الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

الزهراء(ع) صرخة الحق الأولى

﴿ وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ... 1

المتأمل لهذه الآية يأخذه تأمله إلى أمرين:

الأمرالأول

ثمرة الإطلاق في الآيةالثاني: الدروس المستوحاة من مطالبة الزهراء(ع) بفدك وقبل الحديث عن هذين الأمرين لابأس بمقدمة وهي أن نبي الله سليمان يعتبر الملك الثاني لبني إسرائيل لأن الملك الأول طالوت وبعده جاء حكم سليمان ،وقد جمع سليمان بين الملك والنبوة وكانت مدة حكومته هو وأبوه 70 عاما تقريبا ،وقد امتازت مدت حكومتهما بالاستقرار السياسي والاقتصادي في بني إسرائيل إلا انه بعد ذلك انقسمت مملكته إلى مملكتين (يهوذا وإسرائيل) وتقاتلتا قتالا شديدا عندها استغل نبو خذ نصر 2،هذا النزاع فأعد جيشا وهجم على المملكتين وقضى على دولة اليهود فلم تقد لليهود دولة إلا في عام 1948م.بعد هذه المقدمة نأتي إلى الأمرين:

الأمر الأول:

وقفت الزهراء(ع) بأبي هي وأمي لتطالب بفدك وقدمت ثلاث اطروحات قرانية تثبت من خلالها أحقيتها لفدك، إلا أن القوم ردوا تلك الاطروحات بردود اوهن من بيت العنكبوت.

الأطروحة الأولى

ان فدك ميراث واستدلت على ذلك قائلة(ع) يابن أبي قحافة أفي كتاب الله ترث أباك ولا إرث أبي ؟ لقد جئت شيئا فريا ! أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم ؟ إذ يقول : ﴿ وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ... 1 وقال : فيما اقتص من خبر يحيى بن زكريا إذ قال :﴿ ... فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ... 3 وقال :﴿ ... وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ ... 4 وقال :﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ... 5 وقال :﴿ ... إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ 6  وزعمتم : أن لا حظوة  لي ولا إرث من أبي ، ولا رحم بيننا ، أفخصكم الله بآية أخرج أبي منها ؟ أم هل تقولون : إن أهل ملتين لا يتوارثان ؟ أو لست أنا وأبي من أهل ملة واحدة ؟ أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي ؟ فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك ، فنعم الحكم الله ، والزعيم محمد ، والموعد القيامة ، وعند الساعة يخسر المبطلون ، ولا ينفعكم إذ تندمون ، ولكل نبأ مستقر وسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم 7. فكان جوابهم على الزهراء (ع)قد اختزلوه في حديث ادعى الخليفة أبو بكر(رض) بأنه سمعه من رسول الله (ص)قائلا سمعت رسول الله يقول(نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة)وادعى القوم بأن هذا الحديث مخصص لعمومات الآيات وبعد أن ردت دعوى الزهراء(ع) في الميراث قدمت(ع)

الأطروحة الثانية

وهي النحلة قائلة إنما هي نحلة نحلني إياها أبي رسول الله(ص) وقال تعالى ﴿ وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ ... 8 فطلب من الزهراء بينة في ذلك، علما بأن فدك كانت تحت يد الزهراء7سنين،ولايطلب منها بينة لأن اليد أمارة على الملكية ،ولكن الزهراء(ع) قدمت له ما يريد ، وشهد لها علي(ع) وأم أيمن ، فرد شهادة علي عليه السلام لأنه كما زعم يجر النار إلى قرصه ! وشهادة أم أيمن لأنها امرأة . وبعدها قدمت الزهراء(ع)

الأطروحة الثالثة

قالت ان لم تكن ميراث ولا نحلة فأين حقنا من الخمس في قوله تعالى ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ 9 فكان جوابه عليها لقد كان الرسول لا يعطي الخمس لبني هاشم إلا ما يسد به جوعتهم ويكسو به عريانهم ويزوج به أعزبهم ،أي انه ليس لكم من الخمس إلا ما يسد حاجتكم فقط.

الأمر الثاني

الدروس المستوحاة من مطالبة الزهراء(ع) فدكا. ترى لو قال قائل إننا نعرف أن أهل البيت(ع) قد طلقوا الدنيا فهاهم قد باتوا جياعا ونزل فيهم قوله تعالى﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا 10 عن ابن عباس أن الحسن والحسين مرضا فعادهما رسول الله (ص) في ناس معه فقالوا يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك فنذر علي وفاطمة وفضة جارية لهما إن برءا مما بهما أن يصوموا ثلاثة أيام فشفيا وما معهم شئ . فاستقرض علي من شمعون الخيبري اليهودي ثلاث أصوع من شعير فطحنت فاطمة صاعا واختبزت خمسة أقراص على عددهم فوضعوها بين أيديهم ليفطروا فوقف عليهم سائل وقال : السلام عليكم أهل بيت محمد مسكين من مساكين المسلمين أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة فأثروه وباتوا لم يذوقوا إلا الماء وأصبحوا صياما . فلما أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم فأثروه ، ووقف عليهم أسير في الثالثة ففعلوا مثل ذلك . فلما أصبحوا أخذ علي بيد الحسن والحسين وأقبلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآلهوسلم فلما أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع قال : ما أشد ما يسوءني ما أرى بكم فانطلق معهم فرأى فاطمة في محرابها قد التصق ظهرها  ببطنها وغارت عيناها فساءه ذلك فنزل جبريل وقال : خذها يا محمد هناك الله في أهل بيتك فأقرءه السورة 11. وهذا علي(ع) الذي مافتئ يقول يا صفراء يا بيضاء لاتغريني غري غيري.. وهاهو قائم في محرابه قابض على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين ويقول : " يا دنيا يا دنيا ، إليك عني ، أبي تعرضت ؟ ! أم إلى تشوقت ؟ لا حان حينك، هيهات ! غري غيري ، لا حاجة لي فيك ، قد طلقتك ثلاثا لا رجعة فيها فعيشك قصير وخطرك يسير ، وأملك حقير 12وهنا سؤال يطرح إذا كان هؤلاء أهل البيت (ع) فلماذا وقفت الزهراء(ع) هذا الموقف الصلب والشديد تطالب وتنازع من أجل حطام دنيا زائل؟الجواب على ذلك أن الزهراء(ع) من خلال مطالبتها بفدك أرادت أن تقدم دروسا عملية نحن بأمس الحاجة لها أن على الصعيد الفقهي أو العقائدي أو السياسي.وأحاول أن أقدم بين أيديكم أيها الأحبة خمسة من هذه الدروس:

الدرس الأول:
إن الزهراء(ع) قدمت درسا عمليا بليغا وهوان القوم إذا تعارض القرآن مع مصالهم يضربون به عرض الجدار من أجل مصلحهم الخاصة، والأيام شاهدة على ذلك ،فلقد ذكر أن أبا بكر أرسل عمر بن الخطاب ، ومعه جماعة بالنار ، والحطب إلى دار علي وفاطمة ، والحسن والحسين ليحرقوه بسبب الامتناع عن بيعته . فلما راجع عمر بعض الناس قائلين : " إن في البيت فاطمة "  .  وقد نظم هذه الواقعة شاعر النيل حافظ إبراهيم فقال : وقولة ( لعلي ) قالها عمر * أكرم بسامعها أعظم بملقيها حرقت دارك لا أبقي عليك بها * إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها ما كان غير أبي حفص يفوه بها * أمام فارس عدنان وحاميها  وقال ابن قتيبة :  ثم قام عمر فمشى ومعه جماعة حتى أتوا باب فاطمة الباب ، فلما سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها : يا أبت يا رسول الله ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب ، وابن أبي قحافة 13.

الدرس الثاني:
لقد ظهر جليا أن القوم قد تخبطوا في أحكام الله تخبطا عظيما ،وسار على منوالهم أناس أسسوا فقها هزيلا ، والا امن المعقول أن حديثا لم ينقل إلا من واحد يخصص اطلاقات القرآن ،وليت شعري كيف يطلب من الزهراء(ع) ببينة وقد كانت فدك بيدها ،والحال أن البينة على المدعي وعلى المنكر اليمين.
الدرس الثالث:
الزهراء(ع) من خلال مطالبتها أرادت أن تقول إننا أصحاب حق وصاحب الحق لايترك حقه وبذلك قدمت نهجا لأهل الحقوق عليهم أن يطالبوا بحقوقهم،ولا يتركوا مجالا للآخرين في سلب حقوقهم ،ولا يدعوا حقوقهم في أيدي أهل الباطل يتمرغوا فيها. وهذه هي تربية أهل البيت (ع) قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : من مشى مع مظلوم حتى يثبت له حقه ، ثبت الله تعالى قدميه يوم تزل الأقدام14.

الدرس الرابع:
قدمت الزهراء(ع) في مطالبتها بفدك ثلاث اطروحات(ميراث ونحلة وخمس) وهذا دليل على أنها(ع) كانت تطالب بحقها باعتراضات متعددة من اجل إفحام الخصم الى أن تم ما سعت إليه وهو كشف الحقائق أن القوم ليسوا على الجادة من الأصل.
الدرس الخامس:
كان رائد الزهراء في مطالبتها بحقها (كتاب الله) وهذه كلمة للمسلمين أن يطالبوا بحقهم تحت مظلة القرآن الكريم وبذلك يرعاهم الله بنصره إذ يقول تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ 15.
ملخص محاضرة وفاة الزهراء(ع)القيت في مأتم عالي 16.