مجموع الأصوات: 45
نشر قبل سنة واحدة
القراءات: 1921

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

بحث حول سيرة الإمام السجاد عليه السلام

حتى نحدد كيف بدأ الإمام السجاد عليه السلام حركته وبأي هدف وتكتيكات، يلزم أن نبحث بشأن الوضع العام لاتباع الأئمة المخالفين والمعارضين لنظام حكم خلفاء بني أمية. وهذا يعتبر فصلاً مستقلاً في حياة الإمام السجاد عليه السلام إذا استطعنا أن ندخل في بحثه بالتفصيل فسوف نحل الكثير من المشكلات والمسائل المرتبطة بحياته. ثم نصل بعدها إلى تفاصيل ما أقدم عليه الإمام وقام به (بالطبع لا ندري كم سيمكننا أن نفصل في هذا المجال).

الأرضية الإجتماعية

عندما حدثت واقعة كربلاء، سيطر على كافة العالم الإسلامي، حيث وصل الخبر وخاصة الحجاز والعراق، حالة من الرعب والخوف الشديد بين الشيعة وأتباع الأئمة، لأنهم شعروا أن حكومة يزيد مستعدة أن تفعل أي شي‏ء لإحكام قبضتها حتى ولو كان قتل الحسين بن علي عليه السلام سبط الرسول الذي هو معروف بالعظمة والاعتبار والقداسة في كافة أنحاء العالم الإسلامي. هذا الرعب الذي ظهرت آثاره في الكوفة والمدينة، بلغ ذروته بعد مرور زمان معين إثر وقوع عدة حوادث أخرى - إحداها حادثة الحرة - فسيطر جو القمع الشديد في منطقة نفوذ أهل البيت عليهم السلام في الحجاز (وخاصة المدينة) وفي العراق (وخاصة الكوفة). فضعفت الاتصالات وصار أتباع الأئمة والمعارضون بالقوة لنظام بني أمية المعدودون في حالة ضعف وعدم ثبات.
وتنقل رواية عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال في الحديث عن الوضع في ذلك الزمان: "إرتدّ الناس بعد الحسين عليه السلام إلا ثلاثة".
وذُكر في رواية أنهم خمسة وفي البعض أنهم سبعة.
وفي رواية عن الإمام السجاد عليه السلام - يرويها أبو عمر المهدي - يقول سمعت عن الإمام أنه قال: "وما بمكة والمدينة عشرون رجلاً يحبنا".
وقد نقلت هذين الحديثين حتى يتضح الوضع العام لعالم الإسلام بالنسبة للأئمة وأتباعهم. فهذا القمع الذي حدث أوجد مثل تلك الحالة التي صار فيها أتباع الأئمة عليهم السلام متفرقين آيسين خائفين لا يملكون القدرة على التحرك. ولكن في تلك الرواية يكمل الصادق عليه السلام القول: "ثم إن الناس لحقوا وكثروا".

التنظيمات السرية

لو أردنا أن نفصل هذه القضية المذكورة أكثر لكانت على هذا النحو: بعد واقعة شهادة الإمام الحسين عليه السلام صار الناس في خوف ورعب لكن ليس إلى درجة أن لا يبقى للتنظيمات التي أعدها أتباع الأئمة باقية. ودليل ذلك أننا نرى أنه في الوقت الذي جاءوا بأسرى كربلاء إلى الكوفة، شوهدت التحركات التي تدل على وجود التنظيمات الشيعية.
وبالطبع عندما نتحدث عن "التنظيمات الشيعية السرية" لا نقصد النمط الموجود للتنظيمات في هذا العصر، بل المقصود تلك الروابط العقائدية التي كانت تصل الناس بعضهم ببعض وتحملهم على التضحية والأعمال السرية، والتي تؤلف في أذهاننا مجموعة واحدة.

في تلك الأيام التي كان - أهل البيت عليهم السلام في الكوفة وفي إحدى الليالي يسقط حجرٌ في السجن الذي كانوا فيه. وإذا بالحجر ورقة كُتب عليها: "لقد أرسل حاكم الكوفة رجلاً إلى يزيد في الشام حتى يعلم ماذا يفعل بكم. فإذا سمعتم غداً ليلاً صوت تكبير فاعلموا أنكم ستقتلون ها هنا وإذا لم تسمعوا فاعلموا أن الوضع سيتحسن".
عندما نسمع مثل هذه القصة ندرك جيداً وجود شخص من أعضاء هذه التنظيمات داخل الجهاز الحاكم لابن زياد وهو مطلع على ما يجري. ويمكنه أن يصل إلى السجن ويوصل صوته إليه.
مثال آخر: عبد الله بن عفيف الأزدي الرجل الأعمى الذي قام بردة الفعل الأولى عند ورود الأسرى إلى الكوفة وأدى ذلك إلى استشهاده. وكذلك ما كنّا نرى في الشام عند اللقاء بأهل البيت من البكاء والملامة وهذه الحوادث تكررت حتى في مجلس يزيد أيضاً.

بناء على هذا، فمع وجود الرعب الشديد بعد هذه الحادثة لم يتحطم نظام عمل الشيعة ولم يتفرقوا أشد التفرق. ولكن بعد وقوع حوادث أخرى ازداد جو القمع أكثر. ومن هنا يمكن ربط الحديث "إرتد الناس بعد الحسين" بالحوادث التي وقعت بعده.
وخلال هذه المرحلة - قبل وقوع الحوادث الأخرى - قام الشيعة بإعادة الانسجام السابق والاستعداد.
وينقل الطبري قائلاً: "فلم يزل القوم في جمع آلة الحرب والاستعداد لها" وهو يقصد الشيعة في طلب الثأر لدماء الحسين بن علي عليه السلام. وازداد عددهم يوماً بعد يوم حتى مات يزيد بن معاوية.
ولهذا نجد مع كل هذا الضغط والقمع الشديد ازدياد التحركات - كما ينقل الطبري - ولعله إشارةً لهذا الدليل يقول مؤلف كتاب "جهاد الشيعة" (وهو كاتب غير شيعي ولا يمتلك رؤية واقعية تجاه الإمام السجاد عليه السلام ولكنه أدرك هذه الحقيقة): "أصبح الشيعة بعد شهادة الحسين عليه السلام كتنظيم واحد تجمعهم الاعتقادات والروابط السياسية ويعقدون الاجتماعات ولهم القادة والقوى العسكرية. وكان التوّابون أول مظهر لهذه التنظيمات".
إذن نشعر أنه مع تسلّل الضعف إلى التنظيمات الشيعية إثر حادثة عاشوراء فإن التحركات الشيعية في مقابل هذا الوضع استمرت بنشاط لإعادة هذا التنظيم إلى سابق عهده إلى أن جرت "واقعة الحرة". وبرأيي فإن واقعة الحرة كانت مفصلاً عظيماً في تاريخ التشيع وضربة كبيرة جداً له.

لقد جرت هذه الواقعة سنة 63 للهجرة. وتفصيلها باختصار أنه في سنة 62 هـ وُلِّيَ أحد شباب بني أمية على المدينة. ففكر لاستمالة قلوب الشيعة في المدينة أن يدعو بعضهم إلى ملاقاة يزيد. فدعى بعض أشراف المسلمين والصحابة - الذين كانوا في معظمهم من محبي الإمام السجاد عليه السلام - إلى الشام للقاء يزيد والاستئناس به. فذهبوا إلى المدينة والتقوا به حيث مكثوا عدة أيام. وأعطاهم يزيد مبالغ كبيرة من المال (بمقدار 50 ألف درهم أو مئة ألف) ثم رجعوا إلى المدينة.
عندما عادوا إلى المدينة - ولأنهم رأوا الفجائع في بلاط يزيد - بدأوا بانتقاده والتهجم عليه. وانقلبت القضية، فبدلاً من مدحه والثناء عليه بدأوا بالتشهير به وقالوا للناس: كيف يمكن أن يكون يزيد خليفة وهو شارب للخمر ويلاعب الكلاب والقردة ويمارس أنواع الفسق والفجور. إننا نخلعه عن الخلافة.
وكان على رأس هؤلاء عبد الله بن حنظلة الذي دعى الناس إلى القيام على يزيد وخلعه. فأدت هذه الحركة إلى أن يأمر يزيد أحد قادته من بني أمية ويدعى "مسلم بن عقبة" بالإسراع إلى المدينة وإخماد الثورة فيها. فقدم ابن عقبة وحاصرها عدة أيام ثم دخلها وارتكب فيها أبشع وأفجع الجرائم التي لم يحدث مثلها في تاريخ الإسلام.
وقد عُرف بعد هذه الحادثة المفجعة باسم "مسرف بن عقبة".

مجريات وتفاصيل هذه الحادثة كثيرة ولا أريد هنا أن أشرح ما جرى، ولكن يكفي أن أقول أنها أصبحت أكبر وسيلة لإرعاب محبي وأتباع أهل البيت، خاصة في المدينة التي هرب منها من هرب وقتل آخرون، بعضهم من أصحاب أهل البيت الخيرين كعبد الله بن حنظلة.
لقد وصل هذا الخبر إلى كافة أقطار العالم وعُلِم أن النظام الحاكم سوف يقف بقوة أمام أية حركة من هذا القبيل.
الحادثة الأخرى التي أدت إلى إضعاف الشيعة هي حادثة شهادة المختار في الكوفة وتسلط عبد الملك بن مروان على كافة العالم الإسلامي.
فبعد موت يزيد، تبعه خلفاء لم يدوموا في الحكم إلا فترات قليلة كمعاوية بن يزيد الذي لم يحكم أكثر من ثلاثة أشهر، ثم مروان بن الحكم الذي حكم لمدة سنتين أو أقل ثم وصل الأمر إلى عبد الملك الذي كان أكثرهم تدبيراً كما جاء بشأنه: "كان عبد الملك أشدهم شكيمة وأقساهم عزيمة".

فاستطاع أن يقبض على زمام أمور العالم الإسلامي بيده ويوجد نظاماً إرهابياً وقمعياً وكان إمساكه بزمام الأمور متوقفاً على القضاء على خصمائه. فالمختار الشيعي قد صُفي قبل مجيئه على يد مصعب بن الزبير. ولكن عبد الملك أراد أن يضع نهاية لاستمرار حركة المختار وغيره في عالم التشيع. وبالفعل قام بذلك، حتى عانى الشيعة في العراق وخاصة الكوفة التي كانت في ذلك الوقت أهم مراكزهم أشد معاناة.
على كل حال، لقد بدأت هذه الحوادث من واقعة كربلاء ثم تتالت: من قبيل واقعة الحرة والقضاء على حركة التوابين في العراق وشهادة المختار وشهادة إبراهيم بن مالك الأشتر النخعي وآخرون عظام من الشيعة. وبشهادتهم طغى جو من القمع والخمود الشديد على المراكز الشيعية في المدينة والكوفة وحلت غيوم الغربة والوحدة على المكان 1.

 

  • 1. المصدر: مجلة بقية الله، العدد: 3.