مجموع الأصوات: 18
نشر قبل سنتان
القراءات: 21336

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

عقوبة السرقة في الاسلام

إن فعل السرقة محرم ومدان عند جميع الملل والأديان السماوية والقوانين الوضعية، ولا نجد أي شريعة تقره وتعترف به، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على قبح هذا الفعل ومنافاته للحقوق الأساسية للإنسان المسروق الذي من المفترض أن يعيش إنسانيته بكل ما تعنيه من مبادئ ومثل وقيم على الوجه الصحيح بحيث يأمن على نفسه وماله وممتلكاته وشؤونه من دون أن يعتدي أحد عليها بالسرقة أو بغيرها من الجرائم القبيحة عند الإنسانية جمعاء.

ولذا فإن السرقة محرمة بالأدلة الأربعة وهي القرآن والسنة والإجماع والعقل، فمن القرآن قوله تعالى﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ 1 ومن السنة ورد عن النبي الأكرم (ص) (لا قطع إلا في ربع دينار) وعن الإمام الرضا (ع) قوله (لا يزال البعد يسرق حتى إذا استوفى دية يده أظهره الله عليه) ؛ وكذلك ما ورد في حديث آخر (حرم الله السرقة لما فيه من فساد الأموال وقتل النفس لو كانت مباحة ولما يأتي في التغاصب من القتل والتنازع والتحاسد، وما يدعو إلى ترك التجارات والصناعات في المكاسب، واقتناء الأموال إذا كان الشيء المقتنى لا يكون أحد أحق به من أحد...)، والإجماع قائم على حرمة السرقة وليس عند المسلمين فقط بل عند عموم البشر، لأن الفعل هذا تنفر منه النفس وتشمئز منه النفس، ويكون السارق مذموماً عند الناس ومكروهاً عندهم لأنه قام بفعل ينافي الأخلاق والفضيلة وقيم الإنسانية، وتنظر إليه نظرة فيها دونية واحتقار وعدم احترام، وأما العقل فإنه يحكم بأن السرقة فعل قبيح ومذموم ومخالف للفطرة الإنسانية، وكل فعل قبيح يرفضه العقل ويأباه وينظر إلى أن فاعله خارج عن حدود العقلانية والتعقل.

أما الإسلام فهو يريد للمسلمين والناس أجمعين أن يكسبوا أموالهم من طرق الحلال ومن أبواب الأعمال المباحة التي يكون الكسب منها مشروعاً ومحترماً ولذا ورد في الحديث (العبادة سبعون جزءًا أفضلها طلب الحلال)، لأن الإنسان عندما يعمل ويكسب المال يشعر بقيمة العمل الذي قام به حيث يقدم من خلاله خدمة إلى المجتمع ويأخذ في المقابل أجراً على عمله من تعبه وكده وشقائه من دون اللجوء إلى الأساليب والوسائل المحرمة للحصول على المال.

ومن هنا فإن السرقة هي فعل عدواني بحق الأفراد وبحق المجتمع أيضاً، فلنتصور مثلاً مجتمعاً تنتعش فيه السرقة ومن دون وجود أساليب وضوابط رادعة فحياة مثل هذا المجتمع ستكون جحيماً لا يطاق حيث لا يأمن أي إنسان فيه على ماله ونفسه وحياته وكل ما يرتبط به، ومثل هذا المجتمع سوف يفقد الأمان الاجتماعي والاستقرار والهدوء وسيلجأ كل إنسان إلى استعمال أساليب الحماية التي تقيه من السرقة مع ما يحتاج ذلك إلى بذل جهد وصرف أموال وأوقات كان يمكن أن يشغلها في مجالات أخرى لو كان وضع المجتمع آمناً ومطمئناً.

أما السارق فإنه يلجأ إلى السرقة لدوافع عديدة منها أنه يريد أن يجمع ثروة من دون أن يعمل ويتعب للحصول عليها ويعتبر أنها أقصر الطرق للوصول إلى ما يريد من جمع المال ولو من طرق الحرام والظلم، بعد هذا نقول إن السرقة تنقسم من حيث العقوبة في الإسلام إلى قسمين:

الأول: ما يوجب قطع الأصابع الاربعة من يد السارق اليمنى وترك باطن الكف والإبهام ليبقى قادراً على السجود على المساجد السبعة في الصلاة، وإذا سرق ثانية تقطع قدمه اليسرى بحيث يبقى عقب الرجل ليستطيع الوقوف عليه أثناء الصلاة، فإذا سرق في المرة الثالثة يسجن حتى الموت، فإذا سرق وهو في السجن فهنا يكون حكمه هو القتل.

لكن هذا القطع للسارق يحتاج إلى شروط تحقق السرقة وإلى طرق الإثبات الشرعية. أما الشروط فهي البلوغ والعقل والاختيار وعدم الاضطرار وأن يسرق المال من المكان الذي يوضع فيه عادة ويُحفظ وأن تكون السرقة قد حصلت في السر وليس في العلن، وأما طرق إثبات السرقة فتكون عن طريق الإقرار مرتين من السارق بما فعل لأن كل إقرار بمنزلة الشاهد، أو عبر البينة الشرعية وهي عبارة عن الشاهدين العدلين اللذين يؤديان الواجبات ويتركان المحرمات ولا بد من التطابق في شهادتهما معاً.

الثاني: السرقة التي لا توجب القطع ولكنها محرمة أيضاً وموجبة للعقاب من جهة، وللضمان من جهة أخرى، وهذا النوع من السرقة له مصاديق كثيرة جداً موجودة في المجتمعات ونذكر أمثلة منها:

  1. اختلاس الأموال من الأفراد أو الشركات أو الشركاء  مع إخفاء ذلك عن أصحاب الشأن.

  2. تزوير الفواتير فإذا اشترى شيئاً بثمن قليل لكنه أحضر فاتورة بأنه اشتراه بسعر أغلى فهذا الفعل حرام وهو ضامن للزائد على الثمن الذي اشتراه به.

  3. سرقة الناس في الشوارع كما في حالات السلب للمال من جيوب الناس أو عن طريق النشل أو عبر سيارات يصعد فيها الإنسان على أن توصله إلى مكان معين فيشهرون عليه السلاح أو ما شابهه من عوامل التخويف لسرقة ماله وهذا ما تشهده الكثير من البلدان في كل أنحاء العالم تقريباً.

  4. سرقة السيارات ومطالبة السارقين من أصحابها دفع قسم من ثمنها لردها إليه، فأخذ المال هنا حرام وباطل شرعاً، وهذا ما نراه يحصل في العديد من الحالات.

  5. خطف أشخاص ثم المطالبة بفدية من المال لتركه أو التهديد بقتله إذا لم يدفع أهله أو المرتبطون به المال الذي طلبه الخاطفون.

ففي كل هذه السرقات وأمثالها المحرمة شرعاً لا يوجد حكم بقطع يد السارق لعدم تحقق الشروط الشرعية، إلا أن كل هذه الأفعال هي من نوع السرقة المذمومة والمكروهة والتي ترفضها الناس ويأباها العقلاء وترفضها فطرة الإنسان السليمة.

وهذه السرقات عقابها في الإسلام هو السجن مع إلزام السارقين بكل أصنافهم على رد المسروقات إلى أصحابها حتى ولو كانوا قد تصرفوا بالمال فهو مضمون عليهم، والسجن يحدده الحاكم الشرعي في النظام الإسلامي وفق الذنب المقترف من حيث الخطر أو الفساد أو انتشار الفوضى في المجتمع الإسلامي، وقد يصل حكم هذه السرقات إلى القتل في بعض الأحيان إذا أثبت على السارق أنه من البغاة المحاربين لله ورسوله كما في قوله تعالى﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ... 2.

وبالجملة فالسرقة فعل ذميم وقبيح ولا يقره شرع ولا عقل ولا دين وهو مذموم عند كل البشر لأنه مناف للعفة والفضيلة والوسائل الشريفة لتحصيل المال من أجل أن يعيش الإنسان حياة حرة كريمة ينعم فيها بالأمن والأمان والرخاء والإستقرار وهذا من الحقوق الأساسية للإنسان وللمجتمعات ويجب على جميع البشر أن يحاربوا السرقة كل من خلال دينه ومذهبه أو القانون الذي يطبقه في حياته لقطع دابر الفساد الناتج عن هذا الفعل المحرم.

والحمد لله رب العالمين3.