الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

عمّ تنجم معاناة الأمة الإسلامية في الوقت الحاضر؟

لماذا تعاني الشعوب الإسلامية إلى هذا الحد من الناحية الاقتصادية والضغوط السياسية والحروب، والحروب الداخلية، والهيمنة والسيطرة، والاستعمار، والاستعمار الجديد، وأمثالها؟

ما سبب هذه المعاناة وتعرّض المسلمين لها؟

هناك أسباب كثيرة ودلائل متعددة. التخلف العلمي أحد أسبابها، والاستسلام لتسلّط المستعمرين أحدها. لها أسباب متعددة، وقد عمل في هذا الصدد مَن هم أهل السياسة وتحليل القضايا السياسيّة والاجتماعيّة وأمثال هذه الأمور وكتبوا آلاف المقالات، لكنْ واحد من العوامل، الذي قد يكون الأهمّ أو من أهمّها، هو تفرّق المسلمين. نحن لا ندرك قيمة أنفسنا وقيمة بعضنا بعضاً. هذا هو الإشكال الكبير لعملنا. نحن منفصلون عن بعضنا بعضاً ومتفرّقون.

حين نكون متفرّقين، لا نضمر الخير لبعضنا بعضاً، وأحياناً نضمر السوء لبعضنا بعضاً. حسناً، كذلك تكون النتيجة. هنا يتحدث القرآن بصراحة أيضاً. حقّاً، لا توجد أيّ نقطة مهمّة في قضايا العيش للبشر لم ينطق بشأنها القرآن بصراحة. هنا أيضاً يقول القرآن: ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ... 1. عندما تتنازعون، ينتج الفشل، والفشل يعني الوهن. "وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ"، أي يذهبَ عزّكم. حين تختلفون، ستكون النتيجة القهريّة أن تقعوا أرضاً وتُذَلّوا وتوفِّروا قهراً الوسيلة لهيمنة الآخرين عليكم. هذه هي نتيجة التفرّق.

لقد أكّد أمير المؤمنين – سلام الله عليه – في «القاصعة» التي هي واحدة من أهمّ خُطب نهج البلاغة هذه المسألة. أمير المؤمنين يُرجع مستمعيه إلى التاريخ.

يقول: انظروا كيف اكتسب السّلف العزّة حين كانوا معاً وكانوا مُتّفقين، وما الحال التي كانوا عليها، لكن حين خرجوا من حالة الاتحاد تلك، "فَانْظُرُوا إِلَى مَا صَارُوا إِلَيْهِ فِي آخِرِ أُمُورِهِمْ حِينَ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ وَتَشَتَّتَتِ الْأُلْفَةُ"، وبعدها هناك بضع جمل بهذه المضامين نفسها، ثم يقول عندما صارت الحال كذلك وسادت الفرقة والتشتت والعداوة: "قَدْ خَلَعَ اللَّهُ عَنْهُمْ لِبَاسَ كَرَامَتِهِ وَسَلَبَهُمْ غَضَارَةَ نِعْمَتِه"  2. نزع الله المتعالي لباس الكرامة عن هؤلاء، وسُلب منهم ذلك الشرف الذي كان لديهم، وتلك العزة لديهم، وتلك النعمة التي منحهم الله إياها، بسبب الخلاف والفرقة.

إذن، يجب أن نفكر حقاً في هذا الأمر. فلنفكر في مسألة «الوحدة بين المسلمين» هذه. اليوم، يروم العدو النقطة المقابلة لها تماماً. لقد صنعوا بذرة فاسدة لخلية سرطانية في هذه المنطقة باسم الكيان الصهيوني ليكون المقر الغربي لعدو الإسلام، لأنهم في ذلك اليوم شتتوا ودمروا وقسّموا الدولة العثمانية المترامية إلى دول عدة، ولا بد أن يكون لديهم مقر هنا حتى يتمكنوا من السيطرة دائماً، ولكيلا يسمحوا بتحقيق أهداف عظيمة في هذه المنطقة. هذا المقر كان فلسطين المظلومة هذه. جلبوا الصهاينة الخبيثين والفاسدين والقتلة والعديمي الرحمة وأسكنوهم هنا وأنشؤوا حكومة مزيفة وصنعوا شعباً مزيّفاً لهذا العمل. طبعاً، كان المسلمون ملتفتين أيضاً. الآن يعمل [الأعداء] على إخراج هذا الكيان المضرّ وهذه الخلية السرطانية المتضخمة من عنوان العداء، وافتعال المزيد من الخلافات بين دول المنطقة. إنهم يسيطرون في كل مكان. عمليات التطبيع هذه واحدة من أكبر الخيانات تجاه الإسلام والمسلمين، [وكذلك] افتعال الفرقة والخلاف. فالعدو على هذا النحو؛ إنه يعمل باستمرار.

يجب أن نستفيد من يوم الميلاد على هذا النحو: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ... 3. ورسول الله (ص) الذي ذكرناه هو على هذا النحو. ولهذا، جعلنا في الجمهورية الإسلامية هذا اليوم يوم عيد، وجعلناه يوم الوحدة، أي من الثاني عشر من ربيع الأول، الذي هو رواية أهل السنة لمولد النبي (ص)، إلى السابع عشر من ربيع الأول، وهو الرواية الشيعية. جعلنا أسبوعاً احتفالياً بين هذين اليومين، وأُطلق عليه اسم «أسبوع الوحدة». طبعاً، كانت خطوة جيّدة، لكن ينبغي تحقيقها، ولا بدّ لنا من الاتّجاه نحو تطبيقها.

حسناً، قد تقولون: نحن لسنا الرؤساء لهذه الدول. نعم، لدى الرؤساء دوافع أخرى. لديهم دوافع سياسيّة وأهداف أخرى. لكنّ المثقّفين والعلماء والكُتّاب والشّعراء والحكماء والنّخب والخواصّ في أيّ بلد قادرون على جعل الأجواء مختلفة عمّا يريده العدوّ، فحين تتبدّل الأجواء، يصير تحقيق هذه النتيجة أسهل 4 5.

 

  • 1. القران الكريم: سورة الأنفال (8)، الآية: 46، الصفحة: 183.
  • 2. نهج البلاغة، الخطبة 192.
  • 3. القران الكريم: سورة الأحزاب (33)، الآية: 21، الصفحة: 420.
  • 4. مقتبس من كلمة قائد الثورة الإسلامية خلال إستقباله جمع من المشاركين في المؤتمر الدولي الـ36 للوحدة الإسلامية.
  • 5. المصدر: موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي دامت بركاته.