب الخبيث الّذي رسمه المأمون ثم أخوه المعتصم من إشخاص أئمّة أهل البيت من موطنهم وإجبارهم على الاقامة في مقرّ الخلافة وجعل العيون والحرّاس عليهم حتّى يطلعوا على دقيق حياتهم وجليلها، وكان المتوكّل من أخبث الخلفاء العباسيين وأشدّهم عداءً لعلىّ فبلغه مقام علي الهادي بالمدينة ومكانته هناك، وميل الناس إليه، فخاف منه، فدعى يحيى بن هرثمة، وقال: إذهب إلى المدينة، وانظر في حاله وأشخصه إلينا.
قال يحيى: فذهبت إلى المدينة. فلمّا دخلتها ضجَّ أهلها ضجيجاً عظيماً ما سمع الناس بمثله، خوفاً على علي الهادي، وقامت الدنيا على ساق، لأنّه كان مُحْسِنا اليهم، ملازماً للمسجد لم يكن عنده ميل إلى الدنيا. قال يحيى: فجعلت اُسكِّنهم وأحْلِف لهم أنّي لم اُؤمر فيه بمكروه، وانّه لا بأس عليه، ثمّ فتّشت منزله فلم أجد فيه إلاّ مصاحف وأدعية وكتب العلم، فعظم في عيني وتولّيت خدمته بنفسي وأحسنت عشرته، فلمّا قدمت به بغداد، بدأت بإسحاق بن إبراهيم الطاهري وكان والياً على بغداد، فقال لي: يا يحيى إنّ هذا الرجل قد ولده رسول اللّه، والمتوكل مَنْ تَعْلَم، فإن حرّضته عليه قتله، وكان رسول اللّه خصمك يوم القيامة. فقلت له: واللّه ما وقعت منه إلاّ على كلّ أمر جميل، ثمّ صرت به إلى «سرّ من راى»، فبدأت بـ «وصيف» التركي، فأخبرته بوصوله، فقال: واللّه لئن سقط منه شعرة لا يطالب بها سواك، فأخبرته بحسن سيرته وسلامة طريقه وورعه وزهادته وأنّي فتّشت داره ولم أجد فيها إلاّ المصاحف وكتب العلم وأنّ أهل المدينة خافوا عليه، فأكرمه المتوكل وأحسن جائزته وأجزل برّه، وأنزله معه سامراء5.
ومع انّ الامام كان يعيش في نفس البلد الّذي يسكن فيه المتوكل، وكانت العيون والجواسيس يراقبونه عن كثب، وشي إلى المتوكل بعلي بن محمّد أن في منزله كتباً وسلاحاً من شيعته من أهل قم وأنّه عازم بالوثوب بالدولة، فبعث إليه جماعة من الأتراك، فهاجموا داره ليلا فلم يجدوا فيها شيئاً، ووجدوه في بيت مغلق عليه وعليه مدرعة من صوف وهو جالس على الرمل والحصى وهو متوجّه إلى اللّه تعالى يتلو آيات من القرآن، فحمل على حاله تلك، إلى المتوكل، قالوا للمتوكل: لم نجد في بيته شيئاً ووجدناه يقرأ القرآن مستقبل القبلة، وكان المتوكل جالساً في مجلس الشراب فاُدخل عليه والكأس في يد المتوكل، فلمّا رآه هابه وعظمه وأجلسه إلى جانبه، وناوله الكأس الّتي كانت في يده، فقال: واللّه ما خامر لحمي ودمي قط، فاعفني، فأعفاه، فقال له: أنشدني شعراً، فقال علي: أنا قليل الرواية للشعر، فقال: لابد، فأنشده وهو جالس عنده:
باتوا على قلل الأجبال تحرسهم *** غلب الرجال فما أغنتهم القلل
واستنلزوا بعد عزّ من معاقلهم *** واُسْكِنُوا حُفراً يابئس ما نزلوا
ناداهم صارخ من بعد دفنهم *** أين الأسرّة والتيجان والحلل
أين الوجوه الّتي كانت منعّمة *** من دونها تضرب الأستار واللكل
فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم *** تلك الوجوه عليها الدود يقتتل6
قد طال ما أكلوا دهراً وما شربوا *** فأصبحوا بعد طول الأكل قد اُكِلوا
فبكى المتوكّل حتّى بلّتً لحيته دموع عينه وبكى الحاضرون ورفع إلى علي أربعة آلاف دينار ثمّ ردّه إلى منزله مكرماً7.
آثاره العلمية :
روى الحفّاظ والرواة عن الامام أحاديث كثيرة في شتّى المجالات من العقيدة والشريعة، وقد جمعها المحدّثون في كتبهم وبثّها الحرّ العاملي في وسائل الشيعة على أبواب مختلفة، وممّا نلفت إليه النظر انّ للإمام رسائل .
  1. رسالته في الرد على الجبر والتفويض واثبات العدل والمنزلة بين المنزلتين أوردها بتمامها الحسن بن علي بن شعبة الحلبي في كتابه8.
  2. أجوبته ليحيى بن أكثم عن مسائله، وهذه أيضا أوردها في تحف العقول .
  3. قطعة من أحكام الدين، ذكرها ابن شهر آشوب في المناقب .
ولأجل إيقاف القارئ على نمط خاص من تفسير الامام نأتي بنموذج من تفسيره: قدم إلى المتوكل رجل نصراني فجر بامرأة مسلمة، فأراد أن يقيم عليه الحد، فأسلم، فقال يحيى بن أكثم: الايمان يمحو ما قبله، وقال بعضهم: يضرب ثلاثة حدود، فكتب المتوكّل إلى الامام الهادي يسأله، فلمّا قرأ الكتاب، كتب: يضرب حتّى يموت، فأنكر الفقهاء ذلك فكتب إليه يسأله عن العلّة، فكتب: بسم اللّه الرحمن الرحيم﴿ فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ 9، فأمر به المتوكّل فضرب حتّى مات10.
وفاته:
توفّي أبوالحسن ـ عليه السلام ـ في رجب سنة أربع وخمسين ومائتين ودفن في داره بسرّ من رأى، وخلّف من الولد أبا محمّد الحسن ابنه هو الإمام من بعده والحسين ومحمّد وجعفر وابنته عايشة، وكان مقامه بسرّ من رأى إلى أن قبض عشر سنين وأشهر، وتوفّي وسنّه يومئذ على ما قدمناه إحدى وأربعون سنة11.
وقد ذكر المسعودي في اثبات الوصيّة، تفصيل كيفية وفاته وتشييعه وإيصاء الإمامة لابنه أبي محمّد العسكري. فمن أراد فليراجع.
الرواة عن الامام الهادي:
ذكر ابن شهر آشوب في المناقب مشاهير الرواة عنه12، وذكر الشيخ الطوسي أسماء الرواة عنه في رجاله فبلغ عددهم 185 شخصاً13ثمّ إنّ الشيخ المعاصر العطاردي قام بجمع ما روي عنه في مجالات شتى فأسماه «مسند الإمام الهادي» شكر اللّه سعيه14.
  • 1. مناقب آل أبي طالب 4 / 401 طبع قم.
  • 2. شذرات الذهب 2 / 128 في حوادث سنة 254.
  • 3. الارشاد 327.
  • 4. الكليني، الكافي 1 / 323 ـ 325، الشيخ الحر العاملي: اثبات الهداة 3 / 355 ـ 358.
  • 5. سبط ابن الجوزي، تذكرة الخواص 322.
  • 6. ربما يروى «ينتقل».
  • 7. المسعودي: مروج الذهب 4 / 11.
  • 8. تحف العقول 338 ـ 352.
  • 9. القران الكريم: سورة غافر (40)، الآية: 84 و 85، الصفحة: 476.
  • 10. ابن شهر آشوب: مناقب آل أبي طالب 4 / 403 ـ 405.
  • 11. الإرشاد 327.
  • 12. المناقب 4 / 402.
  • 13. رجال الشيخ الطوسي 409 ـ 427.
  • 14. من كتاب بحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني