الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

الفوارق بين الشيعة والمعتزلة

إنّ هناك فوارق بين الطائفتين ربّما أشبعنا الكلام فيها في الجزء الرابع من هذه الموسوعة، وذكرنا بأنّ من يتّهم الشيعة بأنّهم أخذوا عقائدهم من المعتزلة فهو خاطىء، فنشير في المقام إلى هذه الفوارق على وجه الاجمال، وإن كانت بين الطائفتين اُصول مشتركة ربّما تقف عليها عند بيان الفوارق بين الشيعة والأشاعرة.

  1. الشفاعة: أجمع المسلمون كافّة على ثبوت أصل الشفاعة وأنّها تقبل من الرسول الأكرم واختلفوا في تعيين المشفَّع، فقالت الإمامية والأشاعرة: إنّ النبي يشفع لأهل الكبائر باسقاط العقاب عنهم أو باخراجهم من النار، وقالت المعتزلة، لا يشفع إلاّ للمطيعين، المستحقّين للثواب وتكون نتيجة الشفاعة ترفيع الدرجة.
  2. مرتكب الكبيرة: عند الامامية والأشاعرة مؤمن فاسق، وقالت المعتزلة: بل منزلة بين المنزلتين .
  3. الجنّة والنار: قالت الإمامية والأشاعرة انّهما مخلوقتان الآن بدلالة الشرع على ذلك، وأكثر المعتزلة على أنّهما غير موجودتين .
  4. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: اتّفق المسلمون على وجوبهما، فقالت الإمامية والأشاعرة: يجبان سمعاً، ولولا النص لم يكن دليل على الوجوب، خلافاً للمعتزلة الذين قالوا بوجوبهما عقلا .
  5. الأحباط: اتّفقت الإمامية والأشاعرة على بطلان الاحباط، وقالوا: لكل عمل حسابه الخاص، ولا ترتبط الطاعات بالمعاصي ولا المعاصي بالطاعات، والاحباط يختص بذنوب خاصة كالشرك وما يتلوه، بخلاف المعتزلة حيث قالوا: إنّ المعصية المتأخّرة تسقط الثواب المتقدم، فمن عبَدَ اللّه طول عمره ثمّ كذب فهو كمن لم يعبد اللّه أبداً.
  6. الشرع والعقل: غالت المعتزلة في تمسّكهم بالعقل وغال أهل الظاهر في جمودهم على ظاهر النص وخالفهما الإمامية والأشاعرة، فأعطوا للعقل سهماً فيما له مجال القضاء نعم أعطت الإمامية للعقل مجالا أوسع ممّا أعطته الأشاعرة. وسيوافيك تفصيله عند ذكر اختلاف الإمامية مع الأشاعرة.
  7. اتفقت الإمامية والأشاعرة على أنّ قبول التوبة بفضل من اللّه ولا يجب عقلا اسقاطها للعقاب. وقالت المعتزلة: إنّ التوبة مسقطة للعقاب على وجه الوجوب.
  8. اتفقت الإمامية على أنّ الأنبياء افضل من الملائكة، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك.
  9. اتفقت الإمامية على أنّ الإنسان غير مسيّر ولا مفوّض إليه، بل هو في ذلك المجال بين أمرين، بين الجبر والتفويض، وأجمعت المعتزلة على التفويض.
  10. اتفقت الامامية والأشاعرة أنّه لابد في أوّل التكليف وابتدائه من رسول، وخالفت المعتزلة وزعموا أنّ العقول تعمل بمجردها عن السمع 1.

هذه هي الاُصول الّتي خالفت الإمامية فيها المعتزلة ووافقت الأشاعرة، وهناك اُصول اُخرى تجد فيها موافقة الإمامية للمعتزلة ومخالفتها للأشاعرة، وإليك بعضها:

الفوارق بين الإمامية والأشاعرة

هناك اُصول خالفت الإمامية فيها، الأشاعرة، مخالفة بالدليل والبرهان وتبعاً لأئمّتهم، ونذكر المهم منها:

  1. اتّحاد الصفات الذاتية مع الذات: إنّ للّه سبحانه صفاتاً ذاتية كالعلم والقدرة فهي عند الأشاعرة صفات قديمة مغايرة للذات زائدة عليها، وهي عند الإمامية والمعتزلة متّحدة مع الذات. وقد ذكرنا مضاعفات القول بالزيادة في الجزء الثاني من هذه الموسوعة.
  2. الصفات الخبرية الواردة في الكتاب والسنّة، كالوجه والأيدي والاستواء وأمثالها، فالشيعة الإمامية يؤوّلونها تأويلا مقبولا، لاتأويلا مرفوضاً، أي تأخذ بالمفهوم التصديقي للجملة، لا بالمفهوم التصوّري للمفردات، فيقولون إنّ معنى﴿ ... بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ... 2معناه: أنّه بريء من البخل، بل هو باذل وسخي، وقادر على البذل. وأمّا الاشاعرة فهم يفسّرونها بالمفهوم التصوّري ويقولون إنّ للّه سبحانه يدين غير أنّهم يتهرّبون عن التجسيم والتشبيه بقولهم: بلا كيف، وقد أوضحنا مضاعفات هذا القول عند البحث عن عقائدهم في الجزء الثاني.
  3. أفعال العباد عند الامامية صادرة من نفس العباد، صدوراً حقيقياً بلا مجاز أو توسّع، فالإنسان هو الضارب، هو الآكل، هو القاتل، هو المصلّي، هو القارئ وهكذا، وقد قلنا: إنّ استعمال كلمة «الخلق» في أفعال الإنسان، استعمال غير صحيح فلا يقال: خلقت الأكل والضرب والصوم والصلاوة، وإنّما يقال: فعلتها فالصحيح أن يقال: إنّ الإنسان هو الفاعل لأفعاله بقدرة مكتسبة من اللّه، وانّ قدرته المكتسبة هي المؤثّرة باذن من اللّه سبحانه. وأمّا الأشاعرة فذهبوا إلى أنّ أفعال العباد مخلوقة للّه سبحانه، فليس للإنسان فيها صنع ولا دور، وليس لقدرته أي تأثير في تحقّق الفعل، وأقصى ما عندهم أنّ إرادة الإنسان للعقل تقارن ايجاد اللّه سبحانه فعله في عالم التكوين والوجود. ولمّا رأى الشيخ الأشعري وأتباعه أنّ ذلك عبارة عن نفس القول بالجبر، واقصاء الإنسان عن أفعاله، وبالتالي براءته من مسؤوليتها، ابتدعوا نظرية الكسب المعقدة فقالوا: إنّ اللّه هو الخالق والإنسان هو الكاسب، وقد ذكرنا أنّ نظرية الكسب من الألغاز الّتي لم يفهمها مخترعوها.
  4. إنّ الاستطاعة في الإنسان على فعل من الأفعال تقارنه تارة، وتتقدّم عليه اُخرى. فلو اُريد من القدرة العلّة التامّة فهي مقارنة، ولو اُريد العلّة الناقصة فهي متقدّمة خلافاً للأشاعرة، فقد قالوا بالتقارن مطلقاً.
  5. رؤية اللّه بالأبصار في الآخرة، فهي مستحيلة عند الإمامية والمعتزلة، ممكنة عند الاشاعرة.
  6. كلامه سبحانه عند الامامية هو فعله، فهو حادث لا قديم، وهذا خلافاً للأشاعرة: فكلامه عبارة عن الكلام النفسي القائم بذاته، فهو قديم كقدم الذات.
  7. التحسين والتقبيح العقليان، ذهبت الامامية إلى أنّ العقل يدرك حسن بعض الأفعال أو قبحها، بمعنى أنّ نفس الفعل من أي فاعل صدر، سواء أكان الفاعل قديماً أو حادثاً، واجباً أو ممكناً، يتّصف بأحدهما فيرى مقابلة الإحسان بالإحسان أمراً حسناً، ومقابلته بالاساءة أمراً قبيحاً، ويتلقّاه حكماً مطلقاً سائداً على مرّ الحقب والأزمان، لا يغيّره شيء، وهذا خلافاً للأشاعرة، فقد عزلوا العقل عن إدراك الحسن والقبيح وبذلك خالفوا الامامية والمعتزلة في الفروع المترتّبة عليه3.

هذه هي الاُصول التي تخالف الامامية فيها الأشاعرة وربّما توافقهم المعتزلة في جميعها أو أكثرها. كل ذلك يثبت أنّ للشيعة الامامية منهجاً كلامياً خاصّاً نابعاً من الكتاب والسنّة، وكلمات العترة الطاهرة والعقل فيما له مجال القضاء وليست الشيعة متطفّلة في منهجها الكلامي على أيّة من الطائفتين. وأنت إذا وقفت على الكتب الكلامية المؤلّفة في العصور المتقدّمة من عصر الفضل بن شاذان (ت 260) إلى عصر شيخنا الطوسي (385 ـ 460) ومن بعده بقليل، تجد منهجاً كلامياً مبرهناً متزّناً واضحاً لا تعقيد فيه ولا غموض، وعلى تلك الاُصول وذلك المنهج درج علماؤهم المتأخّرون في الأجيال التالية، فألّف الشيخ الحلبي (374 ـ 447) «تقريب المعارف» والشيخ سديد الدين الحمصي (ت 600) كتابه «المنقذ من التقليد» وتوالى بعدهم التأليف على يد الفيلسوف الكبير نصير الدين الطوسي (597 ـ 672) ومعاصره ابن ميثم البحراني (ت 589) وتلميذه العلاّمة الحلّي (648 ـ 726) وهكذا... كل ذلك يكشف عن أنّ الأئمّة طرحوا اُصول العقائد، وغذّوا أصحابهم وتلاميذهم بمعارف سامية، اُعتبر الحجر الأساس للمنهج الكلامي الشيعي، وتكامل المنهج من خلال الجدل الكلامي والنقاش العلمي في الظروف المتأخّرة فوصل إلى الذروة والقمّة فالناظر في الكتب الكلامية للسيّد الشريف المرتضى كـ «الشافي»4 و«الذخيرة» 5 يجد منبعاً غنيّاً بالبحوث الكلامية كما أنّ الناظر في كتب العلاّمة الحلّي المختلفة كـ «كشف المراد»6و«نهاية المرام» 7وغيرهما يقف على أفكار سامية أنضجها البحث والنقاش عبر القرون، فبلغت غايتها القصوى.
وقد توالى التأليف في عقائد الشيعة واُصولهم من العصور الاُولى إلى يومنا هذا، ولا يحصيها إلاّ محصي قطرات المطر وذرّات الرمال.
هذا وانّ الشيعة وإن خالفوا في هذه الاُصول طائفة من الطوائف الإسلامية ووافقوا طوائف اُخرى، ولكن هناك اُصول اتّفق الجميع فيها دون استثناء، وهو ظاهر لمن قرأ ما أثبتناه من الرسائل والكتيبات.
أفما آن للمسلمين أن يتّحدوا في ظلال هذه الاُصول المؤلّفة لقلوبهم، ويتظلّلوا بظلالها، ويتمسّكوا بالعروة الوثقى، ويكون شعارهم: انّما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم، وأن لا يصغوا إلى النعرات المفرّقة، المفترية على الشيعة وأئمّتهم، وليكن شعارنا في التأليف: التحقيق والتاكّد من عقائد الآخرين، ثمّ التدوين.

الفوارق بين الشيعة وسائر الفرق

إذا تعرّفت على الفوارق الموجودة بين الشيعة وبعض طوائف المسلمين، فهلّم معي إلى الفوارق الجوهرية بينهم وبين سائر الطوائف الّتي صيّرتهم إلى فرقتين متمايزتين، وأكثرها يرجع إلى مسألة القيادة والخلافة بعد الرسول الأكرم، فنأخذ بالبحث عنها على وجه الإجمال 8.

  • 1. لاحظ للوقوف على هذه الاُصول الّتي خالفت الامامية والأشاعرة فيها المعتزلة الجزء الرابع من هذه الموسوعة ص 180 تجد فيه الفوارق الاُخر لم نذكرها اختصاراً.
  • 2. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 64، الصفحة: 118.
  • 3. لاحظ للوقوف على هذه الاُصول المترتّبة على القول بالتحسين والتقبيح العقليين الجزء الثاني من هذه الموسوعة 289 ـ 292.
  • 4. المطبوع في بيروت في أربعة أجزاء.
  • 5. المطبوع في ايران في جزأين.
  • 6. الكتاب الدراسي في الجامعات الشيعية.
  • 7. مخطوط نحتفظ منها بنسخة وهي في يد التحقيق.
  • 8. من كتاب بحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني.