مجموع الأصوات: 47
نشر قبل 6 سنوات
القراءات: 8897

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

في معنى التعصب

التعصب هو نمط من السلوك يتصف بالتحيز الظاهر، والميل الشديد الذي يتداخل فيه ويتمازج العامل النفسي مع العامل الذهني، ويتمحور حول شيء ما، إما تجاه فكرة أو مبدأ أو معتقد، وإما تجاه شخص أو عشيرة أو جماعة، وبشكل يكون ظاهراً ومنكشفاً عند الآخرين.

والتعصب له صورتان، صورة مع، وصورة ضد، فتارة يكون التعصب مع شيء ما، وتارة يكون ضد شيء ما، وهذا الشيء إما أن يكون فكرة أو شخصاً، مبدأ أو جماعة، معتقداً أو عشيرة.
ودائماً ما يكون التعصب ناظراً إلى طرف آخر، وبدون هذا الآخر لا يكون للتعصب من حاجة أو معنى، وبالتالي فإن التعصب هو موقف سلوكي تجاه الآخر المختلف أو المغاير، فالذي يتعصب لفكرة يكون ناظراً لفكرة أخرى عند طرف آخر، ومن يتعصب لمبدأ يكون ناظراً لمبدأ آخر عند طرف آخر، ومن يتعصب لمعتقد يكون ناظراً لمعتقد آخر عند طرف آخر، وهكذا من يتعصب لشخص أو عشيرة أو جماعة.
والآخر في مثل هذه الحالة يمثل حاجة وضرورة لاستثارة روح التعصب، وتحريك كوامنه، وإطلاق دفائنه، وإشعال حميته. وبدون الآخر والاحتكاك به، والتعرض له، والتراشق معه، يخبو روح التعصب، ويفقد فورته وحرارته، ويصاب بالخمول والانطفاء.
وهذا يعني أن الآخر هنا يجري استحضاره بطريقة منقوصة ومشوّهة، ولأغراض توظيفية، ويتحول فيها إلى صورة نمطية تكون مبسطة بقصد التداول والتعميم السهل والسريع.
وذهنية التعصب لا تحتمل إلا صورة منقوصة ومشوّهة عن الآخر، ولا تتعامل معها إلا بطريقة نمطية وتوظيفية، ولا تتقبل صورة نزيهة وموضوعية عن الآخر، فمثل هذه الصورة النزيهة والموضوعية يمكن لها أن تنتقص من الذات، وتقلل من شأنها وشأن مكانتها ومنزلتها، أو تمس من هيبتها وشوكتها، أو هكذا يمكن أن تفسر عند أصحاب هذه الذهنيات. كما إن مثل هذه الصورة النزيهة والموضوعية عن الآخر، يمكن لها أن تمتص روح التعصب وتذوبه، أو تحد منه ومن سطوته.
وإذا نظرنا إلى منطق التعصب نجده أنه قائم أساساً على تقابل متعارض، يرتكز من جهة على المبالغة والإفراط في مدح الذات وتمجيدها والتفاخر بها، ويرتكز من جهة أخرى على المبالغة والإفراط في ذم الآخر ومقته والاستنقاص منه.
وعند النظر في التعريفات التي أشار إليها الدكتور معتز سيد عبد الله، لمعنى التعصب في كتابه (الاتجاهات التعصبية) الصادر سنة 1989م، نجد أن معظمها أو جميعها كان ناظراً إلى الآخر ومعاداته أو التفاضل عليه، ومن هذه التعريفات: أن التعصب هو التفكير السيء عن الآخرين ودون وجود دلائل كافية. وفي تعريف البعض: أن التعصب هو اتجاه بعدم التفضيل يمثل استعداداً للتفكير والشعور والسلوك بأسلوب مضاد للأشخاص الآخرين بوصفهم أعضاء في جماعات معينة. وفي تعريف ثالث: أنه اتجاه سلبي يتبناه أعضاء جماعة معينة مستمدة من معاييرها القائمة ويوجه نحو جماعة أخرى. أو أنه نسق من الادراكات والمشاعر والتوجهات السلوكية السلبية المتصلة بأعضاء جماعة معينة. أو أنه اتجاه انفعالي متصلب نحو جماعة من الأشخاص.. إلى غير ذلك من تعريفات أخرى.
وعلى هذا الأساس يمكن القول أن التعصب إنما ينشأ ويتشكل في أرضية ومناخ القطيعة والانغلاق عن الآخر، وعلى خلفية البناء والتكوين الأحادي والمنقطع عن معارف الآخرين وعلومهم وإنجازاتهم، والذي يخرج ذهنيات لا ترى الحق إلا عندها وما سواها إلا في ضلال، وتصوب نفسها دائماً وتخطئ غيرها1.

  • 1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ ـ الخميس / 10 أبريل 2008م، العدد 15202.