مجموع الأصوات: 32
نشر قبل 3 سنوات
القراءات: 3763

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

اولو الامر

احتدم الجدل في سقيفة بني ساعدة حول مسألة الخلافة و شخص الخليفة وأبدي کلّّ فريق حججه و أدلّته في إثبات حقّه و محأوّلة حسم الصراع في صالحه، و دارت المناقشات الحامية التي ندر فيها استخدام لفظ الإمام، فيها نجد کلمات أخري کثُر استخدامها من کلا الفريقين؛ من قبيل: الأمر، أوّلو الأمر وأحقّ بالأمر، و صاحب الأمر.

ولهذه الکلمة جذورها العميقة منذ فجرالدعوة الإسلامية يوم کان سيّدنا محّمد (صلي الله عليه و آله و سلم) يدعو قومه الي الإسلام في مکة، فقد دعا رسول الله عشيرته الأقربين و أوّلم لهم طعاما ً ثم خطب فيهم و بيّن لهم رسالته، وقال: "أيّکم يؤازرني علي هذا الأمر علي أن يکون أخي و وصيي و خليفتي؟". فأحجم الجميع و التزموا الصمت، و عندها نهض علي بن أبي طالب و کان يومها فتيً، فهتف بحماس الشباب: أنا يا نبي الله أکون وزيرک.وعندها أخذ النبي برقبته و قال: "إن هذا أخي و وصيي و خليفتي فيکم، فاسمعوا له و أطيعوا "1.

ويوم جاء المشرکون الي أبي طالب يطلبون منه أن يکفّ ابن أخيه و الّا يعترض الي آلهة قريش بسوء فقال رسول الله لعمّه:

-يا عمّاه لو وضعوا الشمس في يميني و القمر في يساري علي أن أترک هذا الأمر ما ترکته حتي يظهره الله أو أهلک دونه "2.

ورسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) کان يتمتع بمقامين؛ الأوّل: کمبلّغ للرسالة و الوحي و شريعة السماء کما أنزلها الله سبحانه.

والثاني: کحاکم و قائد للمسلمين و مسؤول عن تنفيذ إحکام الله و تطبيق الشريعة في الأرض، و أدارة المجتمع الإسلامي و هدايته باتجاه الصلاح و خير الدارين.

وکان هذا جزءاً من نبوّته و رسالته، حتي يمکن القول ان "الأمر" الذي أشار اليه سيدنا محّمد (صلي الله عليه و آله و سلم) منذ فجر دعوته هو هذا الجانب من الرسالة. ومن المنطقي أن نفهم أن هذه المسؤولية کان يتحملها رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) وحده ما دام حيّاً لا يشارکه فيها أحد، و لذا أسلم المسلمون إليه واستجابوا له مطيعين، فلما التحق بالرفيق الأعلي شبّ النزاع وانفجر الصراع.

وبعد أن تمّت البيعة لأبي بکر قال أبو عبيدة لعليّ بن أبي طالب (عليه السلام): يابن عم انّک حديث السن و هؤلاء مشيخة قومک، ليس لک مثل تجربتهم و معرفتهم بالأمور ولا أري أبابکر إلا أقوي علي هذا الأمر منک و أشدّ احتمالاً و اضطلاعا ً به، فسلم لأبي بکر هذا الأمر، فانّک ان تعش و يطل بک بقاء، فآنت لهذا الأمر خليق وبه حقيق في فضلک و دينک و علمک و فهمک و سابقتک ونسبک و صهرک.

فقال علي کرّم الله وجهه: الله الله يا معشر المهاجرين ل اتخرجوا سلطان محّمد في العرب عن داره و قعر بيته الي دورکم و قعور بيوتکم، ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس و حقه"3.

وقال معاوية لابن عباس: يا بن عباس، انّا کنّا و إيّاکم في زمان لا نرجو فيه ثوابا، و لانخاف عقابا ً؛ وکنّا أکثر منکم، فوالله ما ظلّّمناکم و لا قهرناکم و لا أخّرناکم عن مقام تقدمناه، حتي بعث الله رسوله منکم، فسبق إليه صاحبکم، فوالله ما زال يکره شرکنا و يتغافل به حتي و لي الأمر علينا و عليکم ثم صار الأمر الينا و اليکم فأخذ صاحبنا علي صاحبکم لسنه"4.

وقال معاوية لعلي و سائر الناس "ليسلبنّ أمرکم و ليُنقلنّ الملک من بين أظهرکم"5.

وکتب علي بن أبي طالب (عليه السلام)الي أخيه: "فقد قطعت قريش رحمي و ظاهرت علي وسلبتني سلطان ابن عمي"6.

وجاء في رسالة للامام الحسن الي معاوية: فلمّا توفي رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) تنازعت سلطانه العربّ، فقالت قريش: نحن قبيلته و اُسرته وأوّلياؤه و لا يحلّ لکم لن تنازعونا سلطان محّمد (صلي الله عليه و آله و سلم) وحقّه، فرأت العربّّّ ان القول کما قالت قريش و ان الحجّة لهم في ذلک علي من نازعهم أمر محّمد (صلي الله عليه و آله و سلم) فأنعمت لهم العرب و سلمت ذلک"7.

وفي السقيفة کان عمربن الخطاب يهدر بکلّّماته مستنکراً موقف الأنصار: من ينازعنا سلطان محّمد (صلي الله عليه و آله و سلم) و ميراثه و نحن أوّلياؤه وعشيرته إلا مدلّ بباطل أو متجانف لاثم أو متورط في هلکة"8.

وهکذا نجد "الأمر"لا ينفک عن کلّّ حديث يتنأوّل خلافة النبي (صلي الله عليه و آله و سلم)في الحکم و الإدارة.

ويمکن القول ان (الأمر) هو بمعناه الأساس الذي يفيد إصدار الأوامر، و من هنا جاء توظيفه في إصطلاحات متعددة مثل صاحب الأمر و "أوّلو الأمر"و من تکون أوامره نافذة، واحبة الطاعة.

ويمکن القول إنّه بمعني الشأن، فصاحبه شخص ينهض بمسؤولية قيادة الامّة ورئاستها9.

  • 1. الکامل في التاريخ: ج2ص63.
  • 2. تاريخ الطبري: ج2ص67.
  • 3. الامامة و السيا سة: ج1ص12.
  • 4. المصدر السابق: ص28.
  • 5. المصدر السابق: ص30.
  • 6. المصدر السابق: 55.
  • 7. مقاتل الطالبيين ص35.
  • 8. الامامة و السياسة: ج1 ص8.
  • 9. من کتاب دراسة عامة في الامامة.