حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
هل كان عمر قارئا ؟!
نص الشبهة:
وتذكر الروايات : أن عمر بن الخطاب كان قارئاً ، وأنه قد قرأ الصحيفة بنفسه .
الجواب:
ونحن نشك في ذلك أيضاً : لاعتقادنا أنه لم يكن يعرف القراءة والكتابة ، ولا سيما في بادئ أمره ، إلا أن يكون قد تعلمها بعد ذلك في أواخر أيام حياته ؛ وذلك لأمرين :
أحدهما : أن البعض يصرح بأن خباب بن الأرت هو الذي قرأ له الصحيفة 1 فلو كان قارئاً ؛ فلماذا لا يقرؤها بنفسه ، ليتأكد من صحة الأمر ؟!
الثاني : لقد روى الحافظ عبد الرزاق ، بسند صحيح حسبما يقولون هذه الرواية نفسها ، ولكنه قال فيها :
(فالتمس الكتف في البيت حتى وجدها ، فقال حين وجدها :
أما إني قد حُدّثْتُ : أنك لا تأكلين طعامي الذي آكل منه ، ثم ضربها بالكتف فشجها شجتين ، ثم خرج بالكتف حتى دعا قارئاً ؛ فقرأ عليه ، وكان عمر لا يكتب ، فلما قُرِئَتْ عليه تحرك قلبه حين سمع القرآن الخ . .) 2 .
ويؤيد ذلك ما عن عياض بن أبي موسى : أن عمر بن الخطاب قال لأبي موسى : ادع لي كاتبك ليقرأ لنا صحفاً جاءت من الشام .
فقال أبو موسى : إنه لا يدخل المسجد .
قال عمر : أبه جنابة ؟
قال : لا ، ولكنه نصراني ؛ فرفع عمر يده فضرب فخذه حتى كاد يكسرها الخ . . 3 . فلو كان عمر يعرف القراءة لم يحتج لكاتب أبي موسى ليقرأ له الصحف التي جاءته ، ولربما يعتذر عن ذلك بأن الخليفة ربما لم يكن يباشر القراءة لمركزه مع معرفته لها ، أو أن الرسائل كانت بغير العربية .
ولكن الظاهر هو : أن هذه الأعراف والتقيدات قد حدثت في وقت متأخر ، ولم يكن عمر يتقيد بها كما أن بلاد الشام كانت ولا تزال عربية اللغة ، فمن البعيد أن يكتبوا له بغير العربية .
ويمكن أن يؤيد ذلك أيضاً : بأن عمر لم يكن ذا ذهنية علمية ، وذلك بدليل :
أنه بقي اثنتي عشرة سنة حتى تعلم سورة البقرة ، فلما حفظها نحر جزوراً 4 .
بل لقد ورد أنه لما طلب من حفصة أن تسأل له النبي (صلى الله عليه وآله) عن الكلالة ، فسألته عنها ؛ فأملها عليها في كتب ، ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : (عمر أمرك بهذا ؟ ما أظنه أن يفهمها) 5 ، بل لقد واجهه النبي (صلى الله عليه وآله) نفسه بذلك كما رواه كثيرون 6 .
إلا أن من الممكن أن يكون عمر قد عاد فتعلم القراءة والكتابة بمشاق ومتاعب جمة ، ويمكن أن يستدل على ذلك بأنه ـ كما روى البخاري ـ كان يقول :
إنه لولا أن يقال : إن عمر قد زاد في كتاب الله لكتب آية الرجم بيده ؟! 7 .
ومهما يكن من أمر ، فإننا لسنا أول من شك في معرفة الخليفة الثاني للقراءة والكتابة ، فقد كان هذا الأمر موضع نقاش وشك منذ القرن الأول للهجرة ، فهذا الزهري يقول :
كنا عند عمر بن عبد العزيز وهو والي المدينة ثم صارت إلى عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، فقال : هل من معه به خبر فأساله : هل كان عمر يكتب ؟ .
فقال عروة : نعم كان يكتب .
فقال : بآية ماذا ؟ .
قال : بقوله : لولا أن يقول الناس زاد عمر في القرآن لخططت آية الرجم بيدي .
فقال عبيد الله : هل يسمي عروة من حدثه ؟ .
قلت : لا .
قال عبيد الله : فإنما صار عروة يمص مص البعوضة لتملأ بطنها ، ولا يرى أثرها ، يسرق أحاديثنا ويكتمنا ، أي أني أنا حدثته 8 .
ملاحظة
وإذا ثبت عدم معرفته بالقراءة ، أو شك في كونه كان حينئذٍ يقرأ ويكتب ، فمن الطبيعي أن يتطرق الشك إلى قولهم إنه كان من كتَّاب الوحي 9 ، فلعل ذلك كان من الأوسمة التي نحله إياها بعض من عز عليهم أن يحرم عمر من هذا الشرف بنظرهم .
وملاحظة أخرى
وهي أننا رأينا عمر بن الخطاب يضرب فخذ أبي موسى حتى كاد يكسرها ، لاتخاذه كاتباً نصرانياً ، مع أنهم يقولون : إنه هو نفسه كان له مملوك نصراني لم يسلم ، وكان يعرض عليه الإسلام فيأبى ، حتى حضرته الوفاة فأعتقه 10 فما هذا التناقض في مواقف الخليفة الثاني ؟! وما هو المبرر لها إلا أن يكون اعتراضه على أبي موسى منصباً على استعانته بغير المسلم في شؤون المسلمين العامة ، وهذا غير خدمة غير المسلم للمسلم 11 .
- 1. تاريخ ابن خلدون ج2 قسم 2 ص9 .
- 2. مصنف الحافظ عبد الرزاق ج5 ص326 .
- 3. عيون الأخبار لابن قتيبة ج1 ص43 والدر المنثور ج2 ص291 عن ابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان وحياة الصحابة ج2 ص785 عن تفسير ابن كثير ج2 ص68 .
- 4. تاريخ عمر بن الخطاب ص165 ، والدر المنثور ج1 ص21 ، عن الخطيب في رواة مالك ، والبيهقي في شعب الإيمان ، وشرح النهج للمعتزلي ج12 ص66 ، والغدير ج6 ص196 عنهم وتفسير القرطبي ج1 ص152 والتراتيب الإدارية ج2 ص280 عن تنوير الحوالك .
- 5. المصنف للحافظ عبد الرزاق ج10 ص305 .
- 6. راجع الغدير ج6 ص116 عن غير واحد وراجع 128 .
- 7. راجع كتابنا : حقائق هامة حول القرآن ص346 ، فقد نقلنا ذلك عن عشرات المصادر .
- 8. مختصر تاريخ دمشق ج17 ص10 .
- 9. بحوث في تاريخ القرآن وعلومه ص113 عن تاريخ القرآن للزنجاني . وفي تاريخ اليعقوبي ج2 ص80 ط صادر والاستيعاب بهامش الإصابة ج1 ص51 ، ذكرا عمر في جملة من كان يكتب للنبي (صلى الله عليه وآله) ، لكن لم يبينا إذا كان يكتب الوحي ، أو غيره .
- 10. حلية الأولياء ج9 ص34 ، عن كنز العمال ج5 ص50 عن ابن سعد ، وسعيد بن منصور ، وابن المنذر ، وابن أبي شيبة ، وابن أبي حاتم ، والطبقات الكبرى ج6 ص109 والتراتيب الإدارية ج1 ص102 ونظام الحكم في الشريعة والتاريخ والحياة الدستورية ص58 عن تاريخ عمر لابن الجوزي ص87 و148 .
- 11. الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) ، العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي ، المركز الإسلامي للدراسات ، الطبعة الخامسة ، 2005 م . ـ 1425 هـ . ق ، الجزء الثالث .