هناك ظاهرة ظلت تنبعث باستمرار في ثقافتنا ومجتمعنا، مع كل تطور وتغير حادث وجديد، تكون له طبيعة مغايرة، حتى لو كانت هذه الطبيعة مغايرة بعض الشيء، وليس كل الشيء لما هو سائد ومؤتلف في حياتنا الاجتماعية. وسواء كان هذا التطور والتغير حادث من داخلنا، وبفعل قوانا وديناميتنا وتجاربنا وخبراتنا، أو أنه حادث من خارجنا ويصل إلينا بإرادتنا أو بدون إرادتنا، ويكون له تأثير علينا برغبتنا أو بدون رغبتنا، كما يصل إلى الآخرين أيضاً ويؤثر عليهم بقدر ما يؤثر علينا.
وما نود لفت الانتباه إليه أن هذه الخبرة الكلامية الجديدة على أهميتها الفائقة وقيمتها الفعالة لم تتنبه لها الخطابات الدينية التقليدية، ولم تقترب منها تواصلا وتفاعلا، ولا تثاقفا وانفتاحا، وقد ظلت هذه الخطابات مفارقة لهذه الخبرة ومتباعدة عنها فكريا وروحيا، تتغاير معها ولا تتساير في طرائق التعامل مع القضايا والمشكلات، وفي تحديد الأولويات وطبيعة الاهتمامات، ويمتد هذا التغاير إلى مناهج الفكر والنظر، ويصل إلى التباين والاختلاف في رؤية العالم.
حين يقارن الدكتور هشام جعيط في كتابه (أزمة الثقافة الإسلامية) بين المثقف الأوروبي والمثقف العربي، يقول عن الأول إنه قد يفصح عن إلحاده أو تشككه، لكنه يقرأ الكتاب المقدس، ولعله قرأ القرآن والبهاغا فاغيتا، والتصوف اليهودي والمسيحي وصار مغرماً بالفكر البوذي والتاوي وهذا ما يكوّن سعة أفقه ويوسع من اهتمامه بالفلسفة اليونانية والتقليد الفكري الحديث من لدن ديكارت.
شكلت الأحداث الدامية بين الملايو والمجموعة الصينية التي حصلت في العاصمة الماليزية كوالالمبور سنة 1969م، شكلت بداية التحول الذي يؤرخ له في تاريخ تطور نهضة ماليزيا الحديثة، فهي الأحداث التي نبهت ماليزيا إلى ذاتها، وتفطنت إلى حقيقة مشكلتها، فسارعت إلى تدارك الوضع المتأزم، وعملت على بلورة سياسات تنموية جديدة لمعالجة الاختلالات الحاصلة، ولضمان التعايش السلمي بين المجموعات البشرية المتعددة، وخاصة بين الملايويين والصينيين.
يذكر أحمد أمين في مذكراته (حياتي)، كيف أنه اتفق مع الدكتور طه حسين وعبد الحميد العبادي، على إعادة كتابة التاريخ الإسلامي برؤية جديدة ومعاصرة، على أن يأخذ كل واحد منهم منحى خاصاً به، فأخذ طه حسين المنحى الأدبي، وأخذ أحمد أمين المنحى العقلي، وأخذ عبد الحميد العبادي المنحى السياسي.
هذا التاريخ كان قد بدأ مع بداية القرن العشرين بعد ظهور الرأسمالية في أوروبا، والذي أعقبه ظهور الماركسية التي عملت على مقاومة النظام والفكر الرأسمالي. هذا التاريخ يكاد يتكرر اليوم مع نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين، بعد ظهور العولمة، الوضع الذي يشابه إلى حد كبير وكأنه ظهور الرأسمالية أول مرة.
وعن رؤية توينبي لهذا المنهج يتحدد في قوله: إن المجتمعات الأعظم اتساعا في الزمان والمكان من الدول القومية، أو دول المدن المستقلة، أو أية جماعة سياسية أخرى، هي المجالات المعقولة للدراسة التاريخية، فالمجتمعات لا الدول هي الوحدات الاجتماعية التي يجب أن يعنى بها دارسو التاريخ.
لقد جاء إنشاء هيئة الصحفيين السعوديين في شباط ـ فبراير الماضي، والذي كان تفعيلا للمادة 27 من نظام المؤسسات الصحفية الصادر في تموز ـ يوليو 2001م، وذلك في إطار استكمال بناء المؤسسات الأهلية والرسمية والمشتركة، ليس في هذا الحقل الصحفي و الإعلامي فحسب، وإنما من المفترض أن يشمل كافة الحقول والمجالات الحيوية والأساسية التي ترتكز عليها الدول وتتقوّم بها في مناشطها الداخلية والخارجية.
من يتتبع الكتابات الإسلامية المعاصرة التي تناولت الحديث عن مفهوم التسامح خلال الفترة الممتدة إلى نهاية القرن العشرين، سيجد أن هذه الكتابات تغلب عليها بصورة واضحة النزعة الدفاعية والحجاجية، النزعة التي شكلت باعثا لبعض هذه الكتابات، وتأثرت بها وتلونت بنية وبيانا، فكانت بمثابة العامل المؤثر لما قبل هذه الكتابات.
تشتد اليوم موجة التشكيك حول مفهوم التقريب، بوصفه مفهوماً يتصل بمجال العلاقات بين المذاهب الإسلامية، ولأول مرة ترتفع وتيرة هذه الموجة من التشكيك، وبهذه الصورة التي تكاد تحاصر هذا المفهوم الخلاق، وتضيق الخناق عليه، وتسلب منه فضيلته وقيمته، وتضعه في دائرة الاتهام والمساءلة.
الحقيقة الثابتة عندي، أن العملية التعليمية بمراحلها كافة لا يمكن أن تكون ناجحة ومميزة من دون تفعيل برنامج القراءة، يمكن لهذه العملية التعليمية أن تبقى وتستمر من دون برنامج القراءة كما هو حاصل اليوم، لكن لا يمكن أن تظهر على هذه العملية مؤشرات الجودة، وتكتسب صفة التميز من دون هذا البرنامج.
لمناقشة الشكوك التي تعترض مفهوم التقريب بين المذاهب الإسلامية ومحاججتها، لا بد من معرفة أن مفهوم التقريب لم يأت من فراغ، ولم يكن مجرد مفهوم عابر أو ساكن أو جامد أو بلا تاريخ أو بلا سياق تاريخي، كما لم يكن مجرد مفهوم لغوي لا أصل له ولا أساس إلا في معاجم اللغة، ولم يكن أيضاً مجرد مفهوم ذهني تجريدي لا أصل له ولا أساس إلا في عالم الذهن، وهذا ما يعرفه كل من تعاطى واقترب من هذا المفهوم، حتى أولئك المشككين فيه، والمتحفظين عليه.
لكن الخطوة المتقدمة في هذا المجال، هي الخطوة التي أقدمت عليها المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، حين وضعت استراتيجية لها بعنوان (استراتيجية التقريب بين المذاهب الإسلامية)، إلى جانب استراتيجياتها الأخرى في التربية والثقافة والعلوم، واعتبرت أن هذه الاستراتيجية تتصل بمجال بالغ الأهمية يرتبط بالوحدة الثقافية في العالم الإسلامي، وبتماسك الأمة الإسلامية وتضامنها.
لقد تحدث القرآن الكريم عن العقل بطريقة تكشف عن دوره الكبير، ومكانته الواسعة في التصور الإسلامي، ولعل القرآن الكريم من أكثر الكتب السماوية، الذي تحدث عن العقل بهذه الكيفية اللافتة للنظر.
نعني بهذه المقولة "التخلق بالفكر" أن يصل الفكر إلى درجة يظهر في شخصية الإنسان ويتجلى في سلوكه، بشكل يوصف معها بالتخلق، ويقال عنه إنه متخلق بالفكر، ويعرف بهذه الصفة وتدل عليه إثباتا وثبوتا، إثباتا من ناحية النظر وثبوتا من ناحية العمل، أي أن يدل الفكرعلى السلوك، ويدل السلوك على الفكر، وتحصل المطابقة الممكنة بينهما، التي تمنع الفكر من أن يكون منفصلا عن السلوك، أو أن يكون السلوك منفصلا عن الفكر، فلا يحصل الفصل لا من جهة الفكر، ولا من جهة السلوك.
الصورة التي يقدمها العالم العربي عن نفسه اليوم في أحد جوانبها، هي أشبه ما تكون بصورة العصور الوسطى في أوروبا، الموصوفة هناك بعصور الظلام والانحطاط، والتي سادت فيها وتكرست الانقسامات والنزاعات والحروب بين المذاهب والطوائف والجماعات الدينية والعرقية والإثنية، وانبعثت فيها وتعمقت نزعات القطيعة والإقصاء والإلغاء، وارتفعت فيها واشتدت لغة العنف والقسوة والكراهية، وتراجعت فيها وتقلصت قيم العلم والعقل والجمال.
أكملت مكتبة الإسكندرية المصرية المرحلة الأولى من مشروع (تقديم مختارات من التراث الحديث للمجتمعات الإسلامية في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين/التاسع عشر والعشرين الميلاديين)، بإصدار خمسين كتابا مختارا من أمهات مؤلفات رجالات التجديد والإصلاح في العالم الإسلامي، صدرت ضمن سلسلة بعنوان: (في الفكر النهضوي الإسلامي)، وبدأت الاستعدادت للمرحلة الثانية، والتحضير لإصدار خمسين كتابا مختارا في هذا النطاق.
في أكتوبر 2014م، نشر أستاذ الفلسفة في جامعة عين شمس الدكتور مراد وهبة مقالة مثيرة للجدل في مجلة الفكر المعاصر المصرية، العدد الثاني، حملت عنوان: (التجديد الديني في الفكر الإسلامي)، رأى فيها جازما وقاطعا أن بموت الشيخ محمد عبده ينتهي التجديد الديني في الفكر الإسلامي، ومتسائلا عن العلاقة بين موت محمد عبده وموت التجديد الديني؟ متخذا من هذا التساؤل أساسا ووجهة في النظر لهذه المقولة، وفي إثباتها وتأكيدها.
تتحدث التقارير الدولية وباهتمام عن زيادة عدد الشباب في العالم ممن تتراوح أعمارهم بين 14 و 25 عاماً، حيث يشكلون بحسب إحصاءات اليونسكو مليار ومئتي مليون، أي ما يعادل 18 في المئة من سكان العالم الذين يصلون إلى 6 بلايين نسمة، بينهم حوالي 84 في المئة من بلدان العالم الثالث، وهذه النسبة سترتفع عام 2025م إلى 89 في المئة. وهذا التعداد يمثل أكبر جيل من الشبان في تاريخ البشرية.