نشر قبل 18 سنة
مجموع الأصوات: 240
القراءات: 92453

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

ما هي غزوة الحديبية ، و متى حدثت ؟

في السنة السادسة من الهجرة النبوية المباركة عزم الرسول الأعظم ( صلَّى الله عليه و آله ) على الذهاب إلى مكة المكرمة حتى يؤدي العمرة ، و كان النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) قد اتخذ هذا القرار على اثر رؤيا أراها الله عَزَّ و جَلَّ إياه ، إذ رأى فيها أنه قد دخل البيت الحرام مع جماعة من المسلمين و حلق رأسه و تسلّم مفاتيح البيت ، فتفاءل ( صلَّى الله عليه و آله ) بهذه الرؤيا خيراً ، و قصَّها على المسلمين ثم أخبرهم بعزمه ، و أعلمهم بموعد خروجه و هو شهر ذي القعدة ، كما و دعاهم إلى الخروج معه ، حتى انه ( صلَّى الله عليه و آله ) دعا القبائل المجاورة التي كانت لا تزال على شركها و كفرها إلى مرافقة المسلمين في هذه الرحلة السياسية ذات الطابع الديني 1 .

و في الموعد المحدد خرج رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) متوجهاً إلى مكة بنية أداء العمرة ، و خرج معه سبعمائة رجل من المسلمين كلهم يريدون أداء العمرة ، و كان النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) قد ساق معه من الهدي سبعين بَدَنَة 2 ، كل بَدَنَة عن عشرة 3 ، و قيل إن الذين أحرموا مع الرسول ( صلَّى الله عليه و آله ) في " ذي الحليفة " 4 هم ألف و أربعمائة ، أو ألف و ستمائة ، أو ألف و ثمانمائة 5 .
و لمّا لم يكن خبر عزم النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) على الخروج إلى العمرة خبراً سرّياً ، إذ لم يُخفه النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) بل أذاعه ، و لعله كان يقصد منه أموراً ، فقد انتشر الخبر و علمت به قريش ، فتأهبوا لقتال المسلمين و لصدّهم و منعهم عن زيارة بيت الله الحرام و أداء العمرة .
و ما أن وصل المسلمون عُسفان حتى أُخبر النبي بأن قريشاً بعدما سمعت بخروج المسلمين إلى العمرة عاهدت الله على منع المسلمين من دخول مكة ، و أرسلت خالد بن الوليد إلى " كراع الغميم " 6 مع مائتين من مقاتلي قريش ، كي يمنعوا المسلمين من التوجه إلى مكة المكرمة و يصدّوهم عن أداء العمرة .
أما الرسول ( صلَّى الله عليه و آله ) فقد تجنّب مواجهة طليعة قريش فسلك طريقاً وعراً كثير الحجارة يمرّ بين الشعاب و انتهى إلى منطقة سهلة تُسمى الحُديبية فبركت ناقته بها فنزل و أمر الناس أن ينزلوا بها .
أما خالد بن الوليد فقد لحق المسلمين بعدما علم بتوجههم إلى الحديبية ، و ما أن وصل حتى حاصرهم و حال بينهم و بين ما يريدونه من أداء العمرة .
و لم يبق أمام الرسول ( صلَّى الله عليه و آله ) سوى خيارين ، الحرب أو الدخول في مفاوضات مع العدو .
أما الحرب فلم يكن يريدها منذ البداية ، إذ لم يُعدِّ المسلمين لذلك ، بل أنه ذكّر المسلمين بحرمة التقاتل في الأشهر الحرم و هو في المدينة قبيل خروجه منها ، و يشهد على ذلك أمران :
1. قول رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) : " إنا لم نجيء لِقتال أحدٍ ، و لكنا جئنا معتمرين " 7 .
2. عدم حمل المسلمين من السلاح ما يتناسب مع الحرب و القتال ، إذ لم يكن التأهب للقتال ، و لم يكن سلاحهم يتجاوز سلاح الراكب و المسافر العادي ، و هذا من أدلّ الأدلة على عدم إرادة النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) الحرب و القتال ، رغم عدم مهابته منها إذا اقتضى الأمر ذلك .
لهذا نجد أن الرسول المصطفى ( صلَّى الله عليه و آله ) قال عند نزوله الحديبية : " لا تدْعوني قريشٌ اليوم إلى خطة يَسألونني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها " 8 .
و بلغ قريش كلام رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) فبعثوا ببعض رجالهم إلى المسلمين يستفسرون سبب توجههم إلى مكة ، فبعثوا أولاً بديل بن ورقاء الخزاعي مع جماعة ، فسئل النبيَ ( صلَّى الله عليه و آله ) عن نيته فأجابه ( صلَّى الله عليه و آله ) قائلاً : " إنا لم نجيء لِقتال أحدٍ ، و لكنا جئنا معتمرين " 7 .
و لدى رجوع بديل إلى قريش أخبرهم بنية المسلمين ، لكنهم لم يثقوا بكلامه فأرسلوا مبعوثاً آخر يسمى " مكرز بن حفص " فتحادث مع النبي و رجع إلى قريش ، و قال لهم ما قاله بديل ، لكن قريشاً لم تصدق مكرزاً أيضا .
و لحسم الموقف بعثت قريش الحليس بن علقمة كبير رماة العرب ، فلما رآه النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) قادماً ، قال : " إن هذا من قوم يتألَّهون ـ أي يعظمون أمر الله ـ فأبعثوا الهَدي في وجهه حتى يراه " 7 .
فلما رأى الحليس الهدي و قد أكل أوباره من طول الحبس عن محله ، رجع إلى قريش ، و لم يقابل النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) و قال لهم : والله ما على هذا حالفناكم ، و لا على هذا عاقدناكم ، أيُصدّ عن بيت الله من جاء معظماً له و قد ساق الهدي معكوفاً إلى محله ؟! و الذي نفس حليس بيده لتُخلّنَّ بين محمد و ما جاء له ، أو لأنفِّرنّ بالأحابيش نفرة رجل واحد 7 .
كان لموقف الحليس و مقالته أثراً كبيراً لتسريع عجلة المحادثات و المفاوضات ، فبعثت قريش بعروة بن مسعود الثقفي إلى المسلمين حتى يتفاوض مع النبي محمد ( صلَّى الله عليه و آله ) و يخرج من المفاوضات بحل يرضي الطرفين ، و تعهدت له قريش بأن تقبل ما يقوله .
جاء عروة و تبادل الحديث مع النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) ، لكن المفاوضات لم تصل إلى نتيجة ، إلا أنه لمَّا شاهد المسلمين من قريب و رأى إعظامهم للنبي ( صلَّى الله عليه و آله ) و إطاعتهم له ، و لمس ثباتهم في عقيدتهم و شدة إيمانهم ، تأثَّر بمعنويات المسلمين الرفيعة تأثراً كبيراً .
و عندما رجع إلى قريش قال لهم و هو يُعظّم النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) : " يا معشر قريش إني قد جئت كسرى في ملكه ، و قيصر في ملكه ، و النجاشي في ملكه ، و إني والله ما رأيت مَلِكاً في قوم قط مثل محمد في أصحابه ، و لقد رأيت قوماً لا يسلمونه لشيء قط ، فروا رأيكم " 9 .
لكن قريشاً بقيت مصرةً على موقفها الخاطئ لأنها لم تكن تريد السلام ، بل كانت تميل إلى الحرب و الفتنة ، فقد حاول خمسون رجلاً منها أن تغير على المسلمين بهدف إرعابهم .
أما الرسول ( صلَّى الله عليه و آله ) فقد قرر أن يبعث إلى قريش مبعوثاً من قبله كي يحاورهم ويتفاوض معهم من جديد .
و بعد محاورات جرت بين النبي المصطفى ( صلَّى الله عليه و آله ) و بين قريش ، وافقت قريش على أن يسمحوا للمسلمين بزيارة البيت لمدة ثلاثة أيام ، لكن ليس في هذه السنة بل في العام القادم ، و قَبِلَ الرسول ( صلَّى الله عليه و آله ) ذلك و كتب بينهم كتاب صلح لمدة ثلاث سنين ، و شرطوا الأمور التالية :
1. أن يخرج المشركون من مكة خلال الأيام الثلاث المخصصات لزيارة المسلمين لبيت الله الحرام .
2. أن يدخل المسلمون مكة بسلاح الراكب لا أكثر .
3. أن لا يؤذي أحد من أصحاب الرسول ( صلَّى الله عليه و آله ) أحداً من المشركين ، و إن لا يؤذي أحد من المشركين أحداً من أصحاب الرسول ( صلَّى الله عليه و آله ) .
4. أن تكون بينهم هدنة لمدة ثلاثة أعوام .
فأمر النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) المسلمين أن يحلقوا رؤوسهم و ينحروا هديهم في الحل ـ أي خارج الحرم ـ ، ثم حلق هو ( صلَّى الله عليه و آله ) و نحر ، و حلق المسلمون و نحروا هم أيضا 10 .
و رجع الرسول و من رافقه من المسلمين إلى المدينة ، ثم خرج المسلمون حسب الاتفاقية في السنة التالية ، فدخلوا مكة و قد أخلتها قريش حسب الاتفاقية ، فمكثوا فيها ثلاثة أيام ثم خرجوا منها .
و في الختام تجدر الإشارة إلى :
1. هذه الغزوة من جملة الغزوات التي لم يحدث فيها قتال .
2. و أساساً فان هذه الوقعة رغم تسميتها في كتب التاريخ بغزوة ، إلا أنها ليست من الحروب و الغزوات ، و يدل على هذا أمور ، منها أن النبي أعلن عن نيته و هي العمرة ، و منها أن النبي لم يُخْفِ تاريخ خروجه إلى مكة و لم يباغت قريشاً و لم يغزهم ، بل ترك لهم المجال لكي يعرفوا نيته ، و هذا مما يدل على أنه ( صلَّى الله عليه و آله ) لم يكن يقصد الحرب و القتال ، فلو كان كذلك لما أعطى لقريش فرصة الاستعداد و التأهب .
3. إن الاتفاقية التي تحققت في الحديبية بين النبي الأكرم ( صلَّى الله عليه و آله ) و المسلمين من جهة وبين قريش من جهة أخرى ، و ما نتج عنها من وقف العمليات العدائية و الايذائية ، و ما نشأ عنها من استتباب الأمن في أكثر أنحاء الجزيرة العربية مكَّنت النبي الأكرم ( صلَّى الله عليه و آله ) من توسيع رقعة دعوته من خلال إرسال المبلغين و الدعاة ، مما تسبب في دخول عدد كثير من الناس في الإسلام ، فكان صلح الحديبية أكثر الحوادث بركة وعطاءً و فائدة للإسلام و المسلمين ، على خلاف تصور البعض الذي كره صلح الحديبية ، رغم أن النبي العظيم و القائد الملهم ما كان يتقدم على أمر ليس فيه صالح الإسلام و المسلمين .

  • 1. يراجع ، سيد المرسلين : 2 / 324 ، للعلامة المُحقق آية الله الشيخ جعفر السُبحاني ( حفظه الله ) ، الطبعة الثانية ، مؤسسة النشر الإسلامي ، قم / إيران .
  • 2. بَدَنَة : كقصبة جمعها بُدْنٌ ، و تُجمع على بَدَنات كقصبات ، سُميت بذلك لعظم بدنها و سمنها ، و تقع على الجمل و الناقة و البقرة عند جمهور أهل اللغة و بعض الفقهاء ، و خصها جماعة بالإبل .
  • 3. يراجع ، مفاهيم القرآن : 7 / 399 للعلامة المُحقق آية الله الشيخ جعفر السُبحاني ( حفظه الله ) ، الطبعة الأولى ، سنة : 1412 هجرية ، مؤسسة الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، قم / إيران .
  • 4. ذو الحليفة : ميقات من مواقيت الحج و العمرة ، و هو أبعد المواقيت عن مكة المكرمة إذ يبعُدُ عنها ( 486 ) كيلومتراً ، و عن المدينة المنورة سبعة كيلومترات ، و هو ميقات أهل المدينة و مَنْ حَجَّ عن طريقها ، و يقع فيه مسجد الشجرة .
  • 5. سيد المرسلين : 2 / 326 ، للعلامة المُحقق آية الله الشيخ جعفر السُبحاني ( حفظه الله ) ، طبعة مؤسسة النشر الاسلامي ، قم / إيران .
  • 6. كراع الغميم : موضع بين مكة و المدينة .
  • 7. a. b. c. d. سيد المرسلين : 2 / 329 .
  • 8. سيد المرسلين : 2 / 328 .
  • 9. سيد المرسلين : 2 / 331 ، نقلاً عن المغازي : 2 / 598 ، و إمتاع الأسماع : 1 / 287 .
  • 10. تاريخ اليعقوبي : / 55 .

تعليقتان