الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

حكم الرسول بهذين الشعارين: حسبنا كتاب الله و بيننا و بينكم كتاب الله

لما أراد الرسول الأعظم أن يكتب وصيته و توجيهاته النهائية و هو على فراش الموت ، تدخل عمر بن الخطاب ، فقال للحاضرين : ( إن المرض قد اشتد برسول الله ، أو أن الرسول يهجر ـ أي لا يعي ما يقول ـ و عندكم القرآن ( حسبنا كتاب الله ) 1 و سندا لهذا الشعار حالوا بين الرسول و بين كتابة ما أراد كتابته .

و بعد أن استولى أبو بكر على منصب الخلافة جمع الناس بعد وفاة نبيهم فقال : ( إنكم تحدثون عن رسول الله أحاديث تختلفون فيها ، و الناس بعدكم أشد اختلافا ، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا فمن سألكم فقولوا : بيننا و بينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله ، و حرموا حرامه ) 2 و التزاما من الخليفة بما أمر المسلمين به قام بحرق الأحاديث التي سمعها من رسول الله بإذنه ، و كتبها بخط يده 3 .
و لما تولى عمر بن الخطاب الخلافة ، ناشد الناس أن يأتوه بسنة الرسول المكتوبة عندهم لأنه يريد أن يجمعها في كتاب ، كما ناشدهم أن يأتوه بالكتب المحفوظة لديهم حتى ينظر فيها و يقومها ، فلما أتوه بها أمر بحرقها ، و حرقت فعلا 4 ثم كتب إلى ولاته في كل البلاد الخاضعة لحكمه ( أن من كان عنده شيء مكتوب من سنة الرسول فليمحه ) 5 .
و برر الخليفة عمله هذا بالقول : ( إني كنت أردت أن أكتب السنن ، و إني ذكرت قوما كانوا قبلكم كتبوا كتبا ، فأكبوا عليها ، فتركوا كتاب الله !! و إني والله لا ألبس كتاب الله بشيء ) 6 ثم قال : ( أمنية كأمنية أهل الكتاب رأي حتى لا ينشغل الناس بالسنة عن القرآن ) 7 .
و حرصا من الخليفة على القرآن الكريم ، منع الناس من رواية أحاديث رسول الله ، و هدد من يرويها ، و ضرب الرواة ، و حبس بعضهم ، و ملأ قلوب الرواة بالرعب و الإرهاب حتى لا يرووا سنة رسول الله ) 8 .
و ما فعل الخليفة ذلك إلا حرصا على القرآن و إعمالا لشعار ( حسبنا كتاب الله ) و شعار ( بيننا و بينكم كتاب الله ) كما سنوضح لاحقا !!!

حكم الرسول بهذين الشعارين

قال رسول الله : ( يوشك الرجل متكئا في أريكته ، يحدث بحديث من حديثي فيقول بيننا و بينكم كتاب الله ، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه ، و ما وجدنا فيه من حرام حرمناه ، ألا و إن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله ) 9 أنت تلاحظ أن الرسول قد استعمل حرفيا الكلام الذي قاله أبو بكر يوم منع المسلمين من أن يحدثوا شيئا عن رسوله ، فارجع إلى ما قاله أبو بكر!!
و قال الرسول : ( لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته ، يأتيه الأمر مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه ) 10 .
و قال الرسول : ( أيحسب أحدكم متكئا على أريكته ، قد يظن أن الله تعالى لم يحرم شيئا إلا ما في القرآن ، ألا و إني والله قد أمرت و وعظت و نهيت عن أشياء إنها لمثل القرآن ) .
قال ابن حزم : ( صدق النبي هي مثل القرآن و لا فرق في وجوب طاعة كل ذلك علينا ، و قد صدق الله ﴿ مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ ...  11 و هي أيضا مثل القرآن في أن كل ذلك وحي من الله ) 12 13 .

  • 1. راجع صحيح البخاري : 7 / 9 و 4 / 31 ، و صحيح مسلم : 5 / 75 و 11 / 95 بشرح النووي ، و في الفصول اللاحقة سنورد أربعين مرجعا على صحة هذه الواقعة .
  • 2. راجع تذكرة الحفاظ للذهبي : 1 / 2 ـ 3 ، و الأنوار الكاشفة : 53 و تدوين السنة : 423 .
  • 3. تذكرة الحفاظ للذهبي : 1 / 5 ، و كنز العمال : 10 / 285 ، و الاعتصام بحبل الله المتين : 1 / 30 .
  • 4. الطبقات لابن سعد : 5 / 140 .
  • 5. كنز العمال : 1 / 291 .
  • 6. تقييد العلم : 49 و رواه في دفاع عن السنة : 21 ، راجع كنز العمال : 1 / 291 ، و تدوين القرآن : 371 .
  • 7. راجع المبحث اللاحق تحت عنوان موقف الخليفة عمر من سنة رسول الله .
  • 8. المصدر نفسه
  • 9. مسند أحمد : 4 / 131 ، و أبو داود في سننه كتاب السنة باب 5 ، و لزوم السنة : 4 / 200 الحديث 4604 ، و سنن ابن ماجة : 1 / 6 باب 3 الحديث 12 ، و سنن الدارمي : 1 / 117 الحديث 592 ، و سنن البيهقي : 3 / 331 ، و دلائل النبوة : 1 / 25 ، و المستدرك على الصحيحين : 1 / 180 و 109 ، و الترمذي كتاب العلم : 2 / 110 ، 111 و قال هو حديث صحيح ، و الحديث و المحدثون : 11 و 24 .
  • 10. سنن ابن ماجة : 1 / 6 ـ 7 ، و المستدرك للحاكم : 1 / 108 و قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين .
  • 11. القران الكريم : سورة النساء ( 4 ) ، الآية : 80 ، الصفحة : 91 .
  • 12. الأحكام لابن حزم : 1 / 159 ، و راجع تدوين السنة الشريفة : 352 و ما فوق .
  • 13. المصدر: كتاب أين سنة الرسول ما فعلوا بها ؟ للمحامي الدكتور احمد حسين يعقوب رحمه الله.