حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
النية القلبية السيئة إذا لم يُتبعها الانسان بعمل هل يحاسب عليها؟
لا يترتَّب إثمٌ ولا عقوبة على نيَّة فعل المعصية ما لم تُرتكب، فإذا ارتُكبت المعصية كُتبت، فإذا تاب مرتكبُها غُفرت له.
وقد نصَّت الكثير من الروايات على عدم مُساءلة الإنسان على مجرَّد قصد ارتكاب المعصية ما لم يتعقَّب ذلك اقترافها.
فمن ذلك ما رواه الكليني بسنده عن زرارة عن أحدهما قال: إن الله تبارك وتعالى جعل لآدم في ذريته: مَن همَّ بحسنةٍ ولم يعملها كُتبت له حسنة ومَن هم بحسنةٍ وعملها كُتبت له بها عشراً، ومن همَّ بسيئةٍ ولم يعملها لم تُكتب عليه 1.
ومنها: ما رواه الكلينى بسنده عن أبي بصير عن عبد الله (ع) "وإن المؤمن ليهم بالسيئة أن يعملها فلا يعملها فلا تُكتب عليه"1.
ومنها: ما رواه الحسين بن سعيد في الزهد بسنده عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله (ع) قال: "إذا همَّ العبدُ بالسيئة لم تُكتب عليه، وإذا همَّ بحسنةٍ كُتبت له"2.
فمثل هذه الروايات -وغيرها ممَّا لم نذكر- صريحةٌ في عدم ترتُّب العقوبة على نيَّة المعصية وقصدها ما لم يتعقَّب ذلك ارتكابها، نعم يُكره للمؤمن أنْ ينوي المعصية فإنَّ ذلك من ضعف الإيمان وسوءِ الخُلق مع الله جلَّ وعلا، ثم إنَّ لقصد المعصية آثارًا سيئة على النفس كما أنَّها تُوجب الحرمان من بعض المِنَح الالهية، لذلك حذَّرت الروايات الواردة عن أهل البيت (ع) من نيَّة الذنب وإنْ لم يُرتكب.
فمن ذلك ما رواه الصدوق بسنده عن الأزدي عن أبي عبدالله (ع) قال: "إنَّ المؤمن لينوي الذنب فيُحرم رزقه"3.
ومنها: ما رواه الكلينى بسنده عن عبد الله بن موسى بن جعفر عن أبيه الإمام موسى بن جعفر (ع) قال: سألتُه عن الملَكين هل يعلمان بالذنب إذا أراد العبد أن يفعله أو الحسنة؟ فقال: "ريح الكنيف وريح الطيب سواء؟"، قلتُ: لا، قال: "إنَّ العبد إذا همَّ بالحسنة خرج نفسُه طيب الريح"، فقال: "صاحب اليمين لصاحب الشمال: قم فإنَّه قد همَّ بالحسنة فإذا فعلها كان لسانه قلمه وريقه مِداده فأثبتها له، وإذا همَّ بالسيئة خرج نفسُه منتن الريح فيقول صاحب الشمال لصاحب اليمين: قف فإنَّه قد همَّ بالسيئة فإذا هو فعلها كان لسانه قلمه وريقه مداده وأثبتها عليه"4.
ومنها: ما ورد في المأثور أنَّ عيسى بن مريم قال لبني إسرائيل: "يا بني إسرائيل زعمتم أن موسى نهاكم عن الزنى وصدقتم وأنا أنهاكم عنه وأُحدِّثكم أن مَثَل حديث النفس بالخطيئة كمثل الدخان في البيت إلا تحرقه فإنَّه ينتن ريحه ويُغيِّر لونه ومثل القادح بالخشبة إلا يكسرها فإنَّه يعجرها ويُضعها"5.
فنيَّةُ المعصية وإنْ لم يترتَّب عليها إثمٌ وعقوبة إلا أنَّ أثرها على النفس كأثر الدخان في البيت فإنَّه وإنْ لم يكن موجبًا لاحتراقه وتلفه إلا أنَّه مُنتجٌ لتغيير لون جدرانه واسودادها، كما ينشأ عنه انبعاث رائحة مُنتنة من فرُشه وأثاثه، وهكذا هي نسبة المعصية فإنَّ من آثارها -إذا ما استحكمت في النفس- خبثَ السريرة، وإذا لم تستحكم تكدَّرت كما تتكدَّر الزجاجة من أثر الدخان الأسود، فلا تكون النفس مع نيَّة المعصية صافية، وذلك ما ينشأ عنه الحرمان وضعف القدرة عن تلقِّي النفس لفيوضات الله جلَّ وعلا وبذلك تكون مرتعًا لهواجس الشيطان وتسويلاته 6.