مجموع الأصوات: 20
نشر قبل 3 سنوات
القراءات: 4805

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

منشأُ الترتيب الفعلي للسور

السؤال:

لماذا رُتِّبتْ سور القرآن بهذا الشكل و لم تُرتَّب حسب النزول؟

الجواب:

لم يكن الترتيبُ بين سِوَر القرآن بالنحو الذي هو عليه فعلاً مُستنداً إلى الرسول الكريم (ص)، بل كان اجتهاداً من بعض الصحابة، فالقرآنُ الكريم وإنْ كان مجموعاً في عهد النبيِّ الكريم (ص) إلا أنَّه لم يكن مصنَّفاً ومرتَّباً، وإنَّما كان مكتوباً في الصحائف والجلود والحرير وغيره مما يُكتَب عليه حينذاك، لذلك ورد عن الإمام الصادق (ع) أنَّ رسول الله (ص) قال لعليٍّ (ع): "يا عليُّ القرآن خلف فراشي في الصُحف والحرير والقراطيس فخذوه واجمعوه ولا تضيِّعوه"1.

 

ثم إنَّ عليَّاً قد تصدَّى لجمعه بُعيد وفاةِ رسول الله (ص)، فكان أولَ من صنَّف القرآن ورتَّبه، وقد اعتمدَ في ترتيبه على تاريخِ النزول، فقدَّم ما نزل في مكَّة على ما نزَل في المدينةِ من السور، ورتَّب السور المكيَّة بحسب تاريخ نزولِها، فما نزَلَ في مكَّة أولاً أثبته في مصحفه أولاً وما نزَلَ ثانياً أثبتَه ثانياً وعلى هذا الترتيب التزمَ في إثبات تمامِ السور المكيَّة وكذلك المدنيَّة.

 

وهذا النهجُ الذي اعتمده الإمامُ عليُّ (ع) في ترتيب القرآن لم يكن اجتهاداً، وإنَّما كان تكليفاً شرعيَّاً مُتعيِّناً عليه، واعتمد في التصنيف على تاريخ النزول على علمه الوجداني بتاريخ نزول سور القرآن فهو قد واكب نزول القرآن من أول يومٍ إلى أن انقطع الوحي ورحل الرسول (ص) إلى ربَّه، ثم إنَّ عليَّاً (ع) حمل القرآن بعد تصنيفِه وترتيبه وأراد عرضَه على الصحابة إلا أنَّ الخلافةَ أبتْ عليه ذلك وتمنَّعتْ من اعتمادِه، فعادَ به إلى بيتِه.

 

فبقى القرآن في أيدي الناس غير مصنَّفٍ ولا مرتَّب إلى أنْ انبرى عددٌ من الصحابة رضوان الله عليهم كعبد الله بن مسعود وأُبي بن كعب إلى تصنيفه وترتيبه بمنهجيَّةٍ أخرى غير التي اعتمدها عليُّ بن أبي طالب (ع) وذلك لأنَّ المنهجيَّة التي اعتمدها عليُّ بن أبي طالب (ع) يتوقف إتقانها على معرفةٍ تفصيلية بتواريخ النزول والذي امتدًّ لأكثر من عقدين من الزمن ولم يكن لأيٍّ من الصحابة إحاطةٌ بذلك سوى عليِّ بن أبي طالب (ع) فقد كان علي (ع) ملازماً لرسول الله (ص) قبل وحين نزول القرآن وإلى أنْ رحل الرسول الكريم (ص) إلى ربِّه هذا مضافاً إلى تميُّز عليٍّ (ع) على سائر الصحابة بملكاتِه الذهنيَّة والعقليَّة وشدَّة عناية رسول الله (ص) به حتى نبزَه بعضُهم بكثرة مناجتِه لعلي (ع) فقال (ص): "ما انتجيتُه ولكنَّ الله انتجاه" 2.

 

وقد أفاد عليٌّ (ع) يحكى عناية الرسول (ص) به، فقال: "إنِّي كنتُ إذا سألتُه أنبأني، وإذا سكتُّ ابتدأني" 3، وقال(ع): "والله ما نزلتْ آيةٌ إلا وقد علمتُ فيما نزلت، وأينَ نزَلتْ، وعلى مَن نزلتْ، إنَّ ربي وهَبَ لي قلباً عقولاً ولساناً طلقاً"3، وقال (ع): "سلوني عن كتابِ الله فإنَّه ليس من آيةٍ إلا وقد عرفتُ بليلٍ نزلتْ أم بنهار، في سهلٍ نزلتْ أم في جبل"4.

 

وروت العامة عن بُريدة يقول: سمعتُ رسول الله (ص) يقول لعليٍّ: يا عليُّ إنَّ الله أمرَني أنْ أُدنيك ولا أُقصيك وأنْ أعلمَك وأنْ تعيَ وحقَّ على اللهِ أنْ تعيَ" قال فنزلت هذه الآية ﴿ ... وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ 5"6.

 

وفي روايةٍ أخرى من طرقِهم عن مكحول يقول: قرأ رسولُ الله (ص): ﴿ ... وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ 5 ثم التفتَ إلى عليٍّ فقال "سألتُ اللهَ أن يجعلها أُذنَك، قال عليٌّ (ع): "ما سمعتُ من رسولِ الله صلَّى الله عليه وآله وسلم شيئاً قطُ فنسيتُه" 7.

 

ولِما ذكرناهُ موجزاً كان عليٌّ(ع) وحده الجدير باعتماد منهجيَّةِ الترتيب بحسب تاريخ النزول، وحيثُ كان من العسير على الصحابة اعتماد الترتيب بحسب تاريخ النزول، لذلك كان لهم منهجيَّةٌ أُخرى في تصنيف القرآن وترتيبِه، فقد أثبتوا في مصاحفِهم السبعَ الطِوال أولاً وهي البقرة وآل عمران والنساء والأعراف والمائدة ويونس، ثم أثبتوا المئين من السِوَر وهي التي تجاوزتُ آياتُها المائة وهي اثنا عشر سورة تقريباً، ثم اثبتوا بعدها المثاني من السِور وهي التي لا تبلغُ آياتها المائة وإنما سُمِّيت بالمثاني لأنَّ الناس تُكرِّر قراءتها أكثر من تكرارِهم لقراءة السِوَر الطوال والمئين، وسورُ المثاني تبلغ العشرين سورةً تقريباً.

 

ثم اثبتوا بعد المثاني الحواميم وهي التي تبدأ بـ ﴿ ... حم 8 وهي سبعُ سور، وبعد الحواميم أثبتوا في المصاحف المُمتحنات وبعدها المفَّصلات وهي تبدأ من سورة الرحمن، وسُميت بالمفصَّلات لتقارب فواصلها.

 

وهذه المنهجيَّة معتمدةٌ في تمام المصاحف كمصحف عبدالله بن مسعود وأبي كعب وزيد بن ثابت وغيرِهم، والاختلافُ بين المصاحف إنَّما هو في تقديم سورةٍ وتأخيرها، واستمرَّ الحال على ذلك إلى أنْ أمر عثمان بن عفان بتوحيدِ المصاحف، فكان المصحف الذي تمَّ اعتماده هو مصحف زيد بن ثابت، وكان قرار توحيد المصاحف هو رأي وجوهِ الصحابة وعلى رأسهم عليُّ بن أبي طالب (ع).

 

فالمصاحف وإنْ كانت متَّحدة في المنهجيَّة إلا أنَّ بعض السور من فصل السبع الطوال مثلاً متقدمة في بعض المصاحف ومتأخرة في مصاحف أخرى وهكذا الحال في بقية الفصول، وهذا الأمر لو قُدِّر له الاستمرار لأمكن أن يُحدث إرباكاً وتشويشاً لذلك كان الأنسب هو ما توافقَ عليه وجوه الصحابة من توحيدِ المصاحف.

 

وأمَّا منشأُ اعتماد هذه المنهجية فهي لأنَّها أيسرُ الطرق في الترتيب حيث يتمُّ الإثبات للسور الطوال أولاً ثم الأقلّ طولاً وهكذا حتى يتم الانتهاء بالسور القصار.

 

والحمد لله رب العالمين

  • 1. بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج 89 ص 48.
  • 2. بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج 38 ص 300، سنن الترمذي ج5/ 303، كتاب السنة: 584، مسند أبي يعلى ج4/ 119، المعجم الكبير للطبراني ج2/ 186.
  • 3. a. b. وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 1 ص مقدمة التحقيق 61.
  • 4. وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 1 ص مقدمة التحقيق 62.
  • 5. a. b. القران الكريم: سورة الحاقة (69)، الآية: 12، الصفحة: 567.
  • 6. جامع البيان للطبري ج29/ 69، تفسير ابن أبي حاتم ج10/ 3370، تفسير الثعلبي ج10 /28.
  • 7. جامع البيان للطبري ج29/ 69، تفسير الثعلبي ج10 /28، تفسير السمعاني ج6/ 36.
  • 8. القران الكريم: سورة غافر (40)، من بداية السورة إلى الآية 1، الصفحة: 467.