مجموع الأصوات: 22
نشر قبل سنة واحدة
القراءات: 1761

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

سعة معنى النفاق

النفاق في مفهومه الخاص- كما ذكرنا- صفة أولئك الذين يظهرون الإسلام، و يبطنون الكفر. لكن النفاق له معنى عام واسع يشمل كل ازدواجية بين الظاهر و الباطن، و كل افتراق بين القول و العمل. من هنا قد يوجد في قلب المؤمن بعض ما نسميه «خيوط النفاق».
ففي الحديث النّبوي: «ثلاث من كنّ فيه كان منافقا و إن صام و صلّى و زعم أنّه مسلم: من إذا ائتمن خان، و إذا حدّث كذب، و إذا وعد أخلف»1.
الحديث لا يدور هنا طبعا عن المنافق بالمعنى الخاص، بل عن الذي في قلبه خيوط من النفاق، تظهر على سلوكه بأشكال مختلفة، و خاصة بشكل رياء، كما جاء في الحديث عن الإمام الصادق عليه السّلام: «الرّياء شجرة لا تثمر إلّا الشّرك الخفيّ، و أصلها النّفاق»2.
و في نهج البلاغة نصّ رائع في وصف المنافقين عن أمير المؤمنين علي عليه السّلام يقول فيه:3«أوصيكم عباد اللّه بتقوى اللّه، و أحذّركم أهل النّفاق، فإنّهم الضّالّون المضلّون، و الزّالّون المزلّون‌4، يتلوّنون ألوانا، و يفتنّون افتنانا5، و يعمدونكم بكلّ عماد، و يرصدونكم‌
و العماد: ما يقام عليه البناء. أي إذا ملتم عن أهوائهم أقاموكم عليها بأعمدة من الخديعة حتى توافقوهم.
و المرصاد محل الارتقاب. و يرصدونكم: يقعدون لكم بكل طريق ليحوّلوكم عن الاستقامة.
بكلّ مرصاد، قلوبهم دويّة6و صفاحهم نقيّة. يمشون الخفاء7، و يدبّون الضراء وصفهم دواء، و قولهم شفاء، و فعلهم الدّاء العياء8، حسدة الرّخاء9، و مؤكّدو البلاء، و مقنطو الرّجاء، لهم بكلّ طريق صريع‌10و إلى كلّ قلب شفيع، و إلى كلّ شجو دموع‌11يتقارضون الثّناء12و يتراقبون الجزاء: إن سألوا الحفوا13، و إن عذلوا كشفوا ...»14.

  • 1. سفينة البحار، ج 2، ص 605.
  • 2. سفينة البحار، ج 1، مادة (رئي).
  • 3. ننقل نص الخطبة مع هوامشها كما جاءت في نهج البلاغة، شرح محمّد عبده، ص 381 (م).
  • 4. الزالون من زلّ أخطأ. و المزلون من أزله إذا أوقعه في الخطأ.
  • 5. يفتنون أي يأخذون في فنون من القول لا يذهبون مذهبا واحدا. و يعمدونكم أي يقيمونكم بكل عماد.
  • 6. دويّة أي مريضة من الدّوى بالقصر و هو المرض. و الصفاح- جمع صفحة: و المراد منها صفاح وجوههم، و نقاوتها: صفاؤها من علامات العداوة و قلوبهم ملتهبة بنارها.
  • 7. يمشون مشي التستّر. و يدبون: أي يمشون على هيئة دبيب الضراء، أي يسرون سريان المرض في الجسم أو سريان النقص في الأموال و الأنفس و الثمرات.
  • 8. الداء العياء- بالفتح: الّذي أعيى الأطباء و لا يمكن منه الشفاء.
  • 9. حسدة: جمع حاسد، أي يحسدون على السعة، و إذا نزل بلاء بأحد أكدوه و زادوه. و إذا رجى أحد شيئا أوقعوه في القنوط و اليأس.
  • 10. الصريع: المطروح على الأرض، أي إنّهم كثيرا ما خدعوا أشخاصا حتى أوقعوهم في الهلكة.
  • 11. الشجو: الحزن، أي يبكون تصنّعا متى أرادوا.
  • 12. يتقارضون: كل واحد منهم يثني على الآخر ليثني الآخر عليه، كأنّ كلا منهم يسلف الآخر دينا ليؤديه إليه، و كل يعمل للآخر عملا يرتقب جزاءه عليه.
  • 13. ألحفوا: بالغوا في السؤال و ألحوا. و إن عذلوا أي لاموا، كشفوا أي فضحوا من يلومونه.
  • 14. المصدر: كتاب الامثل في تفسير كتاب الله المنزل‌، لسماحة آية الله الشيخ مكارم الشيرازي دامت بركاته.