حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
عقيدتنا في الجور والظلم
من أكبر ما كان يعظِّمه الاَئمة (عليهم السلام) على الانسان من الذنوب العدوان على الغير والظلم للناس، وذلك اتّباعاً لما جاء في القرآن الكريم من تهويل الظلم واستنكاره، مثل قوله تعالى:﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴾ 1.
وقد جاء في كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) ما يبلغ الغاية في بشاعة الظلم والتنفير منه، كقوله ـ وهو الصادق المصدَّق ـ من كلامه في نهج البلاغة برقم 219.
«واللهِ لَو أُعطِيتُ الاَقالِيمَ السَّبعةَ بما تَحتَ أَفلاكِها على أنْ أَعصِي اللهَ في نَمْلَةٍ أَسْلُبُهَا جِلْبَ شَعِيرةٍ ما فَعَلْتُ»2.
وهذا غاية ما يمكن أن يتصوَّره الانسان في التعفُّف عن الظلم، والحذر من الجور، واستنكار عمله.
إنّه لا يظلم نملة في قشرة شعيرة وإن أُعطي الاَقاليم السبعة، فكيف حال من يلغ في دماء المسلمين، وينهب أموال الناس، ويستهين في أعراضهم وكراماتهم؟! كيف يكون قياسه إلى فعل أمير المؤمنين؟! وكيف تكون منزلته من فقهه صلوات الله عليه؟
إنّ هذا هو الاَدب الاِليهي الرفيع الذي يتطلَّبه الدين من البشر.
نعم، إنّ الظلم من أعظم ما حرَّم الله تعالى، فلذا أخذ من أحاديث آل البيت وأدعيتهم المقام الاَوّل في ذمّه وتنفير أتباعهم عنه.
وهذه سياستهم (عليهم السلام)، وعليها سلوكهم حتّى مع من يعتدي عليهم، ويجترئ على مقامهم.
وقصّة الامام الحسن (عليه السلام) معروفة في حلمه عن الشامي الذي اجترأ عليه وشتمه، فلاطفه الامام وعطف عليه، حتّى أشعره بسوء فعلته 3.
وقد قرأت آنفاً في دعاء سيد الساجدين من الاَدب الرفيع في العفو عن المعتدين، وطلب المغفرة لهم، وهو غاية ما يبلغه السموَّ النفسي، والانسانية الكاملة، وإن كان الاعتداء على الظالم بمثل ما اعتدى جائزاً في الشريعة 4 وكذا الدعاء عليه جائز مباح، ولكن الجواز شيء، والعفو ـ الذي هو من مكارم الاَخلاق ـ شيء آخر، بل عند الاَئمّة أنّ المبالغة في الدعاء على الظالم قد تعدّ ظلماً، قال الصادق (عليه السلام): «إنّ العبد ليكون مظلوماً فما يزال يدعو حتى يكون ظالماً»5 أي حتّى يكون ظالماً في دعائه على الظالم بسبب كثرة تكراره.
يا سبحان الله! أيكون الدعاء على الظالم إذا تجاوز الحد ظلماً؟ إذن ما حال من يبتدئ بالظلم والجور، ويعتدي على الناس، أو ينهش أعراضهم، أو ينهب أموالهم، أو يشي عليهم عند الظالمين، أو يخدعهم فيورّطهم في المهلكات، أو ينبزهم ويؤذيهم، أو يتجسّس عليهم؟ ما حال أمثال هؤلاء في فقه آل البيت (عليهم السلام).
إنّ أمثال هؤلاء أبعد الناس عن الله تعالى، وأشدّهم إثماً وعقاباً، وأقبحهم أعمالاً وأخلاقاً 6.
- 1. القران الكريم: سورة ابراهيم (14)، الآية: 42، الصفحة: 260.
- 2. نهج البلاغة: (من كلام له (عليه السلام) يتبرأ من الظلم).
- 3. راجع مناقب ابن شهر آشوب: 4/ 19 فقد ذكر هذه القصة عن المبرّد وابن عائشة، قال: إنّ شامياً رآه راكباً فجعل يلعنه والحسن لا يرد، فلمّا فرغ أقبل الحسن عليه فسلم عليه وضحك وقال: «أيها الشيخ أظنك غريباً، ولعلك شبهت، فلو استعتبتنا أعتبناك، ولو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا حملناك، وإن كنت جائعاً أشبعناك، وإن كنت عرياناً كسوناك وإن كنت محتاجاً أغنيناك، وإن كنت طريداً آويناك، وإن كان لك حاجة قضيناها لك، فلو حرّكت رحلك إلينا وكنت ضيفنا إلى وقت ارتحالك كان أعود عليك؛ لاَن لنا موضعاً رحباً وجاهاً عريضاً ومالاً كثيراً». فلما سمع الرجل كلامه بكى، ثم قال: اشهد أنّك خليفة الله في أرضه، الله أعلم حيث يجعل رسالاته، وكنت أنت وأبوك أبغض خلق الله إلي، والآن أنت أحب خلق الله إلي. وحوّل رحله إليه وكان ضيفه إلى أن ارتحل، وصار معتقداً لمحبتهم.
- 4. فقد قال تعالى:﴿ ... فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾ البقرة 2: 194.
- 5. الكافي: 2/ 250 ح17، عقاب الاَعمال: 274.
- 6. المصدر: كتاب عقائد الإمامية، للشيخ محمد رضا المظفر رحمه الله.