نشر قبل 6 سنوات
مجموع الأصوات: 57
القراءات: 7713

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

في حكم الامام علي بعد غنيمة المال والذرية

نص الشبهة: 

فإن قيل فما الوجه فيما ذكره النظام في كتابه المعروف بالنكت من قوله العجب مما حكم به علي بن أبي طالب في حرب أصحاب الجمل، لأنه (ع) قتل المقاتلة ولم يغنم، فقال له قوم من أصحابه إن كان قتلهم حلالا فغنيمتهم حلال، وإن كان قتلهم حراما فغنيمتهم حرام فكيف قتلت ولم تسب؟ فقال (ع) فأيكم يأخذ عائشة في سهمه؟ فقال قوم إن عائشة تصان لرسول الله صلى الله عليه وآله؟ فنحن لا نغنمها ونغنم من ليس سبيله من رسول الله صلى الله عليه وآله سبيلها، قال فلم يجبهم إلى شئ من ذلك. فقال له عبد الله بن وهب الراسبي: أليس قد جاز ان يقتل كل من حارب مع عائشة ولا تقتل عائشة؟ قال بلى قد جاز ذلك وأحله الله عز وجل. فقال له عبد الله بن وهب: فلم لا جاز ان نغنم غير عايشة ممن حاربنا ويكون غنيمة عايشة غير حلال لنا فيما تدفعنا عن حقنا. فأمسك (ع) عن جوابه وكان هذا أول شئ حقدته الشراة على علي عليه الصلاة والسلام؟

الجواب: 

قلنا ليس يشنع أمير المؤمنين عليه السلام ويعترضه في الأحكام الا من قد أعمى الله قلبه وأضله عن رشده، لأنه المعصوم الموفق المسدد على ما دلت عليه الأدلة الواضحة.

ثم لو لم يكن كذلك وكان على ما يعتقده المخالفون، أليس هو الذي شهد له الرسول صلى الله عليه وآله بأنه (ع) اقضي الأمة واعرفها بأحكام الشريعة؟ وهو الذي شهد صلى الله عليه وآله له بأن الحق معه يدور كيف ما دار؟ فينبغي لمن جهل وجه شئ فعله (ع) ان يعود على نفسه باللوم ويقر عليها بالعجز والنقص، ويعلم ان ذلك موافق للصواب والسداد، وإن جهل وجهه وضل عن علته.
وهذه جملة يغني التمسك بها عن كثير من التفصيل، واستعمال كثير من التأويل. وأمير المؤمنين عليه السلام لم يقاتل أهل القبلة إلا بعهد من رسول الله صلى الله عليه وآله. وقد صرح (ع) بذلك في كثير من كلامه الذي قد مضى حكاية بعضه، ولم يسر فيهم إلا بما عهده إليه من السيرة. وليس بمنكر ان يختلف أحكام المحاربين فيكون منهم من يقتل ولا يغنم. ومنهم من يقتل ولا يغنم. لان أحكام الكفار في الأصل مختلفة مقاتلو أمير المؤمنين عليه السلام عندنا كفار لقتالهم له.
وإذا كان في الكفار من يقر على كفره ويؤخذ الجزية منه، ومنهم من لا يقر على كفره ولا يقعد عن محاربته، إلى غير ذلك مما اختلفوا فيه من الأحكام جاز أيضا ان يكون فيهم من يغنم ومن لا يغنم، لان الشرع لا ينكر فيه هذا الضرب من الاختلاف. وقد روي ان مرتدا على عهد ابي بكر يعرف بعلانة ارتد، فلم يعرض أبو بكر لما له. وقالت امرأته ان يكن علانة ارتد فانا لم نرتد.
وروي مثل ذلك في مرتد قتل في أيام عمر بن الخطاب، فلم يعرض لما له.
وروي ان أمير المؤمنين عليه السلام قتل مستوردا العجلي ولم يعرض لميراثه. فالقتل ووجوبه ليس بامارة على تناول المال واستباحته، على ان الذي رواه النظام من القصة محرف معدول عن الصواب، والذي تظاهرت به الروايات ونقله أهل السير في هذا الباب من طرق مختلفة، أن أمير المؤمنين عليه السلام لما خطب بالبصرة وأجاب عن مسائل شتى سئل عنها، واخبر بملاحم وأشياء تكون بالبصرة، قام إليه عمار بن ياسر رضي الله عنه فقال يا أمير المؤمنين، ان الناس يكثرون في أمر الفئ ويقولون من قاتلنا فهو وماله وولده فئ لنا.
وقام رجل من بكر بن وايل يقال له عباد بن قيس، فقال يا أمير المؤمنين والله ما قسمت بالسوية ولا عدلت في الرعية، فقال عليه السلام ولم ويحك؟ قال لأنك قسمت ما في العسكر وتركت الأموال والنساء والذرية.
فقال أمير المؤمنين (ع): يا ايها الناس من كانت به جراحة فليداوها بالسمن.
فقال عباد بن قيس جئنا نطلب غنائمنا فجاءنا بالترهات.
فقال عليه السلام ان كنت كاذبا فلا أماتك الله حتى يدركك غلام ثقيف.
فقال رجل يا أمير المؤمنين ومن غلام ثقيف؟
فقال رجل لا يدع لله حرمة الا انتهكها.
فقال له الرجل أيموت أو يقتل؟
فقال أمير المؤمنين عليه السلام بل يقصمه قاصم الجبارين يخترق سريره لكثرة ما يحدث من بطنه، يا أخا بكر أنت امرؤ ضعيف الرأي، أما علمت أنا لا نأخذ الصغير بذنب الكبير، وان الأموال كانت بينهم قبل الفرقة يقسم ما حواه عسكرهم، وما كان في دورهم فهو ميراث لذريتهم، فإن عدا علينا احد أخذناه بذنبه، وان كف عنا لم نحمل عليه ذنب غيره.
يا أخا بكر والله لقد حكمت فيكم بحكم رسول الله صلى الله عليه وآله من أهل مكة قسم ما حواه العسكر، ولم يعرض لما سوى ذلك. وإنما اقتفينا أثره حذو النعل بالنعل.
يا أخا بكر، أما علمت ان دار الحرب يحل ما فيها، ودار الهجرة محرم ما فيها إلا بحق، مهلا مهلا رحمكم الله فإن انتم أنكرتم ذلك علي، فأيكم يأخذ أمه عايشة بسهمه؟
قالوا يا أمير المؤمنين أصبت وأخطأنا وعلمت وجهلنا، أصاب الله بك الرشاد والسداد.
فأما قول النظام ان هذا أول ما حقدته الشراة عليه فباطل، لان الشراة ما شكوا قط فيه عليه السلام ولا ارتابوا بشئ من أفعاله قبل التحكيم الذي منه دخلت الشبهة عليهم، وكيف يكون ذلك وهم الناصرون له بصفين والمجاهدون بين يديه والسافكون دماءهم تحت رايته. وحرب صفين كانت بعد الجمل بمدة طويلة فكيف يدعى ان الشك منهم في أمره كان ابتداءه في حرب الجمل لولا ضعف البصائر؟ 1

  • 1. تنزيه الأنبياء عليهم السلام للسيد مرتضى علم الهدى، دار الأضواء: 206 ـ 209.