الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

عصر المقاومة بدأ و لن نعود إلى الوراء

الشهيد في موقع الحياة

حاول البعض أن يزهِدَنا بالشهيد والشهادة، وأن يعطي صورة ثقافية قاتمة لمسار الجهاد والشهادة، فنَعَتَ الشهادة بالموت، والاستسلام بالحياة، واعتبر أن عطاءات الدم لا يمكن أن تثمرَ أو أن تغيِّر المعادلة، فجاء الشهداء ليثبتوا بالعمل والعطاء بأنهم الحياة، وأنَّهم أعطونا الحياة، لأننا قبل الشهداء كنا متخاذلين مستسلمين، وبعد الشهداء رفعنا رؤوسنا عالياً أمام العالم، لا يقهرنا شرقٌ ولا غربٌ، بل نثبت في الأرض بكل قوة وعزة، ببركة دماء الشهداء، وحياة الشهداء وعزتهم.

قال أمير المؤمنين علي(ع) لتصحيح المسار:"فالموت في حياتكم مقهورين، والحياة في موتكم قاهرين"، هذه هي المعادلة، ليست المعادلة أن يكون الناس أجساداً تتحرك من دون روح، ولا أن نعيش عبيداً عند المستكبرين، وليست الحياة أن نكون تحت الوصاية الأجنبية في بلدنا، ولا أن نأكل ونشرب ثم نخضع لإملاءات إسرائيل، إنما الحياة أن نقف بوجه هؤلاء جميعاً لنقول لهم : الأرض لنا، والقدس لنا، والحياة لنا، والسيادة لنا، وسنطرد المحتلين ولو على دمائنا، عندها يزهر الدم أطفالاً وقوة تقهرهم وتصنع المستقبل، هكذا نفهم الشهداء والشهادة.

المقاومة هي الحل

يدور النقاش دائماً في لبنان وفي المنطقة حول المقاومة وأهميتها ودورها، وعجباً يُناقش هؤلاء، على قاعدة أن التجارب العملية عندما تعطي إثباتاً مادياً حسياً لا يعود هناك إمكانية للنقاش والتحليل، أثبتت المقاومة بالدليل العملي أنها حرَّرت الأرض، وأثبتت القرارات الدولية بأنها ثبتت الاحتلال، وأثبتت الدول الكبرى بأنها منحازة إلى إسرائيل ولا تريد إعادة فلسطين والقدس والأراضي المحتلة، وأثبتت الدول الغربية أنها لا تملك حس العدالة والإنسانية لأنها تقف إلى جانب المعتدي الظالم إسرائيل في مقابل الفتى والمرأة والشيخ الفلسطيني الذي يعذب ويضيق عليه ويقتل في كل يوم، هذه الأدلة موجودة أمامنا، هل نحتاج إلى تحليل كبير عن أطروحة القرار 425، الذي تحول إلى نكتة إسرائيلية عندما كانوا يسخرون من لبنان عندما يتحدثون عن القرار 425، يقولون: أين هو؟ نريد أن نفتش عليه، وأن نتعرف عليه! .

علَّمهم المقاومون بأن التحرير لا يرتبط بالقرار 425، ولا بمجلس الأمن، إنما يرتبط بسواعد المجاهدين وعطاءات المجاهدات، وأنهم يستطيعون تغيير المعادلة. هكذا خرجت إسرائيل من لبنان سنة 2000 غصباً عنها، بعد 22 سنة من الاحتلال، تجر أذيال الخيبة وراءها، ومعها أمريكا ومجلس الأمن، يجرون أذيال الخيبة، لأن إسرائيل طُردت من دون أي شك، واستعدنا أرضنا بشرفٍ وكرامةٍ، من دون أن ندفع ثمناً مقابلاً، لنثبت للعالم بأن المقاومة هي التي تحرر، وأن القرارات الدولية أداةٌ استكبارية لقتل شعوبنا، وهذا ما أثبته القرار 425.

حصل التحرير في 25 أيار سنة 2000، وبدأنا إعداد العدة ابتداءً من 26 أيار سنة 2000، كان بعض الناس يقولون: انتهينا من إسرائيل. كنا نقول لهم: إسرائيل ستحاول مرة ثانية وثالثة ورابعة، يجب أن نستعد، لم يشعر الكثيرون باستعدادتنا، لكننا كنا نعمل ليل نهار، ونحن نتوقع في يوم من الأيام أن تعتدي إسرائيل، وقد استطاعت المقاومة الإسلامية خلال 6 سنوات أن تبني منظومة قتالية مترابطة، وأن يكون لديها التفاف شعبي حامٍ لها، ما مكَّن حزب الله في عدوان تموز سنة 2006 أن يقهر إسرائيل، وأن يذلها، وأن يحقق نصراً عظيماً في لبنان، لم يرَ العرب والمسلمون والكثيرون في العالم مثل هذا النصر بهذه الخصوصية، على الأقل خلال مئات السنين الأخيرة، لتثبت المقاومة مجدداً، أنها بالتوكل على الله أولاً، وبالإرادة الحرة ثانياً، قادرة على أن تصنع عزَّها، وأن تدافع عن أرضها وشعبها، وهكذا انتصرت المقاومة، وانتصر لبنان، وانهزمت إسرائيل ومعها المهزومون في منطقتنا، ليُسجل تاريخ جديد سطرته المقاومة الإسلامية وإن شاء الله يكون المسار الذي يحكم كل الفترة القادمة بإذن الله تعالى.

اليوم انتقلت المقاومة من الحلم إلى المسار، ومن الأمنية إلى الواقع، ومن الفكرة إلى المشروع، لم تعد المقاومة أغنية على المنابر بل أصبحت مساراً في حياة الجميع من دون استثناء، لم تعد المقاومة تأثيراً في أروقة الجامعات أو المؤسسات أو المنتديات بل أصبحت حياة يعيشها كل واحد منَّا، وبالتالي هذا الزمن هو زمن المقاومة، وهو عصر المقاومة، وسجلوها عليَّ: عصر المقاومة بدأ ولن نعود إلى الوراء، ولا إمكانية لأي عصرٍ آخر في مواجهة عصر المقاومة، سيبقى هو الأساس وسيؤثر على كل مجريات منطقتنا، ولا يستطيع أحد أن يُقفل الباب على المقاومة ليعيدنا إلى الاستسلام، فنحن في زمن العز والانتصار، وهذا سيستمر بإذن الله تعالى.

قرأت بعض فقرات تقرير الأمين العام للأم المتحدة، وواضحٌ فيه بأن إسرائيل لا تستطيع إخفاء اعتداءاتها اليومية على لبنان، ولم يستطع هذا التقرير أن يشير بأي دليل على اختراق حزب الله للقرار 1701، وكل العالم يعرف بأن إسرائيل تخترق الأجواء اللبنانية حوالي 20 مرة في اليوم، ماذا فعل العالم وماذا فعل مجلس الأمن؟ لا شيء ، لأنه متواطئ مع إسرائيل، وإلاَّ كان يجب أن يشنوا حرباً دولية على إسرائيل، أو أن يضيِّقوا عليها، أو أن يمارسوا عقوبات اقتصادية وسياسية عليها، ولكن ما نراه هو العمل لتطبيع علاقات إسرائيل مع العرب، وإعطاء إسرائيل الإمكانات الأمريكية، ومحاولة الساسة الأوروبيين أن يتقربوا من إسرائيل علَّها ترضى عنهم ليكون لهم دور، هذا الموقف يؤدي إلى المزيد من التأزم في منطقتنا، وأقول لكم: إن الاعتداءات التي تحصل اليوم في غزّة على الشعب الفلسطيني، على الطعام والشراب والكهرباء والدواء، هي جريمة موصوفة في القرن الواحد والعشرين، ويتحمل مسؤوليتها المجتمع الدولي بأسره، لأنه لا يفعل شيئاً من أجل هؤلاء المستضعفين. إذاً أمام هذه الاعتداءات كيف نتصور حلاً للقضية الفلسطينية؟ الدول الغربية وأمريكا يعطِّلون الحلول في منطقتنا، ويساهمون في وجود إسرائيل، ويتبنون الإرهاب الإسرائيلي في مقابل الحق الفلسطيني والعربي، وهم يشجعونها على العدوان، وهذا ما يجعلنا أمام معادلة وحيدة هي معادلة المقاومة.

ليس لدينا خيار آخر غير المقاومة، والمقاومة هي رد فعل على الاحتلال والعدوان والظلم، وقد أثبتت جدواها، ولا إمكانية لأي خطوة أخرى نلجأ إليها، هذه المقاومة هي ضرورة لعدة أسباب:

أولاً: المقاومة تعطي قوة للبنان وتمنع إضعافه، وهنا كل أولئك الذين يتحدثون عن نزع السلاح يلطفون العبارة، لأنهم يخشون أن يقولوا: نريد إلغاء المقاومة! وإلاَّ ما المقاومة؟ فالمقاومة هي هذه القدرة العسكرية التي تواجه، هؤلاء الذين يريدون إلغاء المقاومة يريدون إضعاف لبنان لإعطاء إسرائيل مجالاً لتصنع ما تشاء، وبذلك يقدمون خدمة مجانية لإسرائيل.

ثانياً: هذه المقاومة تملك سلاحاً وقوة، وهذا السلاح وهذه القوة تتكامل مع الدولة اللبنانية، لأنَّ اتجاه سلاح المقاومة ضد إسرائيل، وهو جزء من وظيفة الدولة، ولا يأخذ مكانها على الإطلاق.

ثالثاً : هذه المقاومة مبنية على فكرة القوة والسيادة والتحرير، وهي ليست ردة فعل عشوائية، بل مشروع متكامل، وهنا أهميتها وفعاليتها.

رابعاً: عطَّلت المقاومة استخدام لبنان كساحة لإسرائيل، وإعاقت مشروع التوطين، ووضعت عقبات كبيرة أمام مشروع الشرق الأوسط الجديد بالمنظور الأمريكي الإسرائيلي.

خامساً:معادلة القوة صنعتها أيدي أبناء لبنان، وبالتالي كل المخططات الأجنبية ستنكشف عند مواجهة إرادة هذا الشعب الطيب الأبي.

مجتمع المقاومة

هنا لا بدَّ أن ندعو إلى إقامة مجتمع المقاومة، ونعني بمجتمع المقاومة عدة أمور:

أولاً: مجتمع المقاومة هو تكامل بين الناس، بحيث يعطي الجميع، فيمارس كل فردٍ من أفراد المجتمع حياته الطبيعية، في المدرسة أو الجامعة أو المعمل أو المتجر أو ما شابه، وإذا ما تطلبت المواجهة مشاركته فيها يشارك بمقدار ما تتطلب، ثم يعود بعد ذلك إلى عمله بشكل طبيعي، وهنا يصبح المجتمع بأسره مجتمع مقاومة، يقدم ما يُطلب منه، ويتابع حياته بشكل طبيعي، إذ ليس مجتمع المقاومة هو المجتمع الذي يوزع فيه السلاح عشوائياً على كل الناس، إنما مجتمع المقاومة هو الذي ينظم الطاقات والقدرات لتتكامل في عملية المواجهة عندما نحتاج إلى المواجهة. هذا المجتمع كان موجوداً بنموذج معين في عدوان تموز سنة 2006، لقد انتصرنا في لبنان ليس بالمقاومة فقط بل بمجتمع المقاومة أيضاً، لأن المقاومين كانوا يقاتلون بالسلاح، والمهجرين في الأماكن المختلفة يعبرون إعلامياً وسياسياً عن الصمود والصبر والتحمل، وقسم من أفراد الشعب اللبناني يحضن عوائل المقاومين والمهجرين، وقسم آخر مستعد للدفاع الخلفي، هنا تكاملت الصورة مع رأس الحربة التي نفذتها المقاومة، فربحت المقاومة في مواجهة إسرائيل وفي مجتمعها الداخلي، هذا هو مجتمع المقاومة الذي ندعو إليه.

ثانياً: نحن نرفض عسكرة المقاومة بجعلها محصورة في مجموعات ، ونطالب بمجتمع المقاومة لنضيق الخناق على المشروع الإسرائيلي من كل جانب، فهذا المشروع هو الذي يحصِّن لبنان.

ثالثاً: مجتمع المقاومة يحمي الدولة اللبنانية من الضغوطات الخارجية، ويقوي موقعها وموقفها.

رابعاً: مجتمع المقاومة يسد المنافذ الأمنية والسياسية والاقتصادية في وجه إسرائيل، لأنها من أي باب دخلت عسكرياً أو أمنياً أو سياسياً ستجد سداً منيعاً من الناس، وهذا ما يجعلنا نستطيع الوقوف والمواجهة.

نعم، نحن ندعو إلى مجتمع المقاومة، لأنه لا يوجد حل في لبنان في مواجهة إسرائيل إلاَّ بالمقاومة، لن نجرب مع الآخرين السياسة والدبلوماسية، وليجربوا كما يريدون، لكن لن نجرب قدرتنا وقوتنا لمصلحة فكرة أثبتت فشلها، نريد أن نحافظ على هذه القوة لننقلها إلى مواقع أفضل، ومن أجل أن نستفيد منها في أي واقع مستقبلي قادم.

الإستراتيجية الدفاعية

هنا نسمع بين الحين والآخر، بأن بعض الدول الأوروبية وأمريكا تدعو إلى حوار لبناني إسرائيلي من أجل التطبيع، مع العلم بأن ليس بين لبنان وإسرائيل أي مورد أو ضرورة للحوار، على إسرائيل أن تخرج من الغجر، وأن تخرج من مزارع شبعا إلى الحدود الدولية وليس إلى الخط الأزرق فقط، وتأكدوا لن تستطيع إسرائيل إن شاء الله أن تفرض شروطها، وعندما يتحدثون عن الخروج من الغجر فهذا بفضل وبركة المقاومة، ومن دون أي قيد أو شرط.

نحن مع الحوار في الإستراتيجية الدفاعية التي تتضمن الاستفادة من المقاومة للدفاع، ولسنا مع أي نقاش يقلل من قدرة الدفاع بعنوان الإستراتيجية الدفاعية، إذا كنا ندافع بطريقة معينة يجب أن نبحث عن تحسين شروط الدفاع، فهذه استراتيجية دفاعية، وليست استراتيجية نزع سلاح حزب الله، فلا أحد يحلم بذلك، والاستراتيجية الدفاعية تتطلب أن نعمل لها، وأن نكون حريصين على كل القوة التي نمتلكها. 1.

  • 1. مقال سماحة الشيخ نعيم قاسم في صحيفة السفير في 2009/8/14 نقلا عن موقع سماحة الشيخ نعيم قاسم حفظه الله.