حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
لماذا أصر الامام الحسين على الذهاب إلى الكوفة رغم نقض أهلها البيعة له و رغم مقتل رسوله مسلم بن عقيل ؟
لمعرفة جواب هذا السؤال لا بُدَّ و أن نعرف أهداف الامام الحسين عليه السلام من ثورة المباركة أولاً حتى يتضح سبب اصراره على التوجه إلى العراق و بالتحديد إلى الكوفة .
لقد بيَّن الامام الحسين عليه السلام بوضوح أهدافه من ثورته المقدسة في خطاباته و لقاءاته التي سبقت خروجه إلى العراق ، و لقد أعلن أن الهدف الرئيس لنهضته هو الوقوف أمام جور الجائرين المستحلين لِحُرَم الله و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر .
إذن لم تكن بيعة أهل الكوفة هي العامل الأساس في قيامه و نهضته ، بل إن بيعة أهل الكوفة جاءت بعد إعلانه القيام بوجه الانحراف و الظلم و بعد خروجه من المدينة ، فلم تكن بيعة اهل الكوفة للامام الحسين عاملا اساسيا في نهضة الامام الحسين ، و أدل دليل على ذلك أنه عليه السلام خرج من المدينة قبل وصول رسائل أهل الكوفة اليه .
أهل الكوفة و نقض العهود
ثم أن من يقرأ كتاب الامام الحسين عليه السلام إلى وجهاء الكوفة يرى بوضوح أن الامام الحسين عليه السلام كان يتوقع من أهل الكوفة نقض العهود و الخذلان ، لكنه عليه السلام كان يقوم بواجبه الديني سوى وقف أهل الكوفة بجانبه أم لا ، و يريد أيضا أن يُتمَّ الحجة على أهل الكوفة و غيرهم ، و يظهر هذا مما صرَّح به الإمام الحسين عليه السلام في كتابه الذي أرسله الى جماعة من وجهاء الكوفة في جواب رسائل أهل الكوفة و كتبهم المتوالية عليه ، قال فيه : "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مِنَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ إِلَى سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ وَ الْمُسَيَّبِ بْنِ نَجَبَةَ وَ رِفَاعَةَ بْنِ شَدَّادٍ وَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَالٍ وَ جَمَاعَةِ الْمُؤْمِنِينَ :
أَمَّا بَعْدُ: فَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله قَدْ قَالَ فِي حَيَاتِهِ : مَنْ رَأَى سُلْطَاناً جَائِراً مُسْتَحِلًّا لِحُرُمِ اللَّهِ نَاكِثاً لِعَهْدِ اللَّهِ مُخَالِفاً لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ، يَعْمَلُ فِي عِبَادِ اللَّهِ بِالْإِثْمِ وَ الْعُدْوَانِ ثُمَّ لَمْ يُغَيِّرْ بِقَوْلٍ وَ لَا فِعْلٍ كَانَ حَقِيقاً عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ مَدْخَلَهُ ، وَ قَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ قَدْ لَزِمُوا طَاعَةَ الشَّيْطَانِ وَ تَوَلَّوْا عَنْ طَاعَةِ الرَّحْمَنِ وَ أَظْهَرُوا الْفَسَادَ وَ عَطَّلُوا الْحُدُودَ وَ اسْتَأْثَرُوا بِالْفَيْءِ وَ أَحَلُّوا حَرَامَ اللَّهِ وَ حَرَّمُوا حَلَالَهُ ، وَ إِنِّي أَحَقُّ بِهَذَا الْأَمْرِ لِقَرَابَتِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله ، وَ قَدْ أَتَتْنِي كُتُبُكُمْ وَ قَدِمَتْ عَلَيَّ رُسُلُكُمْ بِبَيْعَتِكُمْ أَنَّكُمْ لَا تُسَلِّمُونِّي وَ لَا تَخْذُلُونِّي ، فَإِنْ وَفَيْتُمْ لِي بِبَيْعَتِكُمْ فَقَدْ أُصِبْتُمْ حَظَّكُمْ وَ رُشْدَكُمْ وَ نَفْسِي مَعَ أَنْفُسِكُمْ وَ أَهْلِي وَ وُلْدِي مَعَ أَهَالِيكُمْ وَ أَوْلَادِكُمْ فَلَكُمْ بِي أُسْوَةٌ ، وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَ نَقَضْتُمْ عُهُودَكُمْ وَ خَلَعْتُمْ بَيْعَتَكُمْ فَلَعَمْرِي مَا هِيَ مِنْكُمْ بِنُكْرٍ ، لَقَدْ فَعَلْتُمُوهَا بِأَبِي وَ أَخِي وَ ابْنِ عَمِّي وَ الْمَغْرُورُ مَنِ اغْتَرَّ بِكُمْ، فَحَظَّكُمْ أَخْطَأْتُمْ وَ نَصِيبَكُمْ ضَيَّعْتُمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَ سَيُغْنِي اللَّهُ عَنْكُمْ، وَ السَّلَامُ" 1.
لماذا لم يغير الامام الحسين وجهة سيره بعد مقتل مسلم عقيل ؟
إن موقف الامام الحسين عليه السلام بعد الاطلاع على خبر استشهاد ابن عمه و رسوله إلى الكوفة رغم تغير الاوضاع ، و إصراره على متابعة السير إلى الكوفة دليل على أنه عليه السلام لم يعول في ثورة المقدسة على بيعة الناس ( أهل الكوفة ) له ، بل يدل على أن ثورته كانت لها عواملها و أسبابها الرئيسية و أن بيعة أهل الكوفة قد تُقيَّم ضمن الاسباب الثانوية ، و من باب اتمام الحجة على الناس و التاريخ .
- 1. بحار الأنوار ( الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ( عليهم السلام ) ) : 44 / 381 ، للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي ، المولود بإصفهان سنة : 1037 ، و المتوفى بها سنة : 1110 هجرية ، طبعة مؤسسة الوفاء ، بيروت / لبنان ، سنة : 1414 هجرية .