نشر قبل 6 سنوات
مجموع الأصوات: 78
القراءات: 6821

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

تنزيه ابراهيم عن العجز

نص الشبهة: 

فإن قال قائل فما قولكم في قوله تعالى:﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ ... وهذا يدل على انقطاع إبراهيم (ع) وعجزه عن نصرة دليله الأول ولهذا انتقل إلى حجة أخرى، وليس ينتقل المحتج من شئ إلى غيره إلا على وجه القصور عن نصرته.

الجواب: 

قلنا ليس هذا بانقطاع من إبراهيم عليه السلام ولا عجز عن نصرة حجته الأولى، وقد كان إبراهيم (ع) قادرا لما قال له الجبار الكافر أنا أحيي وأميت في جواب قوله ربي الذي يحيي ويميت، ويقال إنه دعا رجلين فقتل أحدهما واستحيى الآخر، فقال عند ذلك أنا أحيي وأميت. وموه بذلك على من بحضرته على أن يقول له: ما أردت بقولي إن ربي الذي يحيي ويميت ما ظننته من استبقاء حي. وإنما أردت به أنه يحيي الميت الذي لا حياة فيه. إلا أن إبراهيم (ع) علم أنه إن أورد ذلك عليه التبس الأمر على الحاضرين وقويت الشبهة، لأجل اشتراك الاسم، فعدل إلى ما هو أوضح، واكشف وأبين وأبعد من الشبهة، فقال: فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب، فبهت الذي كفر ولم يبق عنده شبهة.
ومن كان قصده البيان والإيضاح فله أن يعدل من طريق إلى آخر لوضوحه وبعده عن الشبهة، وإن كان كلا الطريقين يفضي إلى الحق.
على أنه بالكلام الثاني ناصر للحجة الأولى وغير خارج عن سنن نصرتها، لأنه لما قال ربي الذي يحيي ويميت، فقال له في الجواب أنا أحيي وأميت، فقال له إبراهيم: من شأن هذا الذي يحيي ويميت أن يقدر على أن يأتي بالشمس من المشرق ويصرفها كيف يشاء.
فإن ادعيت أنت القادر على ما يقدر الرب عليه فائت بالشمس من المغرب كما يأتي هو بها من المشرق، فإذا عجزت عن ذلك علمنا أنك عاجز عن الحياة والموت ومدع فيهما ما لا أصل له، فإن قيل: فلو قال له في جواب هذا الكلام: وربك لا يقدر أن يأتي بالشمس من المغرب، فكيف تلزمني أن آتي بها من المغرب؟
قلنا: لو قال له ذلك لكان إبراهيم (ع) يدعو الله أن يأتي بالشمس من المغرب فيجيبه إلى ذلك، وإن كان معجزا خارقا للعادة. ولعل الخصم إنما عدل عن أن يقول له ذلك علما بأنه إذا سأل الله تعالى فيه أجابه إليه 1.

 

  • 1. تنزيه الأنبياء عليهم السلام للسيد مرتضى علم الهدى، دار الأضواء: 48 ـ 49.