مجموع الأصوات: 39
نشر قبل 3 سنوات
القراءات: 3593

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

الإسلام و ما بعد الحداثة.. رؤية من المجال الإسلامي

من يتعرف على كتاب (الإسلام وما بعد الحداثة.. الوعود والتوقعات) لمؤلفه الباحث الباكستاني المقيم في بريطانيا أكبر أحمد، الصادر في ترجمته العربية سنة 2009م، سيجد فيه أنه من أكثر المؤلفات الإسلامية التي تلفت الانتباه إلى العلاقة بين الإسلام وفكرة ما بعد الحداثة في سياق البحث عن فهم أفضل لمقتضيات العصر الذي نعيشه.
وقد يكون هذا الكتاب يمثل أول محاولة في المجال العربي لاكتشاف مساحة مشتركة بين الإسلام وما بعد الحداثة، ولفت النظر إلى ضرورة تقديم تفسير إيجابي ومفيد لمشروع ما بعد الحداثة، وذلك استناداً على خلفية أن عصر ما بعد الحداثة لا يخلو في نظر أكبر أحمد من وعود بالأمل والتفاهم والتسامح، والإسلام من جهته كذلك بإمكانه أن يقدم وعوداً كثيرة في هذا العصر المزدحم بالشك والريبة والسقوط.
لهذا يرى أكبر أحمد أهمية ألا نغفل البعد الإيجابي البهيج على حد وصفه، الذي يحمله إلينا مشروع ما بعد الحداثة، والمتمثل حسب قوله: في المتعة كما يسميه بارث، فأهمية التنوع والتعدد، وضرورة التسامح، ووجوب التفاهم مع الآخر، هي من جملة العوامل التي تبعث على المتعة والوجد في هذا المذهب الفكري.
والحاجة إلى تقديم تفسير إيجابي ومفيد لمشروع ما بعد الحداثة، تنطلق في نظر أكبر أحمد من أن الصورة التي ترسمها أدبياته قاتمة في جملتها، وتتمثل في مشاعر الفوضى وعدم الانتماء واليأس والقنوط، وقد غيبت هذه القتامة الجوانب المشرقة والإيجابية التي ينطوي عليها هذا المشروع مثل التعدد والتنوع، واكتشاف الآخر، وتحطيم البنى القديمة، وتوفير الفرص لكسب العلم، والمعرفة وفهم الآخر.
وتمسكا بهذا الموقف يضيف أكبر أحمد من المبكر أن ننظر إلى ما بعد الحداثة كوهم تنويري، أو مجرد دراسة أكاديمية محصورة داخل جدران الصالونات الأدبية، وبعيدا عن مسيرة الحياة العملية، بل يجب اعتبارها مرحلة مهمة في التاريخ الإنساني، اتاحت إمكانات لم تكن متوفرة من قبل، وبوصفها مرحلة اختصرت المسافات بين البشر على اختلافهم، وقربت بين الثقافات المختلفة.
وعن موقعية هذا المشروع في المنظومة الفكرية الراهنة للمسلمين، يرى أكبر أحمد أنه على الرغم من الكم الهائل من المعلومات والمؤلفات التي ظهرت في الغرب، وبالأخص في مجال الفن والعمارة والأدب، إلا أن هذه الفكرة لم تترك تأثيرا ملموسا على نظرة المسلمين، سوى شريحة من المفكرين المسلمين التي أدركت طبيعة الوضع الجديد.
وبشأن المصادر والكتابات الإسلامية التي تناولت هذه الفكرة، يرى أكبر أحمد أنها ما تزال نادرة وشحيحة، والقلة القليلة التي تعاطت مع هذه الفكرة اتسمت قراءتها في نظره بالارتجال والتردد والوقوف عند العموميات، وأنها نبذت الفكرة ووجدت فيها استمرارا لمشروع الحداثة الغربي، والذي هو من وجهة نظرها مشروع مدمر محكوم بالفناء، ويحاكي مشاريع الأمركة والفوضوية والدمار.
ومن جهته، يرى أكبر أحمد أن هذه المقاربة هي نتاج استسهال مضلل، وتبسيط غير صائب للمفاهيم، وتبعاً لذلك تولد نسيج زمني في مسيرة الفكر بين المسلمين والغرب، فبينما ينظر بعض الغربيين إلى مشروع ما بعد الحداثة كصيغة باتت قديمة وعفا عليها الزمن، في المقابل يواصل المفكرون المسلمون تشبثهم بالمقولات القديمة للحداثة عبر إدانة النظام الإمبريالي الغربي وفساده، لاصقين بالحداثة شتى الصفات والنعوت والحساسيات.
أمام هذا الوضع أطلق أكبر أحمد صرخة اعتراضية بقوله: بالله عليكم، في ظل ظروف كهذه، أي معنى سيحمل مشروع ما بعد الحداثة للمسلمين؟ ومتى ستتمايز الحداثة عما بعدها؟ أم أنها الحداثة ولكن في ثوب جديد؟ وهل ما بعد الحداثة فكرة مختلفة مقتبسة عن الغرب، لتطبق، أو يساء تطبيقها في المجتمع الإسلامي على غرار الحداثة وبخصوصياتها نفسها، أعني التقدم والعقلانية والعلمانية؟ هل يحتفظ المصطلح الذي يولد من رحم التقاليد والثقافة الأوروبية بمفهومه ذاته عندما ينتقل إلى نقاط أخرى في العالم، أفريقيا أو آسيا مثلاً؟ كيف سيعمل قادة العالم الإسلامي ومفكروه على تفسير العناصر الرئيسية لما بعد الحداثة؟1.

  • 1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ ـ الخميس / 16 يوليو 2009م، العدد 15664.