مجموع الأصوات: 8
نشر قبل سنة واحدة
القراءات: 2500

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

نفقة الزوجة..قراءة في الأدلة والمفاهيم والآراء

مدخل

يترتب على إيجاد عقد الزوجية بين الرجل والمرأة مجموعة من الحقوق والواجبات المتبادلة ، إذ يجب على كل طرف القيام بواجباته، وتوفير الحقوق التي للطرف الآخر، فحقوق الزوج على زوجته هي واجبات بالنسبة للزوجة ويلزمها القيام بها، كما أن للزوجة حقوقاً على زوجها، وهي واجبات بالنسبة للزوج و يلزمه القيام بها.
وبهذه الحقوق والواجبات المتبادلة تُبنَى الحياة الزوجية على أسس صحيحة وقوية، وتؤدي إلى نجاح الحياة الزوجية، ونشر السعادة في أركان وأجواء البيت العائلي.
ومن أهم حقوق الزوجة هو : حق النفقة، حيث يجب على الزوج القيام بتوفير النفقة لزوجته مادامت المرأة مطيعة لزوجها، وقائمة بواجباتها الشرعية تجاه زوجها.
وفي هذه الدراسة سنتناول بشيء من التفصيل كل ما يتعلق بحق النفقة من مسائل وأحكام وأبعاد، كمفهومها، ومقدارها، وشرائط استحقاقها، ومسائلها المختلفة، وذلك لأهمية هذا الحق في تثبيت البناء العائلي، وتوفير السعادة والمحبة في كيان الأسرة.

مفهوم النفقة

للنفقة معنيان :
1 ـ المعنى اللغوي:
إنفاق : مصدر أنفق الرجل، أي افتقر وذهب ماله، وأنفق المال : أنفده وأفناه، وهو من نفق بمعنى نفِدَ، يقال : نفق الشيء : مضى ونفِد، ونفقت الداّبة : ماتت، ونفقت الدراهم : ذهبت.
والنفقة : اسم من الإنفاق. و مايُنْفَق من الدَّراهم ونحوها . و الزَّادُ . و ما يفرض للزوجة على زوجها من مالٍ للطَّعام والكساء والسُّكنى والحضانة ونحوها . وجمعها نَفَقَاتٌ، ونِفَاقٌ.
2 ـ المعنى الاصطلاحي:
يراد بالنفقة بمعناها العام : إنفاق المال في وجوه الخير بوجه عام، ولعل تعريف كمال الدين ابن الهمام هو أفضل التعاريف ـ كما يرى الشيخ محمد مهدي شمس الدين ـ حيث عرف النفقة في الشرع بأنها: الإدرار على الشيء بما به بقاؤه.
ويُلاحظ على هذا التعريف : أن النفقة لاتقتصر على ما به البقاء، حيث أن هذا المقدار هو النفقة لرفع الضرورة ودفع الهلاك، وأما النفقة في الشرع ـ المبنية على موازين العرف ـ فهي مابه البقاء والنماء، أي بحيث تساعد موردها على استيفاء حظه الطبيعي ـ بحسب أصل الخلقة ـ من النمو والكمال والتكامل مع المحيط.
وإلا، فإن الاقتصار في النفقة على خصوص مابه البقاء، ليس من النفقة عند أهل العرف، ويعد العرف من يقتصر عليها مقصراً، إذا كان قادراً على مابه النمو والكمال.
وهذه هي النفقة الواجبة. وأما المستحبة فتتسع لأكثر من هذا لتشمل الإحسان والإفضال في غير ضروريات البقاء والنماء.
و لعله من الأنسب تعريف نفقة الزوجة بأنه: النفقة الواجبة على الزوج لزوجته من الإطعام والكسوة والمسكن وآلات التنظيف والطبخ وسائر ماتحتاجه بحسب حالها عرفاً.
ويغلب استعمال مفهوم ( النفقة ) في الإنفاق على واجبي النفقة كالزوجة والأقارب والمملوك إنساناً كان أو غيره.
موجبات النفقة
الأسباب الموجبة للإنفاق بالسبب ثلاثة وهي:
1 ـ الزوجية.
2 ـ القرابة.
3 ـ الملك.
وأضاف السيد السيستاني موجباً رابعاً وهو الاضطرار. ولم أر غيره قد أشار لذلك- بحسب اطلاعي- بل قال السيد عبدالأعلى السبزواري بانحصار موجبات النفقة الواجبة في الثلاثة، إذ يقول:(( الحصر في الثلاثة لأصالة البراءة عن وجوب إنفاق غيرها، مضافاً إلى إجماع المسلمين. أما وجوب حفظ النفس المحترمة عن التلف فهو واجب كفائي ويصير عينياً مع الانحصار، ولا ربط له بالنفقة الواجبة بالذات المنحصر في الموارد الثلاثة))
وربما يعود عدم ذكر الفقهاء لهذا الموجب – أي الاضطرار- أيضاً لأنه يدخل في العنوان الثانوي لموجبات النفقة، بخلاف الأسباب الأخرى حيث أنها تدخل في العنوان الأولي.
وسنوضح أحكام النفقات بشيء من التفصيل والإسهاب، والبداية مع نفقة الزوجة.

وجوب نفقة الزوجة

اتفق الفقهاء جميعاً على أنه يجب على الزوج أن ينفق على زوجته حتى ولو كانت غنية، من غير فرق بين أن تكون الزوجة مسلمة أو غير مسلمة مادامت تؤدي واجباتها الشرعية تجاه زوجها.
والدليل على ذلك من مصادر التشريع الإسلامي الأربعة كالتالي :
الأول: القرآن الكريم:
استدل الفقهاء على وجوب نفقة الزوجة على زوجها بآيات عديدة ... منها :
1 ـ قوله تعالى :﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ... 1 فالله سبحانه وتعالى ذكر سببين لكون الرجال قوامين على النساء وهما :
الأول : تفضيل بعض خلقه على بعض من حيث زيادة العقل وحسن الرأي والعزم.
الثاني: بما أنفق الرجال على النساء من المهر والنفقة.
2ـ قوله تعالى :﴿ أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ * لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ ... 2 هذه الآية الشريفة تدل على وجوب النفقة على الزوج لزوجته المطلقة رجعياً، ومن باب أولى فهي تدل على وجوب النفقة على الزوجة غير المطلقة.
3 ـ قوله تعالى:﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ... 3 والمولود له هو الزوج، وضمير (( هن )) عائد إلى الزوجات. واختصاص الآية الشريفة بالزوجة المولود لها ليس حصراً بعد عدم احتمال اختصاص الحكم بها.
4 ـ قوله تعالى :﴿ ... وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ... 4 ومن أهم دلائل المعاشرة بالمعروف هو الإنفاق على الزوجة بالشكل المتعارف عليه من حيث الطعام والمسكن والملبس وماأشبه ذلك بما يؤدي إلى تحقيق ( المعاشرة بالمعروف ) في هذا الجانب.

الثاني : السنة النبوية :
وردت روايات كثيرة تدل على وجوب نفقة الزوجة على الزوج، ومن هذه الروايات :
1 ـ عن ربعي بن عبدالله والفضيل بن يسار جميعاً، عن أبي عبدالله  في قوله تعالى :﴿ ... وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ... 5 قال : إن أنفق عليها ما يقيم ظهرها مع كسوة وإلا فرق بينهما.

2ـ عن أبي بصير ـ يعني المراديّ ـ قال : سمعت أبا جعفر  يقول : من كانت عنده امرأة فلم يكسها ما يواري عورتها ويطعمها ما يقيم صلبها كان حقاً على الإمام أن يفِّرق بينهما.
3ـ عن إسحاق بن عمار، أنه سأل أبا عبدالله  عن حقَّ المرأة على زوجها ؟ قال: يشبع بطنها ويكسو جثتها وإن جهلت غفر لها.
إلى غير ذلك من الروايات التي وصلت فوق حد التواتر . وكلها تدل بوضوح على وجوب أن ينفق الزوج على زوجته ما تحتاجه من طعام وملبس ومسكن وغيرها .
الثالث : الإجماع :
إن مسألة وجوب نفقة الزوجة على زوجها من الأمور المجمع عليها عند المسلمين جيمعاً، قال صاحب الجواهر : (( لا تجب النفقة من حيث كونها نفقة ـ لا من حيث توقف حفظ النفس المحترمة ـ إلا بأحد أسباب ثلاثة : الزوجية والقرابة والملك بإجماع الأمة، كما عن جماعة الاعتراف به)).
الرابع: العقل:
الإنفاق على الزوجة الدائمة من الواجبات العقلائية النظامية التي لااختصاص لها بملة دون أخرى؛ بل هي جارية في جميع الملل والأديان والأمكنة والأزمان من حين حدوث الزواج بين آدم وحواء إلى انقراض الدنيا. وهذه هي سيرة العقلاء حيث يقوم الأزواج بدفع النفقة لزوجاتهن في كل زمان ومكان.
فثبت بذلك - من خلال القرآن الكريم والسنة الشريفة والإجماع والعقل - أنه يجب على الزوج الإنفاق على زوجته بلا خلاف ولا إشكال.

مقدار النفقة

لم يحدد الشرع المقدس حقيقة شرعية لمقدار نفقة الزوجة، بل أوكل ذلك إلى العرف، فكل مايراه العرف لازماً للنفقة فهو منها، وما ذكر في بعض الروايات من التعيين والتحديد لمقدار النفقة فهو محمول على بيان ما كان عليه العرف في زمان صدور تلك الروايات، ومن باب إعطاء الأمثلة، وإلا فبعض ما ذكر في تلك الروايات من أمثلة لم يعد لها وجود اليوم، أو لم تعد متناولة في طعام الناس وشرابهم.
والضابط في قدر النفقة ـ كما يرى المحقق الحلي ـ هو : (( القيام بما تحتاج إليه المرأة، من طعام وإدام وكسوة وإسكان وإخدام وآلة الإدهان، تبعاً لعادة أمثالها من أهل البلد)).
وكي يؤدي الزوج ماعليه من نفقة تجاه زوجته فإن عليه أن يوفر الطعام الكافي، والملبس اللائق، والمسكن المناسب، وما يستلزم ذلك من أدوات وآلات تتناسب والشأن الاجتماعي لها على حسب ماهو متعارف في حياة أمثالها من النساء.
ولأن الشرع لم يحدد حقيقة شرعية لمقدار النفقة، بل يُرجَع في ذلك إلى العرف، ومن الواضح أن العرف يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والمجتمعات المختلفة ... هذا بصورة مجملة، ولكن الفقهاء ذكروا مكونات النفقة الواجبة في ثمانية محاور نذكرها بإيجاز وهي :
1 ـ الإطعام :
المراد من الإطعام هو دفع الطعام أو قيمته للمرأة، والطعام هو البُرّ، أو الأرز، أو الذُّرَة، أو التمر، أو نحوها ممّا يكوّن أغلب غذاء الإنسان، وهو يختلف باختلاف البلدان والأقاليم.
واختلف الفقهاء في مقداره وجنسه :
قال المحقق الحلي في الشرائع: (( وفي تقدير الإطعام خلاف؛ فمنهم من قدره بمد، للرفيعة والوضيعة من الموسر والمعسر، ومنهم من لم يقدر، واقتصر على سد الخلة، وهو أشبه))
و قال الشيخ الطوسي في الخلاف : ((نفقة الزوجات مقدّرة، وهي مدٌّ، قدره رطلان وربع )). وقال الشيخ الطوسي أيضاً في المبسوط : (( نفقة الزوجات معتبرة بحال الزوج لا بحالها، فإن كان موسراً فعليه مدّان في كلّ يوم، وإن كان متوسّطاً متجمّلاً فعليه مدّ ونصف، وإن كان معسراً فقدر المدّ )) وتبعه عليه القاضي ابن البرّاج.
وعلّل الشهيد الثاني هذا التفصيل للشيخ بقوله : (( إنّ المدّ قدّره الشارع في الكفّارات قوتاً للمسكين، فاعتبرت النفقة به؛ لأنّ كلّ واحد منهما مال يجب بالشرع لأجل القوت، ويستقرّ في الذمّة، وربما أوجب الشارع في بعض الكفّارات لكلِّ مسكين مدّين، فجمع في القول الثاني بين الأمرين بجعل المدّين على الموسر، والمدّ على المعسر، وجعل المتوسّط بينهما، فاُلزم بمدٍّ ونصف )) وبعد هذا التعليل اختار الشهيد الثاني عدم التقدير بقوله: (( والأقوى عدم التقدير والرجوع إلى قدر الكفاية وسد الخلة وهي الحاجة)).
و قال ابن إدريس – كما قال الشهيد الثاني- بعدم التقدير ، إذ نص على أن : (( نفقة الزوجات عندنا غير مقدرة بلا خلاف، إلا من شيخنا أبي جعفر في مسائل خلافه، فإنه ذهب إلى أنها مقدرة، ومبلغها مد، وقدره رطلان وربع، ثم استدل رحمه الله بإجماع الفرقة وأخبارهم، وهذا عجيب منه رضي الله عنه، والسبر بيننا وبينه، فإن أخبارنا لم يرد منها خبر بتقدير نفقة، وأما أصحابنا المصنفون فما يوجد لأحد منهم في تصنيف له تقدير النفقة، إلا من قلده وتابعه أخيراً، والدليل على أصل المسألة قوله تعالى :﴿ ... وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ... 4 أي بما تعارف الناس، وأيضاً الأصل براءة الذمة من التقدير، فمن ادعى شيئاً بعينه فإنه يحتاج إلى دليل، ولا دليل عليه من كتاب ولا سنة ولا إجماع، والأصل براءة الذمة )).
والمعروف أن المتأخرين عن ابن إدريس يرون رأيه، ولكن عباراتهم ليست على وتيرة واحدة:

ـ فبعضهم صرح بقبول رأي ابن إدريس بعد نقل عبارته، كالعلامة في المختلف والتحرير أو قوّاه كالسبزواري.
ـ وبعضهم أحال تعيين المقدار على العرف و العادة، مثل ابن حمزة، وابن سعيد، وصاحب المدارك، وصاحب الحدائق، وصاحب الرياض.
ـ وجعل بعض آخر الواجب سدّ الخَلَّة، بمعنى أن الواجب على الزوج أن يسدّ خَلَّتها، أي حاجتها.
وهؤلاء بين :
ـ من طبَّق هذا المعنى على كلام ابن إدريس، فكأنما فسّر كلامه ـ وهو عدم تقدير مقدار الطعام ـ: بأن الواجب على الزوج أن يسد خَلَّتها، كما في التنقيح، والمسالك، وغاية المرام، وكشف اللثام.
ـ ومن اكتفى بالقول بأن الواجب إنما هو سد الخلة من دون إشارة إلى كلام ابن إدريس، كما في الشرائع، والقواعد، واللمعة وشرحها، والجواهر، وفيه: (( أنّه المشهور شهرة عظيمة )).
هذا كله بالنسبة إلى مقدار الطعام، وأما بالنسبة إلى نوعه وكيفيته، ففيه رأيان :
الأول ـ أنه يراعي فيه قوت غالب البلد.
صرح بهذا الشيخ الطوسي في المبسوط ، والعلامة في التحرير ، والقواعد ، والمقداد في التنقيح الرائع ، والأصفهاني في كشف اللثام.
ولعله يستفاد من إطلاق عبارات الذين أحالوا الطعام على العرف ولم يذكروا جنسه ونوعه.
الثاني ـ أنه يراعى فيه قوت غالب أمثالها في البلد.
صرح بذلك الشهيد الثاني في المسالك ، واختاره صاحب الجواهر.
والفرق بين قوت غالب البلد وقوت غالب أمثال الزوجة في البلد من الواضحات ولا يحتاج إلى بيان.
ذلك أنه في كل مجتمع توجد مستويات اجتماعية متفاوته، فقوت ( غالب البلد ) يشير إلى قوت الطبقة الوسطى من الناس، في حين أن ( قوت غالب أمثال الزوجة في البلد ) أو شأنها الاجتماعي بتعبير آخر يشير إلى مكانتها الاجتماعية، فقد تكون الزوجة من طبقة الوجهاء أو التجار ـ مثلاً ـ التي تحتاج إلى توفير أكثر من مقدار الحاجة العرفية، وبما يتناسب ومقامها الاجتماعي، وهو أمر يختلف من حيث المصداق باختلاف الأزمنة والأمكنة والعادات والأعراف الاجتماعية.
ويذهب الكثير من الفقهاء المعاصرين إلى الرأي الثاني القائل بتوفير ما تحتاجه الزوجة بحسب شأنها الاجتماعي، وليس بمقدار الحد الأدني من الحاجة والكفاية ، مع مراعاة إمكانات الزوج.
وتدخل قائمة الفواكه والخضروات في الإطعام، حيث يلزم على الزوج توفيرها لزوجته بحسب العرف . وأما الشاي والقهوة والتنباك فيرى معظم الفقهاء المعاصرين دخولها في النفقة.
2 ـ الإدام :
وهي ما تأتدم به مع الطعام كاللحم والسمك والروبيان . والكلام فيه كالكلام في الطعام؛ لا تحادهما.
قال الشيخ الطوسي : )) وأما الأُدم، فعليه أن يعطيها مع الطعام ما تأتدم به : لقوله عز وجل :﴿ ... وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ... 3، وذلك من المعروف، والمرجع في جنسه إلى غالب اُدم بلدها من الزيت، أو الشيرج، أو السمن ، ومقداره يرجع فيه إلى العادة.
فأما اللحم، فإنه يفرض لها كل أسبوع مرة؛ لأنه هو العرف، ويكون يوم الجمعة؛ لأنه عرف عام، ومقداره يرجع فيه إلى العرف )).
وعن ابن الجنيد : المتوسط أن يطعمها اللحم في كل ثلاثة أيام.

وقال العلامة الحلي في القواعد : (( ولو كان عادتها دوام اللحم وجب )).
وقال الشيخ الأصفهاني والمعروف بالفاضل الهندي : (( ولو كان عادتها ـ أي عادة أمثالها ـ دوام أكل اللحم، وجب مع القدرة؛ للدخول في ظاهر " الرزق " و" المعروف " حينئذٍ . وكذا لو اعتادته هي مع التضرر بتركه، وإن لم يكن الضرر إلا بمخالفة العادة )).
فأوجب دوام اللحم لو كان ذلك من عادة أمثالها وإن لم يكن من عادتها، أو كان من عادتها وإن لم يكن من عادة أمثالها, لكن قال صاحب الجواهر بالنسبة إلى القسم الثاني : (( لا يخلو من نظر)).
ومن الواضح أن تحديد اللحم، ووجوب توفيره في كل أسبوع مرة أو ثلاث مرات إنما هو منزل على عادة العرف، ذلك أن المجتمعات والأشخاص تختلف في أنواع وكيفية أكلها، فقد تفضل بعض الزوجات أكل السمك ثلاث مرات في الأسبوع أو أكثر، وأكل اللحم مرة واحدة، وقد يكون العكس، ولاشك أن للموقع الجغرافي، وطبيعة العادات الاجتماعية دوره الفاعل في تحديد أو تفضيل أنواع الأكل والإدام ، وطرق طبخه وأكله. ومن ثم، ينبغي ترك ذلك للعرف والعادة..
3 ـ الكسوة:
والمقصود بها ملابس الزوجة التي تستتر وتتجمل بها، وهي مما يجب على الزوج توفيرها لزوجته.
والمرجع فيها وفي جنسها وقدرها العادة أيضاً في مختلف فصول السنة، وإن ذكر بعض أصحابنا تفصيلات في المقام، لكنها محمولة على العادة، أي عادة الأمثال، ويحتمل عادة البلد.
كما أن ما عن البعض – من غير أصحابنا- من تعديد أشياء بخصوصها محمول عليه أيضاً، ولعل عدم التعرض لصبط ذلك أولى، ضرورة شدة الاختلاف في الكم والكيف والجنس بالنسبة إلى ذلك وخصوصاً في البلدان.
فالواجب على الزوج هو توفير الألبسة التي تكفيها من دون حاجة لثياب أخرى، كما يجب توفير ثياب التجميل والزينة بحسب المتعارف لأمثالها من النساء من دون مبالغة أو إسراف، أما ما تعارف في هذا الزمان من المبالغة في شراء الألبسة الثمينة، أو الإسراف في ذلك، أو تغيير اللباس في كل حفلة أو مناسبة فهذا كله خارج عن النفقة الواجبة.
يقول السيد السيستاني ( دام ظله ): (( وكذا بالنسبة إلى الألبسة ربما تكفيها ثياب بدنها من غير حاجة إلى ثياب أخرى وربما لابد من الزيادة عليها بثياب التجميل والزينة، نعم ما تعارف عند بعض النساء من تكثير الألبسة النفيسة خارج عن النفقة الزوجية، فضلاً عما تعارف عند جمع منهن من لبس بعض الألبسة مرة أو مرتين في بعض المناسبات ثم استبداله بآخر مختلف عنه نوعاً أو هيئة في المناسبات الآخرى )).
4 ـ الفراش :
ويقصد به مايفرش للنوم عليه، وهو واجب لدخوله في عموم الأمر بالإنفاق، والمعاشرة بالمعروف . ومقداره ووصفه موكول إلى العرف أيضاً . يقول صاحب الجواهر : (( لا يخفى عليك أن إحالة ذلك كله إلى العادة في القدر والجنس والوصف ونحو ذلك أولى، بل هو المتعين، ضرورة عدم دليل على الخصوصيات )).
5 ـ السكنى :
على الزوج أن يسكنها ـ أي الزوجة ـ داراً يليق بها، إما بعارية أو إجارة أو ملك. فالمهم في الموضوع هو توفير السكن المناسب للزوجة وبما يليق بشأنها ومكانتها الاجتماعية.
يقول السيد الشيرازي : (( وأما السكنى فعليه أن يسكنها محلاً يليق بها، سواء كانت داراً أو غيرها من آجر أو خشب أو طين أو ماأشبه، وحتى مثل الكهف والكوخ والخيمة والقصب وغير ذلك كل بحسب شأنه وعرفه، ولا فرق في المسكن وسائر الآلات والملابس وغيرها ( غير ما يستهلك كالطعام والشراب والدواء ونحوها ) بين أن يكون ملكاً أو وقفاً أو عارية أو إجارة أو نحو ذلك بعد توفر الشأنية والعرفية فيها، مثلاً قسم من الناس يترفعون عن سكنى الأوقاف والخانات وما أشبه فليس ذلك من شأنهم، فلا يحق للزوج إسكانها في مثل ذلك الذي ليس من شأنها، وكل ما تقدم لصدق الإنفاق والمعاشرة بالمعروف ونحو ذلك من طرفيه السلبي والايجابي )).
وقال الشهيد الثاني (( ولا يشترط في المسكن أن يكون ملكاً له، بل يجوز إسكانها في المستعار والمستأجر اتفاقاً، لأنه إمتاع لا تملي. و لايخفى أن لها المطالبة بالتفرد بالمسكن . والمراد به ما يليق بحالها من دار وحجرة وبيت فرد . فالتي يليق بها الدار والحجرة لا يسكن معها غيرها في دار واحدة بدون رضاها، لكن لو كان في الدار حجرة مفردة المرافق فله أن يسكن فيها. وكذا لو أسكن واحدة في العلو وواحدة في السفل والمرافق متميزة. والتي يليق بها البيوت المفردة له أن يسكنها في بيت من دار واحدة. ولا يجمع بين الضرتين ، ولا بين المرأة وغيرها في بيت واحد مطلقاً إلا بالرضا )).
وممن صرح بذلك أيضاً من الفقهاء العلامة الحلي، والمحقق السبزواري، والفاضل الأصفهاني ، وصاحب الحدائق ، وصاحب الجواهر، وعللوه : بأنه من المعاشرة والإمساك بالمعروف. وهو تعليل وجيه.
لكن قيده المحقق السبزواري بما إذا كان الانفراد من عادة أمثالها، وقيده صاحب الجواهر بذلك أو بما إذا استلزم عدم انفرادها إضراراً بها.
وصرح بعض هؤلاء : بأنه لو كان للدار علو وسفل ـ أي طبقتان ـ ولكل منهما مرافق خاصة بها جاز إسكان الزوجة في واحدة منهما وغيرها في الاخرى.
ولو سكنت في منزلها ـ سواء كان ملكاً لها أو كانت مستأجرة أو مستعيرة له ـ فإما أن يكون ذلك برضا الزوج أو بغير رضاه مع بذله للمسكن:
فإذا كان بغير رضاه مع بذله للمسكن فلا تستحق أجرة السكنى؛ لأن اختيار المسكن ـ مع تحقق شرائطه اللازمة ـ من اختيارات الزوج لا الزوجة.
وإذا كان برضا الزوج، فإما أن تكون متبرعة أو لا :
فإن كانت متبرعة، فلا تستحق أجرة.
وإن لم تكن متبرعة، فالظاهر من كلمات من تعرض للموضوع أن لها أجرة السكنى.
وإنما الخلاف فيما إذا لم تصرح بالتبرع، فيرى بعضهم أنها لا تستحق أجرة، لأن :
1 ـ فعلها ظاهر في التبرع.
2 ـ وأن بسكناها في منزلها وعدم المطالبة للأجرة مع تمكنها منها، تكون قاضية لدينه بغير إذنه ولا إذنٍ شرعي.
لكن يرى بعض آخر استحقاقها للأجرة؛ لعدم تمامية الوجهين المذكورين؛ فإن مجرد السكوت لا يدل على التبرع، كما أن مجرد عدم المطالبة مع تمكنها منها لايدل على قضائها لدينه بغير إذنه، بل إن ذمة الزوج لما كانت مشغولة بوجوب الإنفاق على الزوجة، فلا بد من اليقين بالبراءة، ولايحصل إلا بإسقاط الزوجة حقها، أو قصدها التبرع والعلم بذلك، أو دفع الزوج أجرة السكنى، ولما لم يحصل الأولان، فوجب الثالث.
وممن قال بالأوّل : المحقق الحلي والعلامة الحلي ، والفاضل الأصفهاني.
وممن قال بالثاني : فخر المحققين ، والشهيد الثاني، وصاحب الجواهر.
فالواجب على الزوج هو توفير السكن اللائق لزوجته وحسب إمكاناته المادية، كما يجوز للزوجة أن تشترط على زوجها في عقد النكاح توفير شقة مستقلة أو منزل مستقل، وعلى الزوج الالتزام بهذا الشرط مادام قد وافق عليه ضمن العقد . ومع عدم الاشتراط يجب توفير السكن المناسب بما يليق بالزوجة، وبحسب المتعارف عليه اجتماعياً.
6 ـ آلات الطبخ والشرب :
آلات الطبخ والشرب من الأشياء التي يجب على الزوج توفيرها لزوجته بحسب المتعارف عليه، وبما يحقق المعاشرة بالمعروف.
وعندما نلقي نظرة على الآت الطبخ قديماً وحديثاً فسنرى الفرق كبيراً جداً، ولذلك عندما تحدث صاحب الجواهر عن آلات الطبخ والشرب أشار إلى ماهو متعارف عليه في زمانه حيث قال : (( آلة الطبخ والشرب، مثل كوز وجرة وقدر ومغرفة إما من خشب أو حجر أو خزف أو صفر بحسب عادة أمثالها )) . أما في هذا الزمان فقد أصبح الناس يستخدمون آلات جديدة للطبخ والشرب مثل : الفرن والثلاجة والملاعق والمغارف وظروف مسطحة ومقعرة، وغير ذلك كثير.
ومن ثم، فالواجب على الزوج هو توفير آلات الطبخ والشرب التي تناسب العرف و العادة بحسب الزمان، وبحسب شأن الزوجة ومكانتها.
7ـ آلات التنظيف:
يجب على الزوج توفير آلات التنظيف التي يحتاج إليها في تنظيف البدن، كالصابون والمشط ومزيل الشعر وغيرها من الحاجات الرئيسة في التنظيف، والمرجع فيه العرف والعادة بحسب كل زمان.
8 ـ نفقة الخادمة :
إذا كانت الزوجة ممن تحتاج إلى خادمة لخدمتها لمكانتها الاجتماعية أو للعرف السائد في مجتمعها، أو لمرضها، فالواجب على الزوج توفير ذلك، وذلك إما أن يقوم الزوج بنفسه بالخدمة، أو يستأجر من يقوم بها كما هو متعارف عليه الآن.
قال صاحب الجواهر : (( نفقة الخادمة إن كانت من أهل الإخدام لشرف أو حاجة، والمرجع فيه العرف، فان كانت من أهل بيت كبير ولها شرف وثروة لا تخدم بنفسها فعليه إخدامها وإن تواضعت في الخدمة بنفسها، وكذا إن كانت مريضة تحتاج إلى الإخدام لزم وإن لم تكن شريفة، بل لو كانت الزوجة أمة تستحق الإخدام لجمالها لزم ذلك لها، لقضاء العادة.
والمرجع في نفقة الخادمة جنساً وقدراً وغير ذلك العادة لأمثالها من الخدام أيضاً )).
وقد استشكل بعض الفقهاء على قول صاحب الجواهر بوجوب توفير الخادم أو الخادمة حتى لو تواضعت الزوجة في خدمة نفسها بنفسها، يقول السيد الشيرازي : (( والمرجع في أجرة الخادم ونفقته ومسكنه جنساً وقدراً وغير ذلك العادة لامثالها من الخدم، وإن كانت محتاجة إلى الخادم لكنها تتواضع في خدمة نفسها عن رضا، لايلزم على الزوج الاخدام كما في غير ذلك )). وهذا القول هو الأقرب، لأنه يجوز للمرأة أن تتنازل عن حقها في الخدمة، وتقوم بنفسها بذلك. ومن ثم، يسقط وجوب ذلك على الزوج.
وقد فرق المحقق الحلي بين من تُخْدَم وتَخْدِم حيث يقول : (( ويرجع في الإخدام إلى عادتها، فإن كانت من ذوي الإخدام وجب وإلا خدمت نفسها . وإذا وجبت الخدمة، فالزوج بالخيار ، بين الإنفاق على خادمها إن كان لها خادم، وبين ابتياع خادم، أو استئجارها، أو الخدمة لها بنفسه . وليس لها التخيير . ولا يلزمه أكثر من خادم واحد، ولو كانت من ذوي الحشم، لأن الاكتفاء يحصل بها. ومن لا عادة لها بالإخدام، يخدمها مع المرض، نظراً إلى العرف )). وقد وافقه الشيهيد الثاني أيضاً حيث قال : (( النساء صنفان:
أحدهما : اللواتي لا يخدمن أنفسهن في عادة البلد، بل يكون لهن من يخدمهن وإن قدرن على الخدمة . فإن كانت الزوجة منهن وجب على الزوج إخدامها، لأنه من المعاشرة بالمعروف المأمور بها.
الثاني : اللواتي يخدمن أنفسهن في العادة، فلا يجب إخدامها إلا أن تحتاج إلى الخدمة لمرض أو زمانة، فعلى الزوج إقامة من يخدمها ويمرضها، ولا ينحصر هنا في واحد بل بحسب الحاجة. ولافرق هاهنا بين أن تكون الزوجة حرة وأمة. وإن لم يكن لها عذر محوج إلى الخدمة فليس عليه الإخدام . ولو أرادت أن تتخذ خادماً بمالها فله منعه من دخول داره )).

وسائل توفير الخدمة

إذا وجبت الخدمة للزوجة بحيث كانت من ذوي الإخدام، فالزوج مخير بين عدة أمور :
1 ـ أن يستقدم الزوج خادمة ويدفع لها راتباً شهرياً كأجرة كي تقوم بخدمة الزوجة، وهذا هو السائد الآن في عصرنا الحاضر.
2 ـ أن يشتري لها من يخدمها، ونفقته عليه بسبب ملكه له، وهذا غير متاح الآن، لأنه لم يعد يوجد رقيق في هذا العصر.
3 ـ أن يخدم الزوج زوجته بنفسه .
وليس للزوجة أن تختار إحدى هذه الطرق، بل أن ذلك من حق الزوج، فله أن يختار أية وسيلة يراها مناسبة لإخدام زوجته.
ولو قالت الزوجة : أنا أخدم نفسي بنفسي، ولي مقابل ذلك نفقة الخادم، لم يجب على الزوج إجابتها.
يقول المحقق الحلي : (( لو قالت : أنا أخدم نفسي، ولي نفقة الخادم، لم يجب إجابتها ولو بادرت بالخدمة، من غير إذن، لم يكن لها المطالبة )).
وقال العلامة الحلي : (( ولو قالت : أنا أخدم نفسي ولي نفقة الخادم لم تجب إجابتها . ولو تبرعت بالخدمة، لم يكن لها المطالبة بالأجرة ولا نفقة الخادم )).
وقال الشهيد الثاني معلقاً على كلام المحقق الحلي : (( إنما لم يكن لها ذلك؛ لأن تعيين الخادم إليه، لا إليها؛ لأن الحق عليه، فيرجع في تعيينه إليه؛ ولأن ذلك يسقط مرتبتها، وله أن لا يرضى به لأنها تصير مبتذلة، وله في رفعتها حق وغرض صحيح ، فله أن لايرضى به وإن رضيت بإسقاط حقها . وحينئذٍ فإن بادرت بالخدمة من غير إذنه كانت متبرعة، فلا أجرة لها ولا نفقة زائدة بسبب الخدمة )).
وخلاصة هذه المسألة : إذا كانت الزوجة من ذوي الإخدام فالواجب على الزوج هو توفير الخدمة بأية وسيلة ممكنة تحقق الغرض المنشود، وليس للزوجة أن تختار نوع الخدمة وكيفيتها، أو أن تقوم هي بالخدمة مقابل نفقة الخادمة.
ويذهب الفقهاء المعاصرون إلى أن الخدمة المنيزلية ليس من واجبات الزوجة، بل هي من واجبات الزوج،أما ما هو متعارف عليه في مجتمعنا من قيام الزوجة بالخدمة المنزلية من طبخ وتنظيف وكنس .. وغير ذلك من مستلزمات خدمة المنزل فهو من المستحبات التي تثاب عليه الزوجة بالثواب الجزيل، لكن ذلك ليس من واجباتها الشرعية تجاه زوجها، يقول السيد السيستاني: ((لايستحق الزوج على الزوجة خدمة البيت وحوائجه التي لاتتعلق بالاستمتاع من الكنس أو الخياطة أو الطبخ أو تنظيف الملابس أو غير ذلك حتى سقي الماء وتمهيد الفراش وإن كان يستحب لها أن تقوم بذلك)) وقال السيد صادق الشيرازي: ((لايحق للزوج إجبار زوجته على القيام بالخدمة المنزلية)) وقال الشيخ محمد الفاضل اللنكراني : (( لايستحق الزوج على زوجته خدمة البيت وما شاكلها )) وبهذا المضمون قال كل من تعرض لهذه المسألة من الفقهاء المعاصرين.
وبالرغم من عدم وجوب الخدمة المنزلية على الزوجة إلا أن قيامها بذلك – فضلاً عما في ذلك من الأجر والثواب - يعمق المحبة والمودة بين الزوجين، كما يساعد على إنجاح الحياة الزوجية. ومن جهة أخرى فإن مايحدث أحياناً من تعامل متعسف يصل لحد الضرب أو الأذى النفسي والجسدي من قبل بعض الأزواج تجاه زوجاتهن نتيجة للتقصير في الخدمة أو عدم إتقان الطبخ – مثلاً – يعبر عن عدم التفقه في أحكام الله، إذ يتعامل الأزواج مع زوجاتهن وكأن الخدمة المنزلية من الواجبات الشرعية على الزوجة ، بينما المسألة ليست كذلك، إذ يجب على الزوج نفسه إخدام زوجته كما مَرَّ توضيحه بالتفصيل, بيد أن الخدمة المنزلية بل وكذلك الرضاع والحضانة ليس من واجبات الزوجة، بل يجوز لها المطالبة بأجرة مقابل الرضاعة والحضانة حتى لأطفالها.

نفقات العلاج

هل يجب على الزوج نفقات العلاج والتداوي لزوجته المريضة أم لا يجب ؟
ذهب أغلب الفقهاء المعاصرين إلى أن ذلك من النفقة الواجبة على الزوج، في حين ذهب عدد من الفقهاء المتقدمين والمتأخرين بعدم دخول ذلك في النفقة الواجبة.
قال الشيخ الطوسي : (( ليس عليه أجرة طبيب، و لافصاد، ولاحجام، ولا ثمن دواء)).
وقال العلامة الحلي في القواعد : (( ولا تستحق عليه الدواء للمرض ، ولا أجرة الحمام إلا مع البرد )).
وقال الأصفهاني في كشف اللثام: (( ولا تستحق عليه الدواء للمرض، ولا أجرة الحجامة، والفصد والطبيب، ولا أجرة الحمام لعدم الدليل إلا مع البرد المانع من الاغتسال والتنظيف إلا به)).
وبهذا المضمون قال أيضاً القاضي ابن البراج: (( ولا يجب لها عليه أجرة الحمام، ولا فاصد، ولا ثمن دواء)).
ولكن قال صاحب الجواهر معلقاً على ما ذكره الفقهاء من الأمثلة والتحديدات في الموارد الثمانية المتقدمة، وفيما يتعلق بنفقات العلاج :
(( لوأحالوا ذلك إلى العادة لكان أحسن ، ضرورة أنه إن كان المدار في الإنفاق بذل جميع ما تحتاج إليه المرأة لم يكن لاستثناء الدواء والطبيب والكحل وأجرة الحمام والفصد وجه؛ وإن كان المدار على خصوص الكسوة والإطعام والمسكن، لم يكن لعد الفراش والإخدام، وخصوصاً ما كان منه للمرض وغير ذلك ... وجه . وإن جعل المدرك فيه المعاشرة بالمعروف وإطلاق الإنفاق، كان المتجه وجوب الجميع، بل غير ما ذكروه من أمور أخر لا حصر لها.
فالمتجه : إحالة جميع ذلك إلى العادة في إنفاق الأزواج على الزوجات، من حيث الزوجية، لا من حيث شدة حب ونحوه، من غير فرق بين ما ذكروه من ذلك ومالم يذكروه، مع مراعاة حال المرأة، والمكان، والزمان ونحو ذلك.
ومع التنازع، فما يقدره الحاكم من ذلك؛ لقطع الخصومة، وإلا فليس على ما سمعته منهم إثباتاً ونفياً دليل معتد به بالخصوص )).
ووافق صاحب الجواهر جمع من الفقهاء ممن جاء بعده، ومنهم السيد السيد محسن الحكيم حيث قال مانصه : (( أما نفقة الزوجة، فتجب على الزوج، وهي الإطعام، والكسوة، والسكنى، والفراش، والغطاء، وآلة التنظيف وسائر ماتحتاج إليه بحسب حالها، ومنه الدواء وأجرة الطبيب ومصاريف الولادة على الأقوى)).
وقال السيد الخوئي بالنسبة إلى النفقة الواجبة : ((وهي : الإطعام، والكسوة ، والسكنى، والفراش، والغطاء، وآلة التنظيف وسائر ما تحتاج إليه بحسب حالها )).
وقال أيضاً : (( الظاهر أن النفقة الواجبة على الزوج أجرة الحمام عند حاجة الزوجة إلى التنظيف إذا لم تتهيأ لها مقدمات التنظيف في البيت، أو كان ذلك عسراً عليها لبرد أو غيره، كما أن منها أجرة مصاريف الولادة والفصد والحجامة عند الاحتياج إليها، وكذلك أجرة الطبيب والأدوية المتعارفة التي يكثر الاحتياج إليها عادة، بل لا يبعد أن يكون منها ما يصرف في سبيل علاج الأمراض الصعبة التي يكون الابتلاء بها اتفاقياً ولو احتاج إلى بذل مال خطير، مالم يكن حرجياً )).
وقال السيد الخميني بعد ذكر الموارد التي يجب الإنفاق على المرأة فيها : (( والأولى إيكال الأمر إلى العرف والعادة في جميع المذكورات، وكذا في الآلات والأدوات المحتاج إليها، فهي أيضاً تلاحظ ماهو متعارف لأمثالها، بحسب حاجات بلدها التي تسكن فيها ))
وقال أيضاً : (( الظاهر أنه من الإنفاق الذي تستحقه الزوجة أجرة الحمام عند الحاجة، سواء كان للاغتسال أو للتنظيف إذا كان بلدها مما لم يتعارف فيه الغسل والاغتسال في البيت، أو يتعذر أو يتعسر ذلك لها؛ لبرد أو غيره . ومنه أيضاً : الفحم والحطب ونحوهما في زمان الاحتياج إليها، وكذا الأدوية المتعارفة التي يكثر الاحتياج إليها بسبب الأمراض والآلام التي قلما يخلو الشخص منها في الشهور والأعوام . نعم الظاهر أنه ليس منه الدواء وما يصرف في المعالجات الصعبة التي يكون الا حتياج إليها من باب الاتفاق، خصوصاً إذا احتاج إلى بذل مال خطير.
وهل يكون منه أجرة الفصد والحجامة عند الاحتياج إليهما ؟ فيه تأمل وإشكال ))
إذن هناك خلاف بين السيدين : الخوئي والخميني في علاج الأمراض الصعبة، فيراه الأول من النفقة، في حين يستشكل الثاني في كونه منها .
كما أن السيد السيستاني أيضاً يرى أن علاج الأمراض الصعبة من النفقة فضلاً عن العلاج والتداوي بالأدوية المتعارفة، إذ يقول ( دام ظله ) : (( من النفقة الواجبة على الزوج أجرة الحمام عند حاجة الزوجة إليه سواء أكان للاغتسال أو للتنظيف إذا لم تتهيأ لها مقدمات الاستحمام في البيت أو كان ذلك عسيراً عليها لبرد أو غيره، كما أن منها مصاريف الولادة وأجرة الطبيب والأدوية المتعارفة التي يكثر الا حتياج إليها عادة، بل لا يبعد أن يكون منها ما يصرف في سبيل علاج الأمراض الصعبة التي يتفق الا بتلاء بها وإن احتاج إلى بذل مال كثير مالم يكن ذلك حرجياً على الزوج )).
وفي عصرنا أصبحت الحاجة للعلاج أساسية، خصوصاً مع انتشار الأمراض وكثرتها، وهذه الحاجة لاتقل أهمية عن الحاجة للطعام والشراب والمسكن، ولذلك نرى أن أغلب الفقهاء المعاصرين يرون دخول نفقات العلاج في النفقة الواجبة خصوصاً الأمراض التي لايحتاج العلاج منها إلى أموال كثيرة وذلك لشمول الأدلة لها وجريان السيرة والعادة عليها. وبنظر العرف في زماننا فإن نفقات العلاج من مسؤوليات الزوج تجاه زوجته.

المعيار في تقدير النفقة

إن ما ذكره الفقيه النجفي في جواهره في آخر كلامه ـ بعد ذكر ثمانية أصناف من النفقة الواجبة ـ هو المعيار الذي ينبغي اتباعه في سنخ النفقة ومقدارها، ولا عبرة بأي تحديد في السنخ أو المقدار، سواءً ورد في الروايات أو في كلمات الفقهاء، لأن المبين في الروايات ( رواية شهاب بن عبد ربه ) ليس حكماً شرعياً إلهياً، بل ما كانت عليه سيرة الناس وما تعارفوا عليه في عصر صدور الرواية ومكان صدورها، فالرواية من هذه الجهة ليست دليلاً شرعياً بل وثيقة تاريخية تصور مستوى وطبيعة الحياة المعيشية للأسرة المسلمة المتوسطة في الحد الأدنى من مستوى المعيشة.
وماذكره الفقهاء في هذا الأمر من تحديدات لا يصح وصفه بأنه تحديدات شرعية، كما لاوجه لإعتبارها معايير عامة ومطلقة في الزمان والمكان والأحوال، بل هي تحديدات عرفية لما ينبغي أن تكون عليه ( النفقة سنخاً ومقداراً ) في عصر الفقيه وموطنه.
والمعيار الشرعي هو ما يحقق العيش المتعارف والمعاشرة بالمعروف في سنخ النفقة أو في مقدارها، فما ورد في رواية شهاب لا يمكن الإلتزام به في الثياب ( الكسوة ) والطعام والفاكهة وغيرها، بل لا بد من مراعاة العرف بحسب الزمان والمكان والأعراف والتقاليد الاجتماعية غير المنافية للشرع.
ومن هنا فيدخل في النفقة بحسب عرفنا وزماننا حتى ما يتصل بالاعتبار والاحترام الاجتماعي، بمعنى أنه إذا كان حرمان الزوجة من أمر يؤدي إلى مهانتها في المجتمع فانها تستحق ذلك الأمر في المأكل والملابس والزينة، هذا فضلاً عن أجرة الطبيب والعملية الجراحية وثمن الدواء.
نعم ما يتصل بما يسمى ( الكماليات ) التي لا يرتبط بها الاعتبار الاجتماعي العام ـ بل هي شأن ذوقي لفئة خاصة من الأغنياء والوجهاء ـ فإنه لا يعد من النفقة الواجبة على الزوج، وذلك من قبيل نفقات التزين في المحلات المخصصة لذلك، ومن قبيل العمليات الجراحية التجميلية، ومن قبيل ثياب الأزياء الخاصة، ومن قبيل الفواكه والأطعمة النادرة.
هذا من حيث السنخ.
وأما من حيث التقدير ( الكم )، فللفقهاء رأيان : أحدهما اعتبار معيار الكفاية، والآخر اعتبار معيار المقدار المحدد.
وقد وردت عبارة التقدير في رواية شهاب المقدمة . وهو مذهب الشيخ الطوسي من الإمامية، وذهب إليه الشافعي، وبعض فقهاء الزيدية. واختلفوا في المقدار فذهب الشيخ الطوسي، إلى أنه مد في كل يوم وهو عنده ( رطلان وربع )، سواءً كان الزوج غنياً أو فقيراً . وقدره الشافعي بمدين للموسر ومد للمعسر، ومد ونصف للمتوسط، ومقدار المد عنده ( رطل وثلث ) كما نسب الشيخ الطوسي في كتاب الخلاف التقدير إلى أبي حنيفة.
وأما معيار الكفاية، فهو المذهب المشهور بين فقهاء المسلمين، في معظم المذاهب فهو الرأي المشهور عند الإمامية والمالكية والأحناف والحنابلة والزيدية والظاهرية ونسب إلى الشافعي.
فقد ذهب هؤلاء إلى أن نفقة الزوجة من جميع الحاجات لا تتقدر بمقدار خاص ثابت، بل المعيار فيها هو بلوغ الكفاية من كل شيء تحتاجه لإدامة حياتها الطبيعية بالمعروف.
وأشار السيد عبد الأعلى السبزواري أيضاً إلى أن ماجاء في بعض الروايات من تحديدات فهو محمول على ماهو متعارف في زمان صدورها، إذ قال (قدس سره) : (( وما ورد في بعض الأخبار من بعض القيود -كما في معتبرة شهاب- والتحديدات محمول على ماكان متعارفاً في تلك الأزمنة القديمة فلا يستفاد منها الكلية في كل عصر وزمان، وأي عادة اعتاد بها شعوب الإنسان في كل عصر ومكان هي المتبع. وقد شاهدنا تبدل العرف والعادة في يسير من السنين فضلاً عن مآتها بالنسبة إلى الخصوصيات وإن كان أصل الكليات باقية بحالها في الجملة لاتتغير ولا تتبدل)).
وقال الشيخ جعفر السبحاني : (( إن حصر الحاجات في الثمانية ليس أمراً تاماً لتطور الحاجات حسب تطور المجتمعات؛ فإن الحضارة الحديثة أحدثت أموراً وأوجدت حاجات لم يكن لها سبق فيما غبر، فربما تحتاج أمثالها إلى أمور ليست داخلة فيها ولذا يحمل ذكرها على أنها من باب الأغلب )).
إذ أن لتغير الزمان والمكان أثره الكبير في تغير الحاجات ونوعها وجنسها، فما ذكر في الروايات أو في كلمات الفقهاء إنما هو بما تعارف عليه الناس في زمان صدور تلك الرويات، وعصر الفقهاء، وهو أيضاً منزل على العرف والعادة، أو من باب المثال 6.