مجموع الأصوات: 2
نشر قبل 12 ساعة
القراءات: 58

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

خطبة فاطمة الزهراء عليها السلام تدلل على مقامها وحجيتها

لا تزال خطبة السيدة فاطمة عليها السلام ترن في أسماع الدهر، وتتجدد على مرّ العصورمؤكدة في الوقت نفسه جوانب شخصيتها الالهية ومقامات معرفتها الربوبية مشيرةالى عظيم ما اطّلعت عليه من مكنون علمه ومخزون معارفه، والتي لا يُطلعها إلاعلى خاصة أوليائه وأهل صفوته وسدَنَةِ أسراره، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، ولما كانت فاطمةعليها السلام أحد مصاديق أهل التطهير وأولي الذكر، فلاغرابة أن تفتق في خطبتها من بعض خزائن معارفه تعالى.

فهي مع ذكرها البالغ لتمام الحمد على نعمائه، وسوابغ الشكر على آلائه، والثناء لربوبيته، والتوحيد لصفاته، فهي تسوق البيان للتوحيد بما ليس معهود في الفلسفات البشرية أنذاك من اليونانية أو الفارسية أو الهندية، ومن ظرائف التوحيد مالم يُعهد في العرفان المتداول انذاك، فانّ بيان معرفة التوحيد ينفي الصفات المشيرة للغيب المطلق، وأن الصفات الالهية تجليات أسمائية دون مقام غيب الغيوب، اذ لم يُعهد قبل الاسلام، ولم يُبده قبل القرآن الكريم ولم يكن في متناول أفهام المسلمين في الصدر الاول، ثم شرعت في بيان سلسلة الصوادر عنه تعالى وكيفية الصدور واختلاف النشآت بما هو غير معهود في المعارف البشرية انذاك الفلسفية والعرفانية مما قد تعرّضت اليه إشارات القرآن الخفية التي لم تنلها أفهام المسلمين حينذاك.

ثم بيّنت ضرورة الشرع والشريعة، ثم بيّنت مقامات النبي صلى الله عليه وآله في النشآت السابقة والتعينات الخلفية للاشياء بحسب العوالم المتعاقبة وهذه من المعارف التيلم يُبح بها قبل ذلك.

ثم بيّنت فصول علوم القرآن وجوامع أبوابه فأخذت في بيان علل وحكم الاركان وأحكام الدين، مما لم تنله الاذهان قبل ذلك، ثم بيّنت بمجمل سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسننه وعِظم ما عاناه في الدعوة الى الرسالة، وما كابده أخاه ووزيره وابنعمّه ووصيه أمير المؤمنين عليه السلام، وانهما صلوات الله عليهما مشيّدا صرحَ الدينوالدولة والنظام في الاسلام، ثم أخذت في تحليل الفتنة التي مُني بها المسلمون بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله سياسياً واجتماعياً وما سيؤول اليه حالهم لاغتصابهم الخلافة، كلذلك بيان جزل والفاظ منمقة وتناسق أنيق تستجيب العبارات لها وتنصاع المعاني لمراداتها والحقائق التي أبرزتها، وكل ذلك من المعارف مما لم يكن متداولًا بين المسلمين، لعدم وروده فيما صدر من أحاديث النبي صلى الله عليه وآله للعامّة.

فمجمل ذلك برهان على أن ذلك صادر من علمٍ لدني، وينضح من تلك العين.

وبعبارة أخرى تسوق البيان لمقام النبوّة ومعدن الرسالة وفضلها الذي لايحصى اذ أخرجهم الله به من ظلمات الجهل الى نور الهداية، وطهرهم من دنس الشرك بعد أن كانوا اذلاء ضعفاء يتخطفهم الناس من كل جانب، وتهوي بهم عواصف الشرك من مكان سحيق، وبعد أن عرّفتهم بعض مقام ابيها صلى الله عليه وآله عند الله تعالى وأظهرت فضله وبيّنت برهانه، وأوضحت حجته، وأعلمتهم معالم دينهم، وأركان فرائضهم وبيان حكمة كل ركن أصولها وفروعها فحلّقت بهم الى كل معرفةربوبية، وأخذت بهم عند كل سبيل، فعرّفتهم تكليف كل قضية في دينهم ودنياهم، فكأنما كانت تُفرِغُ عن لسان ابيها حكمة ومعرفة، فصاحة وبياناً، حتى كانت أول خطبة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله تُلقي عليهم الحجة، وتنذرهم بعاقبة أمرهم اذا ما هم اقاموا على غيّهم وغوايتهم وباطلهم يرون تراث رسول الله صلى الله عليه وآله قد تناهبته الاهواءوهم قابعون، لا يدفعون يد لامس، ولا يتناهون عن باطل، ولا يأمرون بمعروف ولاينهون عن منكر، وليس هذا إلا عن علم الهي لدنّي لا يناله إلا حجة، ولا يحوزه إلاكل مقرّب مطهر.

اذن فاستطاعت فاطمة عليها السلام في خطبتها تؤكد على أمور:

أولًا: ان خطبتها كانت أول خطبة بعد خطب رسول الله صلى الله عليه وآله تسجلها محافل المسلمين في ذاكرتها لتولي لها اهتماماً بالغاً يؤكد اهتمام المسلمين بمقامها مما يؤكد حجيتها البالغة في مرتكزاتهم.

ثانياً: تُعد خطبة فاطمةعليها السلام احدى الملاحم التوحيدية التي تذكر فيها ثناء الله تعالى ووحدانيته وتشير الى نبوّة محمد صلى الله عليه وآله وأثرها في حياة المسلمين، وتستعرض أركان الدين وما يقابلها من حكمة التشريع، وتثير تساؤلاتها بعد ذلك عن مشروعية البيعة المأخوذة تحت عنوان السقيفة ومدى صلاحية هذه البيعة المدّعاة مما تؤدي بكثير من مدعيات القوم وتعاجل مشاريعهم.

ثالثاً: حاولت السيدة فاطمة عليها السلام في خطبتها تعرية كل مشروع يُصاغ على النهج السياسي السقيفي مستقبلًا، وحصّنت من خلال ذلك الصيغة الاسلامية المحمدية في نظام الحكم لئلا تختلط الاوراق وتتشابك الدعاوى وكانت تنطلق في دعوتهالهم من موقعيتها في نفوسهم ومقامها لديهم الذي قد بناه القرآن النازل في حقها و تأكيدات النبي بمقامها وفضلها، والحجية في جميع ما تلقيه من حكم ومواعظ و نصائح وأحكام ومن ثم تحليل لكل القضايا التي واجهت المسلمين وستواجههم مستقبلًا، مما يحفظ لخطبتها البليغة مكانة الحجية في مرتكزات المسلمين فضلًاعن حجيتها الثابتة بالدليل القرآني والسنّة النبوية.

رابعاً: الملاحما لمستقبلية التي أنبئت المسلمين بها من تفشي الفتنة فيهم والظلم والفرقة، حيث قالت:» أما لعمري لقد لفخت، فنظرة ريثما تنتج، ثم احتلبوا ملأ القعبد ماً عبيطاً، وزعافاً مبيداً، هنالك يخسر المبطلون، ويعرف الباطلون غب ما أسس الأولون، ثم طيبوا عن دنياكم أنفساً، واطمأنّوا للفتنة جأشاً.

وأبشروا بسيف صارم وسطوة معتدٍ غاشم، وبهرج شامل، واستبداد من الظالمين يدع فيئكم زهيداً، وجمعكم حصيداً « 1.

وقد وقع ما أخبرت به إلى حيث نرى ما يجري اليوم من ذلّ المسلمين على كثرتهم الكاثرة أمام فئة اليهود القليلة، وهم لا يدفعون يد لامس، فعاد جمعهم حصيد، وفيئهم زهيد، وكل ذلك، فبئس ما أسسه الأولون من نظام حكم جرّالمسلمون إلى ما هم عليه اليوم 2.

  • 1. البحار 43: 109 .
  • 2. المصدر: كتاب مقامات فاطمة الزهراء تحرير سماحة السيد محمد علي الحلو رحمه الله.