مجموع الأصوات: 31
نشر قبل سنتان
القراءات: 2923

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

الثورة زيد الشهيد الكبرى

ثار زيد على الحكم الأموي بوحي من عقيدته التي تمثل روح الاسلام وهديه ، فقد رأى باطلا يحيى ، وصادقا يكذب ، وأثرة بغير تقى ، ورأى جورا شاملا ، واستبدادا في أمور المسلمين فلم يسعه السكوت ، يقول بعض شيعته : خرجت معه الى مكة فلما كان نصف الليل ، واستوت الثريا قال لي :
« أما ترى هذه الثريا؟ أترى أحدا ينالها؟ ... »
« لا ».
« والله لوددت أن يدي ملصقة بها فاقع الى الارض أو حيث أقع فاتقطع قطعة قطعة ، وان الله يصلح بين أمة محمد (ص) ... » 1
ودل حديثه على مدى نزعته الاصلاحية واخلاصه العظيم لأمة جده (ص) وتفانيه في سبيل الاصلاح العام.
وروى عيسى بن عبد الله عن جده محمد بن عمر بن علي (ع) قال : كنت مع زيد بن علي حين بعث بنا هشام الى يوسف بن عمر ، فلما خرجنا من عنده ، وسرنا حتى كنا بالقادسية قال زيد : اعزلوا متاعي عن أمتعتكم ، فقال له ابنه : ما تريد أن تصنع؟ قال : أريد أن ارجع الى الكوفة ، فو الله لو علمت أن رضى الله عز وجل عني في أن أقدح نارا بيدي حتى اذا اضطرمت رميت نفسي فيها لفعلت!! ولكن ما أعلم شيئا ارضى لله عز وجل عني من جهاد بني أمية 2.
إنه لم يفجر ثورته الكبرى طمعا بالخلافة والملك ، وإنما كان يبغي وجه الله والدار الآخرة ، وقد رأى أن مناهضة اولئك الظالمين من اعظم ما يقربه الى الله.
ويمم زيد وجهه نحو الكوفة لأنها المركز العام للشيعة ، وان أهلها طلبوا منه القدوم إليهم ليأخذ منهم البيعة على مناهضة الحكم الاموي والاطاحة به ، ويقول المؤرخون إن جماعة من المخلصين لزيد حذروه من القدوم الى الكوفة ، وعذلوه من الوثوق بالكوفيين لما عرفوا به من الغدر ونقض العهود إلا انه لم يعن بذلك فانه لم يجد موطنا تتوفر فيه الإستراتجية للثورة سوى الكوفة ، وجعل زيد يتمثل بقول عنترة العبسي :
بكرت تخوفني المنون كأنني                  اصبحت عن عرض الحياة بمعزل
فأجــبتها أن المنــية منــهل                  لا بد أن أســــــقى بكأس المنـــهل 3
ودل هذا الشعر على عزمه وتصميمه على الخوض في ميادين الكفاح المسلح ، وانه يسعى بكل جرأة واقدام ليحتسي كأس المنية ولا يعيش ذليلا مضاما شأنه شأن جده الامام الحسين سيد الاحرار والأباة في الاسلام.
ولما انتهى زيد الى الكوفة بادر أهلها إليه فرحبوا به ترحيبا حارا ، وأسرعوا إليه يبايعونه حتى بلغ عدد المبايعين خمسة عشر الفا ، وقيل اكثر من ذلك وبايعه الفقهاء والقضاة واعلام الفكر والأدب كالاعمش ، وسعد ابن كدام ، وقيس بن الربيع والحسن بن عمارة وغيرهم 4 وسئل ابو حنيفة عن خروج زيد فقال : « ضاهى خروج رسول الله (ص) يوم بدر » وقال : « لو علمت أن الناس لا يخذلونه كما خذلوا أباه لجاهدت معه لأنه أمام بحق ، ولكن اعينه بمال » 5.
أما صيغة البيعة التي أخذها زيد على من بايعه فهي : « إنا ندعوكم الى كتاب الله ، وسنة نبيه ، وجهاد الظالمين ، والدفع عن المستضعفين ، وإعطاء المحرومين ، وقسم هذا الفيء بين أهله ، ورد المظالم ، ونصرة أهل الحق ... » 4.
وتعطي هذه الصيغة صورة عن المبادئ الاصلية التي ثار من أجلها زيد وهي :
١ ـ الدعوة الى احياء كتاب الله ، وسنة نبيه ، فقد اقصتهما السياسة الأموية عن واقع الحياة.
٢ ـ جهاد الظالمين من حكام بني أمية الذين ساسوا المسلمين بالظلم والجور وارغموهم على ما يكرهون.
٣ ـ الدفاع عن حقوق المستضعفين ، وتوفير العطاء للمحرومين ، فقد حرموا من جميع حقوقهم الشرعية طيلة الحكم الأموي.
٤ ـ قسمة الفيء ، وسائر الحقوق المالية على المسلمين بالسواء ، فقد نهبها الامويون ، وانفقوها على ملاذهم ورغباتهم الخاصة.
٥ ـ نصرة دعاة الحق الذين يعنون بشئون الأمة ، ويسهرون على صالحها ، وهم الهداة من أهل البيت (ع).
لقد ثار زيد من أجل أن يحقق هذه الاهداف العظيمة في ربوع الوطن الاسلامي الكبير ، وينقذ الأمة من عسف الامويين وظلمهم وبطشهم.
وبعد ما توفرت لزيد القوة العسكرية الهائلة التي يبلغ عددها ـ فيما يقول بعض المؤرخين ـ أربعين الفا ، رأى أن يفجر الثورة ، ويزحف بجيوشه الى احتلال الكوفة والاطاحة بالحكم الأموي.
وانطلقت جيوشه من جبانة سالم 6 وهي تهتف بجياة زعيمها العظيم زيد وسقوط الحكم الاموي ، وتنادي بشعار الشيعة « يا منصور امت » 7 ولما رأى زيد الرايات تخفق على رأسه قال : « الحمد لله الذي هداني والله اني كنت استحي من رسول الله (ص) أن أرد الحوض ولم آمر بمعروف » 8 وخطب في جيوشه فقال لهم : « عليكم بسيرة أمير المؤمنين علي بالبصرة والشام لا تتبعوا مدبرا ولا تجهزوا على جريح ، ولا تفتحوا مغلقا ، والله على ما نقول وكيل. » 9.
وبدأت الحرب في ليلة شديدة البرد 10 لسبع بقين من المحرم سنة ( ١٢٢ ه‍ ) وجرت مناوشات واصطدام مسلح بين اتباع زيد وبين الجيوش الاموية تحت قيادة والي الكوفة يوسف بن عمر.

الخيانة والغدر

وخان أهل الكوفة بزيد وغدروا به بعد ما عاهدوا الله على نصرته والذب عنه فقد اسلموه عند الوثبة ، وتركوه مع القلة من اصحابه في ميدان الجهاد ، ولما رأى زيد تخاذلهم راح يقول :
« فعلوها حسينية ».
لقد غدروا به كما غدروا بجده الحسين من قبل ، وايقن زيد بفشل ثورته ، واستبان له ان لا ذمة لأهل الكوفة ، ولا وفاء لهم ، وقد خاض مع اصحابه الحرب في شوارع الكوفة وازقتها ، وابلى في المعركة بلاء حسنا ، وما رأى الناس قط فارسا اشجع منه10.

فى ذمة الخلود

وأبدى زيد من البسالة والبطولة ما يفوق حد الوصف ، فقد اخذ يلاحق الجيوش وينزل بها أفدح الخسائر ، ولم يستطع الجيش الاموي أن يصمد أمام الضربات المتلاحقة التي يصبها عليهم زيد ، وكان يحمل عليهم ويتمثل بقول الشاعر :
أذل الحياة وعز المـــمـات       و كلا أراه طعـامــا و بـــيـــلا
فان كان لا بد من واحد        فسيري الى الموت سيرا جميلا
لقد آثر زيد عز الممات على ذل الحياة كما أثر ذلك آباؤه فلم يخضع للذل والعبودية ومات عزيزا تحت ظلال السيوف والرماح.
ولما جنح الليل رمي زيد بسهم غادر فأصاب جبهته 11 ووصل الى دماغه الشريف الذي ما فكر إلا في صالح الانسان وسعادته.
وحلت الكارثة بأصحابه ، وهاموا في تيارات مذهلة من الأسى والحزن ، وطلبوا له طبيبا فانتزع منه السهم فتوفى من فوره ، وقد انطفئت بذلك الشعلة الوهاجة التي كانت تضيء الطريق وتوضح القصد للمسلمين.
لقد استشهد زيد من أجل أن يحقق العدالة الاجتماعية في الارض ، ويحقق للمسلمين الفرص المتكافئة ، ويوزع خيرات الارض على الفقراء والمحرومين الذين كفرت السلطة الأموية بجميع حقوقهم.
ويقول المؤرخون : إن أصحاب زيد حاروا في مواراة جثمانه خوفا عليه من السلطة التي لا تتورع من التمثيل الآثم به ، وبعد المداولة صمموا على مواراته في نهر هناك فانطلقوا الى النهر فقطعوا ماءه وحفروا فيه قبرا وواروا الجسد الطاهر فيه ، ثم أجروا الماء ، وانصرفوا وهم يذرفون الدموع على القائد العظيم الذي تبنى حقوق المظلومين والمضطهدين.
وكان مع أصحاب زيد أحد عيون السلطة يراقب تحركاتهم فبادر مسرعا الى الكوفة واخبر حاكمها بموضع الدفن ، فأمر بنبش القبر واخراجه منه فاخرج ، وحمل الى قصر الكوفة ، وأمر بصلبه منكوسا في سوق الكناسة وعمدوا الى احتزاز رأسه الشريف ، وارسل هدية الى طاغية الشام هشام ابن عبد الملك ، وأمر الرجس بوضع الرأس في مجلسه ، وأمر جميع من يدخل عليه أن يطأه بحذائه 12 مبالغة في توهينه ، وجعلت الدجاج تنقر دماغه وفي ذلك يقول الشاعر :
أطردوا الديك عن ذؤابة زيد               طال ما كان لا تطأه الدجاج 13
ابــن بنــت النــبي اكرم خــل               ق الله زيــــن الوفـود والحجاج
حملوا رأسه الى الشام ركضـا                بالسرى و البكـــور والادلاج 14
وأمر الطاغية بنصب الرأس الشريف على باب دمشق ، ثم أرسل الى المدينة 15 فنصب عند قبر النبي (ص) يوما وليلة 16 ثم أرسله الى مصر كل ذلك لاذاعة الخوف والارهاب بين الناس ، واعلامهم على قدرة السلطة على سحق أية معارضة تقوم ضدها.
وكتب طاغية دمشق الى السفاك يوسف بن عمر حاكم الكوفة بان يبقى زيدا مصلوبا ، ولا ينزله عن خشبته قاصدا بذلك اذلال العلويين والاستهانة بشيعتهم ، وقد فاته ان ذلك قد أوقد نار الثورة في نفوسهم ، وزادهم عزما وتصميما على التضحية في سبيل مبادئهم.
وقد افتخر الامويون بابقاء جثة زيد مصلوبة ، وقد اعتز بذلك وغد من عملائهم وهو الحكيم بن عياش يقول :
صلبنا لكم زيدا على جذع نخلة              ولم نر مهديا على الجذع يصلب
و قستم بعثمان عليــا سفاهــــة              وعثمان خير من علي و أطيب
حفنة من التراب في فيه فان زيدا إنما صلب دفاعا عن حقوق المظلومين والمضطهدين ، وصلب من أجل أن يحقق العدالة الاجتماعية في الارض ، ويقضي على الغبن الاجتماعي والتلاعب بمقدرات الأمة وخيراتها.
ولما بلغ هذا الشعر الامام أبا عبد الله الصادق تألم كأشد ما يكون التألم ورفع يديه بالدعاء قائلا : « اللهم ان كان عبدك كاذبا فسلط عليه كلبك » واستجاب الله دعاء الامام فافترسه أسد وهو يدور في سكك الكوفة ولما انتهى خبره الى الامام سجد لله شاكرا وهو يقول : الحمد لله الذي أنجزنا وعده 17 18.

  • 1. مقاتل الطالبيين ( ص ١٢٩ ).
  • 2. تيسير المطالب ( ص ١٠٨ ـ ١٠٩ ).
  • 3. الروض النضير ١ / ٧٥.
  • 4. a. b. مقاتل الطالبيين.
  • 5. الكامل ٥ / ٥٦.
  • 6. انساب الاشراف ٣ / ٢٠٣.
  • 7. الطبري ٨ / ٢٧٣.
  • 8. عمدة الطالب ٢ / ورقة ١٢٧ من مصورات مكتبة الحكيم.
  • 9. الحدائق الوردية ١ / ١٤٨.
  • 10. a. b. انساب الاشراف ٣ / ٢٠٢.
  • 11. يراجع في تفصيل الحادث المؤلم الى زيد الشهيد للمقرم ، وثورة زيد بن علي لناجي حسن ، والى عقائد الزيدية للمؤلف.
  • 12. شرح ابن أبي الحديث.
  • 13. النزاع والتخاصم ( ص ٧ ).
  • 14. أنساب الاشراف ٣ / ٢٩٢.
  • 15. الطبري ٨ / ٧٧.
  • 16. عمدة الطالب ( ص ٢٥٨ ).
  • 17. السيرة الحلبية ١ / ٣٢٧.
  • 18. المصدر: كتاب حياة الإمام محمّد الباقر عليه السلام دراسة وتحليل للعلامة الشيخ باقر شريف القرشي رحمه الله.