مجموع الأصوات: 11
نشر قبل 3 أشهر
القراءات: 397

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

ما هو المقصود من «میثاق ألست» فی الآیة 172 من سورة «الأعراف»؟

الجواب الاجمالي

إنّ المراد من هذا العالم وهذا العهد هو عالم الإستعداد «والکفاءات»، و«عهد الفطرة» والتکوین والخلق. فعند خروج أبناء آدم من أصلاب آبائهم إلى أرحام الاُمهات، وهبهم الله الإستعداد لتقبل الحقیقة التوحیدیة، وأودع ذلک السرّ الإلهی فی ذاتهم وفطرتهم بصورة إحساس داخلی... کما أودعه فی عقولهم وأفکارهم بشکل حقیقة واعیة بنفسها. فبناءً على هذا، فإنّ جمیع أبناء البشر یحملون روح التوحید، وما أخذه الله من عهد منهم أو سؤاله إیّاهم: ألست بربّکم؟ کان بلسان التکوین والخلق، وما أجابوه کان باللسان ذاته.

الجواب التفصيلي

یشیر القرآن المجید فی الآیة 172 من سورة «الأعراف» إلى التوحید الفطری ووجود الایمان بالله فی اعماق روح الانسان، وفی الحقیقة تتحدث هذه الآیة عن أخذ العهد من ذریّة آدم، لکن کیف اُخِذَ هذا العهدُ؟!
لم یرد فی النص إیضاح فی جزئیات هذا الموضوع، إلاّ أنّ للمفسّرین آراء متعددة تعویلا منهم على الرّوایات الإسلامیة 1«الواردة عن النّبی(صلى الله علیه وآله) وأهل بیته(علیهم السلام)» ومن أهم هذه الآراء رأیان:
حین خُلق آدم ظهر أبناؤه على صورة الذّر إلى آخر نسل له من البشر «وطبقاً لبعض الرّوایات ظَهرَ هذا الذّر أو الذرّات من طینة آدم نفسه» وکان لهذا الذرّ عقلٌ وشعور کاف للإستماع والخطاب والجواب، فخاطب الله سبحانه الذرّ قائلا﴿ ... أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ... 2 ؟!...
فَأجاب الذرّ جمیعاً:﴿ ... بَلَىٰ شَهِدْنَا ... 2.
ثمّ عاد هذا الذرّ «أو هذه الذرات» جمیعاً إلى صُلب آدم «أو إلى طینته» ومن هنا فقد سُمیَ هذا العالم بعالم الذرّ... وهذا العهدُ بعهد «ألست»؟
فبناءً على ذلک، فإنّ هذا العهد المشار إلیه آنفاً هو عهد تشریعىّ، ویقوم على أساس «الوعی الذاتی» بین الله والناس.
إنّ المراد من هذا العالم وهذا العهد هو عالم الإستعداد «والکفاءات»، و«عهد الفطرة» والتکوین والخلق. فعند خروج أبناء آدم من أصلاب آبائهم إلى أرحام الاُمهات، وهم نطف لا تعدو الذرات الصغار، وهبهم الله الإستعداد لتقبل الحقیقة التوحیدیة، وأودع ذلک السرّ الإلهی فی ذاتهم وفطرتهم بصورة إحساس داخلی... کما أودعه فی عقولهم وأفکارهم بشکل حقیقة واعیة بنفسها.
فبناءً على هذا، فإنّ جمیع أبناء البشر یحملون روح التوحید، وما أخذه الله من عهد منهم أو سؤاله إیّاهم: ألست بربّکم؟ کان بلسان التکوین والخلق، وما أجابوه کان باللسان ذاته!
ومثل هذه التعابیر غیر قلیلة فی أحادیثنا الیومیّة، إذ نقول مثلا: لون الوجه یُخبر عن سره الباطنی «سیماهم فی وجوهم»، أو نقول: إنّ عینی فلان المجهدتین تُنبئان أنّه لم ینم اللیلة الماضیة.
وقد رُوی عن بعض اُدباء العرب وخطبائهم أنّه قال فی بعض کلامِهِ: سَل الأرض من شق أنهارَکِ وغرس أشجارَکِ وأینع ثمارَکِ؟ فإن لم تُجبکَ حواراً أجابتک اعتباراً 3!...

کما ورد فی القرآن الکریم التعبیر على لسان الحال، کالآیة 11 من سورة فصلت، إذ جاءَ فیها﴿ ... فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ 4.
هذا باختصار هو خلاصة الرأیین أو النظرتین المعروفتین فی تفسیر الآیات آنفة الذکر...
إلاّ أنّ التّفسیر الأوّل فیه بعض الإشکالات، ونعرضها فی ما یلی:
ورد التعبیر فی نصّ الآیات المتقدمة عن خروج الذریّة من بنی آدم من ظهورهم، إذ قال تعالى:﴿ ... مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ... 2 مع أنّ التّفسیر الأوّل یتکلم عن آدم نفسه أو عن طینة آدم.
إذا کان هذا العهد قد اُخذ عن وعی ذاتی وعن عقل وشعور، فکیف نسیَه الجمیعُ ولا یتذکره أحد مع أنّ الفاصلة الزمانیة بین زماننا لیست بأبعدَ مدىً من الفاصلة بین هذا العالم والعالم الآخر «أو القیامة»؟ ونحن نقرأ فی آیات عدیدة من القرآن الکریم أنّ الناس سواءً کانوا من أهل الجنّة أو من أهل النّار لا ینسون أعمالهم الدنیویة فی یوم القیامة، ویتذکرون ما اکتسبوه بصورة جیدة، فلا یمکن أن یُوجَّه هذا النسیان العمومی فی شأن عالم الذر أبداً «ولا مجال لتأویله!».
أیّ هدف کان من وراء مثل هذا العهد؟! فإذا کان الهدف أن یسیر المعاهدون فی طریق الحق عند تذکرهم مثل هذا العهد، وألاّ یسلکوا إلاّ طریق معرفة الله، فینبغی القول بأنّ مثل هذا الهدف لا یتحقق أبداً وبأی وجه کان، لأنّ الجمیع نسوه!!...
وبدون هذا الهدف یعدّ هذا العهد لغواً ولا فائدة فیه.
إنّ الإعتقاد بمثل هذا العالم یستلزم ـ فی الواقع ـ القبول بنوع من التناسخ، لأنّه ینبغی ـ طبقاً لهذا التّفسیر ـ أن تکون روح الإنسان قد خُلقت فی هذا العالم قبل ولادته الفعلیة، وبعد فترة طویلة أو قصیرة جاء إلى هذا العالم ثانیةً، وعلى هذا فسوف تحوم حوله کثیراً من الإشکالات فی شأن التناسخ!
غیر أنّنا إذا أخذنا بالتّفسیر الثّانی، فلا یرد علیه أیُّ إشکال ممّا سبق، لأنّ السؤال والجواب، أو العهد المذکور ـ عهد فطری، وما یزال کلّ منّا یحس بآثاره فی أعماق روحه، وکما یعبر عنه علماء النفس بـ «الشعور الدینی» الذی هو من الإحساسات الأصیلة فی العقل الباطنی للإنسان، وهذا الإحساس یقود الإنسان على امتداد التاریخ البشری إلى «طریق» معرفة الله... ومع وجود هذا الإحساس أو الفطرة لا یمکن التذرّع بأنّ أباءنا کانوا عبدةً للأصنام ونحن على آثارهم مقتدون!!....
﴿ ... فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ... 5.
والإشکال الوحید الذى یَرِدُ على التّفسیر الثّانی هو أنّ هذا السؤال والجواب یتخذ شکلا «کنائیّاً» ویتسم بلغة الحوار، إلاّ أنّه مع الإلتفات إلى ما بیّناه آنفاً بأنّ مثل هذه التعابیر کثیر فی اللغة العربیة وجمیع اللغات، فلا یبقی أیّ إشکال فی هذا المجال.
ویبدو أن هذا التّفسیر أقرب من سواه 6!