حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
الامام المهدي(عج) يُقيم الدين
شَرَع الله الدين ليسير الناس على نهجه، فيقيمونه في حياتهم الخاصة والعامَّة، ويُحاسب الناس يوم القيامة على سعيهم لإقامة الدين بصرف النظر عن نجاحهم أو فشلهم في بلدانهم، وأمَرَهم أن يوحِّدوا جهودهم لتشكيل القوة المناسبة لحماية هذا المشروع الإلهي الكبير، عندها سيشعر المشركون بالمرارة، وسيواجهون مشروع إقامة الدين بكل أشكال المواجهة، ولكنَّ النعمة الكبرى لمن يتوفَّق فيحمل هذا الدين ويدافع عنه، وبذلك يكون ممن اجتباهم الله تعالى وهداهم إلى طريقه. قال تعالى: ﴿ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ ﴾ 1.
ليس خافياً على أحد بأنَّ الصراع بين الحق والباطل مريرٌ وطويلٌ وفي كل زمان ومكان، وأنَّ إقامة الدين أمرٌ غير يسير في كثير من المحطات التاريخية، ولعلَّنا بالاستقراء التاريخي نلمس بشكل واضح سيطرة الكفار على مقاليد الأمور، ومنعهم لإحياء وإقامة تعاليم السماء في حياة البشر. ولا نستغرب هذه النتيجة التي أخبرنا الله تعالى عنها عندما تحدَّث عن الكثرة الطاغية في مقابل القلة الشاكرة، ﴿ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ 2، فالامتحان الدنيوي يتطلب جهداً وكدحاً لمواجهة حبائل الشيطان والانتصار عليه، وهذا ما يفشل فيه أغلب البشر،" ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ ﴾ 3.
مع كل هذا، فالخيارُ بيدنا، ولا يحق لأحدٍ أن يتملَّص من المسؤولية بحجة انتشار الكفر وتأثير زينة الدنيا على الناس، فالدنيا دار بلاء واختبار، والإنسان مُهيأ بفطرته للاختبار، وهو مسؤول عن نتيجته، ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ 4.
لكنَّ الله جلَّ وعلا حاسمٌ في إقامة الدين وسيادة العدل على هذه الأرض، قال تعالى: ﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ 5، هذا بلاغٌ إلهي واضح بأن يسود الدين الكرة الأرضية بأسرها في نهاية الزمان على يد الإمام المهدي(عج)، ولم يحصل أن أظهر الله تعالى الدين على كل الأرض بعد رسالة الإسلام، وقد دلَّت آيات وروايات كثيرة على أن إظهار الدين بلا منازع، وإقامة الدين من دون التباس، وتحقيق شريعة الله تعالى على الأرض بقيادة المعصوم الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً، إنما يكون على يد قائم آل محمد(عج).
فلنعمل بتكليفنا لإقامة الدين ولو واجهتنا الصعوبات، ولنصبر على مرارات الانحراف والكفر والظلم والطغيان، ولنتأمل أن يعجِّل الله فرج مولانا صاحب الزمان (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء)، ولنكن مطمئنين بأنَّنا نسير باتجاه نهاية قدرة الظالمين لمصلحة سيادة المؤمنين، وإنَّ مع العسر يسرا، ومع الضيق الفرج والمخرج.
عن الأصبغ بن نباتة عن ابن عباس قال: قال رسول الله(ص): " لما عُرج بي إلى السماء السابعة, ومنها إلى سدرة المنتهى, ومنها إلى حُجُب النور, ناداني ربي تعالى: يا محمد, أنت عبدي وأنا ربك، فلي فاخضع, وإياي فاعبُد, وعليَّ فتوكَّل، وبي فثق, فإني رضيتُ بك عبداً وحبيباً ورسولاً ونبياً, وبأخيك علي خليفة وبابا، فهو حجتي على عبادي, وإمامٌ لخلقي، به يُعرف أوليائي من أعدائي, وبه يميز حزب الشيطان من حزبي, وبه يُقام ديني, وتُنفذ أحكامي, وبك وبه وبالأئمة من ولده أرحم عبادي وإمائي، وبالقائم منكم أعمر أرضي بتسبيحي وتهليلي وتقديسي وتكبيري وتمجيدي، وبه أطهر الأرض من أعدائي وأورثها أوليائي، وبه أجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمتي العليا، وبه أُحيي عبادي وبلادي بعلمي، وله أُظهر الكنوز والذخائر بمشيئتي، وإيَّاه أُظهر على الإسرار والضمائر بإرادتي, وأمدُّه بملائكتي لتؤيده على إنفاذ أمري وإعلان ديني، ذاك ولي حقاً, ومهديُّ عبادي صدقا" 6. 7
- 1. القران الكريم: سورة الشورى (42)، الآية: 13، الصفحة: 484.
- 2. القران الكريم: سورة يوسف (12)، الآية: 103، الصفحة: 247.
- 3. القران الكريم: سورة النمل (27)، الآية: 73، الصفحة: 383.
- 4. القران الكريم: سورة الشمس (91)، الآيات: 7 - 10، الصفحة: 595.
- 5. القران الكريم: سورة التوبة (9)، الآية: 32 و 33، الصفحة: 192.
- 6. الشيخ الصدوق, الأمالي, ص: 731.
- 7. المصدر: مجلة بقية الله، العدد 200.