نشر قبل 7 سنوات
القراءات: 14878
حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
زواج المتعة
وممّا يشنّع به على الشيعة: قولهم بجواز نكاح المتعة، ويعدّون القول بتشريعه أو بعدم نسخه مخالفاً للكتاب والسنّة. والمسألة فرعية فقهية لا يناسب البحث عنها في كتب تاريخ العقائد، غير أنّه لما كانت من شعائر فقه الشيعة، آثرنا أن نبحث عنها في اطار الكتاب والسنّة على وجه الاجمال حتّى يقف القارئ على أنّ القول باصل تشريعها وعدم نسخها، ممّا يثبته الكتاب والسنّة. وانّ القول بعدم تشريعها بتاتاً أو ادّعاء نسخها يضادّهما. وسيوافيك انّ لفيفاً من الصحابة والتابعين كانوا يفتون بجوازها وعدم نسخها وانّما منع عنها عمر بن الخطاب لحافز نفسي أو اجتهاد شخصي لا دليل عليه وليس حجّة على الآخرين.
وقد أبدى بنظيره في متعة الحج في زمن رسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ 1.
وأمّا زواج المتعة: وهو عبارة عن تزويج المرأة الحرّة الكاملة إذا لم يكن بينها وبين الزوج مانع من نسب أو سبب أو رضاع أو احصان أو عدّة أو غير ذلك من الموانع الشرعية، بمهر مسمّى إلى أجل مسمّى بالرضا والاتّفاق، فإذا انتهى الأجل تبين منه من غير طلاق. ويجب عليها مع الدخول بها إذا لم تكن يائسة أن تعتد عدّة الطلاق إذا كانت ممّن تحيض وإلاّ فبخمسة وأربعين يوما 2.
وولد المتعة ذكراً كان أو اُنثى يلحق بالأب ولا يُدعى إلاّ به، وله من الارث ما أوصانا اللّه سبحانه به في كتابه العزيز. كما يرث من الاُم وتشمله جميع العمومات الواردة في الآباء والأبناء والاُمّهات وكذا المعمومات الواردة في الاخوة والأخوات والأعمام والعمّات.
وبالجملة: المتمتّع بها زوجة حقيقة وولدها ولد حقيقة ولا فرق بين الزواجين: الدائم والمنقطع إلاّ انّه لا توارث هنا ما بين الزوجين ولا قسم ولا نفقه لها. كما انّ له العزل عنها وهذه الفوارق الجزئية فوارق في الاحكام لا في الماهية والماهية واحدة غير انّ أحدهما مؤقت والآخر دائم. وانّ الأوّل ينتهي بانتهاء الوقت والآخر ينتهي بالطلاق أو الفسخ.
وقد أجمع أهل القبلة على انّه سبحانه شرّع هذا النكاح في صدر الإسلام ولا يشك أحد في أصل مشروعيّته وانّما وقع الكلام في نسخه أو بقاء مشروعيته.
والأصل في مشروعيته قوله سبحانه: ﴿ ... وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا * وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ 3.
والآية ناظرة إلى نكاح المتعة وذلك لوجوه:
1- الحمل على النكاح الدائم يستلزم التكرار بلا وجه:
إنّ هذه السورة ـ سورة النساء ـ تكفّلت ببيان أكثر ما يرجع إلى النساء من الأحكام والحقوق، فذكرت جميع أقسام النكاح في أوائل السورة على نظام خاص، أمّا الدائم فقد أشار إليه سبحانه بقوله:﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً ... ﴾ 4.
وأمّا أحكام المهر فقد جاءت في الآية التالية: ﴿ وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا ﴾ 5.
وأمّا نكاح الاماء فقد جاء في قوله سبحانه: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ... ﴾ 6.
فقوله سبحانه: ﴿ ... فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ... ﴾ 6 إشارة إلى نكاح السيّد لأمته، الّذي جاء في قوله سبحانه أيضاً: ﴿ إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ﴾ 7.
وقوله سبحانه: ﴿ ... فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ... ﴾ 6 إشارة إلى الزواج من أمة الغير. فالى هنا تم بيان جميع أقسام النكاح فلم يبق إلاّ نكاح المتعة وهو الّذي جاء في الآية السابقة، وحمل قوله سبحانه:﴿ ... فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ ... ﴾ 8 على الزواج الدائم وحمل قوله: ﴿ ... فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ... ﴾ 8 على المهور والصدقات يوجب التكرار بلا وجه، وحمله على وجوب الصداق كله بالدخول، خلاف المتبادر على أنّه يجب الكل بالعقد والطلاق قبله منصِّف. فالناظر في السورة يرى انّ آياتها تكفّلت ببيان أقسام الزواج على نظام خاص ولا يتحقّق ذلك إلاّ بحمل الآية على نكاح المتعة كما هو ظاهرها أيضاً .
2- تعليق دفع الاُجرة على الاستمتاع:
إنّ تعليق دفع الاُجرة على الاستمتاع في قوله سبحانه: ﴿ ... فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ... ﴾ 8 يناسب نكاح المتعة الّذي هو زواج مؤقّت لا النكاح الدائم، فإنّ المهر هنا يجب بمجرّد العقد ولا يتنجّز وجوب دفع الكل إلاّ بالمس .
3- تصريح جماعة من الصحابة على شأن نزولها:
ذكرت اُمّة كبيرة من أهل الحديث نزولها فيها وينتهي نقل هؤلاء إلى أمثال ابن عباس وأبي بن كعب وعبداللّه بن مسعود وجابر بن عبداللّه الأنصاري وحبيب بن أبي ثابت وسعيد بن جبير إلى غير ذلك من رجال الحديث الذين لا يمكن اتهامهم بالوضع والجعل .
وقد ذكر نزولها من المفسّرين والمحدّثين: امام الحنابلة في مسنده 9 وأبو جعفر الطبري في تفسيره 10 وأبوبكر الجصّاص الحنفي في أحكام القرآن 11 وأبوبكر البيهقي في السنن الكبرى 12 ومحمود بن عمر الزمخشري في الكشاف 13 وأبوبكر بن سعدون القرطبي في تفسير جامع أحكام القرآن 14 وفخر الدين الرازي في مفاتيح الغيب 15، إلى غير ذلك من المحدّثين والمفسّرين الذين جاءوا بعد ذلك إلى عصرنا هذا ولا نطيل الكلام بذكرهم .
وليس لأحد أن يتّهم هؤلاء الأعلام بذكر ما لا يثقون به. فبملاحظة هذه القرائن لا يكاد يشكّ في ورودها في نكاح المتعة.
ونزيد بياناً بقوله سبحانه: ﴿ ... وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ... ﴾ 8.
إنّ قوله سبحانه: ﴿ ... أَنْ تَبْتَغُوا ... ﴾ 8 مفعول له لفعل مقدّر، أي بيّن لكم ما يحلّ ممّا يحرم لأجل أن تبتغوا بأموالكم، وأمّا مفعول قوله: ﴿ ... تَبْتَغُوا ... ﴾ 8 فيعلم من القرينة وهو النساء أي تطلبوا النساء، أي بيّن الحلال والحرام لغاية ابتغائكم النساء من طريق الحلال لا الحرام.
وقوله سبحانه: ﴿ ... مُحْصِنِينَ ... ﴾ 8 وهو من الاحصان بمعنى العفة وتحصين النفس من الوقوع في الحرام، وقوله سبحانه: ﴿ ... غَيْرَ مُسَافِحِينَ ... ﴾ 8 هو جمع مسافح بمعنى الزاني مأخوذ من السفح بمعنى صبّ السائل، والمراد هنا هو الزاني بشهادة قوله سبحانه في الآية المتأخّرة في نكاح الإماء ﴿ ... وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ ... ﴾ 6 أي عفائف غير زانيات.
ومعنى الآية: انّ اللّه تبارك وتعالى شرّع لكم نكاح ماوراء المحرّمات لأجل أن تبتغوا بأموالكم ما يحصنكم ويصون عفّتكم ويصدّكم عن الزنا. وهذا المناط موجود في جميع الأقسام: النكاح الدائم، والمؤقت والزواج بأمة الغير، المذكورة في هذه السورة من أوّلها إلى الاّية 25 .
هذا هو الّذي يفهمه كلّ إنسان من ظواهر الآيات غير انّ من لا يروقه الأخذ بظاهر الآية ﴿ ... فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ... ﴾ 8 لرواسب نفسية أو بيئية حاول أن يطبّق معنى الآية على العقد الدائم وذكر في المورد شبهات نشير إليها.
الشبهة الأولى
إنّ الهدف في تشريع النكاح هو تكوين الاُسرة وإيجاد النسل وهو يختصّ بالنكاح الدائم دون المنقطع الّذي لا يترتّب عليه إلاّ إرضاء القوّة الشهوية وصبّ الماء وسفحه .
يجاب عنها بأنّه خلط بين الموضوع والفائدة المترتّبة عليه. وما ذكر انّما هو من قبيل الحكمة، وليس الحكم دائراً مدارها، ضرورة أنّ النكاح صحيح وإن لم يكن هناك ذلك الغرض. كزواج العقيم واليائسة والصغيرة. بل أغلب المتزوّجين في سن الشباب بالزواج الدائم لا يقصدون إلاّ قضاء الوطر واستيفاء الشهوة من طريقها المشروع، ولا يخطر ببالهم طلب النسل أصلا وإن حصل لهم قهراً، ولا يقدح ذلك في صحّة زواجهم.
ومن العجب حصر فائدة المتعة في قضاء الوطر مع أنّها كالدائم قد يقصد منها النسل والخدمة وتدبير المنزل وتربية الأولاد والارضاع والحضانة.
ونسأل المانعين الذين يتلقّون نكاح المتعة، مخالفاً للحكمة الّتي من أجلها شرّع النكاح، نسألهم عن الزوجين الذين يتزوّجان نكاح دوام، ولكن ينويان الفراق بالطلاق بعد شهرين فهل هذا نكاح صحيح أو لا؟ لا أظن أنّ فقيهاً من فقهاء الإسلام يمنع ذلك، وإلاّ فقد أفتى بغير دليل ولا برهان فيتعيّن الأوّل. فأي فرق يكون حينئذ بين المتعة وهذا النكاح الدائم سوى انّ المدّة مذكورة في الأول دون الثاني؟
يقول صاحب المنار: إنّ تشديد علماء السلف والخلف في منع المتعة يقتضي منع النكاح بنيّة الطلاق، وإن كان الفقهاء يقولون انّ عقد النكاح يكون صحيحاً إذا نوى الزوج التوقيت، ولم يشترطه في صيغة العقد، ولكن كتمانه إيّاه يعدّ خداعاً وغشّاً وهو أجدر بالبطلان من العقد الّذي يشترط فيه التوقيت 16.
أقول: نحن نفترض انّ الزوجين رضيا بالتوقيت لبّاً، حتّى لا يكون هناك خداع وغشّ، فهو صحيح بلا اشكال.
الشبهة الثانية
إنّ تسويغ النكاح المؤقت ينافي ما تقرّر في القرآن كقوله عزّوجلّ في صفة المؤمنين: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ﴾ 17.
والمراد من الآية أن من ابتغى وراء ذلك، هم المتجاوزون ما أحلّه اللّه لهم إلى ما حرّمه عليهم، والمرأة المتمتّع بها ليست زوجة فيكون لها على الرجل مثل الذي عليها بالمعروف .
يلاحظ عليه: انّها دعوى بلا دليل، فانّها زوجة ولها أحكام وعدم وجود النفقة وعدم وجود القسم، لا يخرجانها عن الزوجيّة فإنّ الناشزة زوجة ليست لها النفقة وحقّ القسم. ومثلها الصغيرة. والعجب أن يستدل بعدم وجود الأحكام على نفي الماهية، فإنّ الزوجيّة رابطة بين الزوجين يترتّب عليها أحكام وربّما تختص بعض الأحكام ببعض الأقسام .
الشبهة الثالثة
إنّ المتمتّع في النكاح المؤقت لا يقصد الاحصان دون المسافحة، بل يكون قصده مسافحة، فإن كان هناك نوع ما من احصان نفسه ومنعها من التنقّل في دِمَنِ الزنا، فإنّه لا يكون فيه شيء ما من احصان المرأة الّتي تؤجر نفسها كل طائفة من الزمن لرجل فتكون كما قيل:
كرة حُذِفْت بصوالجة * فتلقّفها رجل رجل 18
يلاحظ عليه: انّه من أين وقف على انّ الاحصان في النكاح المؤقّت، يختص بالرجل دون المرأة، فإنّا إذا افترضنا كون العقد شرعياً، فكل واحد من الطرفين يُحْصن نفسه من هذا الطريق، وإلاّ فلا محيص عن التنقل في دمن الزنا. والّذي يصون الفتاة عن البغي أحد الاُمور الثلاثة:
- النكاح الدائم.
- النكاح المؤقّت بالشروط الماضية.
- كبت الشهوة الجنسية.
فالأوّل ربّما يكون غير ميسور خصوصاً للطالب والطالبة الذين يعيشان بمنح ورواتب مختصرة يجريها عليهما الوالدان أو الحكومة، وكبت الشهوة الجنسية أمر شاق لا يتحمّله إلاّ الأمثل فالأمثل من الشباب والمثلى من النساء، وهم قليلون، فلم يبق إلاّ الطريق الثاني، فيحصنان نفسهما عن التنقل في بيوت الدعارة .
إنّ الدين الإسلامي هو الدين الخاتم، ونبيّه خاتم الأنبياء، وكتابه خاتم الكتب، وشريعته خاتمة الشرائع فلابد أن يضع لكل مشكلة اجتماعية، حلولا شرعية، يصون بها كرامة المؤمن والمؤمنة، وعندئذ يطرح هذا السؤال نفسه :
ماذا يفعل هؤلاء الطلبة والطالبات الذين لا يستطيعون القيام بالنكاح الدائم، وتمنع كرامتهم ودينهم عن التنقل في بيوت الدعارة والفساد، والحياة المادية بجمالها تؤجّج نار الشهوة في نفوسهم، فمن المستحيل عادة أن يصون نفسه أحد إلاّ من عصمه اللّه، فلم يبق طريق إلاّ ما ذكره الإمام علي بن أبي طالب، حيث قال: «لولا نهي عمر عن المتعة لما زنى إلاّ شقي أو شقية» .
وأمّا تشبيه المتعة بما جاء في الشعر فهو يعرب عن جهل الرجل بحقيقة نكاح المتعة وحدودها، فإنّ ما جاء فيه هي المتعة الدورية الّتي ينسبها الرجل 19 وغيره إلى الشيعة، وهم براء من هذا الإفك إذ يجب على المتمتّع بها بعد انتهاء المدّة، الاعتداد على ما ذكرنا، فكيف يمكن أن تؤجر نفسها كل طائفة من الزمن لرجل؟! سبحان اللّه ما أجرأهم على الكذب على الشيعة والفرية عليهم، وما مضمون الشعر إلاّ جسارة على الوحي والتشريع الإلهي، وقد اتّفقت كلمة المحدّثين والمفسّرين على التشريع، وانّه لو كان هناك نهي أو نسخ فانّما هو بعد التشريع والعمل.
الشبهة الرابعة
إنّ الآية منسوخة بالسنّة، واختلفوا في زمن نسخه إلى أقوال شتّى:
- اُبيحت ثم نهي عنها عام خيبر .
- ما اُحلّت إلاّ في عمرة القضاء .
- كانت مباحة ونهي عنها في عام الفتح .
- اُبيحت عام أوطاس ثم نهي عنها20.
وهذه الأقوال تنفي الثقة بوقوع النسخ، على انّ نسخ القرآن بأخبار الاحاد ممنوع جدّاً، وقد صحّ عن عمران بن الحصين انّه قال: «انّ اللّه أنزل المتعة وما نسخها بآية اُخرى وأمرنا رسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ بالمتعة وما نهانا عنها، ثم قال رجل برأيه»، يريد به عمر بن الخطاب .
إنّ الخليفة الثاني لم يدّع النسخ وانّما أسند التحريف إلى نفسه، ولو كان هناك ناسخ من اللّه عزّوجلّ أو من رسوله، لأسند التحريم إليهما، وقد استفاض قول عمر وهو على المنبر:
متعتان كانتا على عهد رسول اللّه وأنا أنهى عنهما واُعاقب عليهما: متعة الحج ومتعة النساء، بل نقل متكلّم الأشاعرة في شرحه على شرح التجريد انّه قال: أيّها الناس ثلاث كنّ على عهد رسول الله، وأنا أنهى عنهنّ، واُحرّمهنّ، واُعاقب عليهنّ: متعة النساء ومتعة الحج وحىّ على خير العمل 21.
وقد تقدم في الفصل الرابع بعض الكلام في ذلك أن ابن عباس قال لبعض المناظرين الذين كانوا يحتجون بنهي أبي بكر وعمر: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء. أقول: قال رسول اللّه، وتقولون: قال أبوبكر وعمر، حتّى أنّ ابن عمر لمّا سئل عنها، أفتى بالاباحة، فعارضوه بقول أبيه، فقال لهم: أمر رسول اللّه أحقّ أن يتّبع أم أمر عمر؟
كلّ ذلك يعرب عن أنه لم يكن هناك نسخ ولا نهي نبوي وإنّما كان تحريماً من جانب الخليفة. لبعض المصالح المزعومة الّتي عبّر عنها في غير واحد من كلماته في المقام وفي متعة الحجّ، وقال:... ورؤوسنا تقطر ماءً 22.
المنكرون للتحريم
إنّ هناك لفيفاً من الصحابة والتابعين أنكروا التحريم بحماس:
- علي أميرالمؤمنين، في ما أخرجه الطبري بالاسناد إليه انّه قال: لولا أنّ عمر نهى عن المتعة مازنى إلاّ شقىّ23.
- عبداللّه بن عمر، أخرج الامام أحمد من حديث عبداللّه بن عمر، قال: قد سئل عن متعة النساء واللّه ما كنّا على عهد رسول اللّه زانين ولا مسافحين، ثم قال: واللّه لقد سمعت رسول اللّه يقول: ليكوننّ قبل يوم القيامة المسيح الدجّال وكذّابون ثلاثون وأكثر24.
- عبداللّه بن مسعود، روى البخاري عن عبداللّه بن مسعود، قال: كنّا نغزو مع رسول اللّه وليس لنا شيء، فقلنا: ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك، ثمّ رخّص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل معيّن، ثمّ قرأ علينا:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ 2526.
- عمران بن حصين، أخرج البخاري في صحيحه عنه، قال: نزلت آية المتعة في كتاب اللّه ففعلناها مع رسول اللّه، ولم ينزل قرآن يحرّمها ولم ينه عنها حتّى مات. قال رجل برأيه ما شاء27. أخرج أحمد في مسنده عن أبي رجاءعن عمران بن حصين، قال: نزلت آية المتعة في كتاب اللّه وعملنا بها مع رسول اللّه، فلم تنزل آية تمنعها، ولم ينه عنها النبىّ حتّى مات28.
- وقد عمد المأمون الخليفة العباسي، أن يعلن بتحليل المتعة، ولكنّه خوفاً من الفتنة توقّف عن الاعلان قال ابن خلّكان، نقلا عن محمّد بن منصور: قال: كنا مع المأمون في طريق الشام فأمر فنودي بتحليل المتعة، فقال يحيى بن أكثم لي ولأبي العيناء: بكّرا غداً إليه فإن رأيتما للقول وجهاً فقولا، وإلاّ فاسكتا إلى أن أدخل، قال: فدخلنا عليه وهو يستاك ويقول وهو مغتاظ: متعتان كانتا على عهد رسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وعلى عهد أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ وأنا أنهى عنهما، ومن أنت يا جعل حتّى تنهى عمّا فعله رسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وأبوبكر ـ رضي الله عنه ـ ؟! فأوما أبو العيناء إلى محمّد بن منصور وقال: رجل يقول من عمر بن الخطاب نكلّمه نحن؟ فأمسكنا، فجاء يحيى بن أكثم فجلس وجلسنا، فقال المأمون ليحيى: مالي أراك متغيّراً؟ فقال: هو غم يا أميرالمؤمنين لما حديث في الإسلام قال: وما حدث فيه؟ قال: النداء بتحليل الزنا، قال: الزنا؟ قال: نعم، المتعة زنا، قال: ومن أين قلت هذا؟ قال: من كتاب اللّه عزّوجلّ، وحديث رسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ قال اللّه تعالى: ﴿ ... قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ 29إلى قوله:﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ﴾ 17.
يا أميرالمؤمنين زوجة المتعة ملك يمين؟ قال: لا، قال: فهي، الزوجة الّتي عند اللّه ترث وتورث وتلحق الولد ولها شرائطها؟ قال: لا، قال: فقد صار متجاوز هذين من العادين 30.
عزب عن ابن أكثم ـ وهو كان ممّن يكنّ العداء لآل البيت ـ . أنّ المتعة داخلة في قوله سبحانه﴿ إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ ... ﴾ 7وأمّا عدم الوراثة، فهو تخصيص في الحكم، وهو لا ينافي ثبوتها، وكم لها من نظير، فالكافرة لا ترث الزوج المسلم، وبالعكس، كما أنّ القاتلة لا ترث وهكذا العكس، وأمّا الولد، فيلحق قطعاً ونفي اللحوق ناش إمّا من الجهل بحكمها أو التجاهل به .
وما أقبح كلامه حيث فسّر المتعة بالزنا وقد أصفقت الاُمّة على تحليلها عصر الرسول والخليفة الأوّل، افحسب ابن أكثم انّ الرسول حلّل الزنا ولو مدَّة قصيرة.
كبرت كلمة تخرج من أفواهم
وهناك روايات مأثورة عن الخليفة نفسه، تعرب عن أنّ التحريم كان صميم رأيه، من دون استناد إلى آية أو رواية .
روى مسلم في صحيحه: عن ابن أبي نضرة قال: كان ابن عباس يامر بالمتعة وكان ابن الزبير ينهى عنها فذكر ذلك لجابر، فقال: على يدي دار الحديث: تمتّعنا مع رسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ فلمّا قام عمر قال: إنّ اللّه كان يحلّ لرسوله ما شاء بما شاء فأتمّوا الحجّ والعمرة وابتّوا نكاح هذه النساء فلئِن اُوتي برجل نكح امرأة إلى أجل إلاّ رجمته بالحجارة31.
وروى الامام أحمد في مسنده عن ابي نضرة: قلت لجابر: إنّ ابن الزبير ينهى عن المتعة وانّ ابن عباس يأمر بها، فقال لي: على يدي جرى الحديث: تمتّعنا مع رسول اللّه ومع أبي بكر فلمّا ولّى عمر خطب الناس فقال: إنّ القرآن هو القرآن، وإنّ رسول اللّه هو الرسول، وإنّهما كانتا متعتان على عهد رسول اللّه إحداهما متعة الحج والاُخرى متعة النساء32.
وهذه المأثورات تعرب أولا: عن أنّ المتعة كانت باقية على الحل إلى عهد الخليفة ولم تكن محرّمة إلى زمان تولي عمر الأمر فنهى ومنع.
وثانياً: انّه باجتهاده قام بتحريم ما أحلّه الكتاب والسنّة، ومن المعلوم انّ اجتهاده ـ لو صحّت تسميته بالإجتهاد ـ حجّة على نفسه لا على غيره.
وفي الختام نقول:
إنّ الجهل بفقه الشيعة أدّى بكثير من الكتّاب إلى القول أنّ من أحكام المتعة عند الشيعة انّه لا نصيب للولد من ميراث أبيه، وانّ المتمتَّع بها لا عدّة لها، وانّها تستطيع أن تنتقل من رجل إلى رجل إن شاءت. ومن أجل هذا استقبحوا المتعة واستنكروها وشنعوا على من أباحها.
وقد خفي الواقع على هؤلاء، وانّ المتعة عند الشيعة كالزواج الدائم لا تتم إلاّ بالعقد الدال على قصد الزواج صراحة، وانّ المتمتَّع بها يجب أن تكون خالية من جميع الموانع، وانّ ولدها كالولد من الدائمة من وجوب التوراث، والانفاق وسائر الحقوق المادية وانّ عليها أن تعتد بعد إنتهاء الأجل مع الدخول بها، وإذا مات زوجها وهي في عصمته اعتدّت كالدائمة من غير تفاوت، إلى غير ذلك من الآثار 33 34.
- 1. لاحظ المورد الثالث من الموارد الّتي اجتهدوا فيها مقابل النص في الفصل الرابع من الجزء 6 من کتاب بحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني.
- 2. لاحظ الكتب الفقهية للشيعة الامامية في ذلك المجال.
- 3. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 23 و 24، الصفحة: 81.
- 4. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 3، الصفحة: 77.
- 5. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 4، الصفحة: 77.
- 6. a. b. c. d. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 25، الصفحة: 82.
- 7. a. b. القران الكريم: سورة المؤمنون (23)، الآية: 6، الصفحة: 342.
- 8. a. b. c. d. e. f. g. h. i. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 24، الصفحة: 82.
- 9. مسند أحمد 4 / 436.
- 10. تفسير الطبري 5 / 9.
- 11. أحكام القرآن 2 / 178.
- 12. السنن الكبرى 7 / 205.
- 13. الكشاف 1 / 360.
- 14. جامع أحكام القرآن 5 / 13.
- 15. مفاتيح الغيب 3 / 267.
- 16. المنار 5 / 17.
- 17. a. b. القران الكريم: سورة المؤمنون (23)، الآيات: 5 - 7، الصفحة: 342.
- 18. المنار 5 / 13.
- 19. لاحظ كتابه: السنّة والشيعة 65 ـ 66.
- 20. لاحظ للوقوف على مصادر هذه الأقوال: مسائل فقهية 63 ـ 64، الغدير 6 / 225، أصل الشيعة واُصولها 171، والأقوال في النسخ أكثر مما جاء في المتن.
- 21. مفاتيح الغيب 10 / 52 ـ 53، شرح التجريد للقوشجي 484 طبع ايران.
- 22. المفيد: الارشاد 93 طبع النجف.
- 23. الطبري التفسير 5 / 9.
- 24. مسند أحمد 2 / 95.
- 25. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 87، الصفحة: 122.
- 26. صحيح البخاري، كتاب النكاح 7 / 4، الباب 8، الحديث 3.
- 27. صحيح البخاري 6 / 27، كتاب التفسير، تفسير سورة البقرة قول (فمن تمتّع بالعمرة إلى الحجّ).
- 28. مسند أحمد. لاحظ مسائل فقهية للسيد شرف الدين 70.
- 29. القران الكريم: سورة المؤمنون (23)، من بداية السورة إلى الآية 1، الصفحة: 342.
- 30. ابن خلكان: وفيات الأعيان 6 / 149 ـ 150.
- 31. مسلم: الصحيح 4 / 130 باب نكاح المتعة الحديث 8، طبع محمد علي صبيح.
- 32. أحمد: المسند 1 / 52.
- 33. الاثنا عشرية وأهل البيت تأليف مغنية 46.
- 34. من كتاب بحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني.