الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
نحو استثمار أفضل للعطلة الصيفية
يتعامل كثيرون مع أيام العطلة الصيفية وسائر اجازات العمل والدراسة، وكأنها مدة اضافية من الزمن، ليست من حساب أعمارهم، ولا تشكل جزءا من رصيد حياتهم، لذلك يهدرون أوقاتهم خلالها، ولا يخططون للاستفادة منها، فتتصرم أيامها دون أن يحققوا لأنفسهم انجازا يذكر.
إن عدم التفكير والتخطيط لاستثمار وقت الفراغ في العطلة والإجازة، قد يحولها من مبعث راحة، وتجديد نشاط، الى مصدر كآبة وملل، ومن فرصة تنمية وبناء للذات، إلى أرضية سوء تنبت المفاسد والأشواك.
قد يشعر الإنسان بالارتياح، في اليوم الأول والثاني من أيام الاجازة، لتحرره من التزامات العمل أو الدراسة، لكنه بعد ذلك سيعاني ضغط الفراغ، إن لم يكن له برنامج بديل، أو اهتمامات تشغل نفسه ووقته، فحين لا يجد الانسان ما يهتم به ، يصيبه احساس بالضياع واللاقيمة، كما قد تتسلل الى نفسه اهتمامات سيئة، لملء فراغه النفسي والعملي.
يتحدث شاب جامعي عن نظرته لحالة الفراغ قائلا: «وقت الفراغ في نظري، هو الوقت الذي لا أفعل فيه أي شيء، أي أنني أكون في هذا الوقت غير مشغول بممارسة أي نشاط سواء كان نشاطا ذهنيا أم عمليا.. وهذا الوقت هو أكثر الأوقات سببا في الإحساس بالملل، بل إنه ممل جدا بالنسبة لي، ولا استطيع احتماله أكثر من ربع ساعة، والسبب في ذلك أن هذا الوقت يعطي للعقل فرصة في أن يفكر في أشياء كثيرة، تجعل الإنسان يصاب بحالة اكتئاب نفسي، لأنه في الغالب تكون هذه الأشياء جزءا من مخزون المشاكل التي تواجه الإنسان يوميا، ولذلك فأحسن تعبير يطلق على وقت الفراغ هو الوقت القاتل».
التوجهات السيئة
غالبا ما يكون الفراغ أرضية للانحراف، ودافعا للتوجهات السيئة، حيث لا يشعر الانسان بوجوده وقيمته، إلا إذا كان له تفاعل ما مع قضايا الحياة من حوله، فإن لم يتوافر له ما يمنحه هذا الشعور ايجابيا، فسيعاني حالة فراغ نفسي، تتولد منها هواجس وتصورات غير منضبطة، كما قد تتحرك لديه بعض النوازع والرغبات غير السليمة، والتي هي تحت السيطرة في الأوضاع العادية السوية.
وأخطر ما يكون الفراغ في مرحلة الشباب، حيث يمتلك الشاب قوة فائضة، تبحث عن قنوات للتصريف، وحماسا كبيرا، يدفع نحو الفاعلية والنشاط. فإذا كانت أمامه برامج وأدوار، وخيارات مناسبة، تشغل اهتمامه، وتنمي شخصيته، وتفعل قدراته بالاتجاه الصحيح، فإن ذلك سيكون لصالحه وصالح المجتمع.
أما في حالة الفراغ فسوف يكون الشاب فريسة لمشاعر الملل والإحباط، ولقمة سائغة لتيارات الفساد والانحراف، وهذا ما يعانيه كثير من المجتمعات المعاصرة.
وكما اشتهر على الألسن قول الشاعر ـ أبو العتاهية:
إن الفراغ والشباب والجدة *** مفسدة للمرء أي مفسدة
وقال شاعر آخر:
لقد هاج الفراغ عليه شغلا *** وأسباب البلاء من الفراغ
وينقل عن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب أنه قال لعامله: «إن هذه الأيدي لابد أن تشغل فأشغلها بطاعة الله قبل أن تشغلك بمعصيته».
وروى البيهقي عن عبدالله بن الزبير قال: أشر شيء في العالم البطالة.
ومن أخطر السلبيات التي تنتج عن الفراغ، حالة الملل والسأم وهي مؤذية للنفس، مربكة لشخصية الإنسان، وهناك مقولة متداولة هي: "أن تشعر بالملل هو أن تقبل الموت"، والملل قد يدفع الإنسان الى تصرفات عبثية ضارة، من أجل التخلص من الملل والخروج من عبء وطأته.
إن عدم التخطيط لاستثمار وقت الفراغ، خاصة في العطلة الصيفية والإجازات، وعدم الاهتمام بتوفير البرامج المناسبة من قبل الفرد والمجتمع، هو الذي ينتج العديد من الظواهر السلبية، التي تعانيها مجتمعاتنا، ونلحظها في حياة الكثيرين في أوقات فراغهم، ومن أبرزها الظواهر التالية:
كثرة النوم
يجد البعض في العطلة والإجازة فرصة جيدة لزيادة ساعات نومه، والتي قد تصل الى عشر ساعات أو أكثر. بينما يكون معدل نومه أيام الدراسة والعمل في حدود ست ساعات أو سبع ساعات في أقصى حد.
لاشك في أن النوم حالة طبيعية، وضرورة بيولوجية للإنسان، كما لسائر الكائنات الحية، وأنه يخدم وظائف أساسية، مهمتها استعادة الإنسان لنشاطه، وللمقومات التي يعتمد عليها هذا النشاط، وإعادة التوازن الذي اختل أثناء ساعات اليقظة.
ومن الواضح أن النائم يفقد ادراكه بما يحيط به، ويتوقف احساسه بالحياة، وتفاعله معها. حيث تتضاءل جميع أنشطته، وترتخي عضلاته، وتتباطأ ضربات القلب، وينخفض معدل التنفس.
فالنوم في مظهره يشكل شبه خروج مؤقت للإنسان عن معادلة الحياة، وإذا كان الإنسان ينام ثماني ساعات، في كل أربع وعشرين ساعة، فمعنى ذلك أن ثلث عمره يكون خارج دائرة الإحساس والتفاعل مع الحياة، ومن يحب الحياة، ويتبنى فيها أهدافا وتطلعات، عليه أن يحرص على كسب أي ساعة ولحظة منها، والنوم فيما يزيد منه على الحاجة والضرورة، بمثابة هدر وتضييع لجزء من العمر.
لقد افترض الكثيرون: ان الحاجة اليومية للنوم، هي ثلث ساعات اليوم الواحد، أو ما معدله 8 ساعات، في كل 24 ساعة، واعتبر البعض: أن الإخلال بهذا المعدل، يلحق الأذى بصاحبه، لكن بحوث العلماء، والتجارب الميدانية والاختبارية، أظهرت: أن معظم الناس ينامون لمعدل زمني يقع بين 5 إلى 6 ساعات في اليوم الواحد، بينما البعض لمدة أقل من ذلك، حدها الأدنى 4 ساعات، وأن التفاوت في معدل النوم بين الناس يتأثر بعوامل شخصية تتعلق بالفرد نفسه.
وقد لوحظ ان أولئك الذين يعيشون حياة نشطة وخلاقة ومجدية، وخالية من الهم، فإن حاجتهم للنوم، هي أقل من حاجة أقرانهم، ممن لا يظهرون مثل هذه الصفات.
ويقرر باحثون أخصائيون: ان الحد الأدنى للحاجة الى النوم في الفرد النامي، ذكرا أو أنثى، يقع ما بين 4 إلى 5 ساعات في اليوم، وقد يكون فيما يزيد على هذا الحد اضافة لا حاجة هامة لها، وأن بإمكان الفرد أن يستغني عنها.
وتحديد مدة النوم وزمنه، يخضع لما يعود الفرد عليه نفسه، ضمن الظروف والحالة الطبيعية، فإذا برمج وضعه على مدة معينة للنوم، فسينتظم عليها، وقد ينزعج للإخلال بها.
ويتضح من دراسات علمية عديدة، للمقارنة بين سمات وصفات فئة الأفراد طويلي النوم، وفئة الأفراد قصيري النوم: ان قصيري النوم هم أكثر نشاطا وفعالية، وأكثر طموحا، واتخاذا للقرار، وأكثر رضا عن أنفسهم وحياتهم، وأكثر اجتماعية، وهم قليلو التشكي بشأن دراستهم وظروف حياتهم، وهم يتصفون بالانفتاح، وقلة القلق، ويشغلون أنفسهم بصورة دائمة بفعالية أو أخرى، وقلما يعانون مشاكل نفسية، ويتضح من هذه الخصائص أن قصر النوم يتوافق عادة مع مقومات أفضل في الشخصية، ومع حياة نفسية واجتماعية وإنتاجية أفضل. ولهذا أن يدلل على ان النوم والى حد ما، هو أقل ضرورة أو فائدة لصاحبه مما كان يظن.
إنه ينبغي التعامل مع النوم ضمن حالة الحاجة والضرورة، وليس كهواية يستمتع بها الإنسان فيستكثر منها.
وما نراه عند البعض، من زيادة وقت نومهم أيام العطلة والإجازة، يعتبر ظاهرة سلبية، تحرم الإنسان من الاستفادة المناسبة من وقت فراغه.
ونجد في النصوص والتعاليم الدينية ما يؤكد أهمية التقليل من النوم، ويلفت نظر الانسان الى سلبيات الإكثار منه. جاء في الاثر "إياكم وكثرة النوم" لأن كثرة النوم ستكون على حساب العمل الصالح والذي هو غنى الإنسان وثروته في الدنيا والآخرة1.
- 1. الموقع الرسمي لسماحة الشيخ حسن الصفار(حفظه الله) صحيفة اليوم 6 / 8 / 2002م - 1:00م.