الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

الإمام الخميني رائد الوحدة في القرن العشرين

لقد استطاع الإمام الخميني(قده) أن يحوِّل فكرة الوحدة إلى سلوك، وأن يحول الصوت الخافت الذي يحاول أن يقدم عنوان الوحدة كنظرية من النظريات إلى أساسٍ وفعلٍ في السلوك العملي عند كل من أيَّد وناصَر الإمام (قده) وسار على نهجه وهديه.

لم نعد مع الإمام نناقش فكرة الوحدة، بل نحن مع الإمام نتسابق مع الزمن لنرى إن كنا نلحق به في طرح الوحدة عملياً لأنه سبقنا وطرحها وجذرها في الأمة، بقي أن نستثمر هذا العنوان في الأداء العملي. هذه مسؤوليتنا جميعاً، وفي الواقع نحن لا نطرح من خلال ما قاله الإمام الخميني(قده) أمراً غريباً أو بعيداً عن أدبياتنا وإيماننا والتزامنا، قال تعالى في كتابه العزيز: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ... 1، وهذا موجهٌ لكل مسلم يؤمن بكتاب الله القرآن الكريم، ويؤمن بمحمد(ص)، وبالتالي لا عذر لمسلم على وجه الأرض أن لا يدعو إلى الوحدة الإسلامية ، وأن لا يعمل لها وأن لا يطبق هذه الآية الكريمة.

في الإسلام الوحدة أصل، وفي الواقع الوحدة ضرورة، وفي النتيجة العملية الوحدة قوة لكل المسلمين من دون استثناء، نحن بحاجة إلى الأصل والضرورة والقوة من أجل أن نصنع مستقبلنا على هدي الإسلام، وعلى منهج الإمام الخميني(قده) في جمع المسلمين، وهنا ما يُلفت: كلماتٌ قالها الإمام الخميني(قده) استطاع من خلالها أن يوصل مفهومه عن الوحدة بدقة متناهية تأخذ بعين الاعتبار كيفية ترسيخها في الأمة، ففي نداءٍ له في سنة 1980 قال: "إنَّ طرح مسألة تقسيم المسلمين إلى سني وشيعي وحنفي وحنبلي وإخباري، لا معنى لها أساساً، إنَّ المجتمع يريد أفراده جميعاً في خدمة الإسلام، والعيش تحت ظلاله، غاية الأمر أن الحنفي يعمل بفتاوى علمائه، وهكذا الشافعي، وثمة مجموعة أخرى هي الشيعة تعمل بفتاوى الإمام الصادق(ع) وهذا لا يبرر وجود الاختلافات، لا ينبغي أن نختلف مع بعضنا أو أن يكون بيننا تناقض"، فالإمام الخميني(قده) يركز على معنى الوحدة خارج دائرة التكاليف الفردية التي لها علاقة بمشروعية العبادات والمعاملات، ولذا كنا نؤكد دائماً أننا ندعو إلى الوحدة السياسية التي لا تلغي حضور المذاهب عند المسلمين، ولا تتدخل في شؤونهم كي لا نغرق في دائرة العناوين الجذابة التي تريد أن تمحو كل اختلاف باسم الوحدة، وبهذا لا يمكن أن نصل إلى أي خطوة عملية باتجاه الوحدة.

أولاً

أقول: لننتهِ أولاً من الوحدة السياسية ونحن حاضرون فيما بعد ذلك أن نناقش أنماطاً أخرى للوحدة إذا كان الزمان يتسع لذلك، وإذا كانت العقول والقلوب تستوعب مثل هذا الاتجاه، لكن لنكن واقعيين وعمليين ليس المطلوب أن نخوض في النقاش المذهبي البحت، وإنما المطلوب أن نخوض في وحدة الأمة بما يؤدي إلى عزتها وقوتها وكرامتها ومنعتها، وهذا ما نستطيعه وهذا ما يجب أن نقوم به.

إنَّ الإمام الخميني(قده) هو رائد الوحدة في القرن العشرين، وهي مسؤولية ملقاة على عاتقنا كمسلمين في أي بقعة من بقاع الأرض ولا عذر لأحد أن يكون خارج هذه الدائرة مع التوجيهات الإسلامية.

ثانياً

فقد وجدت أن أخرج عن دائرة التنظير إلى دائرة التطبيق العملي ليكون لدينا مقياسٌ مستفاد من الإمام الخميني(قده) في تطبيق علامات الوحدة، وأعتقد أن علامات الوحدة ثلاثة، إذا لم تتوفر في أي داعية أو عالم أو جماعة فإن أحاديثهم عن الوحدة لا معنى لها على المستوى العملي:

العنوان العملي الأول لتطبيق الوحدة

فهو دعم حق الشعب الفلسطيني ومقاومته بكل أشكالها من أجل تحرير الأرض من الاحتلال الإسرائيلي، وهذا واجبٌ على كل المسلمين تأييداً ودعماً بكل أشكال الدعم، وبالتالي تعتبر القضية الفلسطينية عنواناً عملياً تطبيقياً لهذه الوحدة، فمن أدار الظهر للقضية الفلسطينية، أو من أثار المشاكل والتعقيدات لإضعافها أو إضعاف الفلسطينيين هو بعيدٌ كل البعد عن الوحدة ولو تحدث عنها بالمجلدات والخطب والمواقف المختلفة، فلسطين عنوان أول من عناوين الوحدة، يجب أن نكون معها لا بالعاطفة فقط، وإنما بالدعم العملي بكل الأشكال، وليس بالكلمة فقط وإنما بأن يشعر الفلسطينيون أننا معاً، إن شهادة العمل للقضية الفلسطينية تصدر من عند الفلسطينيين ولا يمكن لأحد أن يعطي الشهادة لنفسه إذا كان بعيداً عن هذا الأداء.

التطبيق الثاني من تطبيقات الوحدة الإسلامية

اجتماع الأمة على مواجهة مخططات أمريكا لمنعها من السيطرة على منطقتنا وتفتيتها، وبالتالي لا يمكن أن نكون وحدويين من دون أن نكون متراصين في موقفٍ واحد ضد مشاريع أمريكا الاستكبارية التي تريد أن تنهب ثرواتنا وتقسِّم بلداننا وتحتل عدداً من هذه البلدان كما فعلت في أفغانستان والعراق، وتدعم الإسرائيليين الذين عاثوا في الأرض الفساد، وتعمل من خلال المواقع المختلفة لتضيِّق علينا، وتحاول أن تحاصر إيران بالعقوبات وغيرها، وأن تضع حداً للموقف السوري الممانع، وكل هذه العناوين المختلفة هي عناوين تحاول أمريكا من خلالها أن تُعيق تقدمنا وتفتتنا وتُضعف مكانتنا، فإذا أردنا الوحدة الإسلامية على المستوى العملي يجب أن نترجمها اتفاقاً واضحاً في مواجهة المشروع الأمريكي الذي يعتدي علينا، فنحن في المواجهة مدافعون لا نريد منهم شيئاً، ولكن لا يجوز أن نسمح لهم أن يخترقوا حياتنا وفكرنا وسلوكنا وبلداننا وإمكاناتنا ليعيثوا فيها فساداً وهذه مسؤولية المسلمين في أن يقفوا موحدين في مواجهة المشروع الأمريكي.

ثالثاً، من تطبيقات الوحدة العملية

رفض الفتنة المذهبية، ورفض دعاته، ورفض التكفير وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية، وبالتالي إذ أردنا أن نكون موحدين فلننظر إلى خطابنا، كيف نخاطب جمهورنا الخاص؟ وكيف نعبئ المحازبين؟ وكيف نكون مع من ينتمون مذهبياً إلينا؟ هل نخاطبهم بإثارة النعرات أم بالدعوة إلى الوحدة؟ هل ندعوهم للحفاظ على موقعهم المذهبي أم نسعى لتثبيت موقع الأمة؟ هل نثير قضايا الخلاف الجزئية بين المسلمين أم أننا نعطي الأولوية لمواجهة الأعداء والخصوم الذين يواجهون ديننا وإسلامنا وحياتنا؟ هل نقف موقفاً يؤدي إلى التقسيم دائماً على قاعدة تنمية الخصوصية ولو على حساب الأمة أو أننا نضحي ببعض الخصوصية لمصلحة وحدة الأمة؟.

أنا لا أقول بأن الوحدة سهلة فلها أثمان، لا يمكن لأي منَّا أن يدعو إلى الوحدة ثم ينال رضا كل الجماعة المذهبية التي ينتمي إليها، فهناك مذهبيون لا يرون إلاَّ جماعتهم حتى ولو فني العالم بأسره لأنهم يعيشون التعصب والأنانية ويعيشون الحالة الذاتية، وبالتالي نحن أمام أمرين وموقعين: إمَّا أن نرضي الله تعالى وندفع ثمن العمل للوحدة وبعد ذلك سنحصد ثماراً عظيمة جداً، وإمَّا أن نستسلم لبعض الحسابات الداخلية الخاصة بكل مذهب وعندها سنضيِّع هذا الهدف الكبير.

إذاً تطبيقات الوحدة الإسلامية ثلاثة: دعم القضية الفلسطينية بالمقاومة، ومواجهة مخططات أمريكا الاستعمارية العدوانية، ورفض الفتنة المذهبية والتكفير وإثارة النعرات بين المسلمين، فمن ادَّعى أنه يعمل للوحدة عليه أن يقدِّم برنامج عمله في هذه العناوين الثلاثة، وكل دعوة للوحدة خارج إطار هذه الممارسة هي مجرد خطب رنانة وإنشائيات، وقد تخفي أحياناً تدليساً على المسلمين لمؤامرات لصرفنا بكلمات معسولة عن مؤامرات تحاك في الخفاء ضد الوحدة الإسلامية وهذا ما نرفضه ونحن نؤكد دائماً أن دعاة التقريب أمثالكم هم الذين يعملون لهذه العناوين الثلاثة وفي الحقيقة هي ليست بحاجة إلى إحصاء ولا استطلاع رأي، فإذا سألت الدنيا اليوم عن دار التقريب وأعمال مجمع التقريب وتجمع العلماء المسلمين وحزب الله وعن كل هذه الحركات الإسلامية الأصيلة وعن العلماء المجاهدين الوحدويين لرأيت أنه يُشار إليهم بالبنان أنهم دعاة الوحدة لأنهم يعملون على هذه القواعد الثلاثة التي تحدثت عنها.

هذه مسؤوليتنا، وهذه الترجمة تتطلب جرأة وشجاعة، وفي الواقع لا بدَّ من تحية للأخوة العلماء الذين تصدوا لهذه الفتن، والذين تحملوا الأعباء الكثيرة لأنهم رفعوا هذا العنوان الوحدوي، ولكن في النهاية هم يعملون قربة إلى الله تعالى ويريدون تحقيق منهج الإسلام.

ثالثاً

نحن أمام قضية حساسة لها علاقة بفرض مجلس الأمن العقوبات على الجمهورية الإسلامية الإيرانية تحت عنوان برنامجها النووي، ولكننا رأينا الانحياز الفاضح لمجلس الأمن لمصلحة إسرائيل وضد الشعوب الحرة والحكومات التي تريد أن تكون عزيزة مستقلة بعيدة عن الانقياد إلى الغرب والشرق. بكل وضوح: تحول مجلس الأمن إلى موقعٍ رسميٍ عالميٍ للظلم الدولي، ولم يعد محلاً للعدالة وليس محلاً لتسوية قضايا الشعوب بإنصافٍ وأخلاقية، وبالتالي هذا المجلس أصبح ألعوبة بيد أمريكا وأداة تنفيذية لاستعمار الشعوب المستضعفة، وبالتالي فقد معنى وجوده الذي وُجد من أجله تحت عنوان حماية السلام الدولي ورعاية السلام الدولي، أي سلام يصنعه مجلس الأمن وهو لا يقبل أن يهين إسرائيل على جرائمها العدوانية، وآخر الجرائم قتل عدد من الأتراك لأنهم جاؤوا بطريقة سلمية لفك الحصار عن غزة المجاهدة، أي موقف مشرفٍ لمجلس الأمن عندما يُستخدم فيه حق الفيتو دائماً في كل المواقع التي تهم إسرائيل ونراه مرتفعاً للضغط على الشعوب المستضعفة وعلى البلدان الحرة، مجلس الأمن فقد دوره، وبالتالي ليس ممثلاً للسلام العالمي بل هو ممثل للاستعمار العالمي بوجه آخر وبصورة أخرى مختلفة عن طرق الاستعمار التي كانت تستخدم سابقاً.

ما هي الإدانة لإيران الإسلام اليوم؟ أنها تقوم ببرنامج نووي سلمي وهذا حقٌ لجميع الشعوب ولجميع الدول، حق إيران بالنووي السلمي كفلته القوانين الدولية قبل أن نتحدث عن القناعات الذاتية، ومع ذلك هم يتهمون إيران، ما هي التهمة الموجهة إلى إيران؟ هي ليست تهمة مادية واضحة، هي ليست أدلة موصوفة يمكن للقضاء أن يعتمد عليها، التهمة لإيران هي تهمة النوايا، يحاكمون إيران على النوايا ويفترضون أنها نوايا نووية عسكرية، وبالتالي يتخذون القرارات والإدانة بتثبيت هذه النوايا كأدلة قطعية دون أن يكون لديهم أي حق لا في البداية ولا في النهاية ولا في هذه الاستنتاجات التي يستنتجونها، وبكل وضوح كل من يُتهم على نواياه لا يمكن له أن يقدم الأدلة على تبرئته، لأن من اتهمه بالنوايا أراد أن يضيع ويلغي إمكانية تقديم الأدلة، على قاعدة أن النوايا يصعب ترجمتها، وأن المتهِم بالنوايا لا يقبل الأدلة وهو إنما لجأ إلى النوايا لأن بإمكانه أن يفترض غير ما يُقال وأن يعارض الأدلة تحت عنوان وجود إثباتات غير واضحة.

نحن نعلم أنه في القضاء الشرعي والمادي والمدني كلهم يقولون: المتهم بريء حتى تثبت إدانته، اليوم مجلس الأمن يقول: بأن إيران مدانة حتى تثبت براءتها، كيف يمكن أن تثبت براءتها؟ فلو فتحت لهم خمسين موقعاً، ولو جالوا في أكثر من نصف مساحة إيران التي تحتاج إلى ثلاث أو أربع سنوات حتى يتمكنوا من التجوال فيها، فسيقولون: ربما في زاوية من بحرٍ عميق أمام جزيرة في أقصى منطقة لا يمكن الوصول إليها يمكن أن يكون النووي هناك، وبالتالي أثبتوا لنا أنتم والوصول صعب، وبالتالي لا إثبات والإدانة قائمة من دون إثبات. هم لا يريدون معرفة الحقيقة، بل أقول أكثر من هذا، هم يعرفون أن إيران اختارت التكنولوجيا النووية السلمية ولا تريد النووي العسكري، ولكن يريدون ضرب ومواجهة إيران، فرأوا أن هذه الحجة هي حجة ممكنة، وبالتالي يستطيعون عرضها على قاعدة أن لديهم الدليل ولكن لا يوجد أي دليل.

هنا يتهمون إيران على النوايا، بينما إسرائيل تمتلك فعلياً بين 200 إلى 400 رأس نووي عسكري، ومع ذلك لا يقبلون حتى بدخول إسرائيل في وكالة الطاقة النووية ولا يقبلون تفتيش المنشآت والإطلاع على ما هو موجود، فضلاً عن عدم وجود أي إدانة لهذا الأداء العسكري الخطر الذي تمارسه إسرائيل.

إن المشكلة مع إيران ليست في وجود النووي العسكري أو عدم وجوده، لا يريدون لإيران الاستقلال عن الشرق والغرب، ولا يريدون لإيران التطور ومساندة المستضعفين، ولأنهم عاجزون عن إيقاف تطور إيران وحب الشعوب لها، ولأنهم عاجزون عن سوق إيران إلى المعسكر الشرقي أو الغربي، ولأن إيران تحولت إلى دولة كبرى مهابة الجانب، ولها آفاق مستقبلية واعدة جداً، فهم يريدون ضرب إيران ولا يتحملون هذا الأمر فيدَّعون حجة اسمها النووي العسكري لينفذوا من خلالها لإيذائها ووضع حدود لها والتضييق عليها، هذه هي الخطة التي يريدونها، ولكن نقول كما قال الإمام الخميني(قده) : "لقد انتصرنا بقدرة الإيمان ولم ننتصر بالعدد والعدة"، وكما قال أيضاً: "ولكن فلتعلم أمريكا أن إرادة الشعوب أقوى"، وكما قال أيضاً: "ما أريد التأكيد عليه هو أن تُخرجوا من رؤوسكم ما يُقال من أنه لا يمكن مواجهة الدول الكبرى، صمموا على ذلك تقدرون لأن الله يدعمكم ويحميكم، إن الهمسات التي تشاع من قبل عملاء الاستعمار، من أنه لا يمكنكم الحياة دون اللجوء إلى احد الدول العظمى كلها خطأ مئة بالمئة، وغير صحيحة، قفوا على أرجلكم باستحكام وقوة، وكونوا مع الله تعالى، واسعوا قبل كل شيء إلى الرقي في الإنسانية، عندها يمدنا الله بعونه ونستطيع أن نحصل على استقلالنا وحريتنا وحفظ إسلامنا، نوفق إلى ذلك إن شاء الله تعالى".

هذا هو الموقف الأصيل للإمام الخميني(قده)، وهذا هو الموقف الثابت للإمام القائد الخامنئي(حفظه الله تعالى ورعاه)، ولذا مهما تكالبت قوى الاستكبار على الجمهورية الإسلامية فستبقى مرفوعة الرأس إن شاء الله، وصامدة قوية لأنها صاحبة حق، ولأن شعبها معها ولأن قائدها ملهم يعمل بتقوى الله تعالى، ولأن قياداتها تستطيع أن تخوض مع الشعب الإيراني المسلم أصعب الظروف وتنجح بحمد الله تعالى، لقد مرَّت الجمهورية الإسلامية بصعوبات كثيرة منذ نشأتها ومع ذلك صمدت وتطورت وتقدمت وهي إلى الأمام إن شاء الله تعالى، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ 2.

ها هي تجربتنا في لبنان من خلال المقاومة الإسلامية قليلة العدد والعدة، والتي كانت تواجه بسهام الغدر والفتنة والضغط الدولي بأشكال مختلفة، مع ذلك استطاعت هذه المقاومة الشريفة باسم الله وفي سبيل الله أن تحرر الأرض وتُخرج إسرائيل ذليلة في أيار سنة 2000، وتواجه العدوان الإسرائيلي بكل قوة وصلابة في تموز 2006، حتى أن الهزيمة النكراء التي أصيبت بها إسرائيل قد دكَّت فيها أول عنوان من عناوين السقوط المذل إن شاء الله تعالى، لقد دخلت الهزيمة الإسرائيلية إلى عقل وقلب كل طفل وامرأة وشاب في داخل الكيان الإسرائيلي، إلى المدنيين والعسكريين، كلهم يشعرون بالذل والهزيمة في مقابل ذلك مقاومتنا تشعر بالعزة، شعبنا يفتخر أمام العالم أنه حقَّق هذا الانجاز، تعاون الجيش والشعب والمقاومة أدَّى إلى منظومة قوة يصعب أن يواجهها المستكبرون أو الصهاينة المحتلون، هذا تاريخ بني على التضحية وعلى الوحدة وعلى العطاء وعلى الجهاد في سبيل الله تعالى، قدَّمت المقاومة الإسلامية رموزاً أمثال الشيخ الشهيد الشيخ راغب حرب، والسيد عباس الموسوي(رض) والقائد عماد مغنية(رض) واستطاعت مع كل الشهداء أن تؤسس لقوة معنوية كبيرة، هذا يعني أنه بإمكاننا أن ننتصر على قلة العدد والعدة، لا تخافوا من هذه القرارات التي تصدر من مجلس الأمن أو غير مجلس الأمن، هي محاولة لقهرنا ولكن إذا كنا مع الله ومع أنفسنا ومع وحدتنا ومع عزتنا واستلالنا فإن بإمكاننا أن نثبت وبإمكاننا أن نغير المعادلة إن شاء الله تعالى.

اليوم نحن في زمنٍ تتقدم فيه إمكانات المقاومين المجاهدين ودول المقاومة والممانعة أفضل وأكثر من أي زمنٍ مضى، لاحظوا هذا الموقف الثلاثي الإيراني التركي البرازيلي، الذي يمثل نموذج دول الاستضعاف في العالم كيف وقف زعماؤها ومن ورائهم شعوبها في مواجهة الغطرسة الأمريكية صفاً واحداً وموقفاً واحداً أذهل العالم، وراجعوا خلال السنوات السابقة كيف يتقدم محور المقاومة والممانعة إلى الأمام، يتقدم بصلابة وبجرأة ويصبح أقوى ويشهر موقفه بشكل أكثر وأكبر، في كل حقبة نرى أننا نزداد قوة ومنعة، ويضاف إلى مقاومتنا وإلى الدول المقاومة دولاً جديدة وشعوب جديدة وهذا بحمد الله تعالى من الاستقامة ومن سلامة التوجه.

إننا نرى تحولاً كبيراً لمصلحة قوى محور المستضعفين وقوتهم ونمو محور المقاومة والممانعة بشكل سريع ومتقدم إلى الأمام وهذا ما يرعب الأعداء ويخيفهم ويجعلهم يتآمرون علينا، ولكن هم لا يعلمون مدى صبرنا ومدى الجهد والمقاومة التي نبذلها.

وهنا لا بدَّ أن نطل قليلاً على التصويت الأخير الذي جرى في مجلس الأمن من قبل لبنان، حيث كان الأفضل للبنان الرسمي أن يصوت ضد العقوبات على إيران الإسلام لسببين كبيرين:

الأول: وفاءً لإيران لما قدمته من خدمات للبنان ولموقفها الشريف المؤيد للمقاومة ولاستقلالنا وحق المقاومة واستقلال الشعوب في المنطقة.

الثاني: أن هذه السابقة في مجلس الأمن ستطال في يوم من الأيام لبنان والدول المستضعفة، فالأولى بهؤلاء المستضعفين أن يقولوا: "لا" في هذه اللحظة التاريخية التي قالت فيها دول أخرى "لا"، من أجل أن نمنع التمادي الاستكباري في مواجهة شعوبنا ومنطقتنا، مع ذلك أقول لكم: كنا نتمنى أن يصوِّت لبنان إلى جانب رفض العقوبات، لكن على الرغم من صورة عدم التصويت لمصلحة رفض العقوبات فإنَّ الواقع اللبناني أقوى بكثير من هذه الصورة التي رأيناها ، فلبنان بشعبه ومقاومته وجيشه ضد فرض العقوبات على إيران، وبالتالي الواقع القوي أفضل بكثير من الصورة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، نحن لا نرى أننا خسرنا بما حصل، بل نرى أن الذين لم يصوتوا هم الذين خسروا، أمَّا نحن فلا نحتاج إلى شهادة في الموقف المقاوم، ولا يحتاج الشرفاء إلى موقفٍ أصيل يعبِّرون من خلاله عن قناعتهم بمواجهة الاستكبار فهذا موجود بالتطبيق العملي، الواقع أقوى من الصورة ونحن نريد الواقع 3.