قد عرف النّاس في مختلف الأقطار امتناع الإمام الحسين (عليه السّلام) عن البيعة، فاتّجهت إليه الأنظار، وبخاصّة أهل الكوفة، فقد كانوا يومذاك من أشدّ النّاس نقمةً على يزيد، وأكثرِهم ميلاً إلى الإمام (عليه السّلام)؛ فاجتمعوا في دار سليمان بن صرد الخزاعي، فقام فيهم خطيباً فقال: إنَّ معاوية قد هلك، وإنّ حسيناً قد تقبّض على القوم ببيعته، وقد خرج إلى مكة، وأنتم شيعته وشيعة أبيه، فإن كنتم تعلمون أنّكم ناصروه ومجاهدو عدوّه فاكتبوا إليه وأعلموه، وإنْ خفتم الفشل والوهن فلا تغرّوا الرجل في نفسه.
واستجاب الزعيم الكبير يزيد بن مسعود النهشلي إلى تلبية نداء الحقّ، فاندفع بوحي من إيمانه وعقيدته إلى نصرة الإمام، فعقد مؤتمراً عامّاً دعا فيه القبائل الموالية له، وهي:
تّخذ ابن زياد كلّ وسيلة مهما كانت دنيئة للقضاء على الوجود السّياسي، والتحرّك الذي برز منذراً بالخطر بوجود مسلم بن عقيل على النظام الاُموي، وسارع للقضاء على مسلم بن عقيل وكلّ الموالين له قبل وصول الإمام الحسين (عليه السّلام)، وليتمكّن بذلك من إفشال الثورة فدبّر خطّةً للتجسّس على تحرّكات مسلم ومكانه والموالين له، واستطاع أن يكتشف مخبأه، وأن يعلم بمقرّه.
عندما ارتفعت راية الحقّ مرفرفةً فوق ربوع مكّة، ومعلنةً عن انتصارها دخل أبو سفيان ومعاوية في الإسلام ونار الحقد تستعر في قلبيهما، ونزعة الثأر من الرّسول (صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السّلام) تكمن في صدريهما، فتحوّلا من كونهما كافرين إلى كونهما مستسلِمَين طليقين من طلقاء الرّسول(صلّى الله عليه وآله).
لم تكن نهضة الإمام الحسين (عليه السّلام) وثورته حركةً آنيةً، أو ردّة فعل مفاجئة، بل كان الحسين (عليه السّلام) في الاُمّة يُمثّل بقيّة النبوّة، وكان وريث الرسالة، وحامل راية القيم السّامية التي أوجدها الإسلام في الاُمّة وأرسى قواعدها، كما إنّ العهد قريب برحيل النبيّ (صلّى الله عليه وآله) الذي كان يُكثر الثناء والتوضيح لمقام الإمام الحسين (عليه السّلام)، وفي الوقت نفسه كانت قد ظهرت مقاصد الاُمويّين الفاسدة تجاه رسالة النبيّ (صلّى الله عليه وآله) الإسلاميّة واُمّته المؤمنة برسالته.
لم يكن تفتّتُ أركان المجتمع الإسلامي -الذي كان يؤمن بأقدس رسالة سماوية وأعظمها وأشملها- في ظلّ حكم معاوية بن أبي سفيان وليد جهود آنيّة؛ فقد بدأ الانحراف من يوم السقيفة، إذ تولّى زمام اُمور الاُمّة مَنْ كان لا يملك الكفاءة والقدرة المطلوبة، وإنّما تصدّى لها مَنْ تصدّى على أساس العصبية القبلية، ويشهد لذلك قول أبي بكر: وُلّيت أمركم ولست بخيركم.
الإمام أبو عبد الله الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليهما السّلام) الشهيد بكربلاء، ثالث أئمّة أهل البيت (عليهم السّلام) بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وسيّد شباب أهل الجّنة بإجماع المحدّثين، وأحد اثنين نسلت منهما ذرية الرّسول (صلّى الله عليه وآله)، وأحد الأربعة الّذين باهل بهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) نصارى نجران، ومن أصحاب الكساء الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، ومن القربى الذين أمر الله بمودّتهم، وأحد الثقلين اللّذين مَنْ تمسّك بهما نجا، ومَنْ تخلّف عنهما ضلّ وغوى.
لقد كان أهل البيت (عليهم السّلام) بما فيهم الحسن والحسين (عليهما السّلام) مفجوعين بوفاة الرّسول (صلّى الله عليه وآله)، وألم المأساة يهيمن على قلوبهم وهم مشغولون بجهاز أعظم نبيّ عرفه التاريخ الإنساني، إذ توجّهت إليهم صدمةٌ اُخرى ضاعفت آلامهم، وبدّدت آمالهم التي غرسها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في نفوسهم ونفوس الاُمّة.
تنقسم حياة كلّ إمام من الأئمّة المعصومين (عليهم السّلام) إلى قسمين متميّزين: الأوّل: من الولادة إلى حين استلامه لمقاليد الإمامة والولاية المناطة إليه من الله، والمنصوص عليها على لسان رسوله والأئمّة (عليهم السّلام) أنفسهم. والثاني: يبدأ من يوم تصدّيه لإدارة اُمور المسلمين والمؤمنين إلى يوم استشهاده.
قبل الحديث عن تولّي يزيد للحكم وموقف الإمام الحسين (عليه السّلام) من ذلك لا بدّ وأن نعرف مَنْ هو يزيد في منظار الإسلام والمسلمين، وما هو رأي الإسلام في البيت الاُموي بصورة عامّة.
بينما كان الإمام (عليه السّلام) يسير بمَنْ بقي معه من أصحابه المخلصين وأهل بيته وبني عمومته إذا بهم يرون أشباحاً مقبلة من مسافات بعيدة، فبعد قليل تبيّن لهم أنّ تلك الأشباح المقبلة عليهم هي ألف فارس من جند ابن زياد بقيادة الحرّ بن يزيد الرياحي.
إنّ الأحداث السّياسية التي عصفت بالاُمّة الإسلاميّة بعد وفاة الرّسول (صلّى الله عليه وآله) كانت ثقيلة الوطأة عليها، وبلغت غاية الشدّة أيام تسلّط معاوية على الشّام ومحاربة الإمام عليّ (عليه السّلام)، وبالتالي اضطرار الإمام الحسن (عليه السّلام) لإبرام صلح معه ؛ لأسباب موضوعية كانت تكتنف الاُمّة.
إنّه من الصعب أن نقف على جميع الأسباب لثورة امتدّت في عمق الزمن، ولا زالت تنبض بالدفق والحيويّة، مثيرة في النفوس روح الإباء والتضحية، وتأخذ بيد الثائرين على مرّ الزمن بالاستمرار في طريق الحقّ وبذل النفس والنفيس لبلوغ الأهداف السّامية، إنّها الثورة التي أحيت الرسالة الإسلاميّة بعد أن كادت تضيع وسط أهواء ورغبات الحكّام الفاسدين، وأثارت في الاُمّة الإسلاميّة الوعي حتّى صارت تطالب بإعادة الحقّ إلى أهله وموضعه.
أمسك معاوية والطغمة الفاسدة من بني اُميّة بزمام الحكم، وأكملوا بذلك الانحراف الذي حصل من السّقيفة؛ حيث حوّل معاوية الخلافة إلى ملك عضوض مستبدّ حين صرّح بعدائه للاُمة الإسلاميّة، واعترف بعدم رضى الاُمّة به حاكماً بقوله: والله، ما ولّيتها -أي الخلافة- بمحبّة علمتها منكم، ولا مسرّة بولايتي ولكن جالدتكم بسيفي1.
هو أبو عبد الله الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام)، ثالث أئمّة أهل البيت الطاهرين، وثاني سبطَي رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وسيّد شباب أهل الجّنة، وريحانة المصطفى، وأحد الخمسة أصحاب العبا، وسيّد الشهداء، واُمّه فاطمة (عليها السّلام) بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله).
في حياة النبيّ (صلّى الله عليه وآله) والرسالة الإسلاميّة مساحة واسعة لبيت عليّ وفاطمة وأبنائهما (عليهم السّلام)، ومعاني ودلالات عميقة؛ حيث إنّه البيت الذي سيحتضن الرسالة، ويتحمّل عبء الخلافة، ومسؤولية صيانة الدين والاُمّة.
لا ريب في أنّ الإمام الحسين (عليه السّلام) يُعدّ امتداداً لجدّه وأبيه وأخيه من حيث المعرفة، ومن حيث الاقتدار الفني في التعبير. وقد جاء على لسان خصومهم أنّهم أهل بيت قد زقّوا العلم زَقّاً، وأنّها ألسِنَةُ بني هاشم التي تفلق الصّخر، وتغرف من البحر1.
تراكمت البشائر النبويّة حول غيبة الإمام المهدي المنتظر وظهوره، وخصائص دولته وأوصافه ونسبه الشّريف، كما توضّح الصّحاح والمسانيد هذه الحقيقة في أبواب الملاحم والفتن، وأشراط السّاعة وغيرها.