مجموع الأصوات: 14
نشر قبل سنة واحدة
القراءات: 1261

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

انتصار الدم على السيف

حقيقة النهضة الحسينية أضحت الوجه الباطني للإسلام، وكما أن النبوة تجسدت في الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله فإن الولاية التي هي باطنها تجسدت في سيد الشهداء عليه السلام ولقد أعطى هذا الحديث النبوي الشريف تصويراً فريداً لهذه الحقيقة بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "حسين مني وأنا من حسين".

فحسين عليه السلام استمرار للإسلام الذي تجسد في جده النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من حسين في حفظه لهذا الدين العظيم.
غريب هذا الحفظ وعجيبة تلك الأيام التي صارت أياماً ربوبية خرجت من مفكرة التاريخ البشري لأنها لا يمكن أن تسجل إلا بقلم الغيب على لوح الولاية. فهي فترة وجيزة اختصرت أسفار الأنبياء الإلهيين وسلوكهم في دائرة العشق الرباني، وسمت إلى ما فوق عروج جبرائيل الأمين، فلم تقدر على إدراكها عقول المتوسمين، وحار فيها أصحاب النظر حيث لم تنطبق على أدلّتهم، وفجرت أنهار المعاني على لسان الشعراء وأجرت بحار الدموع من قلوب الملايين الحرَّة.

هي ثورة لم تحفظ تعاليم الإسلام فحسب بل أجلت عن باطنه سحاب الارتياب، فهي بحق تجلي الولاية وظهور حقيقة الإنسان الكامل.
وهذا الحفظ تطلب جريان الدماء الزكية على الربى، وسبي النساء الأبية بين الورى. حفظٌ لم يُبقِ من الرجال في ساحة الحرب أحداً، يتساقطون على مذبح العشق الإلهي فتسمو أرواحهم إلى جوار الأنبياء والصدّيقين والأولياء والصالحين، يرسم كل واحد منهم أعظم صورة وأجلى فضيحة لكفر الظالمين وعداوتهم ليكون حجة على كل المسلمين منذ ذلك الوقت وحتى الحين.

تلك شجرة الإسلام التي أخذت أغصانها تذبل بعد أن أشربتها يد حكام الجور مياه العلقم من كفرهم وانحرافهم يتفاخرون في دك إسفين الفسق في جذوعها وقطع أغصانها الوارفة بتعاليم السماء.. ولم يكن من خيار سوى تلك الدماء الزكية التي ستخرج من أعظم ولي لتعيد إلى الشجرة حياتها حتى أورقت وأزهرت وهي ما زالت بانتظار القطاف.
من لا يجد حين يطالع أوراقها دماً حسينياً في كل عرق يجري فيها فقد استظل بغيرها "أنا وعلي من شجرة واحدة والناس من أشجار شتى" لأن الحسين عليه السلام قد حضر في أعماق الإسلام وجرت دماؤه الطاهرة مع أنهاره فامتزجا في وحدة رائعة.

في مثل هذه الأيام تتجدد في نفوس الشيعة تلك النهضة الحسينية التي رفعت شعار "انتصار الدم على السيف" فأكدته لتجعل منهم قوة عظيمة تواجه أعتى القوى وأكثرها تجبراً.

ويتساءلون: كيف ينتصر الدم على السيف؟

فالدم عنوان الهزيمة والسيف هو القهر والتسلط، الدم يراق والسيف هو السبب، فهل ينتصر الضحية على الجلاد بعد موته؟!

وتجيبنا الثورة الحسينية منذ ذلك التاريخ أن الدم يتحول إلى قوة عظيمة عندما يسيل في طريق العشق للإله ويتدفق امتثالاً لأوامره، تؤكد كل قطرة منه على الولاية الكبرى وتحمل أهداف الأنبياء، فإذا سقط فإنه يسقط بيد الله ويتصل بالبحر اللامتناهي ﴿ ... يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ... 1 من القدرة المطلقة التي لا تبقي ولا تذر.
في هذه المسيرة تجلت النبوة الخاتمة وعرفنا معنى الرحمة المحمدية وأدركنا سر ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ ... 2 . فالحسين قد تأسّى بجده في مرتبة الرحمة يرسم للبشرية سلوكها إلى يوم القيامة يحفظ وصية أخيه عن أبيه عن جده عليهم السلام، وما أصعبها من أمانة.
أمانة تطلبت أعظم فاجعة وأكبر مصيبة.

فيا أحرار العالم ويا شيعة الحسين. أيها المنتظرون للولي الأعظم لن يصل إليه أحدٌ إلا بهذه الأمانة ولن يلحق بقافلة النور إلاَّ مَنْ سلك سفر سيد الشهداء فقط خط لنا طريقاً واحداً.
ألا وهو طريق الشهادة 3.