حقول مرتبطة:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
هل يمكن اعذار الصحابة المجتمعين في السقيفة في تغييرهم مسار الخلافة من علي الى ابي بكر؟
نص الشبهة:
يمكن أن نعتبر المجموعة من الصحابة الذين بايعوا أبا بكر في السقيفة، معذورين في عملهم ذلك، بإعتبار أنّهم كانوا يعلمون أنّهم إذا بايعوا الإمام عليّاً عليه السلام فإنّه لا يتمّ له الأمر، فيقتل، ويذهب الإسلام ويعود الشرك. فهم التزموا بأنّ وجود الإسلام ـ ولو الظاهريّ ـ في يد الخلفاء أبي بكر وعمر ـ خيرٌ من القضاء على الإسلام واستيلاء أعدائه مثل أبي سفيان وأصحابه.
الجواب:
يمكن أن نقسّم السؤال إلى أمرين
الأوّل : موقف الصحابة من الخلافة والخليفة .
الثاني : موقفهم من الإمامة والإمام .
ونحن بقطع النظر عن معنى الصحابيّ ، والالتزام بما هو المعروف بأنّ الذين عاصروا الرسول صلى الله عليه وآله وعاشوا معه أحداث السيرة هم كلّهم صحابة ، لابدّ من احترامهم وتقدير مواقفهم ، نقول :
أمّا موقف الصحابة من الإمامة والإمام ، فلابدّ أن يكون على أساس واقع الإمامة ، وقد سبق أنّها منصب إلهي ، وليس موكولاً إلى غيره ، من نبيٍّ أو غيره ، فاللَّه هو الذي قرّر وجود مثل هذا المنصب ، وعين من يقوم بأمره ، وحدّد عدد الأئمّة القائمين بذلك منذ بداية عهد الإمامة إلى يوم القيامة ، كما دلّت عليه النصوص المتواترة لدى المسلمين ، وهم « إثنا عشر إماماً » .
وليس للرسول صلى الله عليه وآله في هذا المنصب إلّا التبليغ والإعلان والتأييد ، دون التحديد والتغيير والزيادة أو النقصان ، وقد بلغ ما اُنزل إليه من اللَّه تعالى في المواقع المعلومة والمشاهد المعلنة .
فكيف يكون للصحابة خيارٌ في ذلك ، بل ليس لهم إلّا اتّباع أوامر اللَّه والرسول في هذا الأمر وتطبيقه بحذافيره من دون تغيير أو تبديل أو زيادة . هذا أوّلاً .
وأمّا ثانياً : فإنّ اللَّه تعالى إنّما يفعل الاُمور ويحدّدها لمصالح واقعية يعلمها ، سواء أخبرنا بها أم لا؟ وليس لأحد تجاوز ما أراده اللَّه وحدّده؛ بحجّة المصالح والمفاسد التي يراها هو ، مخالفاً لأحكام اللَّه وإرادته ، وبما أنّ الإمامة منصب خطير ومهمّ ، ومشروط بشروط مهمّة صعبة ، كالعصمة وغيرها ، فليس العارف بمن يقوم بشأنها إلّا اللَّه ، وحسب المصالح المهمّة التي يراها ، وبما أنّ الإمامة منصب دائم منذ وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وإلى يوم القيامة ، فلابدّ أن تكون المصلحة فيها كذلك دائمةً مستمرّةً وعامّةً واسعةً تشمل كلّ الاُمّة ومناطق وجودها سعة ، وعلى طول التاريخ ، ولا يعرف مثل هذه المصلحة الشاملة الواسعة المديدة الخالدة ، سوى اللَّه تعالى الذي فرض هذا المنصب وحدّده وعيّن له القائمين به . هذا حسب موازيننا في الإمامة .
فكيف يسوغ للصحابيّ أن يعتمد مصلحةً وقتيةً يراها ، ويعرض عن إمامة عليّ عليه السلام المعيّنة من قبل اللَّه والمؤيّدة من قبل الرسول ، والمؤكّدة بالأدلّة والبراهين ، وطبقاً للمصالح تلك! فيعرض عنها لمجرّد مصلحةٍ يراها؟ .
بينما الصحابة وهم الحجّة المعتمدة لدى المسلمين باعتبار ما اكتسبوه من جوار النبيّ صلى الله عليه وآله وصحبته من شرف وقدسيّة لابدّ أن يكونوا ألزم بما قاله النبيّصلى الله عليه وآله وأعرف وأتقى للَّه في مخالفة ما قال وفعل وأراد ، عن اللَّه تعالى .
ثمّ إنّ الإمام عليّاً عليه السلام هو واحدٌ من أقدم الصحابة إسلاماً ، وألصقهم برسول اللَّه صلى الله عليه وآله وأقربهم إليه ، وأعرفهم بمصالح الاُمور ومفاسدها ، فلا تخفى عليه المصالح الوقتية والمفاسد الحياتية ، فلماذا وقف من الخلفاء موقفاً غير موقف الصحابة وقد اشتهر في مسلّمات التاريخ أنّه عليه السلام طالب بالخلافة والإمامة ، وقاطع الخلفاء ، ونادى بحقّه ، واستنصر الصحابة أنفسهم إتماماً للحجّة عليهم .
ألا تنبّه الإمام عليه السلام بأنّ وجود الحكم والإمامة بيد أبي بكر خير من إمامته ، لأنّ إمامته تؤدّي إلى ذهاب الإسلام؟!
والعجب أن يفرض ما حدّده اللَّه تعالى وعيّنه وأكّد عليه الرسول صلى الله عليه وآله موجباً لذهاب الإسلام ، ولم ينتبه لذلك سوى بعض الصحابة .
ثمّ لماذا لا تطرح آراء الصحابة الآخرين الذين وقفوا مع عليّ عليه السلام وأعلنوا باستحقاقه الإمامة ، نصّاً ولياقة ، وعارضوا أبا بكر في جلوسه مجلسه ، وهم اثنا عشر صحابياً من كبار الصحابة ومقدّميهم 1 .
فهل كانوا جاهلين بتلك المصلحة؟ أو يُخفونها ، وهي خطيرة؟! .
ومن مجموع ما ذكرنا تبيّن أنّ المصلحة المذكورة ليست إلّا فرضاً غلطاً ، لم يكن مطروحاً على الساحة إطلاقاً ، بل الذي حصل إنّما هو الغدر! واللجوء إلى التهديد والإرعاب! وتكتّل القوم على أساس عنصريّ وعشائري ، ممّا جعل الصحابة وغيرهم من المسلمين ، ينظرون إلى عليّ وفعله ، فكان الإمام عليه السلام هو الذي لم يمدّ يده إلى السيف والقتال به حفاظاً على أصل الدين الذي قام بسيفه أوّلاً ، كيلا يتفرّط أمره بيده ثانياً ، وكلّ ذلك بعين اللَّه وبوصاية من رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وحفاظاً على المؤمنين الأتقياء الذين يهابون اللَّه ويأتمرون بأمر رسوله ، ولا يجتهدون في مقابل ما ورد من النصوص .
فلم تستقرّ اُمور الخلافة لأبي بكر إلّا بعد أن أقدم عليّ عليه السلام يرفع المقاطعة ، وخرج إلى الساحة وحضر في الجمعة والجماعة ، ليؤدّي دوراً أهمّ ألا وهو الصيانة لأصل قواعد الدين من الإنحراف ، ولئلّا يتعمّق ويتجذّر أكثر ممّا حصل ، ولتبقى جذور الحقّ سالمة حتّى تنبت وتعرّق؟ فصبر وفي العين قذى وفي الحلق شجاً .
وأمّا موقف الصحابة من الخلافة والخلفاء : فمع وضوحه ممّا سبق ، نقول : إنّ البيعة لأبي بكر هي خارج إطار الحقّ ، إذ لم يؤمروا بذلك ، بل هي فاسدة بعد بيعتهم العامّة في يوم غدير خُمّ لعليّ عليه السلام بالإمامة ، وبأمر من اللَّه وبعمل وبإشراف من الرسول صلى الله عليه وآله فهذا من أوضح مفاسد الاجتهاد في مقابل النصّ .
هذا مع أن نسبة هذا الفعل إلى الصحابة ، غير صحيح تاريخيّاً إذ لم يكن بين من بايع أبا بكر في السقيفة غير عدد ضئيل بالنسبة إلى مجموعهم ، فأكثرهم كانوا معسكرين في جُرْف المدينة تحت لواء اُسامة بن زيد ، الذي ولّاه الرسول صلى الله عليه وآله عليهم ليخرجوا لغزاة الشام . وليس في من بايع أبا بكر إلّا عمر وعبيدة ، وعدد ممّن لا يعرف بفضل ولا سابقة في التاريخ الإسلامي . بينما كبار الصحابة وفضلائهم عارضوا أبا بكر وبيعته وأظهروا خلافهم عليهم ، وواجهوه بأقوى الأدلّة ولم يوافقوه إلّا بعد سكوت عليّ عليه السلام عنه . وهذا هو المتوقّع من الصحابة الكرام ، الذين دافعوا عن كيان الإسلام ، ووقفوا مع النبيّ صلى الله عليه وآله أيّام الشدّة والعسرة ، وضحّوا بالأنفس والأولاد والأموال في سبيل اللَّه ، ونصروه وعزّروه وجاهدوا له ، يتوقّع منهم أن لا يهملوا أمر الخلافة التي أكّد عليها الرسول صلى الله عليه وآله بما لم يؤكّد على غيرها 2 .