مجموع الأصوات: 76
نشر قبل 8 سنوات
القراءات: 8070

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

المبدا الاساسي في فهم دور المراة في المجتمع

إنّ الوظيفة العامة للاُنثى المساوية للذكر، والوظيفة الخاصة لها حسب تكوينها الجسدي والنفسي وحسب مهامها الخاصة، هو الأساس والصورة الواضحة للمرأة ودورها في المجتمع، وعلى ضوئه تفهم النصوص الواردة في السنّة الشريفة ; لأنّ ما ورد في السنّة الشريفة يكون مكمِّلاً للرؤية القرآنية، مبيّناً وشارحاً ومفصّلاً لها، وعلى هذا فإذا ورد حديث (وإن كان معتبراً) إلاّ أنّه كان معارضاً ومصادماً لهذه الرؤية القرآنية، فيجب عدم الأخذ به ; لأنّ الحديث الحجّة يجب أن لا يكون معارضاً ومصادماً للقرآن.

نظرة الاسلام للمرأة والتدين

وإذا كانت المرأة مساوية للرجل في الإنسانية، فهي مدعوّة كالرجل إلى التديّن والالتزام بالشريعة، فتطهر روحياً من كلّ الأرجاس التي تلحق بالإنسان نتيجة عدم التزامه بالدين والطهارة الروحيّة.
فالقرآن الكريم قد أعطى للمرأة كامل الاستقلال والحريّة في شؤونها والتزاماتها الدينية، ولم يتحدّث عنها بصفتها تابعة لأحد (زوجاً أو غيره) في اُمور الدين والعبادة.
فقبل الزواج تكون المرأة في بيت أبيها وأُمّها، وبعد الزواج تكون المرأة في بيت زوجها، وهذان البيتان عبارة عن الجوّ العائلي الذي تنتمي إليه المرأة وتعيش فيه، وقد يؤثّر وينعكس على دين المرأة، لذا قال النبي (صلى الله عليه وآله): "تزوّجوا في الشكاك ولا تزوجوهم ; لأنّ المرأة تأخذ من أدب الرجل ويقهرها على دينه"1.
إلاّ أنّ القرآن أراد من المرأة الإنسانة أن تكون مستقلّة عن كلّ أحد في عقائدها، ولم يقبل منها أيّ نوع من أنواع التبعيّة للغير في أمر التديّن والطهارة الروحية والعقيدة، وهذا ما نراه في قضية آسية بنت مزاحم زوجة فرعون حيث قال تعالى: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ 2.
فآسية بنت مزاحم كانت على دين زوجها فرعون، ولكن عندما شاهدت البيّنات في معجزة نبي الله موسى (عليه السلام) أمام السحرة آمنت به، ومع اطلاع فرعون على الأمر نهاها مراراً، لكنّها أبت إلاّ التمسّك بالدين الإلهي وعارضت الملك والسلطة رغم التهديد بالقتل، بل ووقوع القتل عليها كما تحدّثنا الروايات من أنّ فرعون وتّد لها أربعة أوتاد وأضجعها على ظهرها وجعل على صدرها رحى واستقبل بها عين الشمس 3.
فآسية بنت مزاحم قد حافظت على طهارتها الروحيّة، وتحدّت ضغوط الزوج والسلطة والاغراءات التي كان يتباهى بها فرعون، بل استصغرت تباهي فرعون حيث كان يقول: ﴿ ... أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ 4، ولكن آسية جابهت كلّ هذا بإصرارها على قبول الحقّ والبرهان وكانت تقول: ﴿ ... رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ ... 2.
فهذا المثال للمرأة المتديّنة يدلّ على أنّ المرأة التي هي شريكة الرجل في الإنسانية يمكنها أن تصل إلى هذه المرتبة العالية من الطهارة الروحية والتديّن الفعلي، فتقاوم أشدّ الضغوط عليها في البيت الزوجي، وقد وردت الروايات الدالّة على مكافأة الله سبحانه لها بعدّة اُمور 5.
وكما أنّ آسية بنت مزاحم قد تحدّت الضغط العائلي في عقيدتها ودينها، فإنّ مريم بنت عمران قد تحدّت الضغط الاجتماعي الذي يجرف معه النساء ويحرفهن عن عقيدتهن وتديّنهن بالدين الحقّ، إلاّ أنّ هذا الضغط الاجتماعي في مخالفة الشريعة لا يكون عذراً للمرأة، فالدين يُطالب المرأة أن تقاوم كلّ المؤثّرات الاجتماعية السلبية وتحافظ على دينها مهما كلّفها ذلك من ثمن.
فقد كانت البيئة الاجتماعية التي تعيش فيها مريم لا تعتني بالقيم الدينية، ولا تعتني بالرموز المتصدية لتجسيم تلك القيم كالأنبياء والأوصياء، حيث كان قتل الأنبياء من أهون الأُمور لديهم، فقد كانوا يقتلون في اليوم والليلة سبعين نبياً من أنبيائهم، ثمّ يجلسون في أسواقهم يبيعون ويشترون وكأن لم يصدر منهم أيّ ذنب وجريمة، وقد حدث ذلك أيضاً مع الأنبياء المعاصرين لمريم (عليها السلام) كزكريا ويحيى وعيسى6.
وقد كانت تلك البيئة متهتّكة تنتشر فيها الفاحشة والأوبئة الأخلاقية، حيث مدح الله مريم بأنّها أحصنت فرجها فقال ﴿ ... الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا ... 7، ومدح الله يحيى بانه ﴿ ... وَسَيِّدًا وَحَصُورًا ... 8.
ومع ذلك فقد ضرب الله لنا مثالاً للمحافظة على العفّة والطهارة والتديّن، فمن النساء مريم، ومن الرجال يحيى، وهذا يدلّ على أنّ الرؤية القرآنية للمرأة المحافظة على الدين والعبادة حيث ضرب لها كفيلها زكريا من دون الناس حجاباً عندما أدركت وبلغت، فكانت تعبد الله تعالى ولا يدخل عليها إلاّ زكريا.
فمريم رغم البيئة غير المتديّنة  ﴿ ... وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ 7، وقال عنها الله تعالى: ﴿ يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴾ 9.

نظرة الإسلام للمرأة وسموها العقلي ( العلم )

وهكذا نظر القرآن الكريم إلى المرأة على أنّها مستقلّة في مجال الفكر والمعرفة، فأعطاها استقلالها في المعرفة، ونظر إليها على أنّها صاحبة رأي وحكمة.
وهذا يمكن معرفته من تجربة بلقيس بنت شرحبيل (ملكة اليمن)، التي عرض القرآن لنا تجربتها على أنّها تجربة إنسانية قابلة لأن تكون مورداً للتأسي والاقتداء، وقد نظر القرآن لها بعين الرضى والقبول حيث لم يقابلها بالنقد والتجريح.
فقد كانت حكمة بلقيس قد تجلّت في استشارتها لمجلسها الذي شكّلته من عدد أفراد القبائل التي كانت ساكنة باليمن، وفي خضوعها للحقّ من دون مكابرة عندما بيّن لها أن الذي يدعوها للدخول في الدين الجديد هو نبي من أنبياء الله تعالى، فقد قال تعالى على لسان بلقيس: ﴿ قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ ﴾ 10، فهي الملكة والأمر أمرها ولكن لم تتخذ قراراً إلاّ بعد التشاور.
وقد كان قرار المجلس يميل إلى الحرب إذ قالوا لها:﴿ ... نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ ... 11، ولكنّها كانت تعلم ﴿ ... إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا ... 12فاختارت أن تعرف نوايا صاحب الرسالة (سليمان) هل هو من الملوك الظلمة، فإنّه سيفرح بهدية تهديها له هذه الملكة ويكفّ عنها، وإن لم يكفّ فهم قادرون على مقابلته، وإن كان هو من الأنبياء فسوف يردّ الهدية، ولا يرضى إلاّ بدخولهم في طاعته، والنبي لا طاقة للملكة في مقابلته، ولذا صمّمت على إرسال الهدية له ﴿ وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ﴾ 13.
ولكن عندما علمت أنّه لم يقبل الهدية حيث كان الجواب: ﴿ ... فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ * ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ 14 وهنا علمت بلقيس إنّ هذا الذي يدعوها للدخول في طاعته وقبول رسالته هو نبيّ من أنبياء الله، وهي وقومها لاطاقة لهم في مقابلة النبيّ، فصمّمت على الارتحال إلى سليمان وقالت: ﴿ ... إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ 15فاعترفت بالخطأ الذي كانت عليه وأقرّت بالإيمان بكلّ شجاعة.
فالقرآن حينما يسجّل لنا هذه التجربة الإنسانية، يريد أن يوضّح لنا موقفه من المرأة التي كانت حكيمة وعالمة، وحيث لم يقابل هذه التجربة بالنقد والتجريح نفهم أن القرآن الكريم يُجيز للمرأة أن تكون قائدة لاُمّة إذا كانت عالمة وقادرة على قيادة هذه الاُمة بالتدبّر والتفكّر والحكمة والعلم.
إلى هنا تبيّن لنا أنّ المرأة تتمكّن أن تواجه الضغط العائلي كما واجهته آسية زوجة فرعون في صمودها على إيمانها وعبادتها، وتتمكّن أن تواجه الضغط الاجتماعي كذلك كما واجهته مريم بنت عمران وآمنت بالله وعبدته رغم انحراف مجتمعها عن الحقّ والعدل، وتتمكّن أن تكون صاحبة عقل وفكر وحكمة وعلم كما في بلقيس.
فالمرأة إذن يمكن أن تكون مثالاً للالتزام والتديّن بما تعتقد به، ومثالاً للحكمة والعلم والسموّ العقلي، فهي متكاملة وليست ناقصةً متدنيةً عن الرجال كما يريد أن يصوّرها لنا الآخرون.
قد يقال: إنّ ما ذكره القرآن في قصة آسية زوجة فرعون ومريم بنت عمران وبلقيس، لا يمكن أن يكون هو القاعدة وهو الفطرة في صنف النساء، بل هذه النساء استثنيت من النساء نتيجة الاصطفاء الإلهي، فلايمكن أن يقاس عليها غيرها من النساء.
الجواب: إنّ هذه النساء التي تقدّم الكلام عنها، وكذا بقية النساء التي لها الأثر في تاريخ مسيرة النبوّة الخاتمة نبوّة نبينا محمّد (صلى الله عليه وآله) كخديجة وفاطمة وغيرهما من النساء البارزات والمميّزات، لم يرد النصّ بالاصطفاء في أيّهم سوى السيّدة مريم (أم عيسى).
واصطفاء السيّدة مريم لم يكن بمعنى تمييزها عن سائر النساء بمواهب وكفاءات تماثل فيها الرجال، وتفوق بها النساء، بل الاصطفاء هنا بمعنى آخر، إذ قالت الآية الكريمة: ﴿ وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ﴾ 16.
وقد ذكر المفسّرون أنّ المراد من الاصطفاء الأوّل في الآية: هو تفريغها للعبادة والخدمة في الهيكل، بعد استثنائها من الحظر المفروض على النساء في هذا الشأن، وذلك استجابة لنذر أُمّها بتحرير حملها للعبادة المحكي في قوله تعالى: ﴿ ... رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي ... 17.
والاصطفاء الثاني: هو اختيارها لولادة عيسى (عليه السلام) الإعجازية.
فالاصطفاء الأوّل: هو استجابة لدعاء وعوناً على التقوى لإعدادها لموضوع الاصطفاء الثاني، وهو الحمل الإعجازي.
إذن السيّدة مريم لا تتميّز عن سائر النساء في سائر حالاتها وشؤونها الإنسانية، فالمرأة بحسب إنسانيّتها وخلقتها الأصليّة قابلة لتولّي المهام في الحياة العامة كالرجل، فهي كاملة وليست ناقصة ومتدنية عن الرجال في الأعمال العامة إذا سنحت لها الفرصة والتربية والتمرين على ذلك.
نعم، هناك اصطفاء عام للرجال والنساء ذكره القرآن في موارد ثلاثة:
1 ـ قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ 18.
2 ـ قال تعالى: ﴿ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَىٰ ... 19.
3 ـ قال تعالى: ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ﴾ 20.
وهذه الآية الثالثة تصرّح بأنّ الاصطفاء لا يعني حتميّة التمييز ; لأنّ في هؤلاء المصطفين من لم يعمل بالكتاب وانحرف عن نهج الله.
إذن سيكون معنى الاصطفاء هو الاختيار للمهمة والمعونة عليها، ولكنّ الأمر في انجاز المهمة متروك لإرادة الإنسان واختياره، فلايكون الاصطفاء بمعنى التغيير في حالات النساء والشؤون الإنسانية.
ملاحظة: إنّ الهدف من القصص في القرآن هو التعليم بذكر القدوة العملية في مجال الخير، وذكر أمثلة الانحراف والشرّ للتحذير منها. اذن هي أمثلة للعمل والاتباع، وليست لمجرّد المعرفة البشرية أو لتوثيق التاريخ أو للتسلية.
اذن يمكن القول: إنّ القصص القرآني يكشف عن مباديء ثابتة في الشريعة الإسلامية، يمكن للفقيه أن يأخذها في اعتباره عند البحث عن الحكم الشرعي أو الاستدلال عليه في مقام الاجتهاد والاستنباط.
وعليه ستكون نظرة القرآن للمرأة هي المرجع في فهم النصوص التشريعية وتفسيرها، فلاحظ 21.