الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

الكتاب الذي لم يكتب

قرر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بهدف الحيلولة دون انحراف مسألة الخلافة عن محورها الاَصلي، والحيلولة دون ظهور الاختلاف و الافتراق، أن يعزز مكانة علي (عليه السلام) ويدعم إمارته وخلافته، و أهل بيته، بإثبات ذلك في وثيقة خالدة تضمن بقاء الخلافة في خطها الصحيح.

ففي خلال زيارة بعض الصحابة له أثناء مرضه قال: «إئتوني بدواة وصحيفة، أكتب لكم كتاباً لا تضلّون بعده». فبادر عمر قائلاً: إنّ رسول اللّه قد غلبه الوجع، حسبنا كتاب اللّه 1. فكثر اللغَط والنقاش حول إحضار ما طلبه النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» أو عدمه، ممّا أغضب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: «قوموا عنّي لا ينبغي عندي التنازع»، وقال ابن عباس: الرزية كلّالرزية ما حال بيننا وبين كتاب رسول اللّه 2.

وقد نَقل هذه الواقعة فريقٌ كبيرٌ من محدّثي الشيعة والسنة وموَرخيهم، وتُعتَبر من الروايات الصحيحة. وإذا سأل أحد عن عدم إصرار النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» على كتابة ذلك الكتاب، فذلك لاَنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا أصرّ على موقفه، لاَصرّ هوَلاء في الاِساءة إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وخاصة أنّهم قالوا عنه، أنّه غلبه الوَجَع أو هجر، ثمّ قيامهم بعد ذلك بإشاعة الاَمر بين الناس.

وقد روى ابن حجر العسقلاني، أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لاَصحابه وقد امتلاَت بهم الحجرة وهو في مرضه: «أيّها الناس يوشك أن أُقبضَ سريعاً فينطلق بي، وقد قدمت إليكم القولَ معذرةً إليكم، إلاّ أنّي مخلفٌ فيكم كتابَاللّه ربّي عزّوجلّ وعترتي أهل بيتي».

ثمّ أخذ بيد علي (عليه السلام) وقال :«هذا عليّ مع القرآن والقرآن مع عليّ، خليفتان نصيران لا يفترقان حتى يردا عليّ الحوض فاسألهما ماذا خلفت فيهما» 3.

ومن الواضح أنّالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لفت الاَنظار إلى حديث الثقلين مرّة أُخرى، برغم ما ذكره في مواضع متعدّدة، حتّى يوَكد أهمية الثَّقلين، وتدارك ما فات من كتابة الكتاب الذي لم يوفّق لكتابته.

وفي هذه اللحظات، طلب بعضاً من الدنانير كان قد وضعها عند إحدى زوجاته، وأمر علياً (عليه السلام) ليتصدّق بها.

وكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد سُقي دواءً خطأً في علاجه،فقد تخيلت «أسماء بنت عميس» أنّ مرضَه ـ ذات الجنب ـ تعلمت علاجه من عقار مركب من نبات وأعشاب من الحبشة، إلاّ أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لما عَلِمَ بالدواء، ذكر بأنّ مرضه ليس ذات الجنب 4.

 

 

  • 1. الملل والنحل:1|22.
  • 2. صحيح البخاري: 1|22؛ صحيح مسلم: 2|14؛ مسند أحمد:1|325.
  • 3. الصواعق المحرقة ، : 57، باب 9؛ كشف الغمّة: 43.
  • 4. المصدر: كتاب السّيرة المحمديّة، دراسة تحليليَّة للسيرة المحمّدية على ضوء الكتاب والسُّنّة و التاريخ الصحيح لآية الله العظمى الشيخ جعفر السبحاني.