مجموع الأصوات: 12
نشر قبل سنة واحدة
القراءات: 1161

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

السيدة فاطمة الزهراء من الولادة حتىٰ الهجرة

حينما قربت ولادة السيدة فاطمة الزهراء عليها ‌السلام قال رسول الله صلى ‌الله ‌عليه ‌و آله ‌و سلم للسيدة أُمّ المؤمنين خديجة : « يا خديجة ، هذا جبرئيل يبشرني أنّها أُنثىٰ ، وأنّها النسمة الطاهرة الميمونة ، وأنّ الله سيجعل نسلي منها ، وسيجعل من نسلها أئمة في الاُمّة ، ويجعلهم خلفاء في أرضه بعد انقضاء وحيه ، ووضعت خديجة فاطمة عليها ‌السلام طاهرة مطهرّة ... » 1.
وخديجة الكبرىٰ عليها ‌السلام لم تسترضع لفاطمة الزهراء عليها ‌السلام ، فقد ألقمتها ثديها فدرّ عليها وشربت 2 ، وهو صريح خبرٍ عن ابن عباس أيضاً 3.

ولاريب أن أفضل غذاء للطفل هو حليب الاُمّ ، وقد أثبتت التجارب العلمية أثره في بناء الطفل الجسدي والنفسي ، وجاء في الحديث عن أمير المؤمنين علي عليه ‌السلام أنّه قال : « ما من لبن يرضع به الصبي أعظم بركة عليه من لبن أُمّه » 4 وتوالت علىٰ الزهراء عليها ‌السلام بعد نشأتها المشاهد القاسية التي كانت أليمة الوقع علىٰ نفسها الطاهرة وقلبها العطوف منذ نعومة أظفارها ، فقد فتحت عينها عليها ‌السلام علىٰ المحن التي قاساها أبوها المصطفىٰ صلى ‌الله ‌عليه ‌و آله ‌و سلم في سبيل الدعوة ، وما رافقها من التعذيب والتنكيل بالمستضعفين من أتباعه ، وهجرتهم إلىٰ الحبشة ، وحصار بني هاشم في شعب أبي طالب نحو ثلاث سنين قضتها الزهراء عليها ‌السلام مع أمّها وأبيها ( صلوات الله عليهم ) بحرمان وفاقة وانقطاع عن الناس.
ولم تهنأ الزهراء عليها ‌السلام بالعيش الرغيد مع أُمّها وأبيها ( صلوات الله عليها ) بعد خروجهم من مخمصة الشعب إلّا نحو عام واحد ، حيث فجعت بوفاة أُمّها الرؤوم التي كانت تمنحها الدفء والحنان ، وتضفي عليها الحبّ والأمان ، قال الإمام الصادق عليه ‌السلام : « فجعلت تلوذ برسول الله صلى ‌الله ‌عليه ‌و آله ‌و سلم وتدور حوله وتسأله : يا أبتاه اين أُمّي ؟ فجعل النبي صلى ‌الله ‌عليه ‌و آله ‌و سلم لا يجيبها ، فجعلت تدور وتسأله :
يا أبتاه أين أُمّي ؟ ورسول الله صلى ‌الله ‌عليه ‌و آله ‌و سلم لا يدري ما يقول ، فنزل جبرئيل عليه ‌السلام فقال : إنّ ربك يأمرك أن تقرأ علىٰ فاطمة السلام وتقول لها : إنّ أُمّك في بيت من قصب ، كعابه من ذهب ، وعمده ياقوت أحمر ، بين آسية امرأة فرعون ومريم بنت
عمران ، فقالت فاطمة عليها ‌السلام : إنّ الله هو السلام ، ومنه السلام ، وإليه السلام » 5. وفي العام نفسه والزهراء عليها ‌السلام لمّا تبلغ الخامسة من العمر ، فُجِعت رسالة الإسلام بموت كفيل النبي صلى ‌الله ‌عليه ‌و آله ‌و سلم وناصره وحامي رسالته عمه أبي طالب عليه ‌السلام فكان عام الحزن وفراق الأحبّة ، واشتداد شوكة المشركين علىٰ رسول الله صلى ‌الله ‌عليه ‌و آله ‌و سلم وأصحابه المستضعفين ، قال صلى ‌الله ‌عليه ‌و آله ‌و سلم : « ما نالت مني قريش شيئاً أكرهه حتىٰ مات أبو طالب » 6 وقد وصلوا من أذاه إلىٰ مالم يكونوا يصلون إليه في حياة أبي طالب عليه ‌السلام حتىٰ نثر بعضهم التراب علىٰ رأسه الكريم ، وكانت الزهراء عليها ‌السلام ترىٰ بعينيها ما يفعله المستهزئون ويقوله المتآمرون من أجلاف قريش ، فكانت تحنو علىٰ أبيها صلى ‌الله ‌عليه ‌و آله ‌و سلم كالاُمّ الرؤوم ، وتغمره بحنانها وتفديه بروحها وتميط عنه الأذىٰ ، وتخفّف من آلامه ، وتهب لنصرته وتقوم علىٰ خدمته فهو صلى ‌الله ‌عليه ‌و آله ‌و سلم حياتها كلّها ، تبتسم لابتسامته ، وتصب الدمع الهتون إذا ما مسّه لغب ولو من عذب النسيم ! ، وكان ذلك أحد الوجوه المذكورة في سبب تكنيتها بأُمِّ أبيها من والدها صلى ‌الله ‌عليه‌ و آله‌ و سلم.
وروىٰ مسلم في الصحيح عن ابن مسعود قال : بينما رسول الله صلى ‌الله ‌عليه ‌و آله ‌و سلم يصلي عند البيت وأبو جهل وأصحاب له جلوس ، وقد نحرت جزور بالأمس ، فقال أبو جهل : أيكم يقوم إلىٰ سَلَى جزور بني فلان فيأخذه ، فيضعه في كتفي محمد إذا سجد ؟ فانبعث أشقىٰ القوم فأخذه ، فلمّا سجد النبي صلى ‌الله ‌عليه ‌و آله ‌و سلم وضعه بين كتفيه ، قال : فاستضحكوا ، وجعل بعضهم يميل علىٰ بعض ، وأنا قائم أنظر لو كانت لي مَنَعة طرحته عن ظهر رسول الله صلى ‌الله ‌عليه‌ و آله‌ و سلم.
والنبي صلى ‌الله ‌عليه ‌و آله ‌و سلم ساجد ما يرفع رأسه ، حتىٰ انطلق إنسانٌ فأخبر فاطمة ، فجاءت وهي جُوَيريّة 7 فطرحته عنه ، ثم أقبلت عليهم تشتمهم ، فلمّا قضىٰ النبي صلى ‌الله ‌عليه ‌و آله ‌و سلم صلاته رفع صوته ، ثم دعا عليهم 8.
وروى مسلم والبخاري في الصحيح عن عبدالله ، قال : بينما رسول الله صلى ‌الله ‌عليه ‌و آله ‌و سلم ساجد وحوله ناس من قريش ، إذ جاء عُقبة بن أبي مُعيط بسَلَى جزور ، فقذفه علىٰ ظهر رسول الله صلى ‌الله ‌عليه ‌و آله ‌و سلم فلم يرفع رأسه حتىٰ جاءت فاطمة فأخذته عن ظهره ، ودعت علىٰ من صنع ذلك ، فقال صلى ‌الله ‌عليه ‌و آله ‌و سلم : « اللهمَّ عليك الملأ من قريش ؛ أبا جهل بن هشام ، وعتبة بن ربيعة ، وعقبة بن أبي معيط ، وشيبة بن ربيعة ، وأُميّة بن خلف ـ أو أُبي بن خلف ـ » قال عبدالله : فلقد رأيتهم قُتِلوا يوم بدر ، فاُلقوا في القليب 9.
وروىٰ البيهقي بالاسناد عن ابن عباس عن فاطمة عليها ‌السلام قالت : « اجتمع مشركو قريش في الحجر ، فقالوا : إذا مرّ محمد صلى ‌الله ‌عليه ‌و آله ‌و سلم عليهم ضربه كل واحد منّا ضربة ، فسَمِعته ( فاطمة ) فدخلت علىٰ أبيها صلى ‌الله ‌عليه ‌و آله ‌و سلم فذكرت ذلك له ، فقال : يا بنية اسكني ، ثم خرج فدخل عليهم المسجد ، فرفعوا رؤوسهم ثم نكسوا ، فأخذ قبضةً من تراب فرمىٰ بها نحوهم ثم قال : شاهت الوجوه ، فما أصاب رجلاً منهم إلّا قتل يوم بدر كافراً » 10.
وهذه النصوص تكشف لنا عن أداء الزهراء عليها ‌السلام لدورها الرسالي في الوقوف إلىٰ جنب أبيها صلى ‌الله ‌عليه ‌و آله ‌و سلم منذ مطلع الدعوة ، والذبّ عنه وحمايته ونصرة دعوته ، في مواقع تنكص فيها الشجعان عن المواجهة وتتردّد فيها الرجال عن المنازلة ، هذا علىٰ الرغم من صغر سنها.

ومن هنا نعلم أن فاطمة عليها ‌السلام بعد فقد أُمّها لم تكن تلك اليتيمة التي تشكّل عبئاً علىٰ أبيها ، بل وقفت موقف العالمة بظروف أبيها صلى ‌الله ‌عليه ‌و آله ‌و سلم الداركة لخطر الرسالة التي يدعو لها ، وما يحيط به من شدائد وأهوال وعداوات ، فصارت ربّة بيته التي تكفيه التفكير بمشاغل البيت ، ووقفت إلىٰ جنبه موقف المرأة البطلة المكافحة والمضحية براحتها ورفاهيتها ، وليس ثمّة كلمة تعبّر عن  تقديره صلى ‌الله ‌عليه ‌و آله ‌و سلم لما لقي من ابنته الصغيرة في مواقفها المختلفة ، أفضل من ( أُمّ أبيها ) في أحد معاني هذه الكنية العظيمة.
وإذا كانت فاطمة الزهراء عليها ‌السلام قد فُجعت بأمّها وهي بأمسّ الحاجة إليها ، فقد صارت أشدّ لصوقاً بأبيها صلى ‌الله ‌عليه ‌و آله ‌و سلم لتنهل من سجايا نفسه الزكية ومكارم خلقه الرفيع ، وكان صلى ‌الله ‌عليه ‌و آله ‌و سلم يفيض عليها بحبّه وعطفه وشفقته ليعوضها عن
شعورها بالحرمان من أُمّها.
وقد قيل : إنّ النبي صلى ‌الله ‌عليه ‌و آله ‌و سلم قد جعل فاطمة عليها ‌السلام عند ابنة عمّه أمّ هانىء بنت أبي طالب بعد وفاة خديجة عليها ‌السلام لرعايتها والقيام بشأنها ، أخرجه السيوطي في حديثٍ عن عبدالرزاق عن ابن جريج 11.
ولعلَّ ذلك كان في بعض الأحيان التي ينشغل فيها الرسول صلى ‌الله ‌عليه ‌و آله ‌و سلم بأداء مهام الرسالة والقيام بأعباء الدعوة إلىٰ الله تعالىٰ 12.

  • 1. أمالي الصدوق : 691 / 947. والعدد القوية / رضي الدين الحلي : 223 / 15. وبحار الأنوار 16 : 80 ، و 43 : 2.
  • 2. دلائل الإمامة : 78 / 17.
  • 3. البداية والنهاية / ابن كثير 5 : 267 ، دار الكتب العلمية ـ بيروت.
  • 4. الكافي 6 : 40 / 1.
  • 5. الخرائج والجرائح / القطب الراوندي 2 : 529 / 4 ، مؤسسة الإمام المهدي عليه ‌السلام ـ قم ، تاريخ اليعقوبي 2 : 35.
  • 6. تاريخ الطبري 2 : 344 ، دار التراث العربي ـ بيروت.
  • 7. ولفظ جويرية يشهد بكونها مولودة بعد البعثة لا قبلها.
  • 8. صحيح مسلم 3 : 1418 / 107 ، كتاب الجهاد والسير ـ دار الفكر ـ بيروت. ودلائل النبوة / البيهقي 2 : 279 ، دار الكتب العلمية.
  • 9. صحيح مسلم 3 : 1419 / 108 ، كتاب الجهاد والسير. وصحيح البخاري 4 : 220 / 26 ، كتاب الجزية والموادعة ، باب طرح جيف المشركين في البئر ، عالم الكتب ـ بيروت. ودلائل النبوة /البيهقي 2 : 278.
  • 10. دلائل النبوة / البيهقي 2 : 276. ومجمع الزوائد 8 : 228. ومسند فاطمة الزهراء عليها ‌السلام /السيوطي : 118.
  • 11. مسند فاطمة الزهراء عليها ‌السلام / السيوطي : 119.
  • 12. المصدر: كتاب سيّدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام، للدكتور علي موسى الكعبي.