نشر قبل 8 سنوات
تقيمك هو: 2. مجموع الأصوات: 69
القراءات: 9707

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

الرد على اباطيل عثمان الخميس حول التقية

نص الشبهة: 

قال عثمان الخميس : ( التقية ، يعدها علماؤكم أصلاً من أصول الدين ، ومن تركها كان بمنزلة من ترك الصلاة ، وهي واجبة لا يجوز رفعها حتى يخرج القائم ، فمن تركها قبل خروجه فقد خرج عن دين الله تعالى ، وعن دين الإمامية ، وهي من أركان الدين عند الشيعة كالصلاة فضلاً عمّا سواها! وأنّه لا يجوز التخلي عنها إلى قيام المهدي ، أي إلى يوم القيامة ! ويقول ابن بابويه القمي : اعتقادنا في التقية أنّها واجبة من تركها كان بمنزلة من ترك الصلاة . وقال أيضاً : والتقية واجبة لا يجوز رفعها إلى أن يخرج القائم فمن تركها قبل خروجه فقد خرج عن دين الله تعالى وعن دين الإمامية ، وخالف الله ورسوله والأئمة . وروي عن الرّضا أنّه قال : لا إيمان لمن لا تقية له ) ( من القلب إلى القلب صفحة 80 ) .

الجواب: 

أقول : يشنع عثمان الخميس هنا على الشيعة لقولهم بالتقية ، وكأن القول بها من مختصات الشيعة الإمامية الإثني عشرية ، لم يشاركهم في القول بها غيرهم من المسلمين ، وكأنه لم يأت بها الدين الحنيف ، ولم ينزل من الله عزّ وجل في تشريعها شيء.

التقية تشريع إلهي

إن التقية من المفاهيم القرآنية والتشريعات الإلهية التي شرّعها الله سبحانه في كتابه وعلى لسان نبيّه صلى الله عليه وآله ، ويقول بها المسلمون قاطبة سنة وشيعة على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم ، ومارسها من المسلمين من اضطر إلى ممارستها من لدن تشريعها من عصر النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وإلى يومنا هذا حفاظاً على النفس والعرض والمال ، ولها أحكامها المفصلة في كتب المسلمين الفقهية ، وهي لا تختلف في تعريفها ومعناها عند الشيعة الإمامية الإثني عشرية عن تعريفها ومعناها عند غيرهم من بقية المسلمين من أتباع المذاهب الإسلامية الأخرى ، ولا حتى في موارد استخدامها.

تعريف التقية عند علماء المسلمين

قال الشيخ مرتضى الأنصاري قدس سرّه معرّفاً التقية في الاصطلاح : ( التحفظ عن ضرر الغير بموافقته في قول أو فعل مخالف للحق ) 1 .
وقال الشيخ المفيد رحمه الله : ( التقية كتمان الحق وستر الاعتقاد فيه ومكاتمة المخالفين وترك مظاهرتهم بما يعقب ضرراً في الدين أو الدنيا . . . ) 2 .
وعرّفها علماء أهل السنة بنفس ما عرّفها به علماء الشيعة الإمامية الإثني عشرية ، قال السرخسي الحنفي : ( والتقية أن يقي نفسه من العقوبة بما يظهر وإن كان يضمر خلافه ) 3 .
وقال ابن حجر العسقلاني : ( ومعنى التقية : الحذر من إظهار ما في النفس من معتقد وغيره ) 4 .
وقال الألوسي : ( وعرّفوها ـ أي التقية ـ بمحافظة النفس أو العرض أو المال من شرّ الأعداء ) 5 .
وقال المراغي في تعريفها : ( بأن يقول الإنسان أو يفعل ما يخالف الحق لأجل التوقي من ضرر الأعداء يعود إلى النفس أو العرض أو المال ) 6 .

من أدلة مشروعية التقية

ومن أدلة مشروعية التقية قوله تعالى : ﴿ لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ ﴾ 7 .
قال جار الله محمود بن عمر الزمخشري : ( . . . ﴿ ... إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً ... ﴾ 8 رخّص لهم في موالاتهم إذا خافوهم ، والمراد بتلك الموالاة : مخالفة ومعاشرة ظاهرة والقلب مطمئن بالعداوة والبغضاء وانتظار زوال المانع ) 9 .

وقال أبو البركات النسفي : ( . . . ﴿ ... إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً ... ﴾ 8 إلاّ أن تخافوا جهتهم أمراً يجب اتقاؤه ، أي إلاّ يكون للكافر عليك سلطان فتخافه على نفسك ومالك فحينئذٍ يجوز لك إظهار الموالاة وإبطان المعاداة ) 10 .

وقال محمود شكري الألوسي : ( وفي الآية ـ أي الآية السابقة ـ دليل على مشروعية التقية وعرّفوها بمحافظة النفس أو العرض أو المال من شرِّ الأعداء ، والعدو قسمان : الأوّل : من كانت عداوته مبنية على اختلاف الدّين كالكافر والمسلم الثاني : من كانت عداوته مبنية على أغراض دنيوية كالمال والمتاع والملك والإمارة ) 5 .

وقال جمال الدين القاسمي : ( ومن هذه الآية ﴿ ... إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً ... ﴾ 8 استنبط الأئمة مشروعية التقية عند الخوف ، وقد نقل الإجماع على جوازها عند ذلك الإمام مرتضى اليماني في كتابه إيثار الحق على الخلق ) 11 .

وقال المراغي : ( . . . ﴿ ... إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً ... ﴾ 8 أي ترك موالاة المؤمنين للكافرين حتم لازم في كل حال إلاّ في حال الخوف من شيءٍ تتقونه منهم ، فلكم حينئذٍ أن تتقوهم بقدر ما يبقى ذلك الشيء ، إذ القاعدة الشرعية إنّ درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ، وإذا جازت موالاتهم اتقاء الضرر فأولى أن تجوز لمنفعة المسلمين ، إذاً فلا مانع من أن تحالف دولة إسلامية دولة غير مسلمة لفائدة تعود إلى الأولى إمّا بدفع ضرر أو جلب منفعة ، وليس لها أن تواليها في شيء يضر المسلمين ، ولا تختص هذه الموالاة بحال الضعيف فهي جائزة في كل وقت .

وقد استنبط العلماء من هذه الآية جواز التقية بأن يقول الإنسان أو يفعل ما يخالف الحق لأجل التوقّي من ضرر يعود من الأعداء إلى النفس أو العرض أو المال فمن نطق بكلمة الكفر مكرهاً وقاية لنفسه من الهلاك ، وقلبه مطمئن بالإيمان لا يكون كافراً بل يعذر كما فعل عمّار بن ياسر حين أكرهته قريش على الكفر فوافقها مكرهاً وقلبه مطمئن بالإيمان وفيه نزلت الآية : ﴿ مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ... ﴾ 12 ) 13 .

وقال أبو حيان الأندلسي : ( وقد تكلم المفسرون هنا في التقية إذْ لها تعلّق بالآية فقالوا : أمّا الموالاة بالقلب فلا خلاف بين المسلمين في تحريمها وكذلك الموالاة بالقول والفعل من غير تقية ، ونصوص القرآن والسّنة تدل على ذلك ، والنظر في التقية يكون فيمن يتّقى منه ، وفيما يبيحها وبأي شيء تكون من الأقوال والأفعال ، فأما من يتقى منه : فكل قادر غالب يكره تجوز منه ، فيدخل في ذلك الكفار وجورة الرؤساء والسّلابة وأهل الجاه في الحواضر ، وأمّا ما يبيحها : فالقتل والخوف على الجوارح والضرب بالسوط والوعيد وعداوة أهل الجاه الحورة ،وأما بأي شيء تكون؟ من الأقوال فبالكفر فما دونه من بيع وهبة وغير ذلك ، وأمّا من الأفعـال فكل محرّم ، وقال مسـروق : إن لم يفعل حتى مات دخـل النار ، وهـذا شاذ ) 14 .
وقال ابن كثير الدمشقي : ( ﴿ ... إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً ... ﴾ 8 أي من خاف في بعض البلدان والأوقات من شرّهم فله أن يتقيهم بظاهره لا بباطنه ونيّته ، كما قال البخاري عن أبي الدرداء أنّه قال : إنّا لنكشر في وجوه أقوام وقلوبنا تلعنهم ) 15 .
واستدل السرخسي على جواز التقية بهذه الآية ثم قال : ( وقد كان بعض الناس يأبى ذلك ويقول أنّه من النفاق ،والصحيح أنّ ذلك جائز لقوله تعالى : ﴿ ... إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً ... ﴾ 8 وإجراء كلمة الشرك على اللسان مكرهاً مع طمأنينة القلب بالإيمان من باب التقية ) 16 .
ومن أدلة مشروعيتها أيضاً قوله تعالى : ﴿ مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ 17 .

وهذه الآية الكريمة صريحة في جواز استخدام التقية وكونها تشريع إلهي ، قال ابن كثير الدمشقي في تفسيره : ( اتفق العلماء على أن المكره على الكفر يجوز له أن يوالي إبقاء مهجته ، ويجوز له أن يأبى كما كان بلال رضي الله عنه ) .
ثم قال : ( وأمّا قوله : ﴿ ... إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ... ﴾ 12 فهو استثناء ممن كفر بلسانه ووافق المشركين بلفظه ، وقد روى العوفي عن ابن عبّاس أنّ هذه الآية نزلت في عمّار بن ياسر حين عذّبه المشركون حتى يكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم فوافقهم على ذلك مكرهاً ، وجاء معتذراً إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية وهكذا قال الشعبي وقنادة وأبو مالك .
وقال ابن جرير :حدثنا ابن عبد الأعلى ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمّر عن عبد الكريم الجزري ، عن أبي عبيدة محمد بن عمّار بن ياسر قال : أخذ المشركون عمّار بن ياسر فعذّبوه حتى قاربهم في بعض ما أرادوا فشكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : كيف تجد قلبك ؟ قال : مطمئن بالإيمان ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن عادوا فعد .
ورواه البيهقي بأبسط من ذلك وفيه أنه سبّ النبي صلى الله عليه وسلم وذكر آلهتهم بخير ، فشكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ما تُركتُ حتى سببتك وذكرت آلهتهم بخير ، قال : كيف تجد قلبك ؟ قال : مطمئناً بالإيمان . قال : إن عادوا فعد ، وفي ذلك أنزل الله : ﴿ ... إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ... ﴾ 12 ) 18 .

تقية المسلم من المسلم

وما دام حديثنا عن التقية فلا بأس أن نتحدث عن تقية المسلم من المسلم لأن بعض السلفيين يزعم أنّ التقية لا تجوز إلاّ مع غير المسلم ، أمّا المسلم فلا يجوز استخدامها معه وهذا إدّعاء باطل ، فالأدلة قائمة على خلافه ، فكما أنها تستخدم مع غير المسلم فإنها تستخدم أيضا مع المسلم الظالم اتقاءً لضرره ، والأدلة على ذلك من كتب الشيعة ومصادرهم عديدة ، أما من كتب السنيين فهذه نماذج وأدلة من رواياتهم وأقوال علمائهم تؤيد وتؤكد صحة ما نقول ، فقد صرّح علماؤهم بجواز مخالفة الشرع في بعض الموارد دفعاً للضرر المحتمل من الغيرـ سواء كان هذا الغير كافراً أو مسلماً ظالماً جائراً ـ وموافقة المكره حال الإكراه كذلك .
قال ابن حيان الأندلسي في البحر المحيط : ( . . . فأمّا من يتّقى منه فكل غالب يكره تجوز منه ، فيدخل في ذلك الكفار وجورة الرؤساء والسّلابة ، وأهل الجاه في الحواضر ، وأمّا ما يبيحها فالقتل والخوف على الجوارح والضرب بالسوط والوعيد وعداوة أهل الجاه الجورة ، وأما بأي شيء تكون ؟ من الأقوال فبالكفر فما دونه من بيع وهبة وغير ذلك ، وأما الأفعال فكل محرّم . . . ) 19 .
وقال الألوسي في روح المعاني : ( وفي الآية دليل على مشروعية التقية وعرّفوها بمحافظة النفس أو العرض أو المال من شرّ الأعداء ، والعدو قسمان : الأوّل : من كانت عداوته مبنية على اختلاف الدين كالكافر والمسلم ، الثاني : من كانت عداوته مبنية على أغراض دنيوية كالمال والمتاع والملك والإمارة ) 5 .
وقال عبد الحق الأندلسي : ( واختلف العلماء في التقية ممن تكون وبأي شيء تكون وأي شيء تبيح ، فأما الذي تكون منه التقية فكل قادر غالب مكره يخاف منه ، فيدخل في ذلك الكفار إذا غلبوا وجورة الرؤساء والسلابة وأهل الجاه في الحواضر ، قال مالك رحمه الله : وزوج المرأة قد يكره . . . ) 20 .
وقال الجصاص : ( فأحكام الإكراه مختلفة على الوجوه التي ذكرنا منها ما هو واجب إعطاء التقية وهو الإكراه على شرب الخمر وأكل الميتة ونحو ذلك ) 21 .
وقال القرطبي : ( . . . فإن كانت الصحبة عن ضرورة وتقية فقد مضى القول فيها في آل عمران والمائدة ، وصحبة الظالم على التقية مستثناة من النهي بحال الإضطرار ) 22 .
وقال المراغي في تفسيره : ( ويدخل في التقية مداراة الكفرة والظلمة والفسقة وإلانة الكلام لهم والتبسّم في وجوههم وبذل المال لهم لكفّ أذاهم وصيانة العرض منهم ، ولا يعدّ هذا من الموالاة المنهيّ عنها ، بل هو مشروع ، فقد أخرج الطبراني قوله صلى الله عليه وسلم : « ما وقى المؤمن به عرضه فهو صدقة» ) 13 .
وقال جمال الدين القاسمي : ( وزاد الحق غموضاً وخفاءً أمران : أحدهما : خوف العارفين ـ مع قلتهم ـ من علماء السوء وسلاطين الجور وشياطين الخلق مع جواز التقية عند ذلك بنص القرآن وإجماع أهل الإسلام ، وما زال الخوف مانعاً من إظهار الحق ، ولا برح الحق عدواً لأكثر الخلق ، وقد صحّ عن أبي هريرة أنّه قال ـ في ذلك العصر الأول ـ : «حفظت من رسول الله وعاءين ، أما أحدهما فبثثته في الناس ، وأما الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم » ) 11 .
وفي كتاب سير أعلام النبلاء ترجمة سعيد بن جبير بعد أن ذكر بعض الروايات فيما دار بين سعيد بن جبير والحجاج بن يوسف الثقفي وحكم الحجاج عليه بالقتل قال : ( قلت : ولمّا علم من فضل الشهادة ثبت للقتل ولم يكترث ، ولا عامل عدوّه بالتقية المباحة له رحمه الله تعالى ) 23 .
ويفيد كلام الذهبي أن سعيد بن جبير فضلّ الشهادة على استخدام التقية مع الحجاج وهي جائزة له لو استخدمها وهذا دليل على صحة استخدامها حتى مع المسلم الظالم الجائر .
هذه كلها أدلة من أقوال جمع من علماء أهل السنة تفيد أن التقية لا تختص ممارستها فقط مع غير المسلمين من كفار ومشركين وغيرهم بل حتى مع المسلم الظالم ، بل في رواياتهم ما يفيد أن المسلمين استخدموها مع بعضهم البعض من ذلك :
روى ابن أبي شيبة في مصنفه بسنده عن النزال بن سبرة قال : ( دخل ابن مسعود وحذيفة على عثمان فقال عثمان لحذيفة بلغني أنك قلت كذا وكذا .
قال : لا والله ما قلته .
فلما خرج قال له عبد الله : مالك فلم تقوله ما سمعتك تقول ؟!
قال : إني أشتري ديني بعضه ببعض مخافة أن يذهب كله ) 24 .
فحذيفة أنكر ما قاله من قول عندما سأله عثمان عنه ، ولما أن سأله عبد الله بن مسعود عن سبب نكرانه لما قاله مع أنه سمعه يقول ذلك ، أجابه بأنه إنما أنكره تقية خوفاً من أن يفتن في دينه .
ولما أن خالف عثمان سنة النبي صلى الله عليه وآله في قصر الصلاة بمنى كان ابن عمر خوفاً من عثمان واتقاءً لضرره إذا صلّى خلف الإمام يصلّي أربعاً وإذا صلاّها لوحده صلى ركعتين ، ففي صحيح مسلم بسنده عن نافع عن ابن عمر قال : ( صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين وأبو بكر بعده وعمر بعد أبي بكر وعثمان صدراً من خلافته ثم أن عثمان صلّى بعد أربعاً ، فكان ابن عمر إذا صلّى مع الإمام صلّى أربعاً ، وإذا صلاّها وحده صلّى ركعتين )! 25 .
قال السرخسي في المبسوط : ( وذكر عن مسروق رحمه الله قال : بعث معاوية بتماثيل من صفر تباع بأرض الهند فمر بها على مسروق رحمه الله ، قال : والله لو أني أعلم أنه يقتلني لغرقتها ولكني أخاف أن يعذبني فيفتنني ، والله لا أدري أي الرجلين معاوية ، رجل قد زين له سوء عمله أو رجل قد يئس من الآخرة فهو يتمتع في الدنيا ) 26 .
إن إمتناع مسروق عن إغراق تلك التماثيل إنما كان تقية خوفاً من أن يعذبه معاوية بن أبي سفيان فيفتنه في دينه .
وفي صحيح البخاري أن أبا هريرة الدوسي قال : ( حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين فأما أحدهما فبثثته وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم ) 27 .
وبلا شك أن إمتناع أبي هريرة من نشر أحاديث الوعاء الآخر لم يكن خوفاً من الكفار وإنما من أمراء زمانه الذين لا يحبذون نشرها لأنها تتعارض مع مصالحهم أو تدينهم في شيء .
وكان الحسن البصري يرسل الأحاديث التي سمعها من الإمام أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله فلا يذكر علياً بل يسقطه من السند فيرويها مباشرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وهو لم يدركه تقية خوفاً على نفسه ففي كتاب تهذيب الكمال للمزي عن يونس بن عبيد قال : ( سألت الحسن قلت يا أبا سعيد إنك تقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وانك لم تدركه ؟ قال : يا ابن أخي لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك ، ولولا منزلتك مني ما أخبرتك إني في زمان كما ترى ـ وكان في عمل الحجاج ـ كل شيء سمعتني أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو عن علي بن أبي طالب غير أني في زمان لا أستطيع أن أذكر علياً ) 28 .
وقال ابن حجر في فتح الباري : ( فقد صحّ أن الحجاج وأميره الوليد وغيرهما كانوا يؤخرون الصلاة عن وقتها ، والآثار في ذلك مشهورة منها ما رواه عبد الرّزاق عن ابن جريح عن عطاء قال أخّر الوليد الجمعة حتى أمسى فجئت فصليت الظهر قبل أن أجلس ثم صليت العصر وأنا جالس إيماءً وهو يخطب ، وإنما فعل ذلك عطاء خوفاً على نفسه من القتل ، ومنها ما رواه أبو نعيم شيخ البخاري في كتاب الصلاة من طريق أبي بكر بن عتبة قال : صليت إلى جنب أبي جحيفة فمسى الحجاج بالصلاة فقام أبو جحيفة فصلى ، ومن طريق ابن عمر أنه كان يصلي مع الحجاج فلما أخّر الصلاة ترك أن يشهدها معه ، ومن طريق محمد بن أبي إسماعيل قال : كنت بمنى وصحف تقرأ للوليد فأخروا الصلاة فنظرت إلى سعيد بن جبير وعطاء يومئان إيماءً وهما قاعدان ) 29 .
وقال العيني في عمدة القارئ : ( أن الحجاج والوليد وغيرهما كانوا يؤخرون الصلاة عن وقتها ، والآثار في ذلك مشهورة منها ما رواه عبد الرّزاق عن ابن جريح عن عطاء قال أخّر الوليد الجمعة حتى أمسى فجئت فصليت الظهر قبل أن أجلس ثم صليت العصر وأنا جالس إيماءً وهو يخطب ، وإنما فعل ذلك عطاء خوفاً على نفسه من القتل ، ومنها ما رواه أبو نعيم شيخ البخاري في كتاب الصلاة من طريق أبي بكر بن عتبة قال : صليت إلى جنب أبي جحيفة فمسى الحجاج بالصلاة فقام أبو جحيفة فصلى ، ومن طريق ابن عمر أنه كان يصلي مع الحجاج فلما أخّر الصلاة ترك أن يشهدها معه ، ومن طريق محمد بن إسماعيل قال : كنت بمنى وصحف تقرأ للوليد فأخروا الصلاة فنظرت إلى سعيد بن جبير وعطاء يومئان إيماءً وهما قاعدان ) 30 .
وفي كتاب السنة لعبد الله بن أحمد بن حنبل قال : ( حدثني سفيان بن وكيع ، قال : سمعت عمر بن حماد بن أبي حنيفة قال : أخبرني حماد بن أبي حنيفة قال : أرسل ابن أبي ليلى إلى أبي فقال له : تب مما تقول في القرآن أنّه مخلوق ، وإلاّ قدمت عليك بما تكره ، قال : فتابعه ، قلت : يا أبه كيف فعلت ذا؟ قال : يا بني خفت أن يقوم علي فأعطيت تقية! ) 31 .
فهذا أحد أئمة أهل السنة ومؤسس أحد مذاهبهم وهو أبو حنيفة النعمان يمارس التقية مع ابن أبي ليلى خوفاً منه ، فهل بعد هذا يصح لأحد أن يقول بأنه لا تحرم أو لا تجوز تقية المسلم من المسلم؟!

التقية من فروع الدين لا من أصوله

والتقية عند الشيعة الإمامية الإثني عشرية ليست من أصول الدين بل من فروعه ، فقول عثمان الخميس أنهم يعدونها أصلاً من أصول الدين من جملة أكاذيبه وافتراءاته عليهم ، فلا يوجد عالم من علماء الشيعة لا من المتقدمين ولا من المتأخرين من عدّها من جملة أصول الدين ، لذلك لم ينقل قولاً لواحد من علماء الشيعة يؤيد ويؤكد به كلامه لأنه يعلم حقيقة العلم أنه لا يوجد بينهم من عدّها كذلك ، ولكن من استحلى رضاع الكذب عسر فطامه .
وقول الإمام عليه السلام : « ولا إيمان لمن لا تقية له » فهو أيضاً لا يدل على أنّ التقية من الأصول ، لأن هذا الكلام غير محمول على إطلاقه ، فليس المراد منه نفي الإيمان عن من لا يمارس التقية في موارد وجوبها ، بل نفي كمال الإيمان ، وقد ذهب بعض علماء أهل السنة إلى مثل هذا المعنى في تفسير بعض الروايات .
قال ابن عبد البر : ( . . . وقالوا يحتمل قوله صلى الله عليه وسلم : لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن يريد مستكمل الإيمان لأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية وكذلك السارق وشارب الخمر ومن ذكر معهم ، وعلى نحو ذلك تأولوا قول عمر بن الخطاب لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة ، قالوا أراد أنه لا كبير حظ له ولا حظّاً كاملاً له في الإسلام ، ومثله قول ابن مسعود وما أشبهه وجعلوه كقوله لا صلاة لجار المسجد إلّا في المسجد ، أي أنه ليس له صلاة كاملة ،ومثله الحديث ليس المسكين بالطواف عليكم يريد ليس هو المسكين حقاً لأن هناك من هو أشد مسكنة منه وهو الذي لا يسأل ونحو هذا مما اعتلوا به ) 32 .
وقال الطحاوي : ( . . . ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس المؤمن الذي يبيت شبعان وجاره إلى جنبه جائع ، فلم يرد بذلك أنّه ليس بمؤمن إيماناً خرج بتركه إياه إلى الكفر ولكنه أراد به أنه ليس في أعلى مراتب الإيمان . . . ) 33 .

  • 1. التقية صفحة 37 .
  • 2. تصحيح الاعتقاد صفحة 137 .
  • 3. المبسوط 24 / 45 .
  • 4. فتح الباري بشرح صحيح البخاري 12 / 314 .
  • 5. a. b. c. روح المعاني 3 / 121 .
  • 6. تفسير المراغي 3 / 137 .
  • 7. القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 28 ، الصفحة : 53 .
  • 8. a. b. c. d. e. f. القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 28 ، الصفحة : 53 .
  • 9. الكشاف 1 / 422 .
  • 10. تفسير النسفي المطبوع بهامش تفسير الخازن 1 / 277 .
  • 11. a. b. محاسن التأويل 4 / 82 .
  • 12. a. b. c. القران الكريم : سورة النحل ( 16 ) ، الآية : 106 ، الصفحة : 279 .
  • 13. a. b. تفسير المراغي 3 / 136 .
  • 14. تفسير البحر المحيط 2 / 424 .
  • 15. تفسير ابن كثير 1 / 357 .
  • 16. المبسوط 24 / 245 .
  • 17. القران الكريم : سورة النحل ( 16 ) ، الآية : 106 ، الصفحة : 279 .
  • 18. تفسير القرآن العظيم 2 / 587 ـ 588 .
  • 19. البحر المحيط 2 / 424 .
  • 20. المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز 1 / 420 .
  • 21. أحكام القرآن 5 / 16 .
  • 22. تفسير القرطبي 9 / 108 .
  • 23. سير أعلام النبلاء 5 / 301 .
  • 24. مصنف ابن أبي شيبة 6 / 474 رواية رقم : 3305 .
  • 25. صحيح مسلم 1 / 482 رواية رقم : 694 .
  • 26. المبسوط 24 / 46 .
  • 27. صحيح البخاري 1 / 56 رواية رقم : 120 .
  • 28. تهذيب الكمال 6 / 124 .
  • 29. فتح الباري 2 / 14 .
  • 30. عمدة القارىء 5 / 16 .
  • 31. السنة 1 / 183 رواية رقم : 238 .
  • 32. التمهيد 4 / 237 ـ 238 .
  • 33. شرح معاني الآثار 1 / 28 .