حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
ابعاد الأمل في انتظار الإمام المهدي عليه السلام/ الحلقة الأولى
هناك ابعاد عديدة للأمل _بعد الالتفات إلى أنّ مفردة الأمل والانتظار مفردة أكد عليها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وانّها من أعظم المعالم الاعتقادية المهدوية_ لابدّ من دراستها والاهتمام بما ذكرته اللغات والعلوم حول هذه المفردة، ومنها:
أولا: البعد النفسي:
في علم النفس مقرر وبشكل لاريب فيه أنّ حياة النفس الانسانية ونشاطها معقودة بالأمل, بمعنى انّ أية نفس انسانية ينسد باب الامل عندها، فهذا انذار ببداية الانهيار, فحبل النجاة والانقاذ لاية نفس انسانية هو الأمل، وهو أمر مستقبلي وليس في الماضي, وكثير من حالات الانهيار والكبت الروحي والانتحار والفشل سببها عدم الامل.
فالامل امر عظيم, وليس فقط بحسب علم النفس العام بل حتى في علم النفس الاجتماعي, فالمجتمع الذي ليس في تطلعه ورؤيته أمل يقوده الى الامان فإنه معرّض للإنهيار والانحدار والتبعثر والتشتت.
ثانياً: البعد الحضاري:
قيل إنّ الامّة سميت امّة لانّها تؤم وتقصد, واحد معاني الماهوية العقلية لمعنى الامام والامامة الالهية هي غاية تأملها وتقصدها وتنحو اليها, و(أمّ) يعني تبع وقصد, والقصد منطو على غاية، والغاية منطوية على الامل.
فلاحظ أنّ الامل او الفرج مطوي في تقرر المعنى الماهوي للامامة الالهية, وبلغة علوم الحضارات انّ الامل هو الباعث على ازدهار النهضة الحضارية لاية امّة, فأية حضارة عملاقة لم تبن ولم تتشكل الاّ بأمل وهدف قممي كانت قد تطلعت إليه تلك الامّة, وبعبارة أخرى انّ القمّة التي تروم الامّة تحقيقها حضاريا ما هي إلاّ عبارة عن أمل امكانية الوصول اليها, فالأمل هو اوّلاً غاية قممية، وثانيا انّ الطريق للوصول إلى الاهداف القممية ممكن.
ثالثاً: البعد التغييري:
عقيدة انتظار الفرج تشتمل على كل نظام الامامة ومنهاج أهل البيت عليهم السلام, فعندما يكون الإمام المنتظر عليه السلام أمراً يتطلع إليه ويعتقد أنه غاية, سينجرّ الى انّ الامّة يجب انْ تعبّد الطريق لظهوره, ولكن لاجبر ولاتفويض بل امر بين أمرين. وبما انّ الله لايغير مابقوم حتى يغيروا ما بانفسهم، فهذا يعني ان هناك مسؤولية اتجاه المخلوق، وهناك مسؤولية اتجاه نظام الخالق، وبالتالي انّ معنى الامل هو معنى المسؤولية, أي لزوم السعي لتعبيد الطريق نحو التغيير الجذري: لذلك كثيرا ما تحدث مداولة في المنتديات العلمية والكتابات انّ اكبر مسؤولية اتجاه الامام الثاني عشر عليه السلام, واكبر علامة لظهوره هو انتشار نور علم ومنهاج اهل البيت عليهم السلام في سائر ربوع المسلمين والبشر, فإذا انتشر وساهمنا بذلك كان هذا الطريق للنجاح.
الكاتب والباحث الغربي (فرانسو توال) لديه مركز حول التشيع فقط وتعتمد عليه المراكز الغربية كثيراً، وعنده كتاب حول (الجغرافيا السياسية للتشيع) كتبه سرا ولكنه انتشر، يقول فيه: (اكبر خطورة على الانظمة الغربية واكبر قوة في هذا الإمام _وهو الامام المنتظر عليه السلام_ انه يفتح افق تطلع للبشر فوق الافق الذي تفتحه الديمقراطية والليبرالية ونظام السوق الحر والرأسمالية, وهو تطلع الحرية والعدل الذي يفتحه هذا الشخص,’ وتكمن خطورة هذه العقيدة في انها تفتح تطلعاً مستقبلياً للبشرية وراء اطروحة الديمقراطية، و فوق ماتطرحه تلك الانظمة، والتنافس مع هذه الاطروحة صعب ممتنع لما فيها من اداعات فوق ماتدعيه الحضارة الغربية فلايمكن التفوق عليه، وهذا العرض المغري يخطف عقول الشعوب) ثم يقول: هذا التطلع البعيد الذي يزرعه مشروع المهدي الحجة بن الحسن العسكري عليه السلام في عقلية البشر اخطر علينا من الشيوعية واية اطروحة بشرية اخرى، لأنّ ولاء شعوب العالم سيكون له، لا لتلك الانظمة, فطبيعة البشر تنجذب نحو الاكبر والافضل.
لاحظ كيف انّ انتظار الفرج افضل عبادة, لأنّ هذه العقيدة ستبرمج للأفراد والامّة استراتيجة حضارية عقدية لاتزل ولا تغوى اذا استمسكت بها.
رابعاً: البعد التجديدي:
البعد الآخر لعقيدة انتظار الفرج العظيمة انّ كل ما ستواجهه البشرية من مشاريع واطروحات لاتكافئ ما ننتظره, فلو كانت تعلوه أو تكافئه، هل سيكون لانتظار الفرج معنى ؟
انتظار الفرج يعني مجيء أمر لم يأتِ بعد, فالشيعة اقاموا نظاما ولكن ماتنتظره من نظام يقيمه الإمام هو في الواقع فوق مايقيمه غيره لانّ ذلك فرج مطلق ,واطروحة كبرى.
اذن هناك تطلع اكبر مما هو حاصل الان, وانّ علو الانجاز من الإمام في الإمامة الالهية يفوق انجاز البشر, وهذه بصيرة في المعرفة لكونها أطروحة لايقاس بها كل الأطروحات والفلسفات الحضارية الاخرى, وهذا التطلع يحتاج الى سعي كبير ومتواصل لتحقيق تلك الغاية والوصول لها, إذ اننا مازلنا في الطريق، وهذا امر عقائدي مهم.
كما إن معرفة الامام حق معرفته هي بحد ذاتها تطلّع كبير لايقنع العارف بها بالقليل، واللطيف في بعض الروايات تأكيداً على ضرورة بصيرة الانسان بالرؤية العقائدية لكونها رؤية جبارة الافق ولذلك صارت العقيدة اصلاً للدين والفقه فرعاً له, وهي رؤية واسعة المدى واهميتها من هذه الجهة فكون العقيدة عروة وثقى، أي أنّ التمسك بها امان وضمان اعظم من فقه الفروع، وان كان الفقه ايضا مهم لكنه لا يصل لاهمية العقيدة.
فمن يمتلك رؤية عقائدية ينتقل بها من عالم الى عالم، ولا يعتريه اضطراب او بلبلة لانّ الخرائط العقائدية لديه واضحة ومعلومة، ولذلك لا يصاب بالحيرة ولا تفاجؤه المفاجآت لانّها تعطيه توازناً، بخلاف من حرم الرؤية العقائدية، إذ ما انْ تنتابه وتعتريه حالة من الحالات في بدنه أو في روحه الاّ ويضطرب، والسبب هو عدم وجود بعد النظر الموجود لدى صاحب العقيدة، فطبيعة هذه الرؤية رؤية واسعة المدى وعظيمة التأثير والتحكم في توازن الانسان في كل الحالات. وحتى النظام الاخلاقي لا يرقى الى الرؤية العقائدية من حيث التأثير والهيمنة.
جاء في احدى زيارات أمير المؤمنين وصف وتصوير واضح لمشهد يصور حال اهل جهنم في الاضطراب والرذائل الاخلاقية، والمذكور في الزيارة انّ هؤلاء قبل ادخالهم النار كانوا على اشد ما يكون في الرذائل الاخلاقية، بالقياس إلى ما ارتكبوه في الحياة والبرزخ، أي انها تشتد عندهم اكثر، والسبب هو عدم وجود الرؤية العقائدية، فكلما يذهب أحدهم إلى عالم آخر يكون انزلاقه وغيّه اكثر، ولذلك فإنّ العقيدة بر امان وتجعل الانسان متوازنتً.
وبلغة الارقام فإنّ هذا البرنامج يظل فعالاً في عوالم عديدة لا في عالم واحد 1.
- 1. صحيفة صدى المهدي عليه السلام، العدد ٥٩/ربيع الثاني / ١٤٣٥هـ.