مجموع الأصوات: 31
نشر قبل سنتان
القراءات: 1513

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

من أخلاق الصديقة الكبرى

وصف الله تعالى نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فقال عزّ من قائل: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ 1 ، وفاطمة سلام الله عليها نشأت متخلقة بخلق ابيها ذلك الخلق السامي العظيم، ولعلنا ومهما حاولنا إيفاء جميع جوانب تلك الأخلاق السامية او ان نستوعبها خلال وريقات قليلة نجد أنفسنا قاصرين عاجزين عن إداء كل معانيها، لذا فان بيان ثلاثة جوانب من ذلك السمو الخلقي ربما يفي بما نحن فيه.

عبادة فاطمة الزهراء عليها السلام

تجد في صلاتها الخلوص للواحد الأحد، والخشوع والخضوع والاعتراف بالعبودية لله تبارك وتعالى. حيث كانت عليها السلام وكما قال الامام الحسن عليه السلام: رأيت أمي فاطمة عليها السلام قامت في محرابها ليلة جمعتها، فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسميهم وتكثر الدعاء لهم ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أماه لِمَ لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بني! الجار ثم الدار 2. ومن يدري لعلها سلام الله عليها كانت تدعو في جوف الليل والاسحار لشيعتها ومواليها، لانها كانت تجسد معنى الانسانية بخلقها الكريم، اذ هي سيدتنا وسيدة نساء العالمين وقدوة المؤمنات والمؤمنين.

وهذا الخلق المتجسد في صلاتها وتعقيباتها إن هو إلّا مثلًاً يقتدي به كل موالٍ لها، لان الصلاة سمة المؤمن ومعراجه، بل هي الرابطة بين العبد وربه، فالله سبحانه وتعالى يقول: ﴿ ... وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي 3 وبذكره تنجلي النفوس وتسموا وترتفع وتنتهي عن كل فاحشة ومنكر ﴿ ... إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ... 4.

ثم ان الإنسان العاقل يجد في ذاته القدرة على ان يحدد موقعه في مختلف مناحي حياته، فهو ولا ريب يمكنه ان يتعرف بذاته على مدى إيمانه من قوة وضعف، ميزانه في ذلك صلاته. فالخلوص والإحساس بالخضوع والخشوع لله جلّ وعلّا أثناء الوقوف بين يديه للصلاة علامة للإنسان بان إيمانه بخير، كما ان الاستعداد والتهيؤ للصلاة بقلب ينبض بالحيوية والشوق عند سماع المؤذن ينادي" حي على الصلاة" إن هو إلا دلالة وعلامة يستدل بها ويتعرف على قوة إيمانه ورسوخه في قلبه، والعكس صحيح هنا أيضا، فلا يدل التثاقل والتكاسل عن تلبية نداء الرب، الا على عدم رسوخ الإيمان. كما ان من علامات تزلزل الإيمان وعدم رسوخه، أداؤها باعتبارها واجبا فحسب يتخلص منه الإنسان، فيقف راكعا ساجدا دونما خلوص او خشوع، كصلاة ذاك الإعرابي حين وقف يصلي في المسجد والنبي صلى الله عليه وآله جالس مع أصحابه، فقال متعجبا من صلاة الإعرابي:" نقر كنقر الغراب، لو مات هذا وهذه صلاته لم يكن من امتي" 5.

القدرة على اكتشاف مواطن الضعف وبالتالي اصلاحها هي من سمات الإنسان اللبيب، فهو حين يشعر بضعف ما كأن يصيبه دوار في رأسه او ألم في موضع من بدنه، لا شك انه سوف يبحث عن العلاج فيسارع الى الطبيب ليشخص الداء ويصف له الدواء. كذلك الحال حينما يتبين له ان إيمانه لم يترسخ بعد في قلبه، او أنه يعاني من ضعف في الإيمان، لابد وان يبحث عن مكمن هذا الضعف ومنشئه بميزان عقله الذي وهبه الله إياه، وان يتفحص موضع المشكلة والخطأ ليشخص موضع الصواب، وبالتالي ليصلح نفسه. وبتعبير آخر؛ متى أراد الإنسان ان يعرف ميزان الإيمان في قلبه وان يعرف حدود تكامل شخصيته وهل هي قوية صابرة إيمانية، لابد له ان ينظر إلى صلاته، لان الصلاة قربان كل مؤمن، وهذه الوسيلة للنجاة وهذه الرابطة بين العبد وربه إن هي الا سبع عشرة ركعة بالضرورة، والصلاة الحقيقية إحدى وخمسون ركعة، منها إحدى عشرة ركعة نافلة الليل، وركعتان نافلة الصبح. وثماني ركعات نافلة الظهر قبل الفريضة، وثماني ركعات نافلة العصر قبل الفريضة أيضا وأربع ركعات نافلة المغرب بعد الفريضة، وركعتان من جلوس نافلة العشاء؛ تحسب بركعة من قيام، هذه النوافل مع الفرائض إن هي الا إحدى وخمسين ركعة هي من علامات المؤمن، بل وبركة لعمره يرتقي الإنسان الى مراتب السمو والعروج الى الله تعالى والقرب منه.

وربما يتساءل البعض عن إمكان أداء نافلة الليل قبل الذهاب إلى النوم متعللا بأسباب قد تبدوا من وجهة نظره وجيهة، إذ ان وقت صلاة الليل من بعد صلاة العشاء الى الفجر، والواقع كذلك، فهناك من لا يستيقظ لصلاة الليل لعلة او أخرى، ولكن الأفضل ان تصلى النافلة بعد منتصف الليل والأفضل ان تصلى في الثلث الأخير منه، وأداؤها كذلك ربما يصعب على البعض او يمنعه الشيطان عن أدائها، لكن الإرادة الإيمانية القويمة هي التي تنتشل المؤمن من هذه المعاناة، وليست هي الا تجربة وتمرين، فالإنسان إذا ما صلى في ليلة ركعتين هدى ثوابها للصديقة الكبرى سلام الله عليها، ومرّن نفسه على ذلك ليال ثم يزيدها إلى أربع ركعات ومن بعدها إلى ست ركعات ثم ثمان ثم عشرة ثم إحدى عشرة، وبمرور الليالي سينهض في الثلث الأخير من الليل وكأن أحدا يوقظه، بل سيكون في موقع جدير بأن يوكل الله تعالى ملكا خاصا به ينهضه للصلاة، وتلك سجية المؤمن بالله تعالى وخلق الموالي للصديقة سلام الله عليها.

ونحن اذ ندعو الى الصلاة نعلم يقينا ان من ندعوه من اهل الصلاة، لكننا بدعوانا نود ان نؤكد على ضرورة التعمق بالصلاة أولًا، ولان النوافل تجبر الفرائض ثانياً، ففي حديث للامام الصادق عليه السلام ما معناه ان الانسان إذا اراد ان تكون صلواته اليومية المفروضة صحيحة لابد ان يجبرها بالنوافل.

تصدي الصديقة الكبرى لشؤون الأمة

تصدي الصديقة فاطمة الزهراء سلام الله عليها سمة من سمات خلقها العظيم. فلم تكن يوما ما بمعزل عن أمة أبيها، سيما وهي التي نشأت وترعرت في بيت الرسالة المحمدية السمحاء التي جاءت لإنقاذ مجتمع خيم عليه ظلام الجهل واستحوذت عليه العصبية القبلية، وليس ادل على ذلك من وقوفها سلام الله عليها إلى جنب الرسالة وحضورها في الساحة ابان البعثة وفيما بعدها في كل قضية وكل موقع وموقف، فقد كانت ومنذ صغرها خير مواسي لأبيها وهو يتعرض لأذى الحاقدين على الرسالة الجديدة، فتراها تمسح جبينه الشريف بيديها الشريفتين الصغيرتين، وبعد رحيله صلى الله عليه وآله ما فتأت تدافع عن الدين وتدافع عن الرسالة والقيم، وكان وقوفها الى جنب إمامها وقسيمها في النور الإلهي حين أنكر عليه وعليها المنكرون، وجحدهما الجاحدون، وراحت تتصدى لشؤون أمة أبيها. ولعل آخر موقف بينها وبين أمير المؤمنين عليه السلام بكاؤها، حيث يقول لها الإمام عليه السلام: يا بنت رسول الله لم بكاؤك؟ فتقول عليها السلام: أبكي لما تلقى أنت يا علي من بعدي. وهذا يعني فيما يعنيه تصديها

لشؤون الأمة واهتمامها بمستقبل الإسلام والمسلمين بعد رحيلها لما سيلقاه أمامها عليه السلام من المتاعب والمصاعب.

ولاية الصديقة لإمامها مطلقة

معرفة ما هو حق والاعتراف والإذعان بهذا الحق من الأخلاق السامية النبيلة التي يتحلى بها الإنسان، وفاطمة عليها السلام أولى بهذه السمة وهذا الخلق الرفيع، لانها نشأت على الحق.

فهي أول من كان على حق ومع الحق، وأول من كان ينتفض على الباطل. ومن هنا كانت ولايتها للإمام أمير المؤمنين عليه السلام مطلقة لا تشوبها شائبة، ثم ان مقام الصديقة الكبرى سلام الله عليها هو مقام الكفء للإمام علي عليه السلام، ولولا علي لما وجد كفء لها. وهي سلام الله عليها شطر النور الذي قسمه الله تبارك وتعالى على نبيه ووصيه والأئمة من ولده وعلى فاطمة الزهراء صلوات الله عليهم أجمعين، ومع ذلك كله ومع هذه المرتبة السامية للصديقة سلام الله عليها كانت موالية ولاية مطلقة لأمير المؤمنين عليه السلام، فهي حينما تعود من إلقاء خطبتها تستحث الإمام لطلب حقها من الغاصبين، فيقول لها: احتسبي الله- وما يكون منها سلام الله عليها الا ان- قالت: حسبي الله، وأمسكت 6. ولم تنبس ببنت شفة بعدئذ. فهي بذلك جسدت موقفا جليلا بحد ذاته عظيما في معناه ومحتواه، فلقد جسدت معنى الطاعة والخضوع لإمامها وأظهرت معنى الولاية، وهي ابنة سيد الخلائق أجمعين، ذلك الخضوع والتسليم للإمام الذي رافقها حتى بعد وفاتها سلام الله عليها، وبعد ما وضعت في قبرها الشريف ودفنت حيث سألوها عن إمامها فقالت: إمامي هذا الجالس على القبر. وتلك هي سمات علو المرتبة وصفات المؤمن التي ينبغي ان يتصف بها ويتحلى بها كل موالي للصديقة الكبرى سلام الله عليها، وتلك هي الأخلاق السامية التي لابد ان نتمثلها في حياتنا، وحينها تقوى أواصرنا وتتوثق علاقتنا بسيدتنا الزهراء سلام الله عليها، فننال شفاعتها يوم القيامة ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ 7. بقلب خالص يحب أهل البيت ومتخلق بأخلاقهم صلوات الله عليهم أجمعين 8.