مجموع الأصوات: 65
نشر قبل سنة واحدة
القراءات: 2228

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

التحقيق في أحد أسانيد حديث الثقلين من رواية الصحابي أبي سعيد الخدري

ومن طرقه ما رواه أحمد بن حنبل في مسنده، فقال: (حدّثنا ابن نمير، حدّثنا عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله «صلّى الله عليه وآله وسلّم»: «إنّي قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا بعدي؛ الثقلين، وأحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله حبلٌ ممدودٌ من السّماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ألا وإنّهما لن يتفرّقا حتّى يردا عليّ الحوض») 1.

وليس من علـةٍ في السند سوى ما ورد من جرح من بعضهم في عطية العوفي، أمّا باقي رجال السند، فهم من الثقات عندهم، وبالتحقيق في حال العوفي، وما قيل فيه من تعديل وجرح سيتّضح أنّ هذه الطريق للحديث إن لم تكن صحيحة، فهي لا تنزل عن مرتبة الحديث الحسن لذاته.

فعطية بن سعد بن جنادة العوفي، عدّله ابن معين، قال عبّاس الدّوري، عن ابن معين: (صالح) 2. وقال ابن طهمان، عن يحيى بن معين: (عطية العوفي ليس به بأس، قيل يحتجُّ به؟ قال: ليس به بأس) 3.

وابن معين إذا قال عن الرّاوي: (لا بأس به)، أو (ليس به بأس)، فهو ثقة عنده، فعن أحمد بن أبي خيثمة، قال: (قلت ليحيى بن معين: إنّك تقول: فلان ليس به بأس، وفلان ضعيف؟، قال: إذا قلت لك: ليس به بأس فهو ثقة ...) 4.

وقال شعيب الأرنؤوط، والدكتور بشّار عوّاد معروف: (وقوله 5 في الرّاوي: لا بأس به، أو ليس به بأس، فهو ثقة عنده) 6.

وقال الدوري: (سألت يحيى عن عطية العوفي، وعن أبي نضرة، فقال: أبو نضرة أحبُّ إليَّ) 7.

وهذا النّص فيه توثيق لعطية، لأنّ أبا نضرة ثقة عند يحيى بن معين، فهو مقارنة بين ثقتين، فيحيى بن معين يحب عطية إلاّ أنّ أبا نضرة أحبُّ إليه منه.

وقال ابن أبي خيثمة: (سمعت يحيى بن معين، يقول: أبو الودّاك، ثقة، قيل ليحيى: عطيّة مثل أبي الودّاك؟ قال: لا، قيل: فمثل أبي هارون؟ قال: أبو الودّاك ثقة، ماله ولأبي هارون) 8.

وارتضاء ابن معين مقارنة عطية بأبي الودّاك، وعدم ارتضائه مقارنته بأبي هارون، هو توثيق لعطية، نعم هو عنده ليس في مرتبة وثاقة أبي الودّاك، لكنّه ثقة دونه، لأن للوثاقة أيضًا مراتب.

نعم رووا عن ابن معين أنّه ضعّف عطية العوفي، ففي كتاب الكامل في ضعفاء الرّجال، عن أبي مريم، قال: (سألت يحيى بن معين، عن عطيّة العوفي، فقال: ضعيف، إلاّ أنّه يكتب حديثه) 9.

وروى العقيلي عن جعفر بن أحمد، قال: حدّثنا محمد بن إدريس، عن كتاب أبي الوليد بن أبي الجارود، عن يحيى بن معين، قال: (كان عطيّة العوفي ضعيفًا) 10.

ومع تعارض جرح ابن معين مع تعديله لعطية، فلا بدّ من البحث عن مرجّحات وقرائن لترجيح أحدهما على الآخر، ومن ذلك ما ذكره ابن حجر العسقلاني في كتابه «بذل الماعون» عند حديثه عن تعارض جرح ابن معين وتوثيقه لأبي بلج، فقال بعد أن ذكر توثيق ابن معين لأبي بلح: (ونقل ابن الجوزي عن ابن معين أنّه ضعّفه، فإن ثبت ذلك، فقد يكون سئل عنه وعن من هو فوقه، فضعّفه بالنسبة إليه، وهذه قاعدة جليلة في من اختلف النقل عن ابن معين فيه، نبّه عليها أبو الوليد الباجي في كتابه «رجال البخاري») 11.

ومن القرائن والمرجّحات، أنْ يكون الناقل لأحدهما تلميذًا لرجل الجرح والتعديل وملازمًا له، فيقدم قوله على قول غيره، ففي كتاب «اتحاف النّبيل بأجوبة وأسئلة علوم الحديث والعلل والجرح والتعديل» لأبي الحسن مصطفى بن إسماعيل السليماني: (أقول: إذا لم يعرف المتقدّم والمتأخّر، فإنّه يرجّح بقرائن أخرى قبل القول بتقديم التجريح على التعديل.

ومن هذه القرائن كأن يكون بعض تلاميذ الإمام أكثر ملازمة له من بعض، فتقدّم رواية الملازم على رواية غيره، كما هو الحال في تقديم رواية عبّاس الدّوري عن ابن معين لطول ملازمته له) 12.

قلت: وممن روى تعديل ابن معين لعطية عبّاس الدّوري، ويزيد ابن الهيثم بن طهمان، وهما بغداديان، من تلامذة يحيى بن معين، ومن أكثر النّاس ملازمة ليحيى لا سيما الدّوري، وأمّا من نقل الجرح فهو أحمد بن سعيد بن أبي مريم، وهو مصري، وما نقله العقيلي عن أبي موسى بن أبي الجارود فهو وجادة منقطعة، فيرجّح التعديل على التجريح.

ثم إنّ من مرجّحات التعديل على التجريح هنا، هو أنّ جرح ابن معين مجمل، لأنّهم ذكروا أنّ الجرح بقول: (ضعيف) جرحٌ مبهم 13، وكما مرّ عليك أنّ التعديل يقدّم على الجرح إذا كان الجرح مجملًا غير مفسّر، فيقدّم هنا تعديل ابن معين على جرحه، فيكون عطية عند ابن معين ثقة.

وورد في سؤلات ابن الجنيد ليحيى بن معين: (قال رجل ليحيى: فالعوفي؟ قال: كان ضعيفًا في القضاء، ضعيفًا في الحديث) 14.

وقد أدرج الدكتور بشّار عوّاد معروف هذا القول، ضمن تعليقة له على ترجمة عطيّة، وذلك في كتاب تهذيب الكمال بتحقيقه على أنّه من الجرح الوارد من ابن معين في عطيّة 15، ويبدو لي -والله العالم- أنّ هذا الجرح لا علاقة له بعطيّة العوفي، وإنّما هو في الحسين بن الحسن بن عطيّة العوفي، فهو من توّلى القضاء لهارون على الجانب الشرقي 16.

وعدّله الترمذي، فحسّن له العديد من الأحاديث، وقال عن حديث وقع في سنده عطيّة العوفي: (هذا حديث حسن صحيح) 17.

وهذا توثيق لجميع رجال السَّند، ومنهم عطيّة العوفي، فتصحيح أبي عيسى الترمذي لحديث ما في سننه هو تعديل لرواة ذلك الحديث، هذا ما صرّح به العديد من علماء أهل السّنة، قال الشيخ أحمد محمد شاكر معلّقًا على إسناد حديث في سنن الترمذي: (الحديث في إسناده «كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف»، وقد ضعّفوه جدّاً، بل رماه بعضهم بالكذب، وقال الذهبي في الميزان: «وأمّا الترمذي فروى من حديثه: «الصلح جائز بين المسلمين»، وصححه، فلهذا لا يعتمد العلماء على تصحيح الترمذي». وهو غلو منه، فإنّ تصحيح الترمذي معتمد عند العلماء، وتصحيحه توثيق للرّاوي، وذهاب إلى أنّه لم يرض الكلام فيه) 18.

وفي كتاب «بيان الوهم والإيهام في كتاب الأحكام»، قال أبو الحسن ابن القطّان: (وذكر حديث الفريعة بنت مالك في مكث المتوفّى عنها زوجها في البيت الذي كانت تسكن فيه مع الزّوج المتوفى، حتى يبلغ الكتاب أجله.

أتبعه تصحيح الترمذي له، وقول علي بن أحمد بن حزم: زينب بنت كعب مجهولة لم يرو حديثها غير سعد بن إسحاق، وهو غير مشهور بالعدالة.

وعندي أنّه ليس كما ذهب إليه، بل الحديث صحيح، فإنّ سعد ابن إسحاق، ثقة، وممن وثّقه النّسائي، وزينب كذلك ثقة.

وفي تصحيح الترمذي إيّاه توثيقها وتوثيق سعد بن إسحاق) 19.

وفي كتاب «نصب الرّاية»، قال الزيلعي: (قال الشيخ تقي الدّين الإمام 20: ومن العجيب كون القطّان لم يلتفت لتصحيح الترمذي في معرفة حال عمرو بن بجدان مع تفرّده بالحديث، وهو نقل كلامه: «هذا حديث حسن صحيح»، وأي فرقٍ بين أن يقول: هو ثقة، أو يُصَحَّحُ له حديث انفرد به؟ وإن كان توقف لكونه لم يرو عنه إلاّ أبو قلابة، فليس هذا بمقتضى مذهبه، فإنّه لا يلتفت إلى كثرة الرّواة في نفي جهالة الحال، فكذلك لا يوجب جهالة الحال بانفراد راو واحد عنه بعد وجود ما يقتضي تعديله وهو تصحيح الترمذي) 21.

واعتبر شمس الدّين الذهبي تصحيح الترمذي لحديث راو من الرّواة، من الذين لم يرد فيهم جرح ولا تعديل هو نوع من التعديل للراوي، فقال في كتابه الموقظة: (الثقة، من وثقه كثير ولم يضعّف، ودونه من لم يوثّق ولا ضعّف، فإن خرج حديث هذا في الصحيحين، فهو موثقٌ بذلك، وإن صحح له مثل الترمذي وابن خزيمة فجيّدٌ أيضًا، وإن صحّح له كالدّارقطني والحاكم، فأقلُّ أحواله حسن حديثه) 22.

فيستفاد من كلام الذّهبي هذا أنّ تصحيح الترمذي وابن خزيمة لراو من الرّواة هو تعديل لذلك الرّاوي.

قال الشريف حاتم بن عارف العوني، وهو يشرح كلام الذهبي: (يقول: «وإن صحّحَ له مثل الترمذي وابن خزيمة، فجيدٌ أيضًا».

أي من صحح له الترمذي وابن خزيمة فحديثه جيّد، وجيّد تعني: «صحيح»؛ وإن قال الإمام السيوطي بأنّ الحافظ لا يترك كلمة «صحيح» في الحكم على الحديث، ويستخدم كلمة «جيّد» إلاّ لأمر دقيق أنزل هذا الحديث عن مرتبة الصّحة، وارتفع به عنده عن مرتبة الحسن.

وعبارة الذهبي هنا توحي بهذه المرتبة الوسطى بين الصحة والحسن التي ذكرها السيوطي، فهو عندما قال: «وإن صحح له مثل الترمذي وابن خزيمة فجيّدٌ أيضًا» كأنّه يريد «رحمه الله» أن يذكر منزلة ثانية؛ حيث ترك كلمة: «فهو ثقة»، واستخدم كلمة: «جيّد»، لكنّه عاد فقال: «أيضًا»، ليبيّن أنّ الفرق لا يكاد يذكر بين من صحح له البخاري ومسلم، ومن صحح له ابن خزيمة والترمذي).

ثم قال العوني: (وهنا وقفة يسيرة مع تصحيح الترمذي وابن خزيمة: أمّا تصحيح الترمذي: فقد وصفه بعض العلماء بالتّساهل في التّصحيح والتّحسين، وكان أشدُّ العلماء عبارة في وصفه للترمذي بالتّساهل الذّهبيُّ نفسه؛ إذ قال: «ولذلك لا يعتمد العلماء على تصحيح الترمذي»، وقد ردّ عليه العراقي في «شرحه لجامع الترمذي» بقوله: «وما نقله عن العلماء من أنّهم لا يعتمدون على تصحيح الترمذي ليس بجيّد، وما زال النّاس يعتمدون تصحيحه».

ونضيف إلى كلام العراقي أن نقول: وممن يعتمد تصحيح الترمذي الذهبيُّ نفسه، بدليل كلامه هذا في «الموقظة»؛ حيث عدَّ مجرّد تصحيح الترمذي مفيدًا ثقة رجال إسناد ذلك الحديث الذي صححه، وهذا اعتمادٌ أيّما اعتماد!! ...) 23.

وقال ابن كثير في كتابه «البداية والنّهاية»: (ثمّ رواه أحمد، عن غندر، عن شعبة، عن ميمون أبي عبد الله، عن زيد بن أرقم، إلى قوله: «من كنت مولاه فعلي مولاه»، قال ميمون: حدّثني بعض القوم، عن زيد، أنّ رسول الله «صلّى الله عليه وآله وسلّم» قال: «اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه».

وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات على شرط السنن، وقد صحح الترمذي بهذا السند حديثًا في الزيت) 24.

فحكم ابن كثير على رجال سند الرّواية بأنّهم ثقات، مؤيّدًا ومؤكدًا لحكمه هذا بتصحيح الترمذي لحديث بنفس السند، الأمر الذي يدل على أنّ ابن كثير ممن يرى أنّ تصحيح الترمذي للحديث هو توثيق لرجال سنده.

فهؤلاء مجموعة من أعلام أهل السّنة يذهبون إلى أنّ تصحيح الترمذي لحديث في سننه هو توثيق لرجال سند ذلك الحديث.

ووثق عطية العوفي أيضًا ابنُ سعد، فقال في كتابه «الطبقات الكبرى»: (وكان ثقة إن شاء الله، وله أحاديث صالحة، ومن النّاس من لا يحتج به) 25.

ويستفاد من قول ابن سعد: «ومن النّاس من لا يحتج به»، بعد توثيقه لعطية أنّه لم يقبل بجرحهم له ولم يعتد به.

وعدّله ابن خزيمة حيث أخرج له في صحيحه 26، ومرّ عليك أنّ ابن خزيمة قال عن صحيحه: (مختصر المختصر من المسند الصحيح عن النبي «صلّى الله عليه وآله وسلّم» بنقل العدل عن العدل، موصولًا إليه «صلّى الله عليه وآله وسلّم»، من غير قطع في أثناء الإسناد، ولا جرح في ناقلي الأخبار التي نذكرها) 27.

نعم قد يشكل علينا لقولنا بأنّ ابن خزيمة عدّل عطية العوفي بالقول: أنّ ابن خزيمة قال في سند أحد الأحاديث التي رواها من طريق عطية: (... عن عطيّة - مع براءتي من عهدته - عن أبي سعيد...)، وقال أيضًا بعد أن أورد نصّ الحديث: (في القلب من عطيّة بن سعد العوفي، إلاّ أنّ هذا الخبر قد رواه زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد، قد خرّجته في موضع آخر) 28، ألا يعدُّ هذا مخالفًا لما ذكرتموه من تعديل ابن خزيمة لعطيّة؟!

قلت: إنّ ابن خزيمة أوضح سبب قوله في القلب من الرّاوي شيء، وذلك في نفس صحيحه، حيث قال: (كتاب الصّيام. «المختصر من المختصر من المسند عن النبيِّ «صلّى الله عليه وآله وسلّم»، على الشرط الذي ذكرناه، بنقل العدل عن العدل موصولًا إليه «صلّى الله عليه وآله وسلم» من غير قطع في الإسناد، ولا جرح في ناقلي الأخبار، إلاّ ما نذكره أنّ في القلب من بعض الأخبار شيءٌ؛ إمّا لشك في سماع راو من فوقه خبرًا، أو راوٍ لا نعرفه بعدالة ولا جرح، فنبيّن أنّ في القلب من ذلك الخبر، فإنّا لا نستحل التمويه على طلبة العلم بذكر خبر غير صحيح لا نبيّن علّته، فيغترُّ به بعض من يسمعه، فالله الموفق للصواب) 29.

فأوضح أنّه يقول هذا القول لسببين:

الأول: الشّك في سماع الرّاوي من شيخه.

الثاني: جهالة حال الرّاوي.

والثاني منتف هنا؛ لأنّ ابن خزيمة ليس جاهلًا بحال عطيّة، فتعيّن أنّه قاله بسبب شكّه في سماع عطيّة للحديث من أبي سعيد الخدري، وليس هذا من الطعن في شيء، بدليل أنّه أخرج لعطيّة حديثًا آخر قبل هذا الحديث 30، ولم يعلّق عليه بشيء، وهذا مما يؤكد ما قلناه من أنّ ابن خزيمة توهّم عدم سماع عطيّة للحديث من أبي سعيد، فقال ما قاله لهذا السبب، بدليل أيضًا أنّه قال: (إلاّ أنّ هذا الخبر قد رواه زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد، وقد خرّجناه في موضع آخر)، ليؤكد على أنّ الحديث ثابت عن أبي سعيد من طريق آخر، فتعديل ابن خزيمة لعطيّة ثابت.

قال المنذري: (عطيّة بن سعد العوفي، قال أحمد وغيره: ضعيف الحديث. وقال أبو حاتم: ضعيف يكتب حديثه، ووثقه ابن معين وغيره، وحسّن له الترمذي غير ما حديث، وأخرج حديثه ابن خزيمة في صحيحه، وقال: في القلب من عطيّة شيء) 31.

فمع أنّ المنذري نقل عبارة ابن خزيمة في القلب من عطيّة شيء -التي سبق بيان معناها، ومراد ابن خزيمة منها- إلاّ أنّه عد ابن خزيمة من جملة معدّلي عطيّة بإخراج حديثه في صحيحه.

وعدّله أبو حفص عمر بن أحمد المعروف بـ «ابن شاهين»، فذكره في كتابه «تاريخ أسماء الثقات»، فقال: (عطيّة العوفي، ليس به بأس، قاله يحيى) 32.

نعم ذكره في كتابه «تاريخ أسماء الضّعفاء والكذّابين»، فقال: (عطيّة العوفي، ضعّفه أحمد ويحيى) 33.

فإن كان يقصد بيحيى هنا ابن معين، فقد أثبتنا فيما سبق أنّ تعديل يحيى بن معين لعطّية هو الرّاجح، وأمّا تضعيف أحمد بن حنبل فسببه دعوى الكلبي تكنية عطيّة له بأبي سعيد، وادّعوا عليه بأنّه أراد بذلك أن يوهم السامع بأنّه أبو سعيد الخدري وهو الكلبي، قال عبد الله بن أحمد: (سمعت أبي ذكر عطيّة العوفي، فقال: هو ضعيف الحديث، قال: بلغني أنّ عطيّة كان يكنّي الكلبي فيأخذ عنه التفسير، وكان يكنيّه بأبي سعيد) 34.

وقال أيضاً: (حدّثني أبي، قال: حدّثنا أبو أحمد الزبيري، قال: سمعت سفيان الثوري، قال: سمعت الكلبي، قال: كنّاني عطيّة أبا سعيد) 35.

وحكاية تكنية عطيّة للكلبي بأبي سعيد مصدرها الكلبي، وهو كذاب لا يعتمد على قوله، فهي مما لم يثبت ولم يصح، قال الشريف حاتم بن عارف العوني: (قلت: وضع عطيّة العوفي في الطبقة الرابعة من المدلسين، فيه نظر، حتى عند من وصفه بالتدليس! حيث إن الطبقة الرابعة من المدلسين، طبقة من اتفق على أنه لا يحتج بشيء من حديثهم إلاّ بما صرحوا فيه بالسماع، وعطيّة العوفي حتى وإن قال: «حدثني أبوسعيد» لا يُقبل حديثه عند من وصفه بالتدليس، لأن تدليسه تدليس شيوخ، لا تدليس إسناد حتى يؤثر في قبول عنعنته!!

قال الإمام أحمد في العلل «رقم 1306»: «هو ضعيف الحديث. بلغني أن عطيّة كان يأتي الكلبي فيأخذ عنه التفسير، وكان يكنيه بأبي سعيد، فيقول: قال أبوسعيد».

وقال ابن حبان في المجروحين «2/167- 177»: «سمع من أبي سعيد الخدري أحاديث، فلما مات أبوسعيد جعل يجالس الكلبي، ويحضر قصصه … وكنّاه أبا سعيد، ويروي عنه، فإذا قيل له: من حدثك بهذا؟ فيقول: حدثني أبوسعيد، فيتوهمون أنه يريد أبا سعيد الخدري، وإنما أراد الكلبي. «ثم أسند ابن حبان إلى» أبي خالد الأحمر قال: قال لي الكلبي: قال لي عطيّة، كنيتك بأبي سعيد، قال: فأنا أقول: حدثنا أبوسعيد».

وقال ابن رجب في شرح علل الترمذي «2/823» بعد نقل كلام الكلبي عن تدليس عطيّة العوفي له: «ولكن الكلبي لا يعتمد على ما يرويه. وإن صحت هذه الحكاية عن عطيّة، فإنما يقتضي التوقف فيما يحكيه عن أبي سعيد من التفسير خاصة. فأمّا الأحاديث المرفوعة، التي يرويها عن أبي سعيد، فإنما يريد أبا سعيد الخدري، ويصرح في بعضها بنسبته».

وقد كنت على أنّ عطيّة العوفي يدلس هذا التدليس القبيح، حتى تنبهت إلى أن الإمام الترمذي كان جاريًا في جامعه على تحسين ما يستغربه من حديث عطيّة العوفي عن أبي سعيد، فانظر جامعه «رقم 1329، 2174، 2351، 2524، 2590، 2926، 1935، 3071، 3192، 3727».

وإجلالي للترمذي جعلني أعاود النظر في وصفه بهذا التدليس، فظهر لي أنه لا يصح عنه!!!.

فدليل ابن حبان الذي أسنده، وأخرجه الإمام أحمد في العلل «رقم 4500»، والعقيلي «3/359»، وابن عدي «5/369» إنما هو من كلام الكلبي نفسه عن عطيّة، والكلبي كذاب، فكيف يُقبل نقله في جرح راوٍ أو وصفه بالتدليس؟!!

ولعل الإمام أحمد لذلك لم يجزم بالخبر، وإنما قال: «بلغني».

أما ابن حبان فجزم، ولما ذكر دليله على هذا الجزم، ألفيناه غير صالح للاستدلال!.

فرحم الله الترمذي! كم يُتهم بالتساهل؟! وإنما ذنبه أنه علم ما جهله غيره!!) 36.

فاتّضح أنّ سبب تضعيف أحمد بن حنبل لعطيّة العوفي مما لم يثبت، فيردُّ تضعيفه له، ولا يعتدُّ به.

وعليه، فإن كان تضعيف ابن شاهين اعتمادًا على تضعيف يحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، فإنّه اعتمد على تضعيف مرجوح، وهو تضعيف ابن معين، وآخر لم يثبت سببه، وهو تضعيف أحمد بن حنبل، وإن كان لسبب آخر، فلم يذكره، فيكون جرحًا غير معلوم السبب فيرد، لأنّه غير مفسّر، ويقدّم عليه التعديل.

فثبت من كل ذلك أنّ تعديل ابن شاهين هو الرّاجح على التضعيف، فيكون عطيّة العوفي عند ابن شاهين ثقة، لأنّه -كما مر- أدرجه في كتابه «تاريخ أسماء الثقات».

وعدّله العجلي، فقال في كتابه «معرفة الثقات»: (عطيّة العوفي، كوفي تابعي ثقة، وليس بالقوي) 37.

فالعجلي، وثّق عطيّة العوفي، إلاّ أنّه ليّنه قليلًا، فقال: (وليس بالقوي)، ولا يعلم سبب هذا التليين، هل هو لتشيّعه أم لسبب آخر؟، فإن كان لسبب آخر فلم يذكره، فهو تليين غير معلوم السبب، فلا يعتدُّ به في مثل هذا المورد، وإن كان بسبب التّشيّع فهو مما لا يكون سببًا للجرح، ويبدو لي أنّه يريد بقوله هذا أنّ عطيّة ثقة ولكنّه ليس في أعلى مراتب الوثاقة.

ووثقه محمد بن جرير أبو جعفر الطبري، فقال في كتابه «المنتخب من ذيل المذيّل»: (ذكر من هلك منهم في سنة ١١١: منهم عطيّة بن سعد بن جنادة العوفي، من جديلة قيس، ويكنّي أبا الحسن، قال ابن سعد: أخبرنا سعيد بن محمد بن الحسن ابن عطيّة، قال: جاء سعد بن جنادة إلى علي بن أبي طالب «عليه السّلام»، وهو بالكوفة، فقال: يا أمير المؤمنين إنّه ولد لي غلام فسمّه، فقال: هذا عطيّة الله، فسمي عطيّة، وكانت أمّه روميّة، وخرج عطيّة مع ابن الأشعث.

هرب عطيّة إلى فارس، وكتب الحجّاج إلى محمد بن القاسم الثّقفي أن ادع عطيّة فإن لعن علي بن أبي طالب وإلاّ فاضربه أربعمائة سوط، واحلق رأسه ولحيته، فدعاه وأقرأه كتاب الحجّاج، وأبى عطيّة أن يفعل، فضربه أربعمائة سوط، وحلق رأسه ولحيته، فلمّا ولي قتيبة بن مسلم خراسان، خرج إليه عطيّة، فلم يزل بخراسان حتّى ولي عمر بن هبيرة العراق، فكتب إليه عطيّة يسأله الإذن له بالقدوم، فأذن له، فقدم الكوفة، فلم يزل بها إلى أن توفي سنة ١١١، وكان كثير الحديث، ثقة إن شاء الله تعالى) 38.

وعدّله إسماعيل بن أبي خالد البجلي بروايته عنه، لأنّ إسماعيل هذا لا يروي إلاّ عن ثقة، قال مغلطاي: (وقال العجلي: ... وكان لا يروي إلاّ عن ثقة) 39.

وعدّله محمد بن جُحادة الأودي الكوفي بروايته عنه أيضًا، قال الآجري، عن أبي داود: (كان لا يأخذ عن كلِّ أحد) 40.

وعدّله ابن حجر، فقال كما في كتابه «نتائج الأفكار»: (ضَعْفُ عطيّة إنّما جاء من قبل التّشيّع، ومن قبل التدليس، وهو في نفسه صدوق) 41.

نعم قال عنه في كتابه «تقريب التّهذيب»: (صدوق يخطئ كثيرًا، وكان شيعيّاً مدلّسًا) 42.

وربّما قال عنه كلامًا مقاربًا لهذا الكلام في غير التّقريب، ولكنّه لم يصفه في نتائج الأفكار بأنّه يخطئ كثيرًا، وإنّما اقتصر على القول فيه بأنّه صدوق، وذكر سبب ضعفه وهو تشيّعه وتدليسه، والظّاهر أنّه تغيّر رأيه فيه، فغفل عن أن يستدركه في التقريب، وقد مرّ عليك أنّ التدليس غير ثابت عليه، وأمّا التّشيّع فسيأتي الكلام عنه، وكتاب نتائج الأفكار هو من آخر تآليفه، بعكس تقريب التهذيب فهو متقدّم في التأليف، بدليل أنّ ابن حجر لم يكمل كتاب نتائج الأفكار، وباشر تلميذه السّخاوي بإكمال الكتاب إلاّ أنّه لم يكمله أيضاً 43، فيكون قوله في النتائج هو المعتمد والمرجّح، لأنّه آخر رأي له في عطيّه، فيكون عطيّة حسن الحديث عند ابن حجر العسقلاني.

وحسّن له أبو الحسن بن القطّان الفاسي، وذلك في كتابه «بيان الوهم والإيهام في كتاب الأحكام»، فقال: (وذكر من طريق الترمذي عن أبي سعيد، قال رسول الله «صلّى الله عليه وسلّم»: «إنّ أحبَّ النّاس إلى الله يوم القيامة، وأدناهم منه مجلسًا 44 إمام عادل»، الحديث، وسكت عنه، وهو إنّما يرويه عطيّة العوفي، وهو يضعّف، وقال فيه ابن معين: صالح، فالحديث به حسن) 45.

وحسّن له غيره.

وجرح عطيّة العديد من العلماء، وسبب جرحهم له هو، تشيّعه وتدلسيه، قال الحافظ ابن حجر: (ضعف عطيّة إنّما جاء من قبل التّشيّع، ومن قبل التدليس، وهو في نفسه صدوق، وقد أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأخرج له أبو داود عدّة من الأحاديث ساكتاً عليها، وحسّن له الترمذي عدّة أحاديث، بعضها من إفراده) 41.

فنعم هو من محبّي الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه السّلام»، والمتشيّعين له، وقد عرض عليه النّواصبُ لعن الإمام علي «عليه السّلام»، فأبى ورفض أن يلعنه، فضرب، وحلق رأسه ولحيته، وهذا دليل على عظم حبّه لمولى المتقين، وأمير المؤمنين «عليه السلّام»، وعلى قوّة إيمانه، وتمسّكه بوصيّة الكتاب المجيد في لزوم مودّة قربى النبي «صلّى الله عليه وآله» الذين فرض الله سبحانه وتعالى مودتهم في كتابه بقوله:﴿ ... قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ... 46، وعلي «عليه السّلام» منهم، ولقد ثبت عنه «عليه السّلام» أنّه قال: (والذي فلق الحبّة، وبرأ النّسمة، إنّه لعهد النبي الأمّي «صلّى الله عليه وآله وسلّم» إليّ: أن لا يحبّني إلاّ مؤمن، ولا يبغضني إلاّ منافق)47.

والتشيّع لعلي «عليه السلام» وأهل بيت النبي الأكرم «صلّى الله عليه وآله»، ومحبّتهم ليس من موجبات الجرح، بل هو واجب، وفرض، ومن الدّين، ومن المعيب على العالم المسلم أن يجرح راويًا لأنّه يحب الإمام عليّاً «عليه السلام» ويتشيّع له، بل حتّى لو كان يقدمه على غيره من الصّحابة في التفضيل، فإنّ هذا الأمر مما وقع الاختلاف فيه حتّى بين الصّحابة أنفسهم، والقائل بأفضليته «عليه السلام» على الجميع لم يكن قوله واعتقاده بذلك ناشئًا عن هوى، بل لأدلة وبراهين عنده، وهي عديدة وكثيرة، قال ابن عبدالبر: (وروي عن سلمان، وأبي ذر، والمقداد، وخبّاب، وجابر، وأبي سعيد الخدري، وزيد بن الأرقم: أن علي بن أبي طالب «رضي الله عنه» أوّل من أسلم، وفضلّه هؤلاء على غيره) 48.

وقال ابن حزم: (اختلف المسلمون فيمن هو أفضل النّاس بعد الأنبياء «عليهم السلام»، فذهب بعض أهل السّنة، وبعض أهل المعتزلة، وبعض المرجئة، وجميع الشيعة، إلى أنّ أفضل الأمّة بعد رسول الله «صلّى الله عليه وسلّم» علي بن أبي طالب «رضي الله عنه» وقد روينا هذا القول نصًّا عن بعض الصحابة «رضي الله عنهم»، وعن جماعة من التابعين والفقهاء) 49.

فمن جرحه كالجوزجاني بقوله عنه: (مائل) 50، أو الساجي، بقوله عنه: (ليس بحجة، وكان يقدّم عليًّا على الكل) 51، فلا يعتدُّ بجرحهما، لأنّ سببه هو المذهب، والعبرة بصدق الرّاوي وضبطه لا بمذهبه، فكم من الرّواة الشيعة والنّواصب والخوارج وغيرهم، قد أخرج حديثهم صاحبا الصحيحين، البخاري ومسلم.

والجوزجاني ناصبي بغيض، مشهور بنصبه وتحامله وعدائه للإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه السلام»، والمتحامل على أخي الرسول، وزوج البتول، وأبي السبطين، زائغٌ، ضالٌّ، مائلٌ عن طريق الحق، وهو منافق بنص حديث رسول الله «صلّى الله عليه وأله»، وكذلك هو مشهور في تعنته وجرحه للرواة، لا سيما المتشيّعة منهم، فجرحه غير معتبر في مثل عطيّة العوفي.

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: (وأمّا الجوزجاني، فلا عبرة بحطّه على الكوفيين، فالتّشيّع في عرف المتقدّمين هو اعتقاد وتفضيل علي على عثمان، وأنّ عليّاً كان مصيبًا في حروبه، وأن مخالفه مخطئ، مع تقديم الشيخين وتفضيلهما، وربّما اعتقد بعضهم أنّ عليّاً أفضل الخلق بعد رسول الله «صلّى الله عليه وآله وسلّم»، وإذا كان معتقد ذلك ورعًا، ديّنًا، صادقًا، مجتهدًا، فلا تردُّ روايته لا سيما إذا كان غير داعية) 52.

وقال أيضًا: (وممن ينبغي أن يتوقف في قبول قوله في الجرح، من كان بينه وبين من جرحه عداوة، سببها الاختلاف في الاعتقاد، فإن الحاذق إذا تأمل ثلب أبي إسحاق الجوزجاني لأهل الكوفة رأى العجب، وذلك لشدة انحرافه في النصب وشهرة أهلها بالتشيع، فتراه لا يتوقف في جرح من ذكره منهم بلسان ذلقة وعبارة طلقة، حتى أنه أخذ يلين مثل الأعمش وأبي نعيم وعبيد الله بن موسى وأساطين الحديث وأركان الرواية) 53.

وقال العلامة المعلّمي اليماني: (والجوزجاني فيه نصب، وهو مولع بالطعن في المتشيّعين) 54.

وقال: (وكان هو نفسه -أي الجوزجاني- مبتدعًا منحرفًا عن أمير المؤمنين علي، متشدّدًا في الطعن على المتشيّعين) 55.

والساجي كان بصريًّا، والنّصب معروف في كثير من أهل البصرة، كما قال ابن حجر في لسان الميزان 56، فهم يطعنون في من كان يفضّل عليّاً على عثمان لأنّهم عثمانيون، فمن باب أولى أنّ طعنهم في من كان يفضله على الثلاثة أكبر وأعظم، وقد أوضح الساجي سبب جرحه لعطيّة هو تقديمه الإمام عليّاً على الكل.

وأغلب من جرحه بسبب التدليس المعروف بتدليس الشيّوخ، وهو معتمد على قول كذّاب وهو الكلبي، ومن هؤلاء إمام الحنابلة أحمد بن حنبل، وقد مرّ الكلام عن جرحه، ومنهم ابن حبّان، فقال في كتابه المجروحين: (عطيّة بن سعد العوفي، كنيته أبو الحسن، من أهل الكوفة، يروي عن أبي سعيد الخدري، روى عنه فراس بن يحيى، وفضيل بن مرزوق، سمع من أبي سعيد الخدري أحاديث فما مات أبو سعيد جعل يجالس الكلبي ويحضر قصصه، فإذا قال الكلبي قال رسول الله بكذا فيحفظه، وكنّاه أبا سعيد، ويروي عنه، فإذا قيل له من حدّثك بهذا القول، فيقول حدّثني أبو سعيد، فيتوهّمون أنّه يريد أبا سعيد الخدري، وإنّما أراد به الكلبي، فلا يحل الاحتجاج به، ولا كتابة حديثه إلاّ على وجه التّعجّب، ومات عطيّة سنة سبع وعشرين ومائة.

سمعت مكحولًا يقول: سمعت أبا جعفر بن أبان يقول ابن نمير، يقول: قال لي أبو خالد الأحمر، قال لي الكلبي: قال لي عطيّة: كنيتك بأبي سعيد، قال فأنا أقول حدّثنا أبو سعيد) 57.

فتبيّن أنّ معتمد ابن حبّان في جرحه لعطيّة هو نفسه الدّعوى التي ادّعاها الكلبي على عطيّة، والعجيب من ابن حبان، هذا الذي وصفه الذهبي بالخسّاف المتهوّر 58، كيف أنّه اعتمد على قول الكلبي، وهو بنفسه ترجم للكلبي في كتابه المجروحين، ونقل قول البعض من العلماء في اتّهامهم له بالكذب، فصدق الذهبي عندما قال عنه بأنّه لا يدري ما يخرج من رأسه 59، وهو متعنّت في الجرح، فعليه فإنّ جرحه لعطيّة مردود لأنّه بسبب دعوى لم تثبت.

وجرحه ابن عدي في كتابه الكامل في ضعفاء الرّجال، فقال:

(عطيّة بن سعد العوفي، كوفي، يكنّى أبا الحسن.

حدّثنا علي بن أحمد بن سليمان، حدّثنا ابن أبي مريم، سألت يحيى بن معين عن عطيّة العوفي فقال: ضعيف، إلاّ أنّه يكتب حديثه.

حدّثنا ابن حمّاد، حدّثني عبد الله بن أحمد، عن أبيه، قال: كان سفيان الثّوري يضعّف عطيّة، قال: وسمعت أبي وذكر عطيّة العوفي، قال: هو ضعيف الحديث.

ثمّ قال: بلغني أنّ عطيّة كان يأتي الكلبي فيأخذ عنه التفسير، قال: وكان يكنّيه بأبي سعيد، فيقول قال أبو سعيد، وكان هشيم يضعّف حديث عطيّة.

حدّثنا ابن حمّاد، قال: حدّثني عبد الله بن أحمد، حدّثني أبي، حدّثنا أبو أحمد، سمعت سفيان الثوري يقول: سمعت الكلبي يقول: قال كنّاني عطيّة أبا سعيد.

سمعت ابن حمّاد يقول: قال السعدي: عطيّة بن سعد مائل.

حدّثنا أبو العلاء محمد بن أحمد الكوفي بمصر، حدّثنا محمد ابن الصّباح الدّولابي، حدّثنا إبراهيم بن سليمان بن رزين، وهو ابن إسماعيل المؤدّب، حدّثنا عطيّة العوفي، في سنة عشر ومائة، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله «صلّى الله عليه وآله وسلّم»: إنّ أهل عليين ليراهم من تحتهم كما ترون الكوكب الدّرّي بالأفق، وإنّ أبا بكر وعمر منهم وأنعما.

قال ابن الصّباح: يعني وأنعما يعني وارفعا، وهذا معروف لعطيّة، وقد رواه عنه جماعة من الثقات، ولعطيّة عن أبي سعيد الخدري أحاديث عداد عن غير أبي سعيد، وهو مع ضعفه يكتب حديثه، وكان يعدّ من شيعة الكوفة) 60.

قلت: لا يخلو أن يكون جرح ابن عدي لعطيّة العوفي، سببه هو جرج من ذكرهم، أو رواية الكلبي، أو تشيّعه، أو غير ذلك، فإن كان الرّابع فلم يذكره، فيكون جرحًا غير معلوم السبب، فلا يقدّم على التّعديل، وإن كان الثالث فلا يستلزم الجرح، وإن كان الثاني فلم يثبت، وإن كان الأول، فإنّ تجريح ابن معين قدّ ترجح عليه تعديله كما سبق، وجرح أحمد معتمده رواية الكلبي التي لم تصح، وجرح الجوزجاني غير معتبر في مثل عطيّة، وأمّا جرح سفيان الثوري وهشيم فلا يعلم ما هو سببه، فهو جرح غير مفسّر، وأغلب الظّن أنّه بسبب التشيّع أو رواية الكلبي، والأول كما أسلفنا لا يستلزم الجرح، والثاني مما لم يصحُّ ولم يثبت، وسفيان الثوري نفسه كان يمارس تدليس الشيوح، قال ابن حبّان في ترجمة الكلبي: (محمّد ابن السائب الكلبي، كنيته أبو النّضر، من أهل الكوفة، وهو الّذي يروي عنه الثوري ومحمد بن إسحاق، ويقولان حدّثنا أبو النّضر حتّى لا يعرف) 61.

فيوهمان أنّه راو آخر يكنّى بأبي النّضر وهو ثقة، فإن كان جرح الثوري لعطيّة سببه هذا النّوع من التدليس، فهو أيضًا ممن كان يفعله، فعلام جرح عطيّة بسببه؟!

والرّواية التي ذكرها ابن عدي في ترجمة عطيّة، إن كان ذكره لها على أنّها من مرويّات عطيّة حسب، فلا كلام، وإن كان أوردها على أنّها من منكرات مرويات عطيّة، فإنّ عطيّة صدوق لم يتّهمه أحد بالكذب، فاختلاقه لها مستبعد جدّاً، ومعناها ورد من طريق آخر صحيح عندهم، ففي تفسير ابن كثير، قال: (ولهذا جاء في الصحيحين أن رسول الله «صلّى الله عليه وسلّم»، قال: إنّ أهل عليين ليراهم من أسفل منهم كما ترون الكوكب الغابر في أفق من آفاق السّماء، قالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء، لا ينالها غيرهم؟  فقال: بلى، والّذي نفسي بيده رجالٌ آمنوا بالله وصدّقوا المرسلين) 62.

فلا يبقى إلاّ أن يكون مما ينكر في رواية عطيّة هو زيادة: (وإنّ أبا بكر وعمر منهما، وأنعما)، فإنّه لم يرد إلاّ من طريق عطيّة.

والذي نخلص إليه من كل ذلك أنّ جرح ابن عدي لعطيّة العوفي لا يعتد به لما قدّمناه من ردود في دفعه.

وليّنه أبو زرعة، فقال: (كوفي، ليّن) 63.

وقولهم عن الرّاوي بأنّه «ليّن» هو تليين خفيف، من المرتبة السادسة من مراتب التجريح، وهي من أدنى هذه المراتب، وهو جرح غير مفسّرٌ، لم يذكر سببه، فلا اعتداد به، بناءً على تصريح جمهور علمائهم من أنّ الجرح غير المفسّر لا يقدّم عليه التعديل.

وقال عنه أبو حاتم الرّازي: (ضعيف الحديث، يكتب حديثه، وأبو نضرة أحبُّ إليَّ من عطيّة) 64.

وأبو حاتم الرّازي، متعنّت في الجرح، وجرحه هذا مجملٌ غير معروف السبب، فلا اعتداد به أيضًا، وكذلك جرح بقيّة من جرحه من العلماء كالنّسائي، وأبي داود، والبيهقي، والدّارقطني، وغيرهم، فجرحهم له مردودٌ، لأنّه مجملٌ لا يعلم سببه، أو أنّه بسبب التدليس، وهو مما لم يثبت عليه، أو التشيّع وهو -كما ذكرنا- لا يكون موجبًا وسببًا للجرح.

بقي شيء، وهو أنّه حتّى وإنْ ثبت على عطيّة التدليس الذي رمي به، فالحقُّ أنّه لا تردُّ رواياته التي ينفرد بها برمّتها، فالرّوايات التي يرويها عن غير أبي سعيد حسب، أو يرويها عن أبي سعيد ويصرّح بأنّه الخدري فلا يحتمل فيها التدليس مع كونه صدوقًا، غير مطعون في عدالته وصدقه.

وعليه فيكون حديث عطيّة العوفي بعد ثبوت وثاقته، ورد الطعن فيه، من قسم الحديث الصحيح، وإن تنازلنا عن القول بصحّة حديثه، وقلنا بأنّه في مرتبة صدوق، كما هو رأي الحافظ ابن حجر، فيكون حديثه من قسم الحديث الحسن المحتجِّ به.

وبه يثبت أنّ طريق عطيّة لحديث الثقلين، الذي نحن بصدده، طريق صحيح للحديث أو حسن لذاته، خصوصًا وأنّه صرّح في السّند بأنّه رواه عن أبي سعيد الخدري.

وأما قول البخاري في التاريخ الأوسط: (قال أحمد في حديث عبد الملك، عن عطيّة، عن أبي سعيد، قال النبي «صلّى الله عليه وسلّم»: تركت فيكم الثقلين، أحاديث الكوفيين هذه مناكير) 65.

فإنّ أحمد بن حنبل يطلق المنكر على الحديث الفرد، الذّي ينفرد بروايته راو معيّن، ولم يصل لأحمد من طريق راو آخر، ومن نفس الطريق الذي رواه منه ذلك الرّاوي، ولو أنّه أراد بهذا القول الطعن في نفس مضمون الحديث، وأنّه يراه منكرًا متنًا، لما رواه في مسنده، الذى جعله حجة وأرجع إليه في حال الاختلاف في حديث رسول الله «صلّى الله عليه وآله»، فقال: (إنّ هذا الكتاب قد جمعته وانتقيته من أكثر من سبعمائة وخمسين ألفًا، فما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله «صلّى الله عليه وسلّم» فارجعوا إليه فإن كان فيه وإلاّ فليس بحجّة) 6667.

  • 1. مسند أحمد ١٨/١١٤، رواية رقم: ١١٥٦٠.
  • 2. تهذيب الكمال ٢٠/١٤٧.
  • 3. من كلام أبي زكريا يحيى بن معين في الرّجال، صفحة ٨٤، برقم: ٢٥١.
  • 4. الكفاية في علم الرّواية، صفحة ٢٢.
  • 5. أي يحيى بن معين.
  • 6. تحرير التقريب ١/٤١.
  • 7. تاريخ ابن معين، رواية الدوري ٣/٤٣٨، برقم: ٢١٥٣.
  • 8. موسوعة أقوال يحيى بن معين في رجال الحديث وعلله ٣/٣٨٢، رقم الترجمة: ٢٦٤٤.
  • 9. الكامل في ضعفاء الرّجال ٧/٨٤.
  • 10. الضعفاء الكبير ٣/٣٥٩، رقم الترجمة: ١٣٩٢.
  • 11. بذل الماعون، صفحة ١١٧.
  • 12. اتحاف النبيل ١/٣٤٧.
  • 13. انظر شفاء العليل، صفحة ٥٢٤
  • 14. سؤالات ابن الجنيد، صفحة ٣٣١، رقم: ٢٣٤.
  • 15. تهذيب الكمال ٢٠/١٤٧، هامش رقم: ٤.
  • 16. انظر أخبار القضاة لوكيع ٣/٢٦٥.
  • 17. سنن الترمذي، بتحقيق بشّار عوّاد معروف ٤/٢٨٨ - ٢٨٩، رواية رقم: ٢٥٢٢.
  • 18. سنن الترمذي ٢/٣٦٢، بتحقيق أحمد محمد شاكر.
  • 19. بيان الوهم والإيهام ٥/٣٥٩.
  • 20. يريد به ابن دقيق العيد.
  • 21. نصب الرّاية ١/١٤٩.
  • 22. شرح موقظة الذهبي للعوني، صفحة ١٩٢.
  • 23. شرح الموقظة للشريف العوني، صفحة ١٩٣ - ١٩٤.
  • 24. البداية والنّهاية ٥/٢٣١.
  • 25. الطبقات الكبرى ٦/٣٠٥، ترجمة رقم: ٢٣٧٥.
  • 26. صحيح ابن خزيمة ٣/١٥٩، رواية رقم: ١٨٧١، و٤/٦٩، رواية رقم: ٢٣٦٨.
  • 27. صحيح ابن خزيمة ١/٣.
  • 28. صحيح ابن خزيمة ٢/١١٣٩.
  • 29. صحيح ابن خزيمة ٢/٩٠٥.
  • 30. صحيح ابن خزيمة ٣/١٥٩، رواية رقم: ١٨٧١.
  • 31. الترغيب والترهيب من الحديث الشريف ٤/٣٣٠ - ٣٣١.
  • 32. تاريخ أسماء الثقات، صفحة ١٧٢، برقم: ١٠٢٣.
  • 33. تاريخ أسماء الضّعفاء والكذّابين، صفحة ١٤٨، برقم: ٤٨٠.
  • 34. موسوعة أقوال الإمام أحمد بن حنبل في رجال الحديث وعلله ٣/١١، برقم: ١٨٠٥.
  • 35. موسوعة أقوال الإمام أحمد بن حنبل في رجال الحديث وعلله ٣/١١.
  • 36. أحاديث الشّيوخ الثقات ٢/٥٢٦ - ٥٢٧.
  • 37. معرفة الثقات ٢/١٤٠، برقم: ١٢٥٥.
  • 38. المنتخب من ذيل المذيّل، ملحق بكتاب تاريخ الأمم والملوك للطبري ١١/٦٤٠.
  • 39. إكمال تهذيب الكمال ٢/١٦٤.
  • 40. تهذيب التهذيب ٥/٥١٥، رقم الترجمة: ٦٨٢٣.
  • 41. a. b. نتائج الأفكار ١/٢٦٧.
  • 42. تقريب التّهذيب، صفحة ٦٨٠، رقم الترجمة: ٤٦٤٩
  • 43. انظر المجلد الأول من نتائج الأفكار، صفحة ١١، مقدمة الطبعة الأولى.
  • 44. أي أقرب من الله منزلة لا أنّه المراد به القرب المكاني.
  • 45. بيان الوهم والإيهام ٤/٣٦٣.
  • 46. القران الكريم: سورة الشورى (42)، الآية: 23، الصفحة: 486.
  • 47. صحيح مسلم ١/٨٦، رواية رقم: ١٣١.
  • 48. الاستيعاب، صفحة ٥٢٣، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام»، رقم الترجمة: ١٨٧١.
  • 49. الفصل في الملل والأهواء والنحل ٤/١٨١.
  • 50. أحوال الرّجال، صفحة ٧٢، برقم: ٤٢، تهذيب التهذيب ٤/٥١١.
  • 51. تهذيب التهذيب ٤/٥١٢.
  • 52. تهذيب التهذيب ١/٨٩.
  • 53. لسان الميزان 1/16.
  • 54. فوائد وقواعد في الجرح والتعديل وعلوم الحديث، صفحة ٥٨.
  • 55. المصدر السابق.
  • 56. لسان الميزان ٦/٣٣٧.
  • 57. المجروحين ٢/٢٥٣.
  • 58. ميزان الاعتدال ٦/٢٩٨.
  • 59. ميزان الاعتدال ١/٤٤١.
  • 60. الكامل في ضعفاء الرّجال ٧/٨٥.
  • 61. المجروحين ٢/٢٥٣، ترجمة محمد بن السائب الكلبي.
  • 62. تفسير ابن كثير ٤/ ١٣.
  • 63. الجرح والتّعديل ٦/٣٨٣، ترجمة عطيّة العوفي.
  • 64. الجرح والتعديل ٦/٢٨٣.
  • 65. التاريخ الأوسط ١/٢٦٧، برقم: ١٣٠٠.
  • 66. زيادات القطيعي على مسند الإمام أحمد دراسة وتخريجاً، صفحة 111.
  • 67. المصدر كتاب "حديث الثقلين فوق الشّبهات" للشيخ حسن عبد الله العجمي،نقلا عن الموقع الرسمي لسماحته.