حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
مدى دخل الانتخاب في الولاية
تارة يفترض وجود دليل على صحّة انتخاب الأُمّة لمن يلي أمرها وفقاً لفقه الإسلام مع فرض الإطلاق في ذاك الدليل لما إذا كان المنتخب غير فقيه، وغاية الأمر هي أن المنتخب لو كان غير فقيه يجب عليه الرجوع إلى فقيه بقدر ما يتّصل الأمر بالفقه، فلو ثبت دليل على شرط الفقاهة كان ذلك تخصيصاً لدليل الانتخاب.
وأُخرى يفترض أنّ أمر الولاية وإن كان منحصراً في الفقهاء ـ إمّا بدليل خاص أو من باب القدر المتيقّن ـ ولكن دليل الانتخاب دلّ على أنّ شخص الوليّ يتحدّد بالانتخاب، وهو وإن لم يكن له إطلاق لانتخاب غير الفقيه ولكن أثره خروج كلّ فقيه آخر غير من انتخب من دائرة الولاية.
دليل الانتخاب مع إطلاق المنتخب
أمّا الفرض الأوّل ـ وهو افتراض دليل مطلق على الانتخاب يشمل حتى انتخاب غير الفقيه ـ فهذا هو الظاهر من عبائر أُستاذنا الشهيد (قدس سره) حيث كتب يقول: «فخطّ الشهادة يتحمّل مسؤوليته المرجع على أساس أنّ المرجعية امتداد للنبوة والإمامة على هذا الخط...» إلى أن يشرح (قدس سره) اندماج خطّ الشهادة وخطّ الخلافة في شخص المرجع ما دامت الأُمّة محكومة للطاغوت ومقصيّة عن حقّها في الخلافة العامّة ثم يقول ما نصّه:
«وأما إذا حرّرت الأُمّة نفسها فخطّ الخلافة ينتقل إليها، فهي التي تمارس القيادة السياسية والاجتماعية في الأُمّة بتطبيق أحكام اللّه وعلى أساس الركائز المتقدّمة للاستخلاف الربّاني، وتمارس الأُمّة دورها في الخلافة في الإطار التشريعي للقاعدتين القرآنيتين التاليتين:
﴿ ... وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ ... ﴾ 1.
﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ... ﴾ 2.
فإنّ النصّ الأوّل يعطي للأُمّة صلاحية ممارسة أُمورها عن طريق الشورى ما لم يردْ نصّ خاصّ على خلاف ذلك، والنصّ الثاني يتحدّث عن الولاية وأنّ كلّ مؤمن وليّ الآخرين، ويريد بالولاية تولّى أُموره بقرينة تفريع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عليه، والنصّ ظاهر في سريان الولاية بين كلّ المؤمنين والمؤمنات بصورة متساوية.
وينتج عن ذلك الأخذ بمبدأ الشورى وبرأي الأكثرية عند الاختلاف.
وهكذا وزّع الإسلام في عصر الغيبة مسؤوليات الخطّين بين المرجع والأُمّة، بين الاجتهاد الشرعي والشورى الزمنية، فلم يشأ أن تمارس الأُمّة خلافتها بدون شهيد يضمن عدم انحرافها، ويشرف على سلامة المسيرة، ويحدّد لها معالم الطريق من الناحية الإسلامية، ولم يشأ من الناحية الأُخرى أن يحصر الخطّين معاً في فرد ما لم يكن هذا الفرد مطلقاً أي معصوماً»3.
أقول: الذي يبدو من هذا النصّ أنّه (قدس سره) يؤمن بأنّ قوله تعالى:﴿ ... وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ ... ﴾ 1 دليل على الانتخاب.
وقد يورد على هذا الدليل بدعوى الإجمال في الآية، حيث إنها لو كانت بصدد تشريع الانتخاب فهي لم تبيّن ما هو المقياس لدى الاختلاف، هل المقياس كمّي أو كيفي؟ أي لو فرض أنّ أكثرية السواد العامّ انتخبت شخصاً، ولكن وجوه القوم المحنّكون كان أكثرهم ضمن الأقليّة التي انتخبت شخصاً آخر فأ يّهما هو المتعيّن للولاية في المقام، هل الأوّل للترجيح الكمّي الموجود في ناخبيه، أو الثاني للترجيح الكيفي الموجود في ناخبيه؟ ولو أن الإسلام كان يتّجه إلى الانتخاب لكان عليه أن يوضّح المقياس في نفوذ الانتخاب، هل هو الترجيح الكمّيأو الكيفي؟
فكأنّ أُستاذنا الشهيد (قدس سره) كان بصدد الجواب على هذا الاعتراض، فأراد رفع الإجمال بضمّ آية أُخرى إلى آية الشورى وهي قوله تعالى:﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ... ﴾ 2 فحمل (رحمه الله) الولاية في هذه الآية على تولّى الأُمور بقرينة تفريع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عليها، وعندئذ فالنصّ ظاهر في سريان الولاية بالمعنى المطلوب في المقام بين كل المؤمنين والمؤمنات بصورة متساوية، وهذا يعني عدم تأثير للترجيح الكيفي لبعض على بعض في الحساب، فالمرجّح كمّي بحت.
ولعلّه (رحمه الله) إنّما لم يستدلّ مستقلا على الانتخاب بقوله تعالى:﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ... ﴾ 2 بأن يثبت بذلك الولاية الكاملة للأُمّة ـ وهذا لا يكون إلاّ بتأثير الكلّ في الانتخاب ـ بنكتة أنّ الإطلاق الشمولي في المحمول غير جار، فلا يمكن إثبات الولاية الكاملة بالإطلاق في هذه الآية، فلعلّها ولاية بقدر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مثلا، فرأى (رحمه الله) أنّ الأنسب هو الاستدلال بمجموع الآيتين بأن يقال: إنّ تفريع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ولاية بعضهم لبعض يناسب افتراض كبرى واسعة فرّع عليها هذا الفرع، وتلك الكبرى الواسعة التي يسهل تصوّرها في المقام هي افتراض أنّ كلّ ولاية تثبت للمؤمنين فهي للكلّ، أي أنّ الكلّ شركاء فيها، فإذا ضممنا ذلك إلى ولاية الشورى المستفادة من قوله تعالى:﴿ ... وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ ... ﴾ 1 ثبت أنّ هذه الولاية للكلّ، وإذن فالعبرة تكون بالأكثرية الكميّة لا محالة.
أقول: إنّ الاستشهاد بقوله تعالى:﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ... ﴾ 2 على المعنى الذي عرفت غير صحيح، وذلك لأنّ كلمة الولاية وردت في اللغة بمعنيين: بمعنى الأولويّة في التصرّف ونفوذ الأمر، وبمعنى النصرة والمؤازرة، وربط هذه الآية بما نحن فيه يتوقّف على حمل الولاية على المعنى الأوّل؛ لأنّ مجرّد النصرة والمؤازرة أجنبية عن المقام، وتفريع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما يناسب المعنى الأوّل كذلك يناسب المعنى الثاني أيضاً، فإنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو تسديد عن الخطأ نوع تآزر ونصرة، وكأنّ التعبير بالأمر والنهي هو الذي يراه أُستاذنا قرينة على إرادة المعنى الأوّل للولاية؛ لأنّ الأمر والنهي يتفرّعان على المولوية بذلك المعنى، ولكنّ الواقع أنّ هذا ليس قرينة على إرادة المعنى الأوّل، فإنّ الأمر والنهي لا يتوقّفان على فرض الولاية ونفوذ الكلمة بمعنى وجوب طاعته، بل يكفي ـ مناسبةً للاستعلاء والتأمّر ـ أنّ الطرف المقابل إنسان منحرف قد نكب عن الطريق الصحيح، فيستعلي عليه المؤمن ويأمره بالمعروف ويزجره عن المنكر.
إلاّ أنّ الظاهر أنّ مشكلة إجمال آية الشورى وعدم وضوح كون المقياس في ولاية الشورى هو الترجيح الكمّي أو الكيفي في نفسها محلولة بلا حاجة إلى مراجعة آية الولاية، وتأكيدنا على هذا الإشكال في كتاب أساس الحكومة الإسلامية في غير محلّه، وذلك لأنّ المفهوم عرفاً من ولاية الشورى لو تمّت إنما هي ولاية الأكثرية، فإنها هي التي تصلح مقياساً منضبطاً عند العرف، أما الترجيح الكيفي فهو لا ينضبط عادة، فكلّ جهة أو فئة من النّاس قد تدعي الترجيح الكيفي لنفسها، فلا معنى لافتراض ترجيح رأي الأقلية بحجة الترجيح الكيفي، فإنّ في الأكثرية من ينكر الترجيح الكيفي في جانب الأقلية أو يدّعيه لنفسه، فالضابط المعقول لحسم النزاع إنما هو الترجيح الكمّي لا الكيفي.
إلاّ أنّ الشأن في أصل دلالة آية الشورى على ولاية الشورى، وتوضيح ذلك:
أن الشورى: تارة يُقصد بها تنفيذ رأي الأكثرية، وهذا ما قد نعبّر عنه بولاية الشورى، وأُخرى يُقصد بها مجرّد الاستضاءة بالأفكار والاستنارة بها من دون افتراض تضمّن الحجية ووجوب طاعة رأي الأكثرية، وقد يقال: أنّ قوله تعالى:﴿ ... وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ ... ﴾ 1 ظاهر في المعنى الأوّل بقرينة أنّ الضمير ظاهر في الرجوع إلى كل المؤمنين، ولا يتصوّر معنىً للاستنارة في أمر ما بأفكار الكلّ، فكأنّ المقصود ـ واللّه العالم ـ هو انتخاب الوليّ الذي هو أمر يمسّ الكلّ والذي لا يكون إلاّ بمعنى تحكيم رأي الأكثريّة.
إلاّ أنّ هذا الاستظهار لو تمّ في نفسه يقابله استظهار آخر، وهو أنّ الآية الشريفة بصدد بيان صفات من ادّخر لهم متاع الحياة الآخرة، قال اللّه تعالى:﴿ فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ * وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ﴾ 4، وهي ظاهرة في صفات تقبل الفعليّة في زمن صدور الآية، وكلّها فعليّة وقتئذ إلاّ العمل بالشورى لو فسّر بمعنى الانتخاب وتحكيم رأي الأكثريّة، فهذا لا يمكن أن يكون فعليّاً وقتئذ؛ لأنّ من ضروريّات الإسلام أنّه لا معنى للانتخاب وتحكيم رأي الأكثريّة في فرض وجود الوليّ المنصوب من قبل اللّه تعالى، قال اللّه عزّ وجل:﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ... ﴾ 5، وقال عزّ من قائل:﴿ النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ... ﴾ 6، فقد تكون هذه قرينة على حمل الآية على إرادة الاستضاءة بأفكار الآخرين بالشكل المعقول من دون إرادة الاستشارة مع الكلّ؛ إذ هذا غير معقول في الاستضاءة بالأفكار، فيصبح وزان الآية وزان آية أُخرى صريحة في هذا المعنى، وهي قوله تعالى:﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ 7 فهذه الآية واضحة في عدم إرادة ولاية الشورى؛ لأنّها نسبت العزم إلى شخص الرسول (صلى الله عليه وآله) وقال:﴿ ... فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ... ﴾ 7 فالمقصود بها مجرّد الاستشارة والاستضاءة بالأفكار ولو بهدف تعويد الأُمّة على ذلك أو بهدف إشراكهم في المسؤوليّة وتحسيسهم بتحمّل العبء 8.
هذا، وهناك وجهان آخران ـ غير دليل الشورى ـ يمكن فرض إطلاقهما لانتخاب غير الفقيه، وهو ما سيأتي من الوجه الثالث والرابع من الوجوه التي سننقلها عن كتاب «دراسات في ولاية الفقيه» وستأتي مناقشتهما أيضاً.
دليل الانتخاب مع إجمال المنتخب
وأمّا الفرض الثاني ـ وهو افتراض دليل على الانتخاب ولو لم يكن له إطلاق من ناحية شروط المنتخب، فيقتصر فيه على القدر المتيقّن وهو انتخاب الفقيه ـ فهو عبارة عن أكثر الوجوه التي جاء ذكرها في كتاب «دراسات في ولاية الفقيه»9 فإنّها لو تمّت لا ينعقد لها إطلاق بالنسبة لشروط المنتخب، وأقصد بأكثر الوجوه ما عدا ما سيأتي من الوجه الثالث والرابع والخامس، وعلى أية حال فخلاصة تلك الوجوه الواردة في ذاك الكتاب ما يلي:
الوجه الأوّل: حكم العقل، فإنه يحكم من ناحية بوجوب إقامة النظام وحفظ المصالح العامّة الاجتماعية وحرمة الهرج والفتنة وضرورة دفع ذلك، وكلّ هذا لا يتمّ إلاّ عن طريق إقامة دولة صالحة، و ـ من ناحية أُخرى ـ بأنّ إقامة الدولة فيما لو لم يكن نصب معيّن من قبل اللّه سبحانه لو كانت بقهر قاهر على الأُمة لكان ذلك ظلماً قبيحاً، فينحصر الأمر في أن تكون بالانتخاب.
وهذا الوجه غريب، فإنه أوّلا لو فرض حكم العقل بقبح إقامة الدولة عن طريق القهر والغلبة فهذا متحقّق حتى في الانتخاب بالنسبة لمن يخالف انتخاب من انتخبته الأكثريّة، ولا يقبل بمبدأ حكم الأكثريّة عليه، فهذا لا يكون خضوعه للدولة المنتخبة للأكثريّة إلاّ بالقهر والغلبة، وكذا الحال بالنسبة لغير الواجدين لشرائط الاشتراك في الانتخاب في حينه، فإنّ كثيراً منهم سيأتي يوم تتكامل فيه شرائط الاشتراك في الانتخاب، لكنه يبقى مقهوراً تحت رأي أكثرية الواجدين لشرائط الانتخاب الماضي إلى أن يحين زمان انتخاب جديد.
ودعوى أنّ بناء العقلاء قائم على غضّ النظر عن مثل هذه الأُمور رجوع إلى التمسّك بسيرة العقلاء، وهو غير حكم العقل، وسيأتي الحديث عنها إن شاء اللّه.
أما إذا قيل بأنّ العقل وإن كان يحكم بقبح الحكم بالقهر والغلبة في ذاته على أقليّة لم ترض بمنتخب الأكثرية، ولا بالانتخاب، لكن هذا القبح ينتفي بالتزاحم وبضرورة حفظ المصالح العامّة.
قلنا: إنّ هذا الكلام يأتي حتى في القيام حسبة بإدارة الحكم على الكلّ بالقهر والغلبة مع حفظ المصالح العامّة، وقد يكون هذا القائم بالحكم بالقهر والغلبة أحفظ للمصالح من إنسان انتخبته الأكثرية، وكان حكمه لمن لا يرضى بالانتخاب بالقهر والغلبة، كما قد يتّفق العكس، فليس هذا برهاناً يمكن الاعتماد عليه في المقام.
هذا مضافاً إلى أنّ من اشترك في الانتخاب وانتخب من انتخبته الأكثرية قد يندم على ما فعل، فهنا لا يكون حكم العقل بوجوب بقائه تحت سلطة الدولة المنتخبة، إلاّ بنكتة ضرورة الوفاء بالعقد الذي اشترك فيه سابقاً، وهذا رجوع إلى ما سوف يأتي من الوجه الرابع.
الوجه الثاني: التمسّك بسيرة العقلاء، والمقصود بذلك إن كان دعوى أنّ سيرة العقلاء قائمة على انتخاب الدولة فهو بديهي البطلان، فما أكثر قيام الدولة في ما بين العقلاء بغير الانتخاب؟!
وإن كان المقصود بذلك التمسّك بسيرة العقلاء في القضايا الفردية علىالتوكيل والاستنابة، وكذلك في قضايا مرتبطة بجماعة كلّهم أجمعوا علىتوكيل أحد واستنابته، فهذا كما ترى لا علاقة له بالاستنابة في قضية اجتماعيةمن قبل الأكثرية، ورغم أقليّة لم توافق على هذه الاستنابة، بأن لم ترض بها حتى في طول موافقة الأكثرية، ورغم أشخاص يأتون أو يكتملون في ما بين فترتي الانتخاب.
الوجه الثالث: فحوى قاعدة السلطنة على المال، فإذا كان الناس مسلّطين على أموالهم كما في حديث «عوالي اللآلي» عن النبيّ (صلى الله عليه وآله): «إنّ الناس مسلّطون على أموالهم»10، وكذلك حديث أبي بصير عن أبي عبداللّه (عليه السلام): «إنّ لصاحب المال أن يعمل بماله ما شاء ما دام حياً»11 وغيرهما من الروايات 12، فهم مسلّطون على أنفسهم بطريق أولى، أي لا يحقّ لأحد أن يحدّد حرّية الأفرادأو يتصرّف في مقدراتهم بغير إذنهم، ولهم أن ينتخبوا الفرد الأصلح ويولّوهعلى أنفسهم.
أقول: ولا أدري كيف تثبت بالانتخاب سلطنة الأكثرية على أقلية يفترض عدم قبولها بالانتخاب، وعلى الذين يستجد وجودهم أو اكتمالهم بعد الانتخاب؟!
الوجه الرابع: أنّ انتخاب الأُمّة للوالي وتفويض الأُمور إليه وقبول الوالي لها نحو معاقدة ومعاهدة بين الأُمّة وبين الوالي، فتشملها أدلّة الوفاء بالعقد.
ولا أدري كيف يمرّر الحكم بهذا الوجه على أُناس لم يشتركوا في هذا العقد؟! أم يتخيّل أنّ الناس جميعاً يشتركون فيه؟! في حين أنه يوجد فيهم عادة من لا ينتخب هذا الوالي، ولا يوافق على مبدأ انتخاب الأكثرية، ويوجد أيضاً من كان قاصراً ثم يبلغ، أو لم يكن موجوداً ثم يوجد.
ولعلّه يقول: إنّ العقد وقع بين الوالي والأُمّة ـ بما هي أُمّة ـ لا بين الوالي والأفراد، وتخلّف بعض أفراد الأُمّة لا يضرّ بصدق وقوع العقد بين الأُمّة بما هي أُمّة والوالي.
والواقع أنّ المسامحة العرفية التي تفترض عدم ضرر خروج هذه الأفراد من الانتخاب بصدق التعاقد مع الأُمّة إنما تعني غضّ النظر عنهم في صدق هذا العنوان، وكأنّ الباقين هم كلّ من انتزع منهم عنوان الأُمّة، ولا تعني اعتبارهم ـ مسامحة ـ جزءاً من أحد طرفي العقد، فحتى لو كانت هذه المسامحة مسامحة في المفهوم لا تصحّح تمرير الحكم على هؤلاء.
أما لو قلنا: إنها مسامحة في المصداق فعدم حجيتها واضح. أضف إلى ذلك ما نقّحناه في بحث العقود 13: من أنّ أدلّة الوفاء بالعقود لا تدلّ على مشروعية متعلّقها، وإنما تدلّ على أنّ العقد إن تعلّق بأمر مشروع فهو ـ من ناحية أنّه عقدٌ ـ يجب الوفاء به، فلو تعاقد شخصان مثلا على أن يكون أحدهما عبداً للآخر، فعدم نفوذ هذا العقد ليس تخصيصاً في إطلاق ﴿ ... بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ ... ﴾ 14؛ لأنّ عبوديّة أحدهما للآخر في ذاته أمر غير مشروع، وفي ما نحن فيه من يناقش في الانتخاب يحتمل عدم مشروعية ولاية أحد على الناس عن غير طريق النصب، فلا يمكن نفي هذا الاحتمال بدليل الوفاء بالعقد، وليس نفوذ أمر الوليّ دائماً بمعنى نفوذ إلزامه للمولّى عليه بما كان مباحاً له قبل الإلزام كي يقال: إنّ هذا لا محذور فيه، بل قد يكون بمعنى نفوذ رأيه عليه لإثبات شيء لولا إثباته لما حلّت له النتيجة التي يلزمها به الوليّ، كما لو حكم بالجهاد والمولّى عليه ـ لو لا حكم الوليّ ـ لم يثبت له أنّ المورد مورد جهاد، فقد يرى حرمة الجهاد على نفسه لولا نفوذ أمر الوليّ عليه من باب عدم إحرازه لموضوع الجهاد.
نعم، بعد تسليم مشروعيّة تولّي أُمور الأُمّة في الجملة ـ ولو على أساس الحسبة مثلا ـ يمكن التمسّك لإثبات تعيين شخص الوليّ بالعقد في خصوص من نتيقّن توفّر الشروط فيه، لكن يبقى عندئذ ما قلناه من أنّ دليل الوفاء بالعقد لا يشمل من لم يشترك في هذا العقد من أفراد الأُمّة.
الوجه الخامس: أدلّة الشورى، وعمدتها الآية الشريفة التي مضى البحث عنها.
الوجه السادس: أنّ هناك تكاليف وجّهت في الشريعة الإسلاميّة إلى المجتمع كمجتمع لا إلى أفراد معيّنين من قبيل قوله تعالى:﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ... ﴾ 15، وقوله عزّ وجلّ:﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ 16 وقوله عزّ من قائل:﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ... ﴾ 17 وقوله الكريم:﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ... ﴾ 18 وقوله تعالى:﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ ... ﴾ 19 وقوله عزّ وجلّ:﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ... ﴾ 20، وما إلى ذلك.
ووجه الاستدلال بذلك حسب ما جاء في كتاب «دراسات في ولاية الفقيه»21: هو أنّ المجتمع مأمور بأُمور لا يمكن تنفيذها عن غير طريقسلطة متمركزة وجهاز حاكم يقوم بها، فيجب عليه إقامة ذاك الجهاز وتفويض الأُمور إليه.
إلاّ أنّ هذا المقدار من الاستدلال واضح البطلان؛ إذ لو كان الاستدلال بذلك بنكتة المقدّميّة فهذا لا يدلّ على أكثر من وجوب التعاون مع الدولة في تنفيذ هذه الأُمور وخلق الدولة لو لم تكن موجودة، أمّا أنّ طريق خلقها هو الانتخاب الحرّ أو غير ذلك ـ كأن يجب عليهم الرضوخ لمن يتقدّم لإدارة الأُمور بالعدل مثلا،أو الخضوع لنظام ملكي وراثي، أو غير ذلك ـ فهذا أجنبيّ عن مثل هذه الآيات. وافتراض ـ أنّ الخضوع لنظام ملكي أو إيجاد دولة عن طريق القهر والغلبةرضوخ للظلم، وهو لا يجوز عقلا ـ رجوع إلى نكتة الوجه الأوّل، وخروجعن واقع هذا الوجه.
وكان بإمكانه أن يطوّر هذا الوجه ويستدلّ بمثل هذه الآيات ببيان آخر،وهو أنّ توجيه الأوامر ـ التي يكون امتثالها على عاتق الدولة ـ إلى المجتمعدليل على أنّ الدولة هي دولة المجتمع وبرضا المجتمع وانتخابه، ومن الطبيعي أن إحراز رضا كلّ المجتمع غير ممكن، فالمقصود هو إحراز رضا الأكثرية،ولا نعني بالانتخاب إلاّ هذا.
إلاّ أنّ هذا الوجه أيضاً لا يخلو من تأمّل؛ إذ يكفي في صحة توجيه هذه الخطابات إلى المجتمع أنّ الدولة لا تقدر على تحقيق هذه الأُمور بوحدها، أو أنّ وليّ الأمر غير قادر على تحقيقها بوحده، فلابدّ من تعاون المجتمع معها أو معه في الأُمور، أما كيف يتعيّن هذا الوليّ أو تلك الدولة، هل بالانتخاب أو بطريق آخر؟ فهذه الخطابات لا تدلّ على شيء من ذلك.
الوجه السابع: آيات الاستخلاف والاستعمار والوراثة، وناقش في «الدراسات» دلالة آيات الوراثة 22. والاستعمار 23 بما يظهر لك بمراجعة الكتاب المذكور، وناقش أيضاً في دلالة آيات الخلافة بإبداء احتمال أنّ المقصود بها خلافة جيل عن جيل ونسل عن نسل ما عدا قوله تعالى: ﴿ ... إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ... ﴾ 24، فهذه الآية في رأي صاحب «الدراسات» لا تقبل الحمل على خلافة جيل من البشر عن جيل؛ لأنّ آدم (عليه السلام) هو مبدأ البشرية، واحتمال كون المقصود الخلافة عن الجنّ والنسناس ـ الذين كانوا قبل آدم (عليه السلام) في الأرض والملائكة شهدوا فسادهم وسفكهم للدماء فقاسوا بهم أولاد آدم ـ بعيد في نظره، وناقش في دلالة هذه الآية بالخصوص: بأن من المحتمل كون المقصود خلافة شخص آدم (عليه السلام) لا خلافة البشرية، فلا تدلّ الآية على حاكمية البشر بالانتخاب، وتخوّف الملائكة ليس قرينة في نظره على كون المقصود خلافة البشرية بنكتة أنه لا مجال للتخوّف من شخص آدم (عليه السلام)، وذلك لاحتمال أنه وإن كان المقصود بالآية الشريفة خلافة شخص آدم (عليه السلام) لكن لعلّ اعتراض الملائكة بقولهم:﴿ ... أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ ... ﴾ 24 كان من جهة اطّلاعهم على أنّ آدم (عليه السلام) بطبعه يولد له النسل، وسيكون الفساد وسفك الدّماء من نسله، ثم أمر بالتأمّل.
أقول: قد مضى منّا الجواب على شبهة حمل الاستخلاف في تلك الآيات على استخلاف جيل عن جيل، ولهذا وافقنا على دلالة تلك الآيات على وجوب إقامة الحكم، ولكنّا في نفس الوقت لا نوافق على دلالة تلك الآيات على الانتخاب والتصويت وضرورة الأخذ برأي الأكثرية، وتوضيح ذلك:
أنّ فرض دلالة تلك الآيات على الانتخاب والتصويت يجب أن يكون بأحد وجهين:
الأوّل: دعوى أنّ كون البشرية خليفة للّه يعني وجوب الإصلاح والاستعمار وتطبيق العدل على وجه الأرض، وهذا بمجموعه يتوقّف على إيجاد الدولة. إذن يجب على الأُمّة وجوباً مقدّمياً إيجاد الدولة، وإيجاد الأُمّة للدولة يعني الانتخاب.
وهذا يرد عليه ما أوردناه على الوجه السادس حينما حاول الاستفادة من مقدّمية إيجاد الدولة وجوب مقدّمة الواجب، وأوضحنا هناك: أنّ مصداق هذه المقدّمية ليس منحصراً في الانتخاب كي تثبت بذلك شرعية الانتخاب، إلاّ أن يضمّ إلى ذلك إبطال باقي الصور ببعض الوجوه الأُخرى، وهذا رجوع إلى روح ذاك الوجه.
والثاني: دعوى أنّ نسبة الخلافة إلى كلّ أفراد البشرية على حدّ سواء؛ لأنها استخلاف لجنس البشرية لا لشخص معيّن أو لجماعة معينين، وإذا كانت نسبة الخلافة إليهم على حدّ سواء فلابدّ من اشتراك الكلّ في الخلافة المستبطنة لمعنى الحكم، واشتراك الكلّ في ذلك لا يمكن إلاّ عن طريق الانتخاب.
وهذا يرد عليه: أنّه ـ بعد وضوح عدم كون المقصود من خلافة البشرية الحكم بمنصب الخلافة خلافةً كاملةً لطبيعي البشر، بحيث تنحلّ إلى خلافة كاملة لكل فرد فرد من البشر من سنخ العامّ الاستغراقي والمطلق الانحلالي مثل قولنا: ( أكرم العالم ) ـ يوجد في ما هو المقصود من نسبة الخلافة إلى البشرية احتمالان:
الاحتمال الأوّل: نسبتها إلى البشرية بمعنى كون كلّ ما للخلافة من معنىً ثابتاً لكل فرد من أفراد البشرية بنحو العامّ المجموعي، فيرجع ذلك مثلا إلى أن لكلّ فرد الحقّ في التدخّل في الحكم عن طريق الانتخاب والتصويت.
والاحتمال الثاني: نسبتها إلى البشرية بمعنى أنّ مجموع ما هو كامن في الخلافة من معنىً ثابت للبشرية ولو باعتبار انحلال وظائف الخلافة على أفراد البشر، فكلّ فرد من أفراد البشر عليه شيء من أعباء خلافة اللّه، وعليه تطبيق أوامر اللّه على وجه الأرض، وعليه عمارة الأرض والحياة، فمنهم من يتصدّى لنصب الحكم كالمعصوم أو من يعيّنه بالخصوص أو بالمواصفات، ومنهم من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ومنهم من يقوم بحاجات معاشية للناس من زرع أو صناعة أو غير ذلك، ومنهم من يقوم بالجهاد، ومنهم من يطبّق سائر الأوامر المتّجهة إليه. ولا مرجّح للاحتمال الأوّل على الثاني.
الوجه الثامن: تجميع مقاطع عديدة من الروايات جامعها الدلالة على موافقة الأئمّة (عليهم السلام) على انتخاب الأُمّة ـ ونغضّ النظر في ذلك عن خصوص مسألة البيعة التي سنبحثها في الوجه العاشر ـ وذلك من قبيل:
۱ ـ ما في «نهج البلاغة»: «دعوني والتمسوا غيري... واعلموا أ نّي إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم، ولم اُصغ إلى قول القائل وعتب العاتب، وإن تركتموني فأنا كأحدكم، ولعلّي أسمعكم وأطوعكم لمن ولّيتموه أمركم، وأنا لكم وزيراً خير لكم مني أميراً»25. ونحوه في «تأريخ الطبري» و «الكامل» لابن الأثير 26.
۲ ـ ما في «تاريخ الطبري» عن محمد بن الحنفية: «كنت مع أبي حين قتل عثمان، فقام فدخل منزله فأتاه أصحاب رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)فقالوا: إنّ هذا الرجل قد قتل، ولابدّ للناس من إمام ولا نجد اليوم أحداً أحقّ بهذا الأمر منك، لا أقدم سابقة ولا أقرب من رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) فقال: لا تفعلوا، فإنّي أكون وزيراً خير منأن أكون أميراً.
فقالوا: لا ـ واللّه ـ ما نحن بفاعلين حتى نبايعك. قال: ففي المسجد، فإنّ بيعتي لا تكون خفية، ولا تكون إلاّ عن رضا المسلمين»27.
۳ ـ ما في «الكامل» بعد ما مرّ منه: ولمّا أصبح يوم البيعة وهو يوم الجمعة حضر الناس المسجد، وجاء عليّ (عليه السلام) فصعد المنبر، وقال: «يا أيّها الناسـ عن ملأ وأُذن ـ إنّ هذا أمركم ليس لأحد فيه حقّ إلاّ من أمّرتم، وقد افترقنا بالأمس على أمر وكنت كارهاً لأمركم فأبيتم إلاّ أن أكون عليكم ـ أميراًعليكم ـ ألا وإنه ليس لي دونكم إلاّ مفاتيح مالكم، وليس لي أن آخذ درهماً دونكم»28.
٤ ـ ما في «نهج البلاغة» من كتاب له (عليه السلام) إلى معاوية: «إنّه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختارولا للغائب أن يردّ، وإنّما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا علىرجل وسمّوه إماماً كان ذلك للّه رضاً، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أوبدعة ردّوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتّباع غير سبيل المؤمنين،وولاّه اللّه ما تولّى...»29 وقد ذكرنا هذا الحديث بلحاظ ذيله، أما صدرهفيرجع إلى أخبار البيعة.
٥ ـ ما في كتاب الحسن بن علي (عليه السلام) إلى معاوية: «إنّ علياً (عليه السلام) لمّا مضى لسبيله... ولاّني المسلمون الأمر بعده... فدع التمادي في الباطل، وادخل فيما دخل فيه النّاس من بيعتي، فإنّك تعلم أني أحقّ بهذا الأمر منك»30 وقد ذكرنا هذا الحديث بلحاظ صدره.
٦ ـ ما في كتاب صلح الحسن (عليه السلام) مع معاوية: «... صالحه على أن يسلّم إليه ولاية أمر المسلمين على أن يعمل فيهم بكتاب اللّه وسنّة رسوله (صلى الله عليه وآله) وسيرة الخلفاء الصالحين، وليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد إلى أحد من بعده عهداً، بل يكون الأمر من بعده شورى بين المسلمين»31.
۷ ـ ما عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): «ما ولّت أُمّة قطّ رجلا وفيهم أعلم منه إلاّ لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتى يرجعوا إلى ما تركوا»32.
۸ ـ ما في «عيون أخبار الرضا (عليه السلام)» بإسناده إلى النبي (صلى الله عليه وآله): «من جاءكميريد أن يفرّق الجماعة ويغصب الأُمّة أمرها ويتولّى من غير مشورة فاقتلوه»33 قال في «الدراسات»: إذ الظاهر من إضافة الأمر إلى الأُمّة كون اختياره بيدها، ثمّ أمر بالتأمّل.
۹ ـ ما عن البخاري وغيره من قول النبي (صلى الله عليه وآله): «لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة 34 ـ أو: لن يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة ـ»34 قال في «الدراسات»: ودلالته كسابقته.
۱٠ ـ ما في كتاب «سليم» عن أميرالمؤمنين (عليه السلام) قال: «والواجب في حكم اللّه وحكم الإسلام على المسلمين بعد ما يموت إمامهم أو يقتل... أن لا يعملوا عملا، ولا يحدثوا حدثاً، ولا يقدّموا يداً ولا رجلا، ولا يبدؤوا بشيء قبل أن يختاروا لأنفسهم إماماً عفيفاً عالماً ورعاً عارفاً بالقضاء والسنّة يجمع أمرهم»35.
۱۱ ـ ما في كتاب أعاظم الكوفة ـ وفيهم مثل حبيب بن مظاهر ـ إلى الحسين (عليه السلام) وما في جوابه (عليه السلام) إليهم، ففي كتابهم إليه: «أمّا بعد فالحمد للّه الذي قصم عدوّك الجبّار العنيد الذي انتزى على هذه الأُمّة فابتزّها أمرها، وغصبها فيئها، وتأمّر عليها بغير رضاً منها».
وفي جوابه (عليه السلام) إليهم: «وإني باعث إليكم أخي وابن عمّي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل، فإن كتب إليّ أنه قد اجتمع رأي ملئكم وذوي الحجى ـ أو الفضل ـ منكم على مثل ما قدمت به رسلكم، وقرأت في كتبكم، فإنّي أقدم إليكم وشيكاً»36، فأعاظم الكوفة ـ أمثال حبيب ـ عدّوا الإمامة أمر الأُمّة، واعتبروا فيها رضاها، والإمام (عليه السلام) جعل الملاك حسب ما يقوله في «الدراسات» رأي الملأ وذوي الحجى والفضل المستعقب قهراً لرضا الأُمّة ورأيها.
۱۲ ـ ما في الدعائم عن جعفر بن محمد (عليه السلام) أنه قال: «ولاية أهل العدل ـ الذين أمر اللّه بولايتهم وتوليتهم وقبلوها والعمل لهم ـ فرض من اللّه»37، وقد فهم صاحب «الدراسات» من كلمة التولية إسباغهم للولاية عليه.
وما إلى ذلك مما يعثر عليها المتتّبع في الروايات.
وهذه عمدة ما جمعها صاحب «الدراسات» من الروايات، لم نترك عدا بعضها ممّا تكون دلالته واضحة الضعف.
ويقول صاحب «الدراسات»: ليس الغرض هو الاستدلال بكلّ واحدواحد من هذه الأخبار المتفرقة، حتى يناقش في سندها أو دلالتها، بل المقصود الاستفادة من خلال مجموع هذه الأخبار الموثوق بصدور بعضها إجمالا،كون انتخاب الأُمّة طريقاً عقلائياً لانعقاد الإمامة والولاية ممضىً من قبلالشارع.
وهناك إشكال قد يورد على الاستدلال بأكثر هذه الروايات تعرّض له هو مع جوابه، وأنا أصوغ الإشكال والجواب بهذه الصياغة:
فالإشكال عبارة عن أنّ أكثر هذه الروايات نقطع بعدم صدورها عن جدّ لو كانت حقّاً صادرة من المعصوم (عليه السلام)؛ لأننا نعلم يقيناً من مذهبنا أنّ الأئمة المعصومين (عليهم السلام) كانت ولايتهم ثابتة بالنصّ، ولم تكن ولايتهم متوقّفة على الانتخاب، ولم يكن من الجائز العدول عنهم إلى غيرهم بالانتخاب، في حين أنّ هذه الروايات تنظر في أكثرها إلى الوضع المعاش وقتئذ، وليست لمجرّد بيان كبرى كلّية قابلة لاستثناء فترة صدورها من مفادها.
والجواب: أنّ أصالة الجدّ أو أصالة الجهة وإن كانت ساقطة في الجملة في مورد هذه الروايات، فولاية أميرالمؤمنين (عليه السلام) مثلا ثابتة بغضّ النظر عن انتخاب الناس إيّاه، ولكن دار الأمر بين سقوط الجدّ نهائياً في المقام وبين ثبوته في أصل الكبرى بأن يكون أصل الانتخاب مصدراً للولاية، وعدم حاجة أميرالمؤمنين (عليه السلام)إلى الانتخاب إنّما هو لوجود مصدر آخر له للولاية وهو النّصب، لا لبطلان هذا المصدر، فحينما يعلّل ولايته (عليه السلام) بانتخاب الناس إيّاه فظهور هذا التعليل في توقّف ولايته على الانتخاب وإن لم يكن جدّياً لكن ظهوره في أصل كون الانتخاب مصدراً للولاية يحمل على الجدّ بأصالة الجدّ.
وبكلمة أُخرى: إنّ ظهور تعليل ولايته بانتخاب الناس في كون الانتخاب مصدراً للولاية هو في عرض ظهوره في توقّف ولايته على الانتخاب وعدم امتلاكه لمصدر آخر للولاية، وليس الثاني دلالة مطابقية والأوّل التزامية بالتبع، من قبيل ما لو فهمنا كبرى ما من نصّ على أساس تطبيق تلك الكبرى في ذاك النّص على مورد وكان التطبيق تقيّة، فهنا لا نستطيع أن نحتفظ بأصالة الجدّ بلحاظ الكبرى؛ لأنّ الكبرى لم تفهم إلاّ بالالتزام من باب كون التطبيق الصغروي مستلزماً للاعتراف بالكبرى، فإذا كان التطبيق غير جدّي لم يمكن إثبات الكبرى بأصالة الجدّ؛ لأنّ الدلالة الالتزامية تتبع المطابقية في الحجّية، أمّا في ما نحن فيه فالدلالتان عرضيتان.
ويمكن المناقشة في هذا الجواب: بأنّ الدلالتين العرضيتين حينما تكونان لجملتين مثلا أمكن إجراء أصالة الجدّ في إحداهما بعد سقوطها في الأُخرى، ولكن حينما تكونان لعبارة واحدة فهذه العبارة بعد أن أُحرز ثبوت داع غير جدّي لها بلحاظ إحدى الدلالتين لا يوجد أصل عقلائي يقول: فليفرض انضمام داع الجد أيضاً إلى الداعي الأوّل بلحاظ الدلالة الأُخرى.
وهناك جواب آخر يمكن ذكره في جملة من هذه الروايات: وهو أنّ الجملة التي نجري أصالة الجدّ فيها نثبت بهذا الأصل تمحّضها في الجد ولم تصدر أصلا بهدف غير جدّي، فعليّ (عليه السلام) حينما يعلّل ولايته بالبيعة يقصد حقّاً كون بيعته سبباً لولايته، ويكون هذا كلاماً جدّياً، أما الذي كان مداراة للناس بغير جدّ فليس هو ذكره لهذا السبب من الولاية، بل هو سكوته عن ذكر السبب الآخر، وهو النصّ الدالّ على ولايته (عليه السلام) بالتنصيب.
هذا، ولنا تعليقان على كلام صاحب «الدراسات» حيث فرض أنّ المناقشة في أسانيد ما جمعها من الروايات أو الضعف في الدلالة لو كانت لا تضرّ بالاستدلال بها على المقصود؛ لأنّ الهدف هو الاستفادة من مجموع هذه الروايات الموثوق بصدور بعضها إجمالا:
التعليق الأوّل: أنّ ضعف السند إن أمكن تداركه عن طريق دعوى التواتر الإجمالي فضعف الدلالة ـ عادة ـ لا يمكن تداركه بفرض الكثرة العددية للروايات، فلو أنّ أحداً لم يقتنع بدلالة كلّ الروايات التي ذكرت في المقام لا يصحّ إقناعه بأنّنا نهدف إلى الاستفادة من مجموع هذه الروايات، فالمجموع من روايات غير دالة على المقصود لا يكون دالا على المقصود غالباً. نعم، قد يتّفق أنّ حساب الاحتمالات يخلق من مجموع الروايات غير الدالّة دلالة على المقصود، ولكنّه نادر، مثاله: ما إذا فرض أنّ عدداً كبيراً من الروايات كانت مجملة، وكان القاسم المشترك من الاحتمالات في ما بينها هو الاحتمال المطابق للمقصود، فافتراض أنّ كلّ تلك الروايات تطابقت في قبولها لهذا الاحتمال لمجردّالصدفة بعيد بحسب حساب الاحتمالات، فقد يحصل الوثوق بأنّ السبب لصياغة كلّ هذه الروايات صياغة محتملة الانطباق على هذا المعنى هو حقّانية هذاالمفاد في ذاته.
أمّا إذا كانت الروايات ضعيفة الدلالة، لا بمعنى إجمال مفادها وكون المعنى المقصود أحد محتملاتها بل بمعنى أنّ مفادها تطابق على لازم أعمّ للمقصود مثلا، أو أنّ مفادها بالدقّة أجنبيّ عن المقام، فهذا البيان لا يأتي فيه غالباً، فمثلا لو ناقشنا في دلالة الرواية الثانية عشرة بدعوى أن معنى: «الذين أمر اللّه بولايتهم» هو النصب من قبل اللّه للولاية، وأنّ معنى قبولها قبولهم لهذا التمكين وتصدّيهم للمنصب المفوّض إليهم من قبل اللّه تعالى، وناقشنا في دلالة كتب أهل الكوفة: بأنّ ابتزاز أمر الأُمّة لا يعني أنّ الولاية أمر تحت اختيار الأُمّة وقد ابتزّها يزيد بل يعني أنّ الولاية أمر لمصلحة الأُمّة ولأجلها وقد ابتزّها يزيد، وناقشنا في دلالة جواب الإمام الحسين (عليه السلام) بأنّ تعليق قدومه (عليه السلام) إليهم على اجتماع رأي ملئهم وذوي الحجى والفضل منهم على ذلك كان لأجل إحراز تقبّلهم العملي للقضية المتوقّف عليه نجاحه (عليه السلام) في تصدّيه، لا لأجل كون تقبّلهم ورضاهم هو الذي يعطيه الولاية الشرعية، وكيف لا؟! ونحن نقطع في مذهبنا بأنّه حتى لو كان الانتخاب مصدراً آخر للولاية يغنيه من الناحية الشرعية عن مصدرية الانتخاب، وهو النصب من قبل اللّه، وما إلى ذلك من المناقشات، ففي الأعمّ الأغلب سوف لن تكون الحصيلة من المجموع تمامية الدلالة سنخ ما يكون حصيلة أسانيد كثيرة ضعيفة من تمامية السند بلحاظ الاستفاضة أو التواتر.
التعليق الثاني: أنّ جميع الروايات التي جمعها صاحب الدراسات في المقام أو غالبيّتها ضعيفة سنداً، وقد حاول علاج ذلك عن طريق دعوى التواتر الإجمالي.
ولكن الواقع أنّ العدد الكافي في حصول التواتر المفيد للعلم في الحالات الاعتياديّة على أساس استبعاد التوافق في الكذب صدفةً لا يكفي في ما إذا كانت هناك نكتة مشتركة احتملنا خلقها لداعي الكذب المشترك في نفوس أكثريّة الناقلين، فخرج فرض التوافق في الكذب عن كونه مجرّد صدفة مستبعدة، وما نحن فيه من هذا القبيل؛ لأنّ طواغيت الزمان الذين كانوا يدّعون الخلافة على أساس بيعة الأُمّة لهم بإمكانهم أن يستفيدوا من هذه الروايات الدالّة على مصدريّة الأُمّة للولاية، فيتطرّق احتمال تعمّد الكذب في أكثر هذه الروايات وكونها مخلوقة لوعّاظ السلاطين.
الوجه التاسع: فحوى ما أفتوا به من الاختيار والانتخاب فيما إذا تعدّد المفتي أو القاضي أو إمام الجماعة، وجواز انتخاب قاضي التحكيم من قبل المترافعين.
ولعلّ هذا أضعف الوجوه التي ذكرها في «الدراسات» في المقام.
وقد ناقشه هو بقوله: «اللهم إلاّ أن يقال: إن الانتخاب هنا بعد تحقّق النصب العامّ وتحقّق المشروعية به»، ولعلّ مقصوده بذلك: أن الانتخاب في هذه الموارد لم يكن هو المصدر للمنصب المفروض؛ لأنّ الحجّية التخييرية ثابتة قبل الانتخاب للفتاوى المتعدّدة ولآراء القضاة المتعدّدين فللمكلّف أن يختار ما شاء منها 38،في حين أن المدّعى في ما نحن فيه: أنّ الانتخاب هو مصدر الولاية.
أقول: لا يخفى أنّ نفوذ الانتخاب في ما نحن فيه يقصد به معنى يستبطن نفوذ رأي الأكثرية على الأقليّة المخالفة، ولا يوجد شيء من هذا القبيل في الأمثلة التي أراد قياس المقام بها، فالانتخاب في ما نحن فيه مع الانتخاب في تلك الأمثلة ذو معنيين متباينين، ولا أدري كيف خطر على البال هذا القياس؟!
الوجه العاشر: آيات وأخبار البيعة، قال اللّه تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ 39﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا * وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ 40.
وقال اللّه تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ 41.
وهناك بيعات أُخرى للمعصومين أيضاً ـ قطعية الثبوت تأريخياً بالتواتر غير ما نطق به القرآن الكريم من بيعة الشجرة أو الرضوان وبيعة النساء ـ كبيعة المسلمين لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) يوم الغدير وبيعتهم له (عليه السلام) بعد مقتل عثمان وبيعتهم للحسن (عليه السلام) بعد وفاة علي (عليه السلام)والبيعة التي أخذها مسلم بن عقيل (عليه السلام) في الكوفة للإمام الحسين (عليه السلام)وبيعة النّاس للإمام الرضا ـ سلام اللّه عليه ـ على ولاية العهد، وكذلك حدّثنا التأريخ أيضاً عن بيعة النساء الأُولى التي كانت مع اثني عشر رجلا في العقبة الأُولى في السنة الثانية عشرة من البعثة وبيعة العقبة الثانية مع ثلاثة وسبعين نفراً والبيعة مع الرجال بعد فتح مكة قبل بيعة النساء.
والروايات الواردة في البيعة كثيرة نقتصر منها على ما يلي:
۱ ـ ما في «نهج البلاغة»:
«فأقبلتم إليّ إقبال العوذ المطافيل على أولادها تقولون: البيعة البيعة، قبضت كفّي فبسطتموها ونازعتكم يدي فجاذبتموها، اللهمّ إنّهما قطعاني وظلماني ونكثا بيعتي وأ لّبا النّاس عليّ»42.
۲ ـ ما في «نهج البلاغة» أيضاً:
«وبسطتم يدي فكففتها ومددتموها فقبضتها، ثم تداككتم عليّ تداكّ الإبل الهيم على حياضها يوم وردها حتى انقطعت النّعل وسقط الرّداء ووطئ الضّعيف، وبلغ من سرور الناس ببيعتهم إيّاي أن ابتهج بها الصغير وهدج إليها الكبير وتحامل نحوها العليل وحسرت إليها الكعاب»43.
۳ ـ ما في «نهج البلاغة» أيضاً في كتاب له (عليه السلام) إلى طلحة والزُّبير:
«أمّا بعد فقد علمتما ـ وإن كتمتما ـ أني لم أرد الناس حتى أرادوني ولم أُبايعهم حتّى بايعوني، وإنّكما ممن أرادني وبايعني، وإنّ العامّة لم تبايعني لسلطان غالب ولا لعرض حاضر، فإن كنتما بايعتماني طائعين فارجعا وتوبا إلى اللّه من قريب، وإن كنتما بايعتماني كارهين فقد جعلتما لي عليكما السّبيل بإظهاركما الطاعة وإسراركما المعصية»44.
٤ ـ ما في «نهج البلاغة» أيضاً في كتاب له إلى معاوية: «إنّه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار، ولا للغائب أن يردّ، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسمّوه إماماً كان ذلك للّه رضاً، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردّوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتّباعه غير سبيل المؤمنين، وولاّه اللّه ما تولّى»45.
ونقل ذلك أيضاً نصر بن مزاحم في كتاب «وقعة صفين»46 مع شيء من التفصيل مصدّراً الكلام بقوله: «أما بعد فإنّ بيعتي لزمتك وأنت بالشام؛ لأنّه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان...».
٥ ـ ما في «نهج البلاغة» أيضاً في كتاب له إلى معاوية: «لأنّها بيعة واحدة لا يثنّى فيها النظر ولا يستأنف فيها الخيار، الخارج منها طاعن والمرويفيها مداهن»47.
٦ ـ ما في «نهج البلاغة» أيضاً:
«أيّها الناس إنّ أحقّ النّاس بهذا الأمر أقواهم عليه، وأعلمهم بأمر اللّه فيه، فإن شغب شاغب استعتب، فإن أبى قوتل. ولعمري لئن كانت الإمامة لا تنعقد حتى تحضرها عامّة الناس فما إلى ذلك سبيل، ولكن أهلها يحكمون على من غاب عنها، ثم ليس للشاهد أن يرجع ولا للغائب أن يختار»48.
۷ ـ ومن كلام له (عليه السلام): «يزعم ـ يعني الزبير ـ أنّه قد بايع بيده ولم يبايع بقلبه، فقد أقرّ بالبيعة وادّعى الوليجة، فليأت عليها بأمر يعرف وإلاّ فليدخل فيما خرج منه»49.
۸ ـ «وأما حقّي عليكم فالوفاء بالبيعة والنصيحة في المشهد والمغيب والإجابة حين أدعوكم والطاعة حين آمركم»50.
۹ ـ من كتاب له (عليه السلام) إلى جرير بن عبداللّه البجلي لمّا أرسله إلى معاوية: «أمّا بعد، فإذا أتاك كتابي فاحمل معاوية على الفصل وخذه بالأمر الجزم، ثمّ خيّره بين حرب مجلية أو سلم مخزية، فإن اختار الحرب فانبذ إليه وإن اختار السّلم فخذ بيعته، والسلام»51.
۱٠ ـ «وبايعني الناس غير مستكرهين ولا مجبرين، بل طائعين مخيّرين»52.
۱۱ ـ من كتاب له (عليه السلام) إلى معاوية في أوّل ما بويع له بالخلافة: «فبايع من قبلك، وأقبل إليّ في وفد من أصحابك»53.
۱۲ ـ ما في كتاب الحسن بن علي (عليه السلام) إلى معاوية: «وادخل فيما دخل فيه الناس من بيعتي»54.
۱۳ ـ ما في غيبة النّعماني عن ابن عقدة عن أحمد بن يوسف عن إسماعيل بن مهران عن ] ابن [ البطائني ] عن أبيه ووهيب [ عن أبي بصير عن أبي عبداللّه (عليه السلام)عن الباقر (عليه السلام): «واللّه لكأ نّي أنظر إليه بين الرّكن والمقام يبايع الناس على كتاب جديد على العرب شديد»55.
۱٤ ـ ما في غيبة النعماني أيضاً عن ابن عقدة عن علي بن الحسن التيمليّعن محمد وأحمد ابني الحسن عن علي بن يعقوب عن هارون بن مسلم عنعبيد بن زرارة عن أبي عبداللّه (عليه السلام) أنّه قال: «ينادى باسم القائم (عليه السلام) فيؤتىوهو خلف المقام، فيقال له: قد نودي باسمك فما تنتظر؟ ثمّ يؤخذ بيده فيبايع»56.
۱٥ ـ ما عن السرّاح عن أبي عبداللّه (عليه السلام): «فيظهر عند ذلك صاحب هذا الأمر فيبايعه النّاس، ويتّبعونه»57.
ولا تحضرني فعلا (غيبة النعماني) كي أُسجّل سند الحديث.وروايات بيعة القائم عجّل اللّه فرجه كثيرة تستطيع أن ترى بعضها في البحار 58.
۱٦ ـ ما في الكافي عن عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن ابن فضّال عن أبي جميلة عن محمد الحلبي عن أبي عبداللّه (عليه السلام)قال: «من فارق جماعة المسلمين ونكث صفقة الإمام ( الإبهام خ ل ) جاء إلى اللّه أجذم»59.
ورواه أيضاً بنفس السند بتعبير آخر ليس فيه عنوان نكث الصفقة، ولكن فيه عنوان مفارقة جماعة المسلمين، ونصّ التعبير ما يلي: «من فارق جماعة المسلمين قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه»60.
ورواه في الوسائل عن أحمد بن محمد البرقي في المحاسن عن محمد بن علي الحلبي عن أبي عبداللّه (عليه السلام) بهذا النصّ: «من خلع جماعة المسلمين قدر شبر خلع ربقة الإيمان من عنقه»61.
ولا أدري كيف فهم صاحب الوسائل من عنوان خلع جماعة المسلمين ترك صلاة الجماعة، فرواه في باب كراهة ترك حضور الجماعة؟! وفي البحار نقل عن المحاسن عن ابن فضال عن أبي جميلة عن محمد بن علي الحلبي عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: «من خلع جماعة المسلمين قدر شبر خلع ربق الإسلام من عنقه، ومن نكث صفقة الإمام جاء إلى اللّه أجذم»62.
وأبو جميلة هو مفضل بن صالح الوارد في عبارة النجاشي في ترجمة جابر بن يزيد الجعفي حيث قال: «روى عنه جماعة غمز فيهم وضعفوا، منهم عمرو بن شمر، ومفضل بن صالح...»63 ولكن روى عنه الثلاثة الذين شهد الشيخ الطوسي (قدس سره) بأنّهم لا يروون إلاّ عن ثقة.
فإن فهم من كلام النجّاشي أنّ الأصحاب ضعّفوا مفضل بن صالح فقد سقطت بذلك شهادة الشيخ الطوسي في المقام ولو بالتعارض، ولم يبق دليل على وثاقة أبي جميلة، وقد ضعّفه ابن الغضائري بقوله: «ضعيف كذاب يضع الحديث»64 وإن كان لا عبرة بتضعيفه.
وأما ما رواه في الوسائل عن المحاسن عن محمد بن علي الحلبي فالظاهر ابتلاؤه بالإرسال؛ إذ لا يحتمل رواية أحمد بن محمد البرقي عن الإمام الصادق (عليه السلام) بواسطة راو واحد، فالظاهر أنّ السند الحقيقي هو ما عرفته في باقي النقول، وهو: أحمد بن محمد البرقي عن ابن فضال عن أبي جميلة عن محمد بن علي الحلبي.
۱۷ ـ ما جاء في الخصال عن ماجيلويه عن عمّه عن هارون عن ابن زياد عن جعفر بن محمد (عليه السلام): «أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) قال: ثلاث موبقات: نكث الصفقة وترك السنّة وفراق الجماعة وثلاث منجيات: تكفّ لسانك وتبكي على خطيئتك وتلزم بيتك»65. وسند الرواية غير تامّ.
۱۸ ـ ما جاء في البحار نقلا عن المحاسن عن عبداللّه بن علي العمري عن علي بن الحسن عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام)قال: «ثلاث موبقات: نكث الصفقة وترك السنّة وفرّق الجماعة»66 وسند الرواية غير تام.
وقد ورد في روايات غير تامّة السند تفسير الجماعة بمعنى خصوص أهل الحق من قبيل:
۱ ـ ما عن أمالي الصدوق عن الهمداني عن علي عن أبيه عن نصر بنعلي الجهضني عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عن آبائه (عليهم السلام) قال: قالرسول اللّه (صلى الله عليه وآله): «من فارق جماعة المسلمين فقد خلع ربقة الإسلام منعنقه قيل: يا رسول اللّه وما جماعة المسلمين؟ قال: جماعة أهل الحقّوإن قلّوا»67.
۲ ـ ما عن معاني الأخبار للصدوق (قدس سره) عن أبيه عن سعد عن البرقي عنأبي يحيى الواسطي عن عبد اللّه بن يحيى الواسطي عن عبد اللّه بن يحيى بن عبد اللّه العلوي رفعه قال: «قيل يا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) ما جماعة أُمتّك؟ قال:من كان على الحقّ وإن كانوا عشرة»68.
۳ ـ ما عن معاني الأخبار أيضاً عن أبيه عن سعد عن البرقي عن الحجال عن ابن أبي حميد رفعه قال: «جاء رجل إلى أميرالمؤمنين (عليه السلام) فقال: أخبرني عن السنّة والبدعة وعن الجماعة وعن الفرقة. فقال أميرالمؤمنين (عليه السلام): السّنة ما سنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)والبدعة ما أُحدث من بعده، والجماعة أهل الحقّ وإن كانوا قليلا، والفرقة أهل الباطل وإن كانوا كثيراً»69.
ومما لا إشكال فيه أن السيرة المستمرّة للمسلمين كانت على البيعة، إما للخليفة الحقّ كأميرالمؤمنين (عليه السلام) والحسن والحسين (عليهم السلام)وإما لخلفاء الجور.
التمسك بأدلّة البيعة لمشروعية الانتخاب
وبهذا العرض ينفتح أمامنا الباب لعدّة بيانات لكيفية استفادة المقصود ـ أعني مشروعية الانتخاب ـ من أدلّة البيعة:
البيان الأول: أن نستفيد من نفس البيعة التي وقعت للمعصومين (عليهم السلام)، وذلك بأن يقال: إنّ المفهوم عرفاً وارتكازاً منها أنّ البيعة كانت التزاماً بالطاعة، وأنهم كانوا يرون هذا الالتزام ملزماً لهم، ودخول المعصومين (عليهم السلام) معهم في هذا العمل إمّا يكون بدعوة من المعصوم إلى ذلك كما هو الحال في بيعة الشجرة وبيعة النساء، أو تقريراً له على ما قصدوه كما هو الحال في البيعة لعليّ (عليه السلام) بعد مقتل عثمان، وعلى كلّ تقدير يثبت بذلك كون البيعة ملزمة للطاعة، ومن الواضح أنّه لا تتفق عادة بيعة الكلّ، ولو اتفقت فرضاً فما أسرع ما يأتي جيل لم يبايعوا لكونهم معدومين أو قاصرين وقت البيعة، ولم يكن المرتكز تكرار البيعة بين حين وحين، وهذا يعني نفوذ البيعة على الأُمّة حينما يصدق عرفاً أنّ الأُمّة قد بايعت ـ مثلا ـ رغم تخلّف عدد منهم عن البيعة وهذا يعني حجية الانتخاب ونفوذه على غير المنتخبين الأقلّية وعلى الجيل الجديد حيث كان الانتخاب لزمان واسع يشمل فترة الجيل الجديد.
وما يمكن أن يورد به على هذا البيان أُمور:
الأوّل: أننا نعلم بضرورة من مذهب الشيعة أن المعصوم (عليه السلام) كان واجب الطاعة بالنص، ولم يكن يتوقّف وجوب طاعته على البيعة؛ لأنّ إمامته بالنصب كانت ثابتة من اللّه تعالى، إذن فالبيعة لم تفد إلزاماً للطاعة؛ لأنّ ذلك تحصيل للحاصل، وأكثر ما ورد في آية بيعة النساء من الأحكام التي بايعت النساء الرسول (صلى الله عليه وآله) عليها هي أحكام أوّلية واجبة عليهن من قبل اللّه تعالى، سواء فرضت ولاية للرسول (صلى الله عليه وآله) أو لا، ومع ذلك وقعت البيعة عليها، أفهل يقال: إنّ هذه البيعة أفادت إلزام النساء بتلك الأحكام؟!
والجواب: أنّه لا مانع من افتراض كون البيعة ملزمة للطاعة، فإذا اجتمعت مع ملزم آخر، وهو النصّ أو مع الوجوب الأوّلي الإلهي أوجبت التأكّد، وكان وجوب الطاعة مستنداً بقاءً إلى سببين: النصّ والبيعة، فمن عصى بعد البيعة اشتدّ ما يستحقّه من العذاب، أما إذا انفصلت البيعة عن النصّ كما في من تبايعه الأُمّة لدى غيبة المعصوم بناء على عدم ثبوت الولاية له بالنصّ فالبيعة وحدها ستكفي لإثبات وجوب الطاعة؛ لأنّها في نفسها أحد السببين لذلك.
الثاني: أنّ فعل المعصوم أو تقريره دليل لبيّ لا إطلاق له، والقدر المتيقن مما نستفيده مما وقع من البيعة للمعصوم (عليه السلام) هو أنّ البيعة تفيد إلزام الطاعة، ويجب الوفاء بها حينما تكون بيعة لمن وجبت طاعته مسبقاً بالنصّ، فالمعصوم وإن كان واجب الطاعة في نفسه؛ لأنه كان منصوباً من قبل اللّه للإمامة، ولكن البيعة معه أفادت تأكّد وجوب الطاعة، أمّا أنّ البيعة لغير المنصوب مسبقاً للإمامة تفيد وجوب الطاعة ويجب الوفاء بها فهذا غير مفهوم من هذا الفعل أو التقرير؛ لعدم الإطلاق فيه كما قلنا.
والجواب: أنّ الفعل حينما لا يتركّز له ـ وفق المناسبات العقلائية ـ تفسير في الذهن يكون صدوره من المعصوم أو تقريره إياه دالا على مشروعيته بقدر ما يماثل المورد، ولا يمكن التعدّي منه إلى دائرة أوسع، ولكن حينما يفهم بالارتكاز والمناسبات من ذاك الفعل أمر معيّن فلا محالة يكون المفهوم عرفاً من ذاك الفعل أو التقرير صحّة ذاك الأمر الذي ينتزعه الناس من ذاك الفعل، وهذا الظهور ـ كظهور اللفظ ـ حجّة يؤخذ به، وما نحن فيه من هذا القبيل، فإنّ المفهوم عرفاً ممّا وقع من البيعة مع المعصوم هو أنّ البيعة كانت معاهدة يجب الوفاء بها، وتوجب الالتزام بإمرة من بايعوه، فإن لم نقبل أنّ إفادة البيعة لذلك ارتكازية ابتداءً فلا أقلّ من قبول أنه بعد أن يرى العرف والعقلاء أنّ البيعة وقعت مع المعصوم وبموافقة المعصوم (عليه السلام) لايرى لذلك تفسير عدا أنّ البيعة نوع عقد يرى المعصوم (عليه السلام)وجوب الوفاء به بذاته، فلو وقعت مع غير المعصوم وجب أيضاً الوفاء بها.
الثالث: أننا نقبل أنّ التفسير العرفي الوحيد للبيعة لم يكن عدا كونها معاهدة يجب الوفاء بها، لكن هذا التفسير العقلائي لذلك حاله حال أدلّة الوجوب بالعقد والعهد لا يشمل عدا المتعلّق المشروع في نفسه ولا يشمل عدا طرفي العقد، وأمّا الأقلّية الذين لم يبايعوا فهم غير مشمولين لحكم البيعة، ولم يعرف في التأريخ أنّ بيعة المعصومين (عليهم السلام) كانت بهدف كونها سبباً للولاية حتى على الذين لم يبايعوا، فيا ترى هل بيعة الاثني عشر نفراً للنبيّ (صلى الله عليه وآله) في بيعة العقبة الأُولى أو بيعة الثلاثة وسبعين نفراً معه (صلى الله عليه وآله) في بيعة العقبة الثانية كانت تعني قصد خلق الولاية على الآخرين، أو كانت تعني مجرّد تعاهد لهؤلاء مع النبي (صلى الله عليه وآله) على ما تعاهدوا عليه من مفاد بيعة النساء في الأُولى، ومن الطاعة والدفاع عن النبي (صلى الله عليه وآله) في الثانية؟! وكذلك بيعة الرضوان وقعت بعد أن خشي النبي (صلى الله عليه وآله) أن يتركه المسلمون الذين كانوا معه في الحديبية باعتبار أنهم كانوا يخشون من مواجهة مشركي مكّة، ولم يكونوا متأهّبين للحرب ومسلّحين بما يناسب الحرب؛ لأنّهم كانوا قد خرجوا بأمر النبي (صلى الله عليه وآله) قاصدين الحج لا الحرب، فتحسّباً لاحتمالات وقوع ما يخشى وقوعه بينهم وبين مشركي مكّة أخذ الرسول (صلى الله عليه وآله) منهم جميعاً البيعة على الطاعة والدفاع، ولم تكن لذلك علاقة بفكرة نشر الولاية على سائر المسلمين الذين لم يبايعوا، وكذلك بيعته (صلى الله عليه وآله) بعد فتح مكّة مع الرجال ثمّ مع النساء لا يوجد أيّ شاهد تأريخي على أنها كانت بمعنى البيعة على ولاية تشمل غير المبايعين، كما ليس هناك شاهد على ذلك فيما وقع من البيعة لعليّ (عليه السلام) بعد مقتل عثمان عدا ما ورد من احتجاج عليّ (عليه السلام) بتلك البيعة على مثل معاوية الذي لم يبايع، وهذا ما سنشير إليه إن شاء اللّه في البيان الثالث، وبيعة الغدير التي وقعت بعد فرض النبيّ (صلى الله عليه وآله) الولاية بقوله: «من كنت مولاه فهذا علي مولاه» لا يفهم منها عرفاً أيضاً أكثر من تعهّد المتبايعين بالوفاء بما حصلت عليهم من ولايته (عليه السلام).
البيان الثاني: أننا لا نتمسّك بخصوص ما وقع من البيعة للمعصوم كي يورد عليه مثلا احتمال كون أثر البيعة منحصراً في تأكيد ولاية مسبقة ثابتة بالنصّ، بل نتمسّك بسيرة المسلمين على البيعة حتى لخلفاء الجور الذين لم يكن يعتقد أحد من المسلمين بولايتهم المسبقة على البيعة بنصّ إلهي، فلا شكّ أنّ هذه البيعة كانت بعقلية خلق الولاية وإضفاء الشرعية على خلافتهم، بل وكذلك بيعتهم لعليّ (عليه السلام) بعد عثمان فإنّها لم تكن بروح ثبوت ولايته مسبقاً بالنصّ، وإلاّ لاعترفوا بكونه الخليفة الأوّل، في حين أنّهم لم يعترفوا إلاّ بكونه الخليفة الرابع.
وهذه السيرة كانت بمرأى ومسمع من المعصومين (عليهم السلام)، وصحيح أنه قد وصلتنا روايات كثيرة دالّة على الردع عن بيعتهم لخلفاء الجور بلسان اشتراط العصمة في الإمامة أو اشتراط النصّ 70 من قبيل ما عن سليمان بن مهران عن أبي عبداللّه (عليه السلام)قال: «عشر خصال من صفات الإمام: العصمة والنصوص، وأن يكون أعلم الناس، وأتقاهم للّه، وأعلمهم بكتاب اللّه، وأن يكون صاحب الوصية الظاهرة، ويكون له المعجز والدليل، وتنام عينه ولا ينام قلبه، ولا يكون له فيء، ويرى من خلفه كما يرى من بين يديه»71، وما عن سليم بن قيس قال: سمعت أميرالمؤمنين (عليه السلام) يقول: «إنّما الطاعة للّه عزّ وجل ولرسوله ولولاة الأمر، وإنّما أمر بطاعة أُولي الأمر؛ لأنّهم معصومون مطهّرون لا يأمرون بمعصيته»72، وما عن البزنطي عن الإمام الرضا (عليه السلام): «أما علمت أن الإمام الفرض عليه والواجب من اللّه إذا خاف الفوت على نفسه أن يحتجّ في الإمام من بعده بحجّة معروفة مبيّنة...»73، وما عن يزيد بن الحسن الكحّال، عن أبيه، عن موسى بن جعفر (عليه السلام)عن أبيه عن جدّه عن علي بن الحسين (عليهم السلام) قال: «الإمام منّا لا يكون إلاّ معصوماً، وليست العصمة في ظاهر الخلقة فيعرف بها، فلذلك لا يكون إلاّ منصوصاً»74.
وما عن سعد بن عبداللّه القميّ قال: «سألت القائم (عليه السلام) في حجر أبيه، فقلت: أخبرني يا مولاي عن العلّة التي تمنع القوم من اختيار إمام لأنفسهم. قال: مصلح أو مفسد؟ قلت: مصلح. قال: هل يجوز أن تقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعلم أحد ما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد؟ قلت: بلى. قال: فهي العلّة أيّدتها لك ببرهان يقبل ذلك عقلك؟ قلت: نعم. قال: أخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم اللّه وأنزل عليهم الكتب وأ يّدهم بالوحي والعصمة؛ إذ هم أعلام الأُمم وأهدى أن لو ثبت ( فأهدى إلى ثبت خ ل ) الاختيار، ومنهم موسى وعيسى (عليهما السلام)هل يجوز مع وفور عقلهما وكمال علمهما إذا همّا بالاختيار أن تقع خيرتهما على المنافق وهما يظنّان أنه مؤمن؟ قلت: لا. قال: فهذا موسى كليم اللّه مع وفور عقلهوكمال علمه ونزول الوحي عليه اختار من أعيان قومه ووجوه عسكره لميقات ربّه سبعين رجلا ممن لم يشكّ في إيمانهم وإخلاصهم، فوقعت خيرته على المنافقين، قال اللّه عزّ وجل:﴿ وَاخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا ... ﴾ 75، فلمّا وجدنا اختيار من قد اصطفاه اللّه للنبوة واقعاً على الأفسد دون الأصلح، وهو يظن أنه الأصلح دون الأفسد علمنا أن لااختيار لمن لايعلم ما تخفي الصدور وما تكنّ الضمائر وتنصرف عنه السرائر، وأن لا خطر لاختيار المهاجرين والأنصار بعد وقوع خيرة الأنبياء على ذوي الفساد لمّا أرادوا أهل الصلاح»76 وما إلى ذلك من الروايات بهذه المضامين الرادعة عن بيعتهم لخلفاء الجور.
إلاّ أنّ هذا الردع يوجد فيه احتمالان:
الاحتمال الأوّل: أن يكون ردعاً عن تحقّق الولاية بالبيعة بمعنى حقّ الإمارة، لا بمعنى خصوص إمامة الإمام الذي هو السبب المتصل بين الأرض والسماء، فصحيح أنّ وصف العصمة أو ورود النصّ الخاصّ إنما هو من مزايا الإمام الذي هو السبب المتصّل بين الأرض والسماء، ولكن معنى هذه الروايات أنّ الولاية منحصرة بإمام من هذا القبيل، فغيره لا يستطيع أن يكسب الولاية بمجرّد بيعة الناس إيّاه ولو في خصوص فرض غياب المعصوم، وبعنوان النيابة والبدليّة عن المعصوم، لا بعنوان جعله مقابلا للمعصوم.
وهذا الاحتمال باطل بالضرورة؛ لأنّ لازمه هو أنه إذا غاب الإمام المعصوم ودار أمر إدارة الأُمور وتولّي أُمور المسلمين بين أن يكون بيد المؤمنين أو بيد المنافقين أو الفاسقين أو الكافرين وجب على المؤمنين أن يتخلّوا عن ذلك؛ لأنّ الولاية مشروطة بالعصمة والنصّ غير الموجودين، فلتقع الأُمور بيد الكفرة أو الفسقة أو المنافقين، وهذا ضروري البطلان فإنّنا لا نتكلّم في فرض حاجة استلام المؤمنين للسلطة إلى خوض المعركة الدامية في إسقاط النظام الجائر كي تأتي شبهات من لا يجوّز ذلك، بل لنفترض ـ لحصر الحديث في النقطة المطلوب تمحيصها ـ أننا لسنا بحاجة إلى خوض معركة من هذا القبيل، ولو من باب أن هذه المعركة خاضها من كان قبلنا، وكان يعتقد بجوازها، كما هو الحال في زماننا هذا في إيران حيث إنّ الإمام الخميني ـ تغمّده اللّه برحمته ـ خاض معركة إسقاط نظام الشاه الجائر، ونجح فيها، فسواء فرض أنّ عمله كان صحيحاً أو فرض أنه كان مخطئاً في فتواه بجواز خوض معركة من هذا القبيل هل يحتمل فقهياً أنه ـ بعد أن خاضها هذا الذي كان يرى جواز ذلك بل وجوبه وأراح البلاد من ذاك الطاغية ـ يحرم على المؤمنين التصدّي لأُمور السلطة والولاية، فليتنحّوا عن الحكم كي يأتي نظام الشاه أو نظام أتعس من نظام الشاه؟!
فنحن هنا حينما نبحث مسألة الانتخاب لا نحتاج إلى البحث عن أصل مسألة استلام الولاية؛ لأنّ هذا بحث بحثناه بلحاظ خصوص استلام الفقيه للولاية في المسألة الأُولى، فيكفينا أن نبحث هنا بعد الفراغ عن صحة استلام الولاية في الجملة لغير المعصوم ـ عن أنّ هذا هل يرتبط بالانتخاب أو لا؟ وهذه الروايات لو حملت على هذا المعنى الباطل كان مفادها إبطال أصل ولاية غير المعصوم، وقد فرغنا عن صحتها في الجملة.
الاحتمال الثاني: أن يفترض أنّ هذه الروايات تنظر إلى إمامة الإمام بالمعنى الذي يكون سبباً متّصلا بين الأرض والسماء، وتحصر ذلك بفرض العصمة والنص، وتكون في نفس الوقت ردعاً عن بيعة غير المعصوم بمعنى أنه مع وجود الإمام الذي هو سبب متّصل بين الأرض والسماء لا مورد للبيعة لغيره، أو يفترض أنها تنظر مباشرة إلى شرط الولاية بمعنى الإمارة وتحصرها في الإمام المعصوم عند وجوده.
وهذا الاحتمال هو المتعيّن بعد إبطال الاحتمال الأوّل. إذن فهذه الروايات ليست ردعاً عن كبرى فكرة تحقّق الولاية بالبيعة ابتداءً، وإنما تكون ردعاً عن الصغرى المتمثّلة في البيعة لغير المعصوم في مقابل المعصوم وبالرغم من وجود المعصوم. وعليه فأصل كبرى البيعة التي كانت مركوزة في أذهان المسلمين ولو لغير المعصوم لم يردع عنها مطلقاً وإن وقع الردع عن المصداق. إذن فباستطاعتنا أن نستفيد من ذات الارتكاز غير المردوع عنه صحة البيعة والانتخاب بعد ضرورة أصل التصدّي للولاية والسلطة ولو بالحسبة.
وليس هذا تمسكاً بالارتكاز العقلائي الثابت في باب العقود الذي يرد عليه: أنه لا يثبت الولاية على الأقلية غير الراضية بحكم الأكثرية، بل تمسك بسيرة المسلمين على البيعة وارتكاز إفادتها للولاية في أذهانهم كمسلمين.
إلاّ أنه يرد على هذا الوجه أنه لم يثبت لنا أنّ بيعة المسلمين لخلفاء الجور كانت بروح خلق الولاية على غير المبايعين، فلعلهم كانوا يفترضون أنّ إمرة بعض المسلمين على المجتمع لابدّ منها ولو حسبة، وأنّ الأمير لا يستطيع أن يفعل شيئاً لولا امتلاكه لأنصار ومدافعين عنه ومطيعين له، فكان المبايعون يبايعونه على نصرته وإطاعته والدفاع عنه، سنخ ما مضى من مبايعتهم لرسول اللّه (صلى الله عليه وآله)، وكان ذلك تعهّداً لا يرتبط إلاّ بمن دخل في هذا التعّهد دون من لم يدخل فيه من أقليّة أو
أكثرية، أو لعلّ الخليفة الجائر كان يريد فرض زعامته بالقهر والغلبة ولم يكن ليتمّ له ذلك لو لم يحرز أنصاراً وأعواناً لنفسه، وأخذ البيعة كان عبارة عن أخذ التعهّد من المبايع على النصرة والعون.
ويشهد لذلك في خصوص بيعة الناس لعمر أنها وقعت بعد تعيينه بالنصّ من قبل الخليفة الأوّل، فمن البعيد افتراض أنها كانت بروح تعيينه الآن خليفة وإضفاء الولاية له على غير المبايعين أيضاً، وكذلك بيعة عثمان إنّما وقعت بعد فرض تعيينه بالشورى السداسية، فكأنّها كانت تعهّداً بالوفاء بالولاية لمن فرغوا عن ولايته لا تعهّداً بولاية تسحب على غير المبايعين أيضاً.
البيان الثالث: أن يتمسك بما مضى من احتجاجات أميرالمؤمنين (عليه السلام) على إمامته ـ سلام اللّه عليه ـ ببيعة الناس، فهذا الاحتجاج وإن كان جدلياً بلحاظ أنه (عليه السلام) كانت ولايته ثابتة بالنصّ وبلا حاجة إلى البيعة، لكن تلك الاحتجاجات تدلّ على أيّ حال على كبرى أنّ البيعة أيضاً سبب لخلق الولاية بغضّ النظر عن النصّ، وحملها على الاحتجاج الجدليّ البحت حتى بلحاظ هذه الكبرى بحاجة إلى دليل مفقود، فالقدر المتيقن من سقوط أصالة الجدّ في المقام إنما هو سقوطها بلحاظ ظهور سكوته (عليه السلام) في احتجاجاته عن ثبوت النصّ بشأنه في حصر ولايته بسبب البيعة، دون ظهور كلامه (عليه السلام) في كبرى أنّ البيعة بغضّ النظر عن النصّتورث الولاية.
ولو كان هناك إجمال في هذه الروايات في تشخيص ما هو المقدار اللازممن البيعة الذي يوجب النفوذ على الآخرين الذين لم يبايعوا فلا إشكال فيأنّ بيعة الأكثريّة قدر متيقّن من ذلك، ولعلّ ما في بعض النصوص من فرض كون البيعة للمهاجرين والأنصار يكون بنكتة أنّهم كانوا من أهل الحلّ والعقد فكانت الأكثريّة ترضى برضاهم.
فإن لم نشكّك في أسانيد تلك الاحتجاجات وافترضنا قطعيّة صدق بعضها فدلالتها على المقصود تامّة، ولكن أ نّى لنا بقطعيّة السند؟!
البيان الرابع: الاستفادة من روايات حرمة نكث الصفقة وفراق الجماعة، والظاهر أنّ المقصود بنكث الصفقة ليس مثل نكث صفقة البيع مثلا، وإنما المقصود هو نكث بيعة الإمام، وذلك بقرينة جعله في سياق فراق الجماعة، ويؤيّد ذلك ما ورد في بعض النقول من التعبير بنكث صفقة الإمام. إذن فهذه الروايات تدلّ على حرمة نكث البيعة على الولاية، وهذا ظاهره عرفاً أنّ البيعة تخلق الولاية مستقلةً عن النصّ وغير مقيّده بولاية مسبقة، فلو فرض أنّه يرد على الاستدلال بالسيرة على بيعة المعصوم وبآيات البيعة: أنّه لا إطلاق له للبيعة لمن لم تثبت له الولاية مسبقاً، لا يرد هذا الإشكال على هذا الوجه. نعم حرمة نكث البيعة لا تشمل الأقليّة الذين لم يبايعوا، إذ لا معنى لنكث البيعة بالنسبة لهم، ولكن يشملهم عنوان فراق الجماعة، فتثبت لذلك حرمة مخالفتهم لمن بايعته الأُمّة، وهذا أيضاً لا يرد عليه إشكال احتمال الاختصاص بالبيعة لمن ثبتت له الولاية مسبقاً؛ لأنّ ظاهر هذا النصّ أيضاً أنّ اجتماع الأُمة على من بويع بذاته يورث الولاية بقطع النظر عن ولاية مسبقة.
وهذه الروايات وإن كانت ضعيفة السند ولكن قد يدعى أنّ النهي عن فراق الجماعة كان مشتهراً إلى حدّ أنك عرفت ورود روايات في السؤال عن معنى الجماعة، وجواب الرسول (صلى الله عليه وآله) أو الإمام (عليه السلام)بأنهم جماعة أهل الحقّ وإن قلّوا مما يشهد لكون حديث النهي عن فراق الجماعة نصّاً معهوداً في الأذهان، فورد السؤال عن معنى الجماعة من دون ذكر لنفس النصّ.
واحتمال الافتراء في هذا النصّ وتشهيره من قبل وعّاظ السلاطين لصالح الطاغوت موجود، بأن يكون ذلك منسوجاً ضدّ الشيعة الذين كانوا في الأقليّة، فكانوا يعدّون مفارقين لجماعة المسلمين أو خالعين لجماعة المسلمين، ولكن هذا الاحتمال لا يرد في الروايات التي فسّرت الجماعة بمعنى جماعة أهل الحقّ وإن قلّوا، وهي وإن كانت أخبار آحاد وغير تامّة السند لكنها على أية حال تصلح لتأييد المقصود.
وتقريب الاستشهاد بهذه الروايات هو أنّ المحتملات في المقصود من كلمة جماعة المسلمين ثلاثة:
الأوّل: أن يكون المقصود غالبية المسلمين والذين كانوا وقتئذ همجاً رعاعاً تبعوا خليفة الجور، وعلى هذا الاحتمال تكون هذه الروايات مجعولة من قبل وعّاظ السلاطين، ولكن هذا الاحتمال كما قلنا لا يتطرّق في الروايات التي فسّرت جماعة المسلمين بجماعة أهل الحقّ وإن قلّوا أو وإن كانوا عشرة.
والثاني: أن يكون المقصود بالجماعة جماعة أهل الحقّ كما فسّرت بذلك في بعض تلك الروايات على ما عرفت، وتكون النكتة في تحريم مفارقة الجماعة هي أنّهم افترضوا مسبقاً أهل الحقّ، فمخالفتهم تعني مخالفة الحقّ، وليست النكتة في ذلك كامنة في عنوان الجماعة بما هي جماعة، وبناء على هذا التفسير تكون هذه الروايات أجنبية عن ما نحن فيه، إلاّ أنّ هذا الاحتمال خلاف الظاهر؛ لأنّ الظاهر من تحريم مفارقة الجماعة كون نكتة التحريم كامنة في عنوان الجماعة بما هي جماعة.
والثالث: أن يكون المقصود من الجماعة جماعة أهل الحقّ كما هو الحال في الاحتمال الثاني، ولكن نكتة التحريم تكمن في عنوان الجماعة بما هي جماعة، ولا يكون المقصود من أهل الحقّ خصوص الذين بايعوا من ثبتت له الولاية مسبقاً وقبل البيعة، بل المقصود بذلك الذين بايعوا من يكون أهلا للبيعة وواجداً لشرائط إلباسه ثوب الولاية؛ إذ لا إشكال في أنه لا يتمّ منح الولاية بالبيعة لكل أحد ولو كان فاسقاً فاجراً. إذن فمعنى الرواية: أن بيعة أكثرية من لا يبايع إلاّ المتواجد لشروط أهلية الولاية تنفذ على الآخرين وإن كانوا بالقياس إلى الذين يبايعون الطاغوت قلّة، فإذا بطل الاحتمال الأوّل والثاني تعيّن هذا الاحتمال وبه تثبت شرعية الانتخاب.
إلاّ أنّ ضعف هذا الوجه كما أشرنا إليه عبارة عن ضعف الأسانيد.
وقد اتّضح بهذا العرض أنّ جميع هذه الوجوه العشرة للانتخاب غير تامّ.
الترجيح بالانتخاب بعد فرض صلاحيّة الولاية
وهناك وجه آخر غير هذه الوجوه العشرة ذكره في «الدراسات» لا لإثبات شرعية الانتخاب في تحقيق الولاية ابتداءً، بل لإثبات أنه بعد فرض الفراغ عن صلاحية فئة من الناس واجدة لمواصفات معيّنة لاستلام الولاية ـ وليفترض أنهم هم الفقهاء الواجدون للشرائط ـ لابدّ عقلا من تدخّل الانتخاب في تعيين الوليّ، وأنا أصوغ الوجه العقلي الذي ذكره 77 بهذه الصياغة: إنّنا إمّا أن نفترض تعدّد الأولياء الثابتة لهم الولاية الفعلية لإدارة البلادبتعدّد الفقهاء مثلا أو نفترض وحدة الوليّ بترجيح أحدهم على الآخرين،وعلى الثاني إمّا أن يفترض الترجيح بصفة واقعية بحتة في الولي كالأعلميةأو الأكفئيّة أو يفترض الترجيح باختيار الناس وانتخابهم، ولو بأن يكون انتخابه على أساس ما قد تعتقده الأكثرية من صفة واقعية في من انتخبوه كما لو اعتقدوا أنه أعلم أو أكفأ:
أمّا افتراض ثبوت الولاية الفعلية لكلّ الفقهاء الواجدين للشرائط مثلا فغير محتمل؛ لأنّ ذلك يؤدّي لدى إعمال فردين منهم الولاية إلى التضارب وإلى فساد وضع المجتمع لا إلى صلاحه.
وأمّا افتراض الترجيح بصفة واقعية بحتة في الوليّ كالأعلمية أو الأكفئية من دون دخل لاختيار الأكثرية وانتخابهم إيّاه في ذلك فهذا أيضاً غير محتمل؛ إذ أوّلا قد يتّفق تساوي فقيهين مثلا في تلك الصفة الواقعية، فنقع مرّة أُخرى في الفساد الذي أشرنا إليه في الافتراض الأول. وثانياً أنّ الترجيح بأمر واقعي بحت إنّما يمكن في العمل الفردي كما في باب التقليد الشخصي، فبالإمكان افتراض أنّ التقليد يكون لدى تعدّد الفقهاء للأعلم، فكلّ فرد يقلّد من يعتقد أنه أعلم، فالمرجّح الواقعي هو الأعلمية، واعتقاد الفرد المقلّد للأعلمية طريق إلى ذاك الواقع، وكذلك في موارد إعمال الولاية بشكل فردي وجزئي قبل بلوغ الأُمّة مستوى استلام زمام الحكم، فلو فرض أنّه لدى تعارض حكمين ولائيين يتبع كلّ فرد من يعتقد أكفئيته بأن كان المرجح الواقعي هو الأكفئية، وكان تشخيص الفرد للأكفئيّة طريقاً إلى الواقع لم يكن بذلك بأس.
أمّا في الولاية التي لابدّ من تطبيقها على المجتمع كمجتمع كما في إدارة دفّتي السلطة الإسلامية فالترجيح بصفة واقعية بحتة غير ممكن؛ لأنّ الناس يختلفون في تشخيص من هو الأكفأ أو الأعلم، فنتورّط مرة أُخرى في الفساد الذي ينشأ من تعدّد الأولياء.
إذن فلابدّ أن يكون لانتخاب الأكثرية دخل واقعي في الولاية ولا يصحّ افتراض أنّ ما هو الدخيل واقعاً في الولاية إنّما هو الأكفئية مثلا، ويكونتشخيص الأكثرية طريقاً ظاهرياً إلى ذلك، وذلك لأنّ الطريق الظاهري يسقطعن الحجّية لدى العلم بالخلاف، فلو كانت الأقليّة معتقدة خطأ الأكثرية في انتخابها سقط هذا الطريق الظاهري بالنسبة لهم عن الحجية، فلابدّ أن يكون للأكثرية أمير وللأقلية أمير آخر، ونتورّط مرّة أُخرى في الفساد الذي ينشأمن تعدّد الأولياء.
وتوجد في هذا البيان ثغرتان لابدّ من ملئهما كي يتمّ عندئذ هذا البيان:
الثغرة الأُولى: أنّه لِمَ لا نقول لدى التعارض بالتساقط وانتفاء الولاية؟! وكأنّ صاحب «الدراسات» كان قد افترض مسبقاً فساد ذلك ولو لوضوح فساد بقاء المجتمع بلا وليّ يدير الأُمور.
إلاّ أنّ تخريج ذلك يكون بحاجة إلى شيء من التدقيق والتعميق، وحاصله: أنّ الأساس الذي اعتمدناه لإثبات أصل الولاية إما أن يكون هو الأساس الأوّل من الأُسس الثلاثة الماضية في بحث المسألة الأُولى وهو الحسبة، أو الثاني وهو الأدّلة اللفظية على وجوب إقامة الحكم الإسلامي، أو الثالث وهو الدليل اللفظي على ولاية الفقيه.
أمّا على الأساس الأوّل فلا يرد إشكال التعارض والتساقط؛ لأنّ مفاده ليس هو فعلية الولاية لكل فقيه مثلا حتى نبتلي بالتعارض والتساقط، وإنّما مفاده هو وجوب التصدّي كفاية لإدارة الأُمور بلا إطلاق في المقام من حيث الشروط، وليكن القدر المتيقّن من ذلك من يقع عليه الانتخاب.
وأمّا على الأساس الثاني فأيضاً لا يرد هذا الإشكال، فإنّ دليل وجوب إقامة الحكم لا يدلّ أيضاً على الولاية الفعلية لكل فقيه مثلا وإنما مفاده الوجوب الكفائي لإدارة الحكم بلا إطلاق في المقام من حيث الشروط، وليكن القدر المتيقّن من ذلك من يقع عليه الانتخاب.
وأمّا على الأساس الثالث فقد يورد عليه هذا الإشكال، فيقال: إنّ الدليل اللفظي لمبدأ ولاية الفقيه يبتلي لدى تعارض حكمين من قبل فقيهين بالتعارض الداخلي والتساقط، كما هو الحال في دليل حجية خبر الواحد مثلا لدى تعارض خبرين، أو دليل التقليد لدى تعارض فتويين من فقيهين متساويين.
والجواب: أنّ هناك فرقاً بين ما نحن فيه وبين تلك الموارد، وهو ارتكازية أنّ تعارض الوليّين ليس المفروض به أن يوجب بقاء المجتمع بلا وليّ، فهذا الارتكاز يعطي لدليل الولاية إطلاقاً إجمالياً في فهم العرف لفرض التعارض، أي أنّ ذاك الدليل تنقلب دلالته في فرض التعارض من الدلالة على الولاية التعيينية لكلّ فقيه مثلا إلى الدلالة على أنّ دائرة الولاية إجمالا هي الفقهاء، ولابدّ عندئذ من التمسك بالقدر المتيقّن، ولا شكّ أنّ المنتخب هو القدر المتيقن بعد ما لم يكن بالإمكان كون الأعلم الواقعي أو الأكفأ الواقعي هو القدر المتيقن؛ لما عرفت من أنّ إسناد الولاية على المجتمع إلى خصوص الأعلم أو الأكفأ غير معقول.
الثغرة الثانية: أنّنا لئن اضطررنا إلى مرجّح إثباتي لحلّ مشكلة تعدّدالقادة على أساس أنّ المرجّح الثبوتي كالأكفئية يقع الخلاف فيه بين الناس، وبذلك تعجز القيادة عن فعلها القيادي، فلابدّ من مرجّح إثباتي لا يختلففي تشخيصه الناس، فما الذي أثبت لنا أنّ ذاك المرجّح هو اختيار الناس،ولم لا يكون ذاك المرجح عبارة عن القرعة مثلا أو عبارة عن اختيار الفقهاء بالانتخاب في ما بينهم لأحدهم دون اختيار الأُمّة وانتخابها، أو عبارة عنأكثرية رأي الفقهاء في كلّ مسألة بأن يتحوّل الأمر إلى شورى القيادة فيمابينهم؟
وقد يجاب على هذا الإشكال: بدعوى القطع بأنّه لو كان مرجح إثباتي في المقام فالمتيقّن منه هو انتخاب الأُمّة لا غير، وهذه الدعوى لا يمكن إثباتها أو نفيها بالبرهان إلاّ أن تكون بروحها راجعة إلى الجواب الثاني.
وأُخرى يجاب عليه: ببيان أنّ دليل ولاية الفقيه المطلق وهو التوقيع الماضي مثلا كان المترقّب فيه بطبيعة إطلاق متعلّق المتعلّق وهو الفقيه أن يكون إطلاقه شمولياً، فكان المفروض أن يشمل كلا المتشاحّين في الولاية ويوجب ذلك التساقط، ولكن بعد فرض القرينة العقلائية الارتكازية المانعة عن حمل الدليل على فرض الشمول المؤدّي إلى التعارض والتساقط كما نقول بذلك في دليل التقليد أيضاً ينصرف الدليل ـ سواء دليل الولاية أو دليل التقليد ـ من الإطلاق الشمولي الموجب للتساقط إلى الإطلاق البدلي الموجب للتخيير، ولا موجب في بداية الأمر لترجيح ثبوتي ولا إثباتي لأحد الأفراد على الآخر، أي أنّ المطلق بعد وجود مانع عن حمله على الشمول والاستغراق ينصرف إلى البدلية والتخيير، لا إلى الترجيح إلاّ إذا كان المرجّح عبارة عن نفس نكتة الحجّية المفهومة عرفاً، ويكون الفاصل بمقدار كبير كالأعلمية في التقليد والكفاءة في الولاية، فلو كان أحدهم أعلم من الآخرين بمقدار مساو لملاك التقليد أو أكثر منه، أو كان أحدهم أكفأ من الآخرين بمقدار مساو لملاك الولاية أو أكثر منه فلا إشكال عندئذ في الترجيح، وهذا يكون دائماً ترجيحاً بملاك ثبوتي في القضايا الفردية كالتقليد أو الولاية في أُمور جزئية قبل إقامة الحكم الإسلامي مما يمكن التفكيك فيه بين الأشخاص، فكلّ يرجع إلى من يراه أعلم أو أكفأ، وفي غير فرض وجود مرجّح من هذا المستوى يتّم التخيير؛ لأنّ فهم العرف من المطلق الذي كان الأصل فيه الشمولية تحوّل إلى البدلية والتخيير، وهذا التخيير في القضايا الفردية تخيير فردي، فالمقلّد يتخيّر في تقليد أحد المفتين، والمولّى عليه يتخيّر في إتّباع أحد المتشاحّين في الولاية.
أمّا في باب الولاية على المجتمع فالتخيير الفردي غير معقول، وإلاّ لاختار كلّ أحد وليّاً، وهذا هدم للولاية والقيادة كما هو واضح، فهنا يتحوّل مرّة أُخرى فهم العرف للدليل من التخيير الفردي إلى التخيير الجمعي، أي أنّ الأُمّة بمجموعها هي التي ستختار الوليّ بمعنى أنّ لكل فرد منهم دخلا في هذا التخيير وصوتاً ملحوظاً ضمن الأصوات، وهذا يعني الانتخاب والترجيح بالأكثرية، وكذلك الترجيح الثبوتي بالأكفئية الكبيرة يكون أمر تشخيصه بيد الكلّ لا بيد فرد واحد وإلاّ لزم تعدّد الأولياء، وهذا أيضاً يعني الانتخاب لمن هو أكفأ في نظر كلّ فرد فرد، أي أنّ كلّ فرد له حقّ الإدلاء بصوته في تشخيص الأكفأ، وهذا يعني الترجيح بأكثرية الآراء، وهذا ما سمّيناه بالمرجّح الإثباتي.
هذا فيما إذا كان لدينا دليل لفظي مطلق على ولاية الفقيه، وكذلك الحال في ما إذا كان دليلنا على ولاية الفقيه عبارة عن دليل لفظي أوجب على المجتمع إقامة الدولة الإسلاميّة زائداً ضرورة الاقتصار على القدر المتيقّن ممّن تجوز للأُمّة تسليطه على أنفسهم وهو الفقيه، فهنا أيضاً نقول: إنّ ذاك الدليل دلّ على أنّه يجب على المجتمع كفاية تحقيق الدولة الإسلامية وتشخيص قيّم عليها وفق المتيقّن من واجد الصفات المحتمل دخلها في الولاية، ويفهم من ذلك عرفاً تخييرهم في تعيين من يريدون أو ترجيحهم بما يعتقدونه من الأكفئيّة، وهذا التخيير أو الترجيح ليس أمراً فردياً كما في باب التقليد أو في باب الولاية الجزئية، بل أمر جمعي ليس له مفهوم معقول عدا الانتخاب والأخذ بأكثرية الأصوات.
وأما إذا كان الدليل على الولاية عبارة عن الحسبة، والتي ليس لها إطلاق أو ظهور لفظي فهنا ينحصر حلّ اللغز بالجواب الأوّل، وهو أنّ الانتخاب والترجيح بالأكثرية بعد فرض التشاحّ هو القدر المتيقّن مما نستطيع أن نقطع معه برضا الشارع.
بقي في المقام شيء، وهو أنّ هذا الوجه لإثبات الانتخاب إنّما يكون مفاده هو الترجيح بالانتخاب لدى التشاحّ في إعمال الولاية، أمّا إذا لم يكن بين الفقهاء تشاحّ من هذا القبيل فلا يبقى مورد لهذا الوجه بالتقريب الذي عرفت فإن وقع التشاحّ فالقدر المتيقّن مما يفصل الكلمة هو انتخاب الأُمّة بلا إشكال.
وإن لم يقع التشاحّ كما لو تصدّى البعض للقيادة دون غيره، أو توافق المتنافسون على أن ينتخبوا هم من بينهم بأكثرية آرائهم فرداً منهم للقيادة فهل يجب هنا أيضاً الانتخاب أو لا داعي للانتخاب ما دام التشاحّ غير موجود؟
إن كان دليلنا على ولاية الفقيه عبارة عن نصّ يتمتّع بالإطلاق، وهو الأساس الثالث من الأُسس الثلاثة لولاية الفقيه فلا حاجه إلى الانتخاب في غير فرض التشاحّ، ومن يتصدّى للحكم ويسيطر على الأُمور وهو جامع للشرائط يجب على الأُمّة الانقياد له، ويحرم على الفقهاء الآخرين شقُّ عصا المسلمين.
وإن كان دليلنا على ذلك عبارة عن أحد الأساسين الأوَّلين اللذين يكون تعيين الفقيه للقيادة بناء عليهما من باب القدر المتيقّن، فقد يقال: إنّ القدر المتيقّن إنّما هو الفقيه المنتخب للأُمّة فلابدّ من الانتخاب رغم عدم التشاحّ. نعم لو لم تستعدّ الأُمّة لأيّ سبب من الأسباب للانتخاب وجب على أحد الفقهاء ـ الجامعين لسائر الشروط ـ كفاية القيام بوظائف الولاية وحمل الراية بنفس دليل الحسبة أو الدليل اللفظي الدالّ على وجوب إقامة الحكم الإسلامي كفاية.
وقد يقال: إنّ الانتخاب إنّما يجعل الشخص المنتخب قدراً متيقّناً، لدى التشاحّ أو لدى وقوع الانتخاب بالفعل، أمّا لدى عدم التشاح وعدم وقوع الانتخاب بالفعل فلا نكتة لكون المنتخب قدراً متيقناً، بمعنى أن يكون الانتخاب مقدّمة ضرورية لتحصيل من يقطع بولايته.
التمسّك بما ورد في (الرضا من آل محمد (صلى الله عليه وآله))
هذا، وهناك وجه آخر يمكن أن يذكر لإثبات الانتخاب، وهو أيضاً لو تمّ لم يكن له الإطلاق كأكثر الوجوه السابقة، ولابدّ فيه من الاقتصار على القدر المتيقّن وهو الفقيه، وذاك الوجه هو الاستدلال بما مضى من رواية العيص التامّة سنداً، والتي ورد فيها قوله: «ولا تقولوا خرج زيد، فإنّ زيداً كان عالماً وكان صدوقاً، ولم يدعكم إلى نفسه وإنّما دعاكم إلى الرضا من آل محمد (صلى الله عليه وآله)، ولو ظهر لوفى بما دعاكم إليه...»78، وذلك بناء على تفسير قوله: «الرضا من آل محمد» بمعنى المرتضى من قبل الناس من آل محمد، وهذا يعني الانتخاب.
إلاّ أنّ هذا التفسير بعيد؛ وذلك لما ورد في ذيل هذا الحديث من قوله: «فالخارجُ منّا اليوم إلى أيّ شيء يدعوكم؟ إلى الرضا من آل محمد (صلى الله عليه وآله)؟ فنحن نشهدكم أ نّا لسنا نرضى به، وهو يعصينا اليوم، وليس معه أحد، وهو إذا كانت الرايات والألوية أجدر أن لا يسمع منّا...»، فمن الواضح من هذا الذيل أنّ الإمام (عليه السلام) طبّق عنوان «الرّضا من آل محمّد» على نفسه، في حين أنه لم يكن قد وقع وقتئذ انتخاب عليه من قبل الأُمّة، وإنما كانت إمامته بالتعيين من قبل اللّه تعالى. إذن فالظاهر أنّ المقصود بالرّضا من آل محمد المرتضى للّه أو للشريعة الإسلامية من آل محمد.
أمّا ما هو المقياس في ارتضاء اللّه أو الشريعة الإسلامية لشخص للولاية، هل هو التعيين أو الانتخاب أو غير ذلك؟ فهذا أمر مسكوت عنه.
ولا يعارض هذا التفسير ما ورد في بعض الأحاديث من أنّ زيداً لم يكن يؤمن بإمامة الإمام (عليه السلام)79، فإنّ هذا لو تم لا ينافي الدعوة للرضا من آل محمد، فلنفترض أنه لم يكن يعرف زيد من هو الرضا من آل محمد (صلى الله عليه وآله) ولكن كان يدعو على سبيل الإجمال إلى الرّضا من آل محمد إلى أن يعرف بعد الانتصار بالبراهين والحجج من هو الرّضا من آل محمّد.
نعم تلك الروايات تعارض قوله (عليه السلام) في رواية العيص: «فإنّ زيداً كان عالماً»، فإنّ الظاهر أنّ المقصود بذلك كونه عارفاً بالإمام الحقّ.
وفي ختام البحث عن مسألة الانتخاب نشير إلى أمرين قد اتضح الحال فيهما في الحقيقة من الأبحاث التي عرفتها:
انتخاب غير الفقيه
الأمر الأوّل: هل يحقّ للأُمّة أن تنتخب غير الفقيه وليّاً لها شريطة أن يرجعهذا الولي في فهم الأحكام الفقهية الدخيلة في عمله ومواقفه إلى فقيه بالتقليدأو لا؟ وقد اتّضح مما عرفته من الأبحاث أنّه لا يحقّ لها ذلك، وذلك لا لأجل دليل خاصّ على شرط الفقاهة في الوليّ كما مضى عن كتاب «دراسات فيولاية الفقيه» فإنّك قد عرفت النقاش في ذلك لدى البحث عن المسألة الأُولى،بل لأجل أنه لا إطلاق في دليل الانتخاب يثبت به جواز انتخاب غير الفقيه للولاية، فلابدّ من الاقتصار في مقابل أصالة عدم الولاية على القدر المتيقّنوهو الفقيه، وقد مضى النقاش في كلّ دليل من أدلّة الانتخاب الذي يمكندعوى الإطلاق فيه بما فيها الدليل الذي نقلناه عن أُستاذنا الشهيد (قدس سره) من التمسّك بآية الشورى﴿ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ منضمّة إلى قوله تعالى:﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ... ﴾ 2.
الفقيه غير المنتخب
الأمر الثاني: الفقيه الذي لم ينتخب هل تكون له الولاية في غير دائرة أوامر الوليّ المنتخب، وفي غير فرض تحقّق التعارض مع غيره والتساقط أو لا؟ هذا مبتن على الإيمان بالأساس الثالث من الأُسس الثلاثة التي شرحناها لمبدأ ولاية الفقيه وعدمه، وهو أساس الدليل اللفظي على ولاية الفقيه، فإن لم نؤمن به لم تثبت للفقيه الولاية إلاّ عند عدم وجود فقيه منتخب كما هو الحال في ما قبل بلوغ الأُمّة مستوى انتخاب الحاكم لها، فعندئذ تثبت الولاية للفقيه بقدر الأُمور الحسبية لا أكثر من ذلك وإن آمناً به كما اخترناه في ما مضى. إذن تثبت للفقيه غير المنتخب الولاية شرط عدم التدخّل في دائرة أوامر الوليّ المنتخب، أي أن ولاية الأمر العامّة تختص بالفقيه المنتخب، ولكن لا ينافي ذلك تدخلّ فقيه آخر في دائرة جزئية لم يتصدّ لها الوليّ العامّ.
وعليه فبقدر ما يختار في ما مضى من تماميّة الدليل الخاصّ على ولاية الفقيه تثبت الولاية للفقيه غير المنتخب فيما لا يزاحم أوامر الفقيه المنتخب.
وأمّا ما ستأتي إن شاء اللّه في البحث القادم من روايات عدم تعدّد الإمامفي عصر واحد فلو تعدّينا من مورد تلك الروايات وهو الإمام المعصوم إلى الفقيه فهي إنّما تدلّ على عدم جواز تعدّد الوليّ العامّ على مجتمع واحد، وهذا لا ينافي جواز إعمال أحدهم الولاية في غير دائرة أوامر الفقيه المنتخب، ولا يعارض إمامة ذاك الفقيه 80.
- 1. a. b. c. d. القران الكريم: سورة الشورى (42)، الآية: 38، الصفحة: 487.
- 2. a. b. c. d. e. القران الكريم: سورة التوبة (9)، الآية: 71، الصفحة: 198.
- 3. الإسلام يقود الحياة: ۱٦٠ ـ ۱٦۱.
- 4. القران الكريم: سورة الشورى (42)، الآيات: 36 - 39، الصفحة: 487.
- 5. القران الكريم: سورة الأحزاب (33)، الآية: 36، الصفحة: 423.
- 6. القران الكريم: سورة الأحزاب (33)، الآية: 6، الصفحة: 418.
- 7. a. b. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 159، الصفحة: 71.
- 8. إن قلت: إنّ قوله:﴿ ... وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ ... ﴾ يمكن حمله على ولاية الشورى مع افتراض قابليّة هذا الوصف للفعليّة وقتئذ ولو بلحاظ قضايا جزئيّة، كجماعة اشتركوا في سفر أو مال أو في تجارة وما إلى ذلك، فيكون ﴿ ... وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ ... ﴾ ولو استحباباً، وخصوص فرد من أفراد ولاية الشورى ـ وهو تعيين ولي الأمر بالشورى ـ تأجّل إلى زمان الغيبة، وهذا لا يضرّ بظهور الآية في أصل قابلية هذا الوصف للفعليّة وقتئذ، وهذا الفرد بالذات غير قابل للحمل على الاستحباب، فإنّ المنتخب للإمرة إمّا أن يكون وليّاً واجب الطاعة أو لا قيمة لأمره، ولا يكون في سلطانه ـ لدى العمد والالتفات ـ إلاّ طاغوتاً، أمّا احتمال الاستحباب في ذلك فغير وارد فقهيّاً.
قلت: لا إشكال فقهيّاً في عدم ولاية الشورى في مثل موارد الاشتراك في أمر، غاية الأمر أنّهم إن أجمعوا جميعاً على رأي ولو على رأي الأخذ بما تصوّبه الأكثريّة سلّمت شركتهم، وإلاّ فسخوها لا محالة، والمصداق المحتمل لولاية الشورى إنّما هي القضايا الراجعة إلى السلطة والحكم وسن القوانين وما إلى ذلك.
- 9. دراسات في ولاية الفقيه ۱: ٤۹۳ ـ ٥۲۹.
- 10. البحار ۲: ۲۷۲، الباب ۳۳ من أبواب كتاب العلم، الحديث ۷.
- 11. وسائل الشيعة ۱۳: ۳۸۱، الباب ۱۷ من أبواب أحكام الوصايا، الحديث ۲.
- 12. راجع وسائل الشيعة ۱۳: ۳۸۱، الباب ۱۷ من أبواب أحكام الوصايا.
- 13. راجع فقه العقود ۱: ۲۱٠.
- 14. القران الكريم: سورة المائدة (5)، من بداية السورة إلى الآية 1، الصفحة: 106.
- 15. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 190، الصفحة: 29.
- 16. القران الكريم: سورة الحجرات (49)، الآية: 9، الصفحة: 516.
- 17. القران الكريم: سورة الأنفال (8)، الآية: 60، الصفحة: 184.
- 18. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 104، الصفحة: 63.
- 19. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 38، الصفحة: 114.
- 20. القران الكريم: سورة النور (24)، الآية: 2، الصفحة: 350.
- 21. دراسات في ولاية الفقيه ۱: ٥٠٠ ـ ٥٠۱.
- 22. يقصد بآيات الوراثة قوله تعالى في سورة الأنبياء: الآية ۱٠٥:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ ، وقوله تعالى في سورة الأعراف: الآية ۱۲۸:﴿ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ ، وقوله تعالى في سورة القصص: الآية ٥:﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ﴾
القران الكريم: سورة القصص (28)، الآية: 5، الصفحة: 385. - 23. يقصد بآية الاستعمار قوله تعالى في سورة هود: الآية ٦۱:﴿ ... هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ... ﴾ .
- 24. a. b. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 30، الصفحة: 6.
- 25. نهج البلاغة: ۲٦۲، الخطبة ۹۱، طبعة الفيض، والصفحة ۱۲٦، الخطبة ۹۲، ضبط وفهرسة الدكتور صبحي الصالح.
- 26. دراسات في ولاية الفقيه ۱: ٥٠۳، نقلا عن تاريخ الطبري ٦: ۳٠۷٦، والكامل ( لابن الأثير ) ۳: ۱۹۳.
- 27. دراسات في ولاية الفقيه ۱: ٥٠٤، نقلا عن تاريخ الطبري ٦: ۳٠٦٦.
- 28. دراسات في ولاية الفقيه: ٥٠٤ ـ ٥٠٥ نقلا عن الكامل ( لابن الأثير ) ۳: ۱۹۳ قال: ورواه الطبري أيضاً مقطّعاً ٦: ۳٠۷۷ و ۳٠٦۷.
- 29. نهج البلاغة: ۸۳۱، الكتاب ٦، طبعة الفيض، والصفحة ۳٦٦ ـ ۳٦۷ بحسب ضبط وفهرسة الدكتور صبحي الصالح.
- 30. دراسات في ولاية الفقيه ۱: ٥٠٦، نقلا عن مقاتل الطالبيين: ۳٥.
- 31. البحار ٤٤: ٦٥.
- 32. دراسات في ولاية الفقيه ۱: ۳٠٤ و ٥٠۷ نقلا عن كتاب سليم بن قيس: ۱۱۸، وكذلك في نفس المجلّد صفحة ۳٠٤ نقلا عن كتاب غاية المرام ( للبحراني ): ۲۹۹ عن مجالس الشيخ الطوسي بسنده عن علي بن الحسين (عليه السلام) عن الحسن بن علي (عليه السلام) عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله).
- 33. المصدر السابق: ٥٠۷ نقلا عن عيون أخبار الرضا ۲: ٦۲.
- 34. a. b. المصدر السابق: ٥٠۸ و ۳٥۳ نقلا عن صحيح البخاري ۳: ۹٠، وسنن النسائي۸: ۲۲۷، وسنن الترمذي ۳: ۳٦٠، ومسند أحمد ٥: ۳۸، وتحف العقول: ۳٥.
- 35. دراسات في ولاية الفقيه: ٥٠۸ نقلا عن كتاب سليم بن قيس: ۱۸۲.
- 36. المصدر السابق: ٥٠۹ نقلا عن الإرشاد للمفيد: ۸۸٥، والكامل لابن الأثير ٤: ۲٠ و ۲۱.
- 37. دراسات في ولاية الفقيه ۱: ٥٠۹، نقلا عن دعائم الإسلام ۲: ٥۲۷.
- 38. لا يخفى أن قاضي التحكيم على القول به ليس من هذا القبيل، فلم يفرض له منصب القضاء في الرتبة السابقة على التحكيم.
- 39. القران الكريم: سورة الفتح (48)، الآية: 10، الصفحة: 512.
- 40. القران الكريم: سورة الفتح (48)، الآية: 18 و 19، الصفحة: 513.
- 41. القران الكريم: سورة الممتحنة (60)، الآية: 12، الصفحة: 551.
- 42. نهج البلاغة: ٤۱۱، الخطبة ۱۳٥، طبعة الفيض. والعوذ: جمع عائذ بمعنى حديثة النتاج من الظباء والإبل والخيل سمّيت عائذاً؛ لأنّ ولدها يعوذ بها، والمطافيل: جمع مطفل بمعنى ذات الطفل.
- 43. نهج البلاغة: ۷۱۳، الخطبة ۲۲۷، طبعة الفيض، والصفحة ۳٥٠ ـ ۳٥۱ الخطبة ۲۲۹، بحسب ضبط وفهرسة الدكتور صبحي صالح. وتداككتم: أي تزاحمتم، وهام: بمعنى عطش، والهدج: مشية الشيخ.
- 44. نهج البلاغة: ۱٠۲٦ ـ ۱٠۲۷، الرسالة ٥٤، طبعة الفيض، والصفحة ٤٤٥ ـ ٤٤٦، بحسب فهرسة الدكتور صبحي صالح.
- 45. نهج البلاغة: ۸۳۱، الرسالة ٦، طبعة الفيض، والصفحة: ۳٦٦ ـ ۳٦۷، فهرسة الدكتور صبحي صالح.
- 46. وقعة صفين: ۲۹، طبعة قم.
- 47. نهج البلاغة:۸۳٤، الرسالة ۷، طبعة الفيض، والصفحة:۳٦۷، فهرسة الدكتور صبحي صالح.
- 48. نهج البلاغة: ٥٤۹، الخطبة ۱۷۱، طبعة الفيض، والصفحة: ۲٤۷ ـ ۲٤۸ الخطبة ۱۷۳، فهرسة الدكتور صبحي صالح.
- 49. نهج البلاغة: ٥۱، الخطبة ۸، طبعة الفيض، والصفحة: ٥٤٠، فهرسة الدكتور صبحي صالح.
- 50. نهج البلاغة:۱٠٥، الخطبة ۳٤، طبعة الفيض، والصفحة: ۷۹، فهرسة الدكتور صبحي صالح.
- 51. نهج البلاغة:۸۳٥، الكتاب ۸، طبعة الفيض، والصفحة ۳٦۸، فهرسة الدكتور صبحي صالح.
- 52. نهج البلاغة:۸۲۲، الكتاب ۱، طبعة الفيض، والصفحة ۳٦۳، فهرسة الدكتور صبحي صالح.
- 53. نهج البلاغة: ۱٠۷٠، الكتاب ۷٥، طبعة الفيض، والصفحة ٤٦٤، فهرسة الدكتورصبحي صالح.
- 54. مقاتل الطالبيين: ۳٦، منشورات المكتبة الحيدرية في النجف الأشرف.
- 55. البحار ٥۲: ۲۹٤، باب يوم خروجه، الحديث ٤۲، وكذلك الصفحة: ۱۳٥ باب انتظار الفرج، الحديث ٤٠، نقلا عن غيبة النعماني.
- 56. البحار ٥۲: ۲۹٤، باب يوم خروجه، الحديث ٤۳، نقلا عن غيبة النعماني.
- 57. دراسات في ولاية الفقيه ۱: ٥۲۱ ـ ٥۲۲، نقلا عن غيبة النعماني، الباب ۱٤ ما روي في العلامات، الحديث ۲٥.
- 58. بحار الأنوار ٥۲: ۲۳۹، ۲۹٤، ۳٠۷، ۳٠۸، ۳٤۱.
- 59. أُصول الكافي ۱: ٤٠٥ كتاب الحجّة، باب ما أمر النبي (صلى الله عليه وآله) بالنصيحة لأئمّة المسلمين، الحديث ٤ و ٥، راجع ـ أيضاً ـ البحار ۲۷: ۷۲.
- 60. راجع المصدرين المتقدمين.
- 61. وسائل الشيعة ٥: ۳۷۷، الباب ۲ من أبواب صلاة الجماعة، الحديث ۱۱.
- 62. البحار ۲: ۲٦۷، الباب ۳۳ من أبواب كتاب العلم، الحديث ۲۸.
- 63. رجال النجاشي: ۱۲۸، الرقم ۳۳۲.
- 64. انظر معجم رجال الحديث ۱۸: ۲۸۷.
- 65. بحار الأنوار ۲۷: ٦۸، الباب ۳ من أبواب كتاب الإمامة، الحديث ٤، نقلا عن الخصال.
- 66. المصدر السابق ۲: ۲٦٦، الباب ۳۳ من كتاب العلم، الحديث ۲٥.
- 67. بحار الأنوار ۲۷: ٦۷، الباب ۳ من أبواب كتاب الإمامة، الحديث الأول، نقلا عن أمالي الصدوق.
- 68. المصدر السابق ۲: ۲٦٥، الباب ۳۳ من أبواب كتاب العلم، الحديث ۲۱، نقلا عن معاني الأخبار.
- 69. بحار الأنوار ۲: ۲٦٦، الحديث ۲۳، نقلا عن معاني الأخبار.
- 70. راجع بحار الأنوار ۲۳: ٦٦ ـ ۷٥، باب أن الإمامة لا تكون إلاّ بالنصّ، و ۲٥: ۱۱٥ ـ ۱۷٥، باب جامع في صفات الإمام وشرائط الإمامة، و ۲٥: ۱۹۱ ـ ۲۱۱، باب عصمتهم ولزوم عصمة الإمام.
- 71. بحار الأنوار ۲٥: ۱٤٠، باب جامع في صفات الإمام وشرائط الإمامة، الحديث ۱۲.
- 72. المصدر السابق ۲٥: ۲٠٠، باب عصمتهم ولزوم عصمة الإمام، الحديث ۱۱.
- 73. المصدر السابق ۲۳: ٦۷، باب أن الإمامة لا تكون إلاّ بالنص، الحديث الأول.
- 74. بحار الأنوار ۲٥: ۱۹٤، باب عصمتهم ولزوم عصمة الإمام، الحديث ٥.
- 75. القران الكريم: سورة الأعراف (7)، الآية: 155، الصفحة: 169.
- 76. بحار الأنوار ۲۳: ٦۸ ـ ٦۹، باب أنّ الإمامة لا تكون إلاّ بالنص، الحديث ۳.
- 77. راجع دراسات في ولاية الفقيه ۱: ٤٠۹ ـ ٤۱٥.
- 78. وسائل الشيعة ۱۱: ۳٦، الباب ۱۳ من أبواب جهاد العدو، الحديث الأول.
- 79. راجع معجم رجال الحديث ۷: ۳٤۹ ـ ۳٥٤، برقم ( ٤۸۷٠ )، ترجمة زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، بحسب الطبعة الثالثة.
- 80. المصدر: كتاب ولاية اللأمر في عصر الغيبة، لسماحة السيد كاظم الحائري.