الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

لماذا لم يستلم مسلم بن عقيل الكوفة ؟ ولِمَ لم يقتل ابن زياد عندما زار هذا عبد الله بن شريك الأعور ؟

نص الشبهة: 

لماذا لم يستلم مسلم بن عقيل الكوفة ؟ ولِمَ لم يقتل ابن زياد عندما زار هذا عبد الله بن شريك الأعور ؟

الجواب: 

أما أنه لماذا لم يستلم مسلم الكوفة بأن يقوم مثلا بعمل انقلاب عسكري ويسيطر عليها فلأمور :
1 ـ ما ذكره بعض العلماء من أن مهمته التي كلف بها لم تكن إلى هذا الحد ، وذلك أن الإمام الحسين عليه السلام قد عين وظيفته في رسالته التي أرسلها معه إلى الكوفة وأهلها فقال :إلى هذا الحد ، وذلك أن الإمام الحسين عليه السلام قد عين وظيفته في رسالته التي أرسلها معه إلى الكوفة وأهلها حيث كتب :
من الحسين بن علي إلى الملأ من المؤمنين . أما بعد : فإن ( فلانا وفلانا ) قدما علي بكتبكم ، وكانا آخر رسلكم ، وفهمت مقالة جلكم : أنه ليس علينا إمام فأقبل لعل الله يجمعنا بك على الحق ، وإني باعث إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهلي مسلم بن عقيل ، فإن كتب إلي أنه قد اجتمع رأي ملئكم وذوي الحجى والفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم وقرأته في كتبكم أقدم عليكم وشيكا إن شاء الله 1 . وبهذا يتبين أن وظيفة مسلم بن عقيل لم تكن السيطرة على الكوفة عسكريا عن طريق القيام بانقلاب مثلا ، أو البدء في حرب مع أنصار بني أمية . وإنما كانت مهمته أشبه بالاستطلاعية لكي يرى هل الواقع يتطابق مع ما هو مذكور في رسائل القوم ؟ أو أنه يختلف ؟ وأن عليه أن يكتب للإمام عليه السلام ما يرى ويشاهد ، حتى يقرر الإمام عليه السلام ما هو لازم بحسب خبره . وقد قام مسلم بما طلب منه وبالفعل فقد أرسل إلى الإمام الحسين عليه السلام ، بما رأى من اجتماعهم على بيعته وأرسلها إليه مع عابس بن أبى شبيب الشاكري ( .. أما بعد فان الرائد لا يكذب أهله وقد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفا فعجل الاقبال حين يأتيك كتابي فان الناس كلهم معك ليس لهم في آل معاوية رأى ولا هوى والسلام 2 ) .
2 ـ يحتمل أيضا أن الأمور جرت بنحو فوجئ به مسلم حيث أنه بعدما بايعه ثمانية عشر ألفا وكان الناس في رأيه وكما تشير إليه ظواهر الأمور ليس لهم في آل معاوية رأي ولا هوى ، فإن ذلك كان يمثل تطمينا بالنسبة له ، لكي لا يبدأ في عملية انقلابية ، إضافة إلى ما ذكر سابقا . وكان قدوم عبيد الله بن زياد بتلك السرعة متخفيا يمثل عنصر المفاجأة التي لم تكن محسوبة بهذه السرعة .
لقد كانت السيطرة على الوضع ـ بحسب الظاهر ـ في الكوفة تامة لمسلم ، ولأشياعه .. فالنعمان بن بشير الأنصاري لم يشأ الاصطدام العنيف بمسلم ، واكتفى بسيطرته على القصر ، والناس كانوا يرغبون ـ ولو على مستوى الرغبة الداخلية والنفسية ـ في تغيير الوضع القائم ، لكن الذي غيّر الأمور بشكل كامل هو مجيء بن زياد غير المتوقع أصلا ، وذلك أنه كان على خلاف مع يزيد ، ولم يكن يزيد في بداية أمره يميل إليه . لكن اقتراح سرجون بن منصور الرومي 3 ، المسيحي الذي كان مستشارا لأبيه ثم مستشارا له بأن يرسل إلى الكوفة بن زياد خلط الأمور وغيّر المعادلة . وكان الأمر بهذا النحو وبهذه السرعة مفاجئا حتى بالنسبة للنعمان بن بشير الذي قال لابن زياد لما طرق باب القصر : ما أنا بمؤد إليك أمانتي يا ابن رسول الله !!
وأما أنه كيف تمت السيطرة على الأمور بهذه السرعة لصالح بني أمية ، فذلك لأنه في أوقات الأزمات الاجتماعية لا يمكن أن يبقى الانتظار سيد الموقف للأخير ، وصاحب المبادرة هنا والاقتحام ولو كان من أهل الباطل هو الذي يأخذ بزمام الأمور فيفرض على المجتمع ، ولو لمدة ، ما يريد . والمتتبع للتاريخ منذ ما بعد رسول الله وإلى أيام الأمويين والعباسيين يرى هذا بوضوح .. فضلا عن التاريخ الإنساني العام .
أما بالنسبة إلى قتل ابن زياد ، فقد ذكرت أمور لامتناع مسلم عن القيام بذلك :
1ـ الناحية الأخلاقية والشرعية : فإنه قد ذكر حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أن ( الإيمان قيد الفتك فلا يفتك مسلم ) 4 ، وفي هذا تعليم هام لجميع المسلمين أن لا يتجاوزوا في صراعاتهم للقواعد الشرعية ، فلأن يكون هدفك شريفا وساميا يتطلب منك وسيلة وأسلوبا متناسبا مع ذلك الهدف .. ولا تبرر أهمية الهدف استخدام الوسائل السيئة ، وهذا ما عرف اليوم بأن الغاية أي الهدف الجيد لا تبرر الوسيلة ( السيئة ) .
وهذا ما عرف به أهل البيت عليهم السلام في طريقتهم في العمل ، وفي طليعتهم أمير المؤمنين عليه السلام ، فهو لا يغدر ولا يفجر ، وإن انتهى حفاظه على القيم إلى أن ينهزم في الظاهر ، ويفوز عدوه الذي لا يلتزم بأخلاق في صراع فهو لا يطلب النصر بالجور والغدر ( والله ما معاوية بأدهى مني ولكنه يغدر ويفجر . ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس ، ولكن كل غدرة فجرة ، وكل فجرة كفرة . ولكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة .. ) 5 وربما يفوز هذا الثاني لفترة مؤقتة ولكن النصر النهائي هو لصاحب المنهج الأخلاقي . وربما تقول : إذاً كيف أمر هاني ( أو شريك ) بذلك وهو أيضا من شيعة أهل البيت عليهم السلام ومن كبارهم ؟ والجواب على ذلك : هو أن ( هاني ) قد نفى أن ينطبق ذلك الحديث عليه ، فقال : إنما الممنوع هو الفتك بالمسلم بينما ابن زياد في نظره ليس بمسلم بل كافر فاجر .. وسيأتي بعد هذا ذكر ما نقله التاريخعن الواقعة .
2 ـ كراهية هاني بن عروة أن يتم ذلك الأمر في بيته ، فإنه بحسب منطق صفات رؤساء القبائل وهاني بن عروة واحد منهم ، لم يكن يريد أن يعرف عنه وعن قبيلته أنه يغدرون بمن يأتيهم ، حتى لو فرض أن هناك استثناء في مسألة الفتك ، ولقد لاحظ مسلم بن عقيل هذه الرغبة ، فلم يشأ أن يتم هذا العمل في بيته مع كراهيته . فقد نقل أبو مخنف حادثتين أعرب فيهما هاني عن كراهية قتله في بيته .. فقد قال ابو مخنف أنه :
...مرض هاني بن عروة فجاء عبيد الله عائدا له ، فقال له عمارة بن عبيد السلولي : انما كيدنا قتل هذا الطاغية فقد أمكنك الله منه فاقتله ، قال هاني : ما أحب أن يقتل في داري . فخرج فما مكث إلا جمعة حتى مرض شريك بن الاعور وكان كريما على ابن زياد وعلى غيره من الأمراء ( وكان شديد التشيع ) فأرسل إليه عبيد الله اني رائح اليك العشية .
فقال لمسلم : ان هذا الفاجر عائدي العشية فإذا جلس فاخرج إليه فاقتله ثم اقعد في القصر ليس احد يحول بينك وبينه ، فان برئت من وجعى هذا أيامى هذه سرت إلى البصرة وكفيتك امرها ، فلما كان من العشي اقبل عبيد الله لعيادة شريك .
فقام مسلم بن عقيل ليدخل وقال له شريك : لا يفوتنك إذا جلس ، فقام هاني بن عروة إليه فقال : اني لا أحب أن يقتل في داري كأنه استقبح ذلك ، فجاء عبيد الله بن زياد فدخل فجلس فسأل شريكا عن وجعه وقال : ما الذي تجد ومتى اشتكيت ، فلما طال سؤاله إياه ورأى أن الآخر لا يخرج خشي أن يفوته فأخذ يقول :
ما تنظرون بسلمى أن تحيوها ؟ أسقنيها وان كانت فيها نفسي !! فقال ذلك مرتين أو ثلاثا ، فقال عبيد الله ولا يفطن ما شأنه : أترونه يهجر ؟ فقال له هاني : نعم أصلحك الله ما زال هذا ديدنه قبيل عماية الصبح حتى ساعته هذه . ثم انه قام فانصرف ، فخرج مسلم فقال له شريك ما منعك من قتله ؟
فقال : خصلتان أما إحداهما فكراهة هاني ان يقتل في داره ، واما الاخرى فحديث حدثه الناس عن النبي صلى الله عليه وآله ان الإيمان قيد الفتك ولا يفتك مؤمن ، فقال هاني : اما والله لو قتلته لقتلت فاسقا فاجرا كافرا غادرا ...ولبث شريك بن الأعور بعد ذلك ثلاثا ثم مات 6 .

لمزيد من المعلومات يمكنكم مراجعة الروابط التالية:

  • 1. إعلام الورى بأعلام الهدى 1 ـ436 .
  • 2. الطبري ج 4 ص 281 .
  • 3. تاريخ الطبري ج 4 ص 258 : .. فدعا مولى له يقال له سرجون وكان يستشيره فأخبره الخبر فقال له أكنت قابلا من معاوية لو كان حيا ؟ قال : نعم ! قال : فاقبل منى فإنه ليس للكوفة إلا عبيد الله بن زياد فولها إياه وكان يزيد عليه ساخطا وكان هم بعزله عن البصرة فكتب إليه برضائه وإنه قد ولاه الكوفة مع البصرة وكتب إليه أن يطلب مسلم بن عقيل فيقتله إن وجده . قال فأقبل عبيد الله في وجوه أهل البصرة حتى قدم الكوفة متلثما ولا يمر على مجلس من مجالسهم فيسلم إلا قالوا : عليك السلام يا ابن بنت رسول الله وهم يظنون أنه الحسين بن على عليه السلام حتى نزل القصر..
  • 4. قد روي هذا الحديث في كثير من مصادر الفريقين بهذا اللفظ في مناسبات مختلفة : ففي المصنف لابن أبي شيبة الكوفي ج 8 ص 644 : قال : جاء رجل إلى الزبير أيام الجمل ، فقال : أقتل لك عليا ، قال : وكيف ؟ قال : آتيه فأخبره أني معه ثم أفتك به ، فقال الزبير : لا ، سمعت رسول الله ( ص ) يقول : ( الإيمان قيد الفتك ، لا يفتك مؤمن ). وفي مسند أحمد إن معاوية دخل على عائشة فقالت له : أما خفت أن أقعد لك رجلا يقتلك ؟ فقال : ما كنت لتفعليه وأنا في بيت أمان ، وقد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول . يعني : الإيمان قيد الفتك .. وفي مسند الشاميين للطبراني ج 3 ص 350 :عن عمرو بن الحمق ، عن النبي ( ص ) قال : ( الإيمان قيد الفتك ، من أمن رجلا على دمه فقتل فأنا من القاتل برئ وإن كان المقتول كافرا ) . وفي مناقب آل ابي طالب لابن شهر آشوب ج 3 ص 364 :عن أبي الصباح الكنانى : قلت لابي عبد الله : ان لنا جارا من همدان يقال له الجعد بن عبد الله يسب أمير المؤمنين أفتأذن لي أن أقتله ؟ قال : ان الإسلام قيد الفتك .. والعجيب أن معاوية الذي يروي الحديث المتقدم وأنه سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله مارس سياسة الفتك والقتل غيلة كما لم يمارسها أحد قبله ، إلى أن كان يفتخر بقوله ( إن لله جنودا من عسل ) !! وعلى هذا النهج سار ابنه يزيد فقد أرسل كما تقول بعض الروايات التاريخية ثلاثين رجلا ، وأمرهم بقتل الحسين غيلة في مكة ، ولو كان في البيت الحرام .
  • 5. نهج البلاغة .
  • 6. من قضايا النهضة الحسينية ( أسئلة وحوارات ) : الجزء الأول .