حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
زهد سلمان وحكمته
ربما يعتبر الكثير إن معنى الزهد هو التقشف ومعاناة شطف العيش وليس معنى الزهد أن لا يملك شيئا، بل الزهد أن لا يملكه شئ، أن القرآن الكريم حصر الزهد بكلمتين فقط لا ثالث لهما، قوله تعالى :﴿ لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ... ﴾ 1.
فكان إذا خرج عطاءه السنوي، رفع منه مقدار ما يكفيه ثم يتصدق بالباقي على المستحقين، فقيل له: أنت في زهدك، تفعل هذا؟! وأنت لا تدري لعلك تموت اليوم أو غدا؟ فقال ما لكم لا ترجون لي البقاء والحياة، كما خفتم علي الغناء؟! أما علمتم أن النفس قد تلتات على صاحبها، إذا لم يكن لها من العيش ما تعتمد عليه، فإذا هي أحرزت معيشتها اطمأنت 2.
مع ذلك كان يكتفي بقرص الشعير، يلبس الصوف، ويركب الحمار ببرذعته بغير أكاف، ويأكل من كده وكانت له عباءة يفرش بعضها ويلبس بعضها.
وكان يتعامل مع طموحات نفسه وميولها من موقع العارف الواعي.
ويرى أنه إذا خرج عطاؤه السنوي وكان خمسة آلاف درهم يتصدق به كله، ويعيش من عمل يده، وكان يسف الخوص بيده وهو أمير على المدائن والقائد العام لها، يبيع ما يصنعه ويأكل من ثمنه ويقول لا أحب أن آكل إلا من عمل يدي، وكان يصنع من الخوص قفافا فيبيع ذلك بثلاثة دراهم، فيرد درهما للخوص، وينفق درهما على نفسه وعياله، ويتصدق درهما على الفقراء.
وما كان يأكل من صدقات الناس وقد تعلم سف الخوص من المدينة.
عن كتاب المحاسن: وقع حريق في المدائن ، فأخذ سلمان مصحفه وسيفه، وخرج من الدار وقال: " هكذا ينجو المخفون ".
فلماذا السيف والمصحف، دون سواهما، يا ترى؟
وماذا نستوحي من ذلك ؟ وكيف نستفيد العبرة منه؟
إنما يريد سلمان الذي أدرك علم الأول وعلم الآخر، بذلك الزهد أن يربي نفسه على مكارم الأخلاق، ومخالفة الهوى، يريد بذلك أن يفرغ قلبه عن كل ميل أو تفكير يربطه بالدنيا وزخرفها بصورة قاطعة لا رجعة له فيها، ليتفرغ إلى عبادة ربه سبحانه وتعالى، حتى لا يشغله عن ذكره شئ.
كان سلمان ناسكا زاهدا وكان طعامه من خبز الشعير، وبعض بقول الأرض، والملح، أو الخل، واللبن كطعام سيده أمير المؤمنين ( عليه السلام ).
فلما احتضر سلمان وهو بالمدائن قال له: سعد بن أبي وقاص، يا أبا عبد الله أوصني، قال نعم: أذكر الله عند همك إذا هممت، وعند لسانك إذا حكمت، وعند يدك إذا قسمت، ثم بكى سلمان، فقال له سعد ما يبكيك يا أبا عبد الله، توفي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهو عنك راض، وتلقى صاحبك وترد عليه الحوض فقال: سلمان والله ما أبكي جزعا من الموت، ولا حرصا على الدنيا، ولكن عهد إلينا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقال ليكن بلغة أحدكم من الدنيا مثل زاد الراكب. وحولي هذه الأساور.
وفي رواية: قال: سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول: أن في الآخرة عقبة [ كأداء ] لا يقطعها إلا المخفون، وأرى هذه الأساور حولي، فنظر سعد ما حوله فلم يجد في البيت إلا دواة، وركوة، ومطهرة 3.
كان سلمان يحمل متاعه بنفسه من الوسق إلى داره، أو ربما حمل حزمة الحطب على رأسه، فإذا رأى ازدحام الناس في السوق يقول أوسعوا الطريق للأمير، وربما يشاهده من يعرفه فيتقدم إليه ، ويقول دعني يا سيدي أحمل عنك متاعك فيقول لا حتى أصل المنزل هاهو ذاك ، ولا يقبل أن يحمل متاعه غيره.
وقع خلاف وخصومة بين سلمان ورجل فقال له الرجل من أنت يا سلمان؟ فقال : أما أولي وأولك فنطفة قذرة، وأما آخري وآخرك فجيفة نتنة! فإذا كان يوم القيامة وضعت الموازين فمن ثقلت موازينه فهو كريم، ومن خفت موازينه فهو لئيم.
عن أبي عبد الله الصادق ( عليه السلام ) قال: " سلمان عجبت بست، ثلاثة أبكتني وثلاثة أضحكتني، فأما التي أبكتني، ففراق الأحبة محمد وحزبه، وهول المطلع، والوقوف بين يدي الله عزوجل. وأما التي أضحكتني، فطالب الدنيا والموت يطلبه، وغافل وليس بمغفول عنه، وضاحك ملء فيه لا يدري أرضي الله عنه أم سخط "4.
ومن كلام له في بني أمية: " ألا إن بني أمية كالناقة الضروس. تعض بفيها، وتخبط بيديها، وتضرب برجليها، وتمنع درها ... فإذا رأيتم الفتن كقطع الليل المظلم يهلك فيها الراكب الموضع، والخطيب المصقع، والرأس المتبوع، فعليكم بآل محمد ( عليهم السلام ) فإنهم القادة إلى الجنة، والدعاة إليها ".
ومن حكمته : اتق دعوة المظلوم والمضطر فإنها لا تحجب.
وكتب إليه أبو الدرداء من الشام : أقدم يا أخي إلى بيت المقدس فلعلك تموت فيه، فأجابه سلمان: " أما بعد فإن الأرض المقدسة لا تقدس أحدا وإنما يقدس كل إنسان عمله والسلام ".
وقيل له ما يكرهك الإمارة؟ قال: حلاوة رضاعها ومرارة فطامها.
أخرج الشيخ الطوسي في أماليه، عن منصور بن برزخ قال: قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) ما أكثر ما أسمع منك ذكر سلمان الفارسي؟
قال ( عليه السلام ) لا تقل سلمان الفارسي لكن قل سلمان المحمدي، أتدري ما أكثر ذكري له؟ قلت لا: قال ( عليه السلام ):
لثلاث خصال، إيثاره هو أمير المؤمنين ( عليه السلام ) على نفسه، والثانية حبه للفقراء واختياره إياهم على أهل الثروة والعدد، والثالثة حبه للعلم والعلماء.
عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال: " عاد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) سلمان في مرضه فقال: يا سلمان لك في علتك ثلاث خصال: أنت من الله عز وجل بذكر، ودعاؤك مستجاب، ولا تدع العلة عليك ذنبا إلا حطته، متعك الله بالعافية إلى منتهى أجلك "5 6.
-
راجع صفحة سلمان الفارسي ضمن دائرة المعارف الاسلامية
- 1. القران الكريم: سورة الحديد (57)، الآية: 23، الصفحة: 540.
- 2. قاموس الرجال ج 4 ص 425 - 426 عن الكافي.
- 3. مروج الذهب ج 2 ص 306 ، والطبقات الكبرى لابن سعد ج 4 ص 91، الركوة قربة الماء، والمطهرة ما يتطهر به كالإبريق.
- 4. الخصال ص 326.
- 5. الدرجات الرفيعة للسيد علي خان ص 209 - 210.
- 6. المصدر: كتاب الأعلام من الصحابة والتابعين، تأليف الحاج حسين الشاكري رحمه الله.