الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

خروج الامام الحسين عليه السلام من مكة

خطبة الإمام الحسين (عليه السّلام) في مكة 1

اُخبر الإمام الحسين (عليه السّلام) بأنّ يزيد بن معاوية قد زوّد عمرو بن سعيد بن العاص بخيل ورجال ، وأمره أن يقبض على الحسين ، ولو أبى لناجزه. ودس أيضاً ثلاثين رجلاً من شياطين بني اُميّة مع الحاج أن يغتالوا الحسين على أيّ حال اتفق ولو كان متعلقاً بأستار الكعبة. فخاف (عليه السّلام) أن يُغتال في الحرم فتهتك حرمة المسجد ، وحرمة الشهر الحرام ، فقال : «والله لئن اُقتل خارجاً منها بشبر أحبّ إليّ من أن اُقتل داخلاً فيها بشبر. وأيم الله ، لو كنت في ثقب هامّة من هذه الهوام لاستخرجوني حتّى يقضوا فيّ حاجتهم ، ووالله ليعتدنّ عليّ كما اعتدت اليهود في السبت» 2.

فعجّل (عليه السّلام) بالخروج من مكّة لهذا السبب قاصداً العراق ، وخصوصاً بعد أن وصلته كتبهم ، فعندما عزم تهيّأ للخروج ، ثمّ قام فخطب قائلاً : «الحمد لله ، وما شاء الله ، ولا قوّة إلاّ بالله ، وصلّى الله على رسوله ، خُطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة ، وما أولهني 3 إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف. وخير لي مصرع أنا لاقيه ، كأنّي بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات 4 بين النواويس وكربلاء ، فيملأنّ منّي أكراشاً جوفاً ، وأجربةً سغباً ، لا محيص عن يوم خُطّ بالقلم ، رضا الله رضانا أهل البيت ، نصبر على بلائه ويوفينا أجور الصابرين. لن تشذّ عن رسول الله لحمته بل هي مجموعة له في حضيرة القدس ، تقرّ بهم عينه ، وينجز بهم وعده. ألا ومَنْ كان فينا باذلاً مهجته ، موطّناً على لقاء الله نفسه ، فليرحل معنا ؛ فإنّي راحل مصبحاً إن شاء الله تعالى» 5.

وكان (عليه السّلام) قد أحرم للحج ، وأراد الإحلال من إحرامه ، فجعلها عمرة مفردة لأنّه لم يتمكن من إكمال حجّه ، مخافة أن يُقبض عليه ، فطاف بالبيت وصلّى ، وسعى بين الصفا والمروة ، وقصّر من شعره ، وأحلّ إحرامه.

الحسين (عليه السّلام) مع رجالات مكة 6

عندما علم الناس بعزم الحسين (عليه السّلام) على الخروج من مكّة قاصداً العراق ، جاءه نفر من إخوته وأبناء عمومته وأقربائه ، ومن الصحابة وأبنائهم يشيرون عليه بعدم الذهاب إلى العراق ، ويرجونه البقاء بالحجاز. لأنّه سيدهم وزعيمهم ، كعمر بن عبد الرحمان المخزومي ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن عباس ، وعبد الله بن جعفر الطيار ، وعبد الله بن عمر ، ومحمّد بن الحنفية وغيرهم 7.

وكان (عليه السّلام) يجيب كلاً من هؤلاء بجواب ، مثل : «استخير الله وانظر ما يكون» 8. وقال لآخر : «إنّ أبي حدّثني أنّ بها كبشاً يستحلّ حرمتها ، فما أحبّ أن أكون أنا ذلك الكبش» 8. أو مثل قوله لآخر : «أتاني رسول الله بعد مفارقتك ، فقال : يا حسين ، اخرج ؛ فإنّ الله قد شاء أن يراك قتيلاً» 8. قيل له : فما حملك هذه النسوة معك؟ فقال (عليه السّلام) : «إنّ الله شاء أن يراهن سبايا» 8. وقال (عليه السّلام) لبعضهم : «وأيم الله ، لو كنت في ثقب هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتّى يقتلوني. والله ليعتدنّ عليّ كما اعتدت اليهود في يوم السبت. والله لا يدعوني حتّى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي ، فإذا فعلوا ذلك سلّط الله عليهم مَنْ يذلّهم حتّى يكونوا أذلّ من فرام المرأة» 9.

ثم جاءه عبد الله بن عمر وأشار عليه بصلح أهل الضلال ، وحذّره من القتل والقتال ، فقال له الحسين (عليه السّلام) : «هيهات يابن عمر! إنّ القوم لا يتركوني وإن أصابوني ، وإن لم يصيبوني فلا يزالون حتّى اُبايع وأنا كاره أو يقتلوني. أما تعلم يا عبد الله أنّ من هوان الدنيا على الله تعالى أنّه اُتي برأس يحيى بن زكريا إلى بغي من بغايا بني إسرائيل؟! أما تعلم يا أبا عبد الرحمان أنّ بني إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس سبعين نبيّاً ثمّ يجلسون في أسواقهم يبيعون ويشترون كلّهم كأنّهم لم يصنعوا شيئاً ، فلم يعجّل الله عليهم ، بل أخذهم بعد ذلك أخذ عزيز مقتدر؟! اتق الله يا أبا عبد الرحمان ولا تدعن نصرتي» 10.

ثمّ إنّه (عليه السّلام) أمر إخوته وأولاده وبني أعمامه وأصحابه أن يسيروا بالظعائن والحريم ، وذلك في يوم الثلاثاء أو الأربعاء ، يوم التروية لثمان مضين من ذي الحجّة سنة ٦٠ هـ ، فاعترضته رسل عمرو بن سعيد أمير الحجاز من قبل يزيد ليردّوه ويمنعونه من المسير إلى العراق ، فتدافع الفريقان وتضاربا بالسياط ، وامتنع الحسين وأصحابه فنادوه : يا حسين ، ألا تتقي الله تخرج من الجماعة وتفرّق بين هذه الأمّة؟ فتلا الحسين (عليه السّلام) قول الله تعالى : ﴿ ... لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ 11 12. ثمّ سار الحسين (عليه السّلام) ومعه ركبه ، وهو يذكر يحيى بن زكريا وقتله ، ويقول : «من هوان الدنيا على الله أنّ رأس يحيى بن زكريا اُهدي إلى بغي من بغايا بني إسرائيل». حتّى مرّ بالتنعيم ، فوجد فيها عيراً تحمل هدايا من الورس والحلل إلى يزيد بن معاوية ، بعث بها عامله على اليمن ، فأخذها وقال لأصحاب الجمال : «مَنْ أحبّ أن ينطلق معنا وفّيناه كراه وأحسنّا صحبته ، ومَنْ أحبّ أن يفارقنا أعطيناه كراه». فبقي بعضهم مع الحسين (عليه السّلام) وذهب آخرون 13.

 

 

  • 1. الوثيقة رقم ٢٤.
  • 2. تاريخ الطبري ص ٢٧٦ ج ٤.
  • 3. الوله : الحنين.
  • 4. عسلان الفلاة : الذئاب والعسلان الرماح.
  • 5. مقتل الحسين ـ محسن الأمين ص ٦٣.
  • 6. الوثيقة رقم ٢٥.
  • 7. تاريخ الطبري ج ٤ ص ٢٨٨.
  • 8. a. b. c. d. مقتل الحسين ـ محسن الأمين ص ٦٣ ـ ٦٤.
  • 9. الفرام : خرقة الحيض.
  • 10. أعيان الشيعة ج ٤ ص ٢١٢ ، القسم الأول ، كتاب الفتوح ج ٥ ص ٣٨ ، ٤٢ ، حياة الإمام الحسين (عليه السّلام) ص ٣٢٠.
  • 11. القران الكريم: سورة يونس (10)، الآية: 41، الصفحة: 213.
  • 12. تاريخ الطبري ج ٤ ص ٢٧٧.
  • 13. المصدر : الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، لسماحة العلامة السيد عبد الكريم الحسيني القزويني ( حفظه الله ).