حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
الفكر الاسلامي بين مرحلتيه الحديثة والمعاصرة.. اطروحات ومناقشات (1)
1ـ مفتتح
في العقدين الأخيرين من القرن العشرين، وفي إطار البحث عما عرف في الأدبيات العربية المعاصرة بإخفاق النهضة العربية، وفي سياق تتبع أزمنة تاريخ تطور الفكر العربي والإسلامي الحديث والمعاصر، وفي ظل الدهشة من ظهور وصعود الجماعات الجهادية والسلفية، في نطاق هذه السياقات الثلاثة متصلة ومنفصلة, تبلورت في المجال الفكري العربي أطروحات، وجدت أن هناك خطا متصلا وممتدا من التراجعات والإخفاقات المستمرة، بشكل يصلح أن يكون تفسيرا وتحليلا لهذه السياقات الفكرية والتاريخية، الممتدة من عصر النهضة في القرن التاسع عشر إلى نهاية القرن العشرين.
هذه الأطروحات أشار إليها، وتحدث عنها، واعتنى بها، وقام بضبطها وتركيبها كل بطريقته وخبرته، كتاب وباحثون ينتمون إلى بيئات اجتماعية متنوعة، عبروا عنها بصورة متفرقة، وتحددت عند كل واحد من هؤلاء، بزمان تاريخي يستقل به عن الآخر.
وأكثر من تحدث عن هذه الأطروحات في المجال العربي المعاصر، وأعطاها صفة البقاء والاستمرارية، وأعلن التمسك بها، هناك ثلاثة أسماء أكاديمية معروفة هي: الدكتور حسن حنفي في مصر، والدكتور رضوان السيد في لبنان، والدكتور عبد الإله بلقزيز في المغرب.
وقبل مناقشة هذه الأطروحات تفسيرا وتحليلا ونقدا، سوف نعرض لها وصفا وتوصيفا، وكيف تشكلت وتطورت وتحددت في رؤية ومنظورات هؤلاء الثلاثة، الذين عرفوا بها في المجال الفكري العربي المعاصر.
2ـ كبوة الإصلاح.. والإجهاض المستمر
أطلق الدكتور حسن حنفي على هذه الأطروحة تسمية (كبوة الإصلاح)، ولعل أقدم نص نشره حول هذه الأطروحة، هي مقالته (كبوة الإصلاح.. نموذج مصر)، المنشورة ضمن كتاب (الإصلاح والمجتمع المغربي في القرن التاسع عشر) الصادر سنة 1986م، عن منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية في الرباط.
وحسب هذه الأطروحة، يرى الدكتور حنفي أن كبوة الإصلاح جيلا وراء جيل، من الأفغاني إلى محمد عبده بسبب فشل الثورة العرابية، ومن محمد عبده إلى رشيد رضا بسبب نجاح الثورة الكمالية وإلغاء الخلافة العثمانية، ومن رشيد رضا إلى حسن البنا واغتياله سنة 1949م، والصدام بين الإخوان والثورة سنة 1954م، وتحول سيد قطب من (العدالة الاجتماعية في الإسلام)، و(معركة الإسلام والرأسمالية)، و(السلام العالمي والإسلام)، إلى (معالم في الطريق)، وانتهاء الحركة الإسلامية إلى الحركات الإسلامية المعاصرة مثل جماعة الجهاد وكتابات محمد عبد السلام فرج وعمر عبد الرحمن1
تعد هذه الأطروحة، واحدة من أكثر الأطروحات التي ظلت تتكرر وتتواتر في كتابات ومؤلفات الدكتور حنفي، وحتى في مقالاته القصيرة، فقد أشار إليها في كتابه (دراسات فلسفية) الصادر سنة 1987م، وفي كتابه (جمال الدين الأفغاني.. المائوية الأولى) الصادر سنة 1998م، وفي كتابه (حصار الزمن الحاضر.. مفكرون) الصادر سنة 2004م، ومن المؤكد أنه أشار إليها أيضا في مؤلفات أخرى.
وأشار إليها كذلك في مقالات وأوراق، منها مقالة (نحو تنوير عربي جديد.. محاولة للتأسيس)، المنشورة في مجلة عالم الفكر الكويتية سنة 2001م، وفي ورقة (المصادر الفكرية للعقلانية في الفكر العربي المعاصر)، قدمت لندوة: (حصيلة العقلانية والتنوير في الفكر العربي المعاصر)، نظمها مركز دراسات الوحدة العربية سنة 2006م، وفي ورقة (مدارس التجديد والإصلاح.. الرواد والأفكار)، قدمت لمؤتمر: (اتجاهات التجديد والإصلاح في الفكر الإسلامي الحديث)، نظمته مكتبة الإسكندرية سنة 2009م، وفي مقالته (الدولة المدنية ماذا تعني؟)، المنشورة في صحيفة الاتحاد الإماراتية سبتمبر 2012م.
وبحسب هذا التتابع الزمني، يكون قد مضى على هذه الأطروحة ما يزيد على ربع قرن، وهي فترة تكسب هذه الأطروحة تاريخا وذاكرة تاريخية، وبشكل يقتضي التعامل معها بمنطق تاريخ تطور الأفكار، المنطق الذي يدرس الأفكار من جهة علاقتها بالزمن، بقصد الكشف عن ما حصل فيها من تطورات وتحولات، غيرت أو بدلت في صورة هذه الأفكار، وفي بنيتها وطبيعتها.
ويبدو أن الدكتور حسن حنفي أراد من هذا التتابع الزمني، إعطاء هذه الأطروحة صفة الاطراد والاستمرارية، في دلالة على قناعته وتمسكه بها، كما أراد منه أن ينبه ويلفت النظر إلى هذه الأطروحة، وجعلها في دائرة التذكر المستمر، في دلالة منه على أهمية وقيمة هذه الأطروحة.
وأول ما يستوقف الانتباه في هذه الأطروحة، هو التسمية (كبوة الإصلاح)، التي بقت وحافظت على رسمها البياني، ونطقها اللساني، وتركيبها الثنائي، ولم تتبدل أو تتغير من هذه الجهة عند الدكتور حنفي طيلة هذه الفترة التي مرت عليها، ولعل الدكتور حنفي بات ينفرد بهذه التسمية، وأنه على ما يبدو أكثر من استعملها وتحدث عنها، في كتاباته وأحاديثه ومؤلفاته خلال ما يزيد على ربع قرن.
وهذا يعني أن الدكتور حنفي كان مدركا لهذه التسمية، وبقي واعيا بها، ومختارا لها، ومتعمدا الثبات عليها، لكي تعرف، وتعرف باسمه، وتكون دالة على المدلول الذي يريد قوله في هذا الشأن، وحتى يرتقي بها إلى درجة المصطلح والمفهوم، فالتسميات التي يجري التعامل معها بهذه الطريقة من الثبات والاطراد والتراكم، هي التي تمهد الطريق لإعطائها صفة وصك المصطلح والمفهوم.
وفي تحديده لمعنى كبوة الإصلاح، يقول الدكتور حنفي: كبوة الإصلاح تعني (أن نهضتنا الحديثة التي بدأت منذ أوائل القرن الماضي - التاسع عشر- باصطلاح المؤرخين، إنما بدأت في جيلين، وانتهت على يد جيلين، فإذا ما أتى الجيل الخامس فإنه يجده نفسه في أزمة، هل يعاود الإصلاح من جديد؟ هل يبدأ بداية جديدة؟ وما هي هذه البداية؟ وكأن نبوءة ابن خلدون قد تحققت في تاريخنا المعاصر، وهي أن الدورة التاريخية تمتد أربعة أجيال)(2.
وحين توقف أمام كلمة كبوة، بصفتها الكلمة المفتاحية لهذه التسمية، اعتبر الدكتور حنفي أنها تعني (أن الحركة عمرها قصير، انتهت بمجرد أن بدأت، سقطت بمجرد أن قامت، وكأن الصاروخ لم يستطع أن يخترق حجب الفضاء وعاد إلى الأرض بمجرد الانطلاق، وانتهاء قوة الدفع الأولى. ومن ثم كان مسار النهضة قوسا أو نصف دائرة من أسفل إلى أعلى، ثم من أعلى إلى أسفل، وليس خطا مستقيما تتراكم فيه الخبرات بعد جيل، وكأن الدورة لدينا لا بد وأن تبدأ من الصفر من جديد، دون أن ترث الأجيال من بعضها البعض خبراتها، حتى يحدث تراكم تاريخي، كي يحدث في نهضتنا تغيرا كيفيا مماثلا في القدر)3.
وعلى هذا الأساس، يرى حنفي أن كبوة الإصلاح تعني (أن هناك إجهاضا مستمرا لكل تجربة تمر بها مجتمعاتنا، حتى تبدأ من الصفر من جديد)3.
وعن طريقة إدراك هذه الظاهرة، يقول حنفي إن ظاهرة الكبوة (لا يمكن إدراكها إلا برؤية الحاضر في الماضي، وبنظرة تراجعية تكشف عن بداية المسار وتطوره، بل أنها لا تكشف إلا ابتداء من أزمات العصر، وأزمة الجيل الخامس، جيلنا، ومع ذلك فهي تخرج من نطاق التقييم الذاتي إلى الوصف الموضوعي، ومن الحكم الفردي إلى الاتفاق الجماعي)3.
ومن جهة المنهج في دراسة هذه الظاهرة، يرى حنفي (أنه يعتمد على منهج دقيق في العلوم الإنسانية، وهو منهج تحليل الخبرات الفردية والاجتماعية من أجل إعادة بناء الموقف التاريخي، بعد تكشف أبعاده في الموقف الحالي، ومن ثم تتم رؤية الماضي في الحاضر، والحاضر من خلال الماضي، وهو المنهج الذي طالما استعملناه لدراسة التجارب الحية المعاصرة لكشف دلالاتها المستقلة)3.
ويعني حنفي بهذا المنهج، المنهج الظاهراتي الذي سبق وأن عرض له نظريا وتطبيقيا، في مؤلفات له، منها كتاب (تأويل الظاهريات)، وكتاب (ظاهريات التأويل).
هذه لعلها هي أبرز ملامح وعناصر أطروحة الدكتور حسن خنفي، في ما أسماه كبوة الإصلاح، التي أدت وتؤدي إلى الإجهاض المستمر4.
- 1. حسن حنفي، جمال الدين الأفغاني.. المائوية الأولى، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1999م، ص10.
- 2. حسن حنفي، مدارس التجديد والإصلاح.. الرواد والأفكار، ورقة مقدمة لمؤتمر: اتجاهات التجديد والإصلاح في الفكر الإسلامي الحديث، الإسكندرية: مكتبة الإسكندرية، 19-21 يناير 2009م، ص1.
- 3. a. b. c. d. حسن حنفي، المصدر نفسه، ص2.
- 4. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة الكلمة، مجلة فصلية، العدد 83.