الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

تاريخ ولادة فاطمة الزهراء عليها‌ السلام

اختلف المحدثون والمؤرخون عند الفريقين في تاريخ ولادة الزهراء عليها‌ السلام ، والمشهور بين علماء الإمامية أنّه في يوم الجمعة العشرين من شهر جمادى الثانية من السنة الخامسة بعد البعثة النبوية ، وبعد الاسراء بثلاث سنين 1.
وعمدتهم في ذلك ما روي عن الأئمة الأطهار عليهم‌السلام فقد روي بالاسناد عن حبيب السجستاني ، قال : سمعت أبا جعفر عليه‌ السلام يقول : « ولدت فاطمة بنت محمد صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم بعد مبعث رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلم بخمس سنين » 2.
وعن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه‌ السلام قال : « ولدت فاطمة في جمادىٰ الآخرة يوم العشرين منه ، سنة خمس وأربعين من مولد النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلم » 3.
وروىٰ نصر بن علي الجهضمي ، عن الإمام علي بن موسىٰ الرضا عليه‌ السلام ، قال : « ولدت فاطمة بعدما أظهر الله نبوته صلى‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلم بخمس سنين » 4.
وقيل أيضاً : كان مولد السيدة الزهراء عليها‌ السلام في العشرين من جمادىٰ الآخرة سنة اثنتين من المبعث 5.
وقال أكثر علماء العامة : إنّها عليها‌ السلام ولدت قبل البعثة ، واختلفوا في عدد السنوات ، فقيل : ولدت وقريش تبني البيت الحرام قبل النبوة بخمس سنين ، ورسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلم ابن خمس وثلاثين سنة ، أخرجه سبط ابن الجوزي عن علماء السير 6 ، والمحبّ الطبري عن الدولابي ، وابن حجر عن الواقدي والمدائني 7.

وعن محمد بن إسحاق ، كان مولدها حين بنت قريش الكعبة قبل مبعث النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلم بسبع سنين وستة أشهر 8.
وروى الحاكم وابن عبدالبرّ عن عبدالله بن محمد بن سليمان بن جعفر الهاشمي ، عن أبيه ، عن جدّه ، قال : ولدت فاطمة عليها‌ السلام سنة إحدىٰ وأربعين من مولد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أي بعد المبعث بسنة 9.
هذا هو معظم ماقيل في تاريخ ولادتها عليها‌ السلام ومنه يتضح أنه مورد اختلاف بين علماء الإسلام ، ونحن نرجّح ما روي عن أبناء الزهراء عليها‌ السلام الأئمة المعصومين عليهم‌ السلام لأنّهم أعرف بتاريخ أُمّهم ، والمروي عنهم كما تقدم أنها ولدت لخمس سنين بعد البعثة ، وقولهم مقدم علىٰ أقوال غيرهم.
ويؤيده عدّة قرائن :
منها : ما أخرجه المحبّ الطبري عن الملّاء في سيرته قال : إنّ خديجة لمّا أرادت أن تضع فاطمة عليها‌ السلام بعثت الىٰ نساء قريش ليأتينها ، فيلين منها ما يلي النساء ممّن تلد ، فلم يفعلن وقلن : لانأتيك وقد صرت زوجة محمد صلى‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلم 10 ، وإنّما قاطعن خديجة عليها‌ السلام بعد ظهور الرسالة ونزول الوحي.
ومنها : ما أخرجه سبط ابن الجوزي عن أحمد في (الفضائل ) عن عبدالله ابن بريدة ، قال : خطب أبو بكر فاطمة عليها‌ السلام فقال رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلم : « إنّها صغيرة ، وإنّي انتظر بها القضاء » 11، ورواه الحاكم والنسائي 12، ولا يصح الاعتذار بصغر سنها لو كانت ولادتها قبل المبعث بخمس سنين ؛ لأنّ أبا بكر تعرّض لخطبتها عليها‌ السلام بعد الهجرة ، وعمرها علىٰ هذا الحساب ثماني عشرة سنة أو أكثر.

ويدلُّ علىٰ أن ولادتها عليها‌ السلام كانت بعد البعثة الأحاديث الكثيرة التي تنصُّ علىٰ أن تسميتها كانت بأمر الله تعالىٰ لرسوله صلى‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلم ، ومن ذلك ما رواه ابن عباس عنه صلى‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلم قال : « وإنّما سمّاها فاطمة ، لأنّ الله عزَّ وجلّ فطمها ومحبيها عن النار » 13.
وعن الإمام الباقر عليه‌ السلام قال : لما ولدت فاطمة عليها‌ السلام أوحىٰ الله تعالىٰ إلىٰ ملك فأنطق به لسان محمد صلى‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلم فسمّاها فاطمة 14.
وهذا التاريخ يناسب ما روي عن عائشة وسعد بن مالك وابن عباس وغيرهم ، أنّ رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلم قال : « لما أُسري بي إلىٰ السماء أدخلت الجنة ، فوقعت علىٰ شجرةٍ من أشجار الجنة ، لم أرَ في الجنة أحسن منها ، ولا أبيض ورقا ً ، ولا أطيب ثمراً ، فتناولت ثمرة من ثمراتها فأكلتها ، فصارت نطفة ، فإذا أنا اشتقت إلىٰ ريح الجنة شممت ريح فاطمة » 15 ، وفي لفظ آخر : « فهي حوراء إنسية ، كلّما اشتقت إلىٰ الجنة قبلتها » 16.

ومناسبة هذا الحديث للتاريخ المذكور عن أهل البيت عليهم‌ السلام في ولادتها ، تأتي لكون الاسراء وقع بعد البعثة بنحو ثلاث سنين بلا خلاف ، فهذا الحديث حاكم علىٰ بطلان الأقوال المصرحة بالولادة قبل البعثة.
قد يقال : إنّ عمر خديجة عليها‌ السلام حين الزواج بالنبي صلى‌الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلم أربعون سنة ، وكان النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلم ابن خمس وعشرين سنة ، ونزل عليه الوحي في سنّ الأربعين ، فإذا ولدت الزهراء عليها‌ السلام بعد مضي خمس سنين من نزول الوحي ، يكون عمر أُمّها عند الحمل بها ستين سنة ، وذلك أمر مستبعد للعادة.
وفيه : أنّ المنقول عن ابن عباس وابن حمّاد ، أنّ عمر خديجة عليها‌ السلام حين تزوجها النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلم كان ثماني وعشرين سنة 17.
وقد أيّد هذا بعض المؤرخين وعلماء الأنساب 18.
ولهذا قال ابن العماد الحنبلي : « رجّح كثيرون أنّها عند الزواج بالنبي صلى‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلم كانت ابنة ثماني وعشرين سنة » 19.
ولا يخفىٰ بأنّ القول بصحة الرأي الأخير يسقط أصل الإشكال ، إذ سيكون عمر خديجة عليها‌السلام حين البعثة المشرّفة ثلاث وأربعين سنة ، وحين ولادة سيدة نساء العالمين عليها‌ السلام ثماني وأربعين سنة ، وحمل القرشية في هذه السن من المتعارف عليه ولا نقاش فيه ، وله مصاديق جمّة قديماً وحديثاً.

وعلىٰ القول بأنّ عمر خديجة عليها‌ السلام عند الحمل بها ستون سنةً ، فإنّ حمل المرأة في مثل هذه السنّ ، وإن كان متعذّراً في غالب النساء ، إلّا أنّ إمكان أن ترىٰ القرشية والنبطية دم الحيض في هذه السنّ غير مستبعد ، بل هو من المشهور في فقه الفريقين 20.
نعم ، هو أقصىٰ مدة ليأس القرشية والنبطية عندهم ، وقد أكدته بعض الروايات المعتبرة المسندة إلىٰ أهل البيت عليهم‌ السلام 21.
وأمّ المؤمنين خديجة الكبرىٰ عليها‌ السلام قرشية بالاتفاق ، وبهذا تكون من مصاديق فتاوىٰ الفقهاء وروايات أهل البيت عليهم‌ السلام 22.

  • 1. راجع : الكافي / الكليني 1 : 458 ، دار الكتب الإسلامية ـ طهران. كشف الغمة / الاربلي 1 : 449 تبريز. ودلائل الإمامة / الطبري : 79 ، مؤسسة البعثة ـ قم. والمناقب / ابن شهرآشوب 3 :357 ، دار الأضواء.
  • 2. الكافي 1 : 457 / 10.
  • 3. دلائل الإمامة : 79 / 18. وبحار الأنوار 43 : 9 / 16.
  • 4. تاريخ الأئمة / ابن أبي الثلج : 6 ـ ضمن مجموعة نفيسة ـ مكتبة السيد المرعشي ـ قم.
  • 5. المصباح / الكفعمي : 512 ، دار الكتب العلمية ـ قم.
  • 6. تذكرة الخواص / سبط ابن الجوزي : 306 ، مكتبة نينوى. واتحاف السائل / المناوي : 23 ، مكتبة القرآن ـ القاهرة.
  • 7. ذخائر العقبىٰ / المحب الطبري : 53 ، دار المعرفة ـ بيروت.
  • 8. الإصابة 4 : 377.
  • 9. الثغور الباسمة / السيوطي : 158 ، مركز الدراسات والبحوث العلمية ـ بيروت.
  • 10. مستدرك الحاكم 3 : 161. والاستيعاب 4 : 374.
  • 11. تذكرة الخواص : 306.
  • 12. مستدرك الحاكم 2 : 167. وسنن النسائي 6 : 62 ، دار الكتاب العربي ـ بيروت.
  • 13. ذخائر العقبىٰ : 26.
  • 14. علل الشرائع / الشيخ الصدوق : 179 / 4 ، مكتبة الداوري ـ قم. والكافي 1 : 460 / 6.
  • 15. الدر المنثور / السيوطي 5 : 218 ، دار الفكر ـ بيروت. والمعجم الكبير / الطبراني 22 : 400 /1000 ، دار إحياء التراث العربي. ونحوه في مستدرك الحاكم 3 : 156. وذخائر العقبىٰ : 36.وعلل الشرائع 1 : 183. ومقتل الحسين عليه‌السلام / الخوارزمي 1 : 63 و 68 ، مكتبة المفيد ـ قم.وفرائد السمطين / الجويني 2 : 61 / 386 ، مؤسسة المحمودي. ومجمع الزوائد / الهيثمي 9 : 202 ، دار الكتاب العربي ـ بيروت. والمناقب / ابن المغازلي : 357 ـ 359 / 406 ـ 407 ، دارالكتب الإسلامية ـ طهران. ومسند فاطمة الزهراء عليها‌السلام / السيوطي : 51 ، حيدر آباد ـ الهند.
  • 16. تاريخ بغداد / الخطيب 5 : 87 ، دار الكتب العلمية.
  • 17. كشف الغمة / الاربلي 2 : 510 و 513.
  • 18. أنساب الأشراف / البلاذري 1 : 108 ، دار الفكر ـ بيروت. والمحبر / ابن حبيب : 79 ، دار الآفاق الجديدة ـ بيروت.
  • 19. شذرات الذهب / ابن العماد الحنبلي 1 : 14 في حوادث سنة 11 ه‌ ، دار احياء التراث العربي بيروت.
  • 20. تذكرة الفقهاء / العلامة الحلي 1 : 252. والمغني / ابن قدامة 1 : 406. والشرح الكبير 1 : 352.
  • 21. الكافي / الكليني 3 : 107 / 2 و 3 و 4. وتهذيب الأحكام / الشيخ الطوسي 7 : 469 / 1881.
  • 22. المصدر: كتاب سيّدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام، للدكتور علي موسى الكعبي.