نشر قبل 23 سنة
مجموع الأصوات: 76
القراءات: 19028

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

ما هو الدليل على لزوم تحصيل المعرفة ؟

ما من إنسان عاقل إلا و تواجهه أسئلة رئيسية يجد نفسه مطالباً بتحصيل إجابات مقنعة عليها تريح وجدانه و فطرته الانسانية .
و لو أمعنا النظر في ما يجول في خواطرنا و أفكارنا لوجدنا أنفسنا و الانسان بصورة عامة يسعى ـ في الواقع ـ وراء معرفة الإجابة الصحيحة على أسئلة ثلاث تتشعب منها سائر الأسئلة .
أما الأسئلة الرئيسية فيمكن حصرها في ما يلي :
1. من أين أتيتُ أنا الإنسان إلى هذا العالم ؟ ـ أي معرفة الماضي ـ .
2. لماذا أتيتُ إلى هذا العالم ؟ ـ أي معرفة الحاضر ـ .
3. إلى أين سأذهب في ما بعد ؟ ـ أي معرفة المستقبل ـ .
و هذه الأسئلة يطرحها الإنسان على نفسه بحكم ما وهب الله له من نعمة العقل و قدرته على التفكير ، و يجد الانسان نفسه ملزماً على السعي وراء الحصول على الإجابات الصحيحة المقنعة لهذه الأسئلة .
هذا و من حق كل إنسان معرفة ما يَخُصُّ حياته التي يعيشها ، كما يحق له معرفة حالته السابقة لهذه الحياة ، و له أيضا حق معرفة ما سيلحق به بعد حياته هذه ، بل العقل يحكم بوجوب تحصيل المعرفة بالنسبة إلى هذه الأمور .
ثم إن البحث و التحري عمّا سبق يُحدد للإنسان مساره و يمنحه فرصة لانتخاب مناهج مادية أو إلهية بعد فرزه للصالح منها .
هذا من جانب ، و من جانب آخر فإن أي تقدم يمكن أن يحققه الإنسان في حياته ، إنما يتحقق بوجود برنامج دقيق و تخطيط صائب مبتني على أسس واقعية ، مع العمل بذلك البرنامج و الأخذ بذلك التخطيط .
و من الواضح جدا أنه لا يمكن وضع أي برنامج و رسم أي تخطيط للحياة إلا بعد معرفة صحيحة و دراسة واقعية للحياة نفسها و لما يدور حول الإنسان ، فيجب على من يريد رسم برنامج لحياته و التخطيط لها أن يحصل على المعرفة بالمكان و الزمان و المبدأ و المعاد ، و ما إليها من الأمور الأخرى ، كي يوفّق لوضع برنامج دقيق و رسم مخطط سليم يتوصل بهما إلى شاطئ السعادة و الفلاح .
هذا و إن الإنسان لا يستغني عن تحصيل المعرفة مع كل خطوة يخطوها و مع كل عمل يقوم به في ليله و نهاره ، و إلى هذه الحقيقة تُشير الأحاديث المروية عن المعصومين ( عليهم السَّلام ) بكل وضوح و صراحة .
فعَنْ كُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ( عليه السَّلام ) أَنَّهُ قَالَ فِي وَصِيَّتِهِ إِلَيْهِ : " ... ياكُمَيْلُ مَا مِنْ حَرَكَةٍ إِلَّا وَ أَنْتَ مُحْتَاجٌ فِيهَا إِلَى مَعْرِفَةٍ ... " 1 .
و عَنْ طَلْحَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ 2 ( عليه السَّلام ) يَقُولُ : " الْعَامِلُ عَلَى غَيْرِ بَصِيرَةٍ كَالسَّائِرِ عَلَى غَيْرِ الطَّرِيقِ ، لَا يَزِيدُهُ سُرْعَةُ السَّيْرِ إِلَّا بُعْداً " 3 .
و عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السَّلام ) يَقُولُ : " وَجَدْتُ عِلْمَ النَّاسِ كُلَّهُ فِي أَرْبَعٍ ، أَوَّلُهَا أَنْ تَعْرِفَ رَبَّكَ ، وَ الثَّانِي أَنْ تَعْرِفَ مَا صَنَعَ بِكَ ، وَ الثَّالِثُ أَنْ تَعْرِفَ مَا أَرَادَ مِنْكَ ، وَ الرَّابِعُ أَنْ تَعْرِفَ مَا يُخْرِجُكَ مِنْ دِينِكَ " 4 .
هذا و لاشك في أن الأمر الرابع ـ المذكور في الحديث المتقدم ـ لا يقل أهمية عن بقية الأمور الثلاثة الأخرى ، ذلك لأن المعرفة بالهدف وحدها لا تكفي في الوصول إلى الهدف ، بل لا بد لمن يريد الوصول إلى الهدف المنشود معرفة المخاطر و المعوقات التي تمنع أو تعرقل الوصول إليه .

  • 1. مستدرك وسائل الشيعة : 17 / 267 ، الحديث : 21302 ، للشيخ المحدث النوري ، المولود سنة : 1254 هجرية ، و المتوفى سنة : 1320 هجرية ، طبعة : مؤسسة آل البيت ، سنة : 1408 هجرية ، قم / إيران . و بحار الأنوار ( الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ( عليهم السلام ) ) : 77 / 268 ، و 414، للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي ، المولود باصفهان سنة : 1037 ، و المتوفى بها سنة : 1110 هجرية ، طبعة مؤسسة الوفاء ، بيروت / لبنان ، سنة : 1414 هجرية ، و تحف العقول : 171 ، طبعة ، جامعة المدرسين ، قم / إيران .
  • 2. أي الإمام جعفر بن محمد الصَّادق ( عليه السَّلام ) ، سادس أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) .
  • 3. الكافي : 1 / 43 ، الحديث : 1 من باب من عمل بغير علم ، للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكُليني ، المُلَقَّب بثقة الإسلام ، المتوفى سنة : 329 هجرية ، طبعة دار الكتب الإسلامية ، سنة : 1365 هجرية / شمسية ، طهران / إيران ، و بحار الأنوار : 1 / 206 ، طبعة موسسة الوفاء ، بيروت / لبنان .
  • 4. الكافي : 1 / 50 ، الحديث : 11 من باب النوادر .